مجلس المنافسة.. سنوات من الشلل والانتظار؟

انجاز: عبد الحق ديلالي

باستكمال المغرب مسلسل تحرير سوق السلع والخدمات وعدم تدخل الدولة في تحديد أسعارها، باستثناء، غاز البوطان والدقيق المدعم ومادة السكر التي يبدو انها في طريقها إلى التحرير، تكون السوق الوطنية قد خلت من ضابط لإيقاعها ومنظم لمعاملاتها سواء المتعلقة بأسعار البيع والشراء، أو التي تهم شروط المنافسة الشريفة فيما بين الشركات والمنتجين.
وبرفع الدولة يدها عن مسألة تحديد الأسعار،  يكون المستهلك المغربي قد وضع في مواجهة مباشرة مع المنتجين والوسطاءالذين  يبيعونه سلعا ويقدمون له خدمات بأسعار يفترض فيها، حسب الخيارالاقتصادي اللبرالي، أن تتحدد وفق آلية السوق والموازنة بين العرض والطلب، وعامل المنافسة الحرة بين المنتجين..Sans titre-23
غير أن تصرفات المنتجين وممارساتهم التي تعطل مبدأ المنافسة بينهم حتى لا تنعكس على الأسعار في اتجاه الانخفاض، أو سيطرة الشركات الكبيرة على الأسواق بشتى الوسائل والحيل، مما يجعلها تستفيد من وضعية الاحتكار وبالتالي فرض السعر الذي تريد، جعل الدول تنشئ هيئة مستقلة تكون بمثابة ضابط للسوق ورادع لكل من يخل بقوانينها.
ولم يخرج المغرب  عن هذا النطاق و ذلك بتبنيه لقانون 99-06  الصادر بتاريخ 17 دجنبر 2000 ، يعنى بتنظيم علاقات المقاولات داخل السوق، مانعا بذلك الممارسات التي من شأنها الحد من حرية المنافسة، و بالأخص المنافسة غير المشروعة، و فارضا المراقبة على بعض التصرفات و السلوكيات التي يمكن أن تشهدها السوق، ومضيفا إلى الأجهزة التقليدية الناشطة في هذا المجال جهازا جديدا يطلق عليه اسم مجلس المنافسة.
فالمغرب الذي اختار مبدأ اللبرالية في مجال الإقتصاد قنن حرية التجارة والأسعار بقانون. هذا الإختيار يتأسس على  القناعة بأن لمبدإحرية التجارة والاقتصاد الحر  فعالية ونجاعة في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي، حيث أن المنافسة الحرة تدفع مبدئيا التجار إلى تطوير وتحسين منتجاتهم وعرضها بالأسعار المناسبة، ومن ثم تسمح لقانون العرض والطلب بلعب دوره الذي يخلق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك. لكن المشرع فطن في ذات الوقت إلى أن المنتجين والتجار يلجئون في كثير من الأحيان إلى أساليب وممارسات غير مشروعة بهدف تعطيل آليات المنافسة أو منعها أو عرقلتها ضربا بعرض الحائط نمو الإقتصاد والمصلحة العامة ومصلحة المستهلكين بشكل خاص. ووفقا لمقتضيات هذا القانون يتدخل المجلس من أجل تنظيم الأسعار في الحالة التي تنعدم فيها شروط المنافسة أو يتعرض فيها قطاع لظروف إستثنائية أو في حالة التحديد التوافقي للأسعار.
وقد تضمنت المواد من 14 إلى 46 من قانون حرية الأسعار والمنافسة كيفية تنظيم هذا المجلس ومسطرة عمله والاختصاصات المسندة إليه في مجال تحديد الأحكام المطبقة لحماية المنافسة قصد تنشيط الفاعلية الاقتصادية.
ومن صلاحياته تشجيع المقاولات على وضع آليات عملية للتنظيم الذاتي بهدف تفادي المخالفات المنافية لروح المنافسة واجتناب خرق القوانينالتي تنظم أنشطتهم وتكوين الموارد البشرية في مجال المنافسة الحرة، وتحسيس المقاولةعلى احترام قيم المواطنة، وإصدار توصيات اللجوء إلى الزجر ضد الممارسات المنافيةلقواعد المنافسة.
وقد ضم  المجلس، عند إنشائه،  12 عضوا، ستةيمثلون الإدارة، وثلاثة خبراء في مجال القانون والاقتصاد والمنافسة والاستهلاك، وثلاثة يمثلون الجمعيات والغرف المهنية، إلى جانب ثلاث لجان قطاعية تهم “الموادالاستهلاكية الأساسية ” و”المنتوجات الاقتصادية” و”الخدمات المالية.
لكن المجلس، ولعدة سنوات بعد إنشائه، ظل، أو أرغم على المكوث  في قاعة الانتظار  يترقب مراسيم تفعيله وهيكلته بما يجعل منه هيئة قادرة على القيام بدورها.

بداية… ولكن

بعد ثماني سنوات على إحداثه، تم  تنصيب مجلس المنافسة في شهر يناير 2009، وهيكلته وفقا لقانون (99-06) الذي دخل حيز التنفيذ في 2001، قام المجلس بدراسة عدد من الملفات والقضايا التي أحيلت عليه, بالإضافة  الى  إصداره آراء استشارية تعلقت بعدد من القضايا، وبعمليات للتركيز الاقتصادي, تتعلق ببعض المواد الغذائية المصنعة، بالإضافة إلى دراسات حول الوضع التنافسي لعدد من القطاعات,بغية التعرف على بنيات الأسواق الأساسية داخل الاقتصاد الوطني.
هذه الحصيلة لعمل المجلستبرز مدى نوعية العمل الذي تحدده الصلاحيات المخولة له، وهي صلاحيات لا تعدو أن تكون استشارية وليست تقريرية. فأنشطة المجلس كانت تشمل، حسب رئيسه عبد العالي بنعمور، التحسيس بثقافة المنافسة عبر ندوات ومحاضرات للتعريف بالتجاوزات, والقيام بدراسات قطاعية، والقيام بالإجابات عن الإحالات وطلبات الرأي التي تطلبها الحكومة واللجان البرلمانية وجمعيات الدفاع عن المستهلك ذات المنفعة العامة والقضاء, والجهات, والمنظمات والغرف المهنية, والنقابات.

مؤشرات لا تروق للبعض

في تقراريره السنوية منذ تنصيبه وهيكلته وفق قانونه الداخلي الأولي لوح المجلس بإشارات لما يمكن أن يقوم به في مجال ضبط الممارسات المنافية للمنافسة وقانون الأسعار.
من بين هذه الإشارات نذكر، على سبيل المثال، ما تضمنه تقريره السنوي برسم سنة 2013، وهو آخر تقرير له، عندما اعتبر أن السنة المذكورة شهدت انخفاضا في كلفة إنتاج الحليب، وأن الارتفاع هم مسحوق الحليب الذي يستعمل  في صنع مشتقات هذا الأخير، وهو ما يشير إلى احتمال فرض الزيادة في سعر الحليب، باعتباره مادة أساسية   لتعويض خسائر محتملة في بيع باقي مشتقاته.
المجلس أكد، في رأيه المنشور ضمن تقريره السنوي، احتمال وجود اتفاق بين الشركات المنتجة للحليب للقيام بتلك الزيادة، وبالتالي، ارتكابها لممارسة منافية لقانون المنافسة. كما خلص التقرير، الذي كشف عنه المجلس بعد سنة من دخول الزيادة في سعر الحليب حيز التطبيق، عن وجود مؤشرات حول اتفاق بين الشركات على الزيادة، ومن هذه المؤشرات السرعة التي طبعت تنفيذ السعر الجديد من قبل ثلاثة فاعلين أساسيين في السوق ذكرهم المجلس بأسمائهم التجارية. أما المؤشر الثاني فقد كان هو الموقف الموحد لتلك الشركات من حيث المبررات، وهو ادعاء وجود ارتفاع الكلفة على مستوى الفلاح والمصنع. كما ذكر التقرير مؤشرين آخرين على حصول اتفاق بين الشركات الثلاثة حول رفع السعر .
لكن، وبمجرد ما شرع المجلس في تفعيل صلاحياته أحس بمحدودية دوره بالنظر إلى الطبيعة الاستشارية التي حددت له خاصة وأن ما يمارس في السوق من مظاهر تضرب بمبدإ التنافسية عرض الحائط لا تعد ولا تحصى.
وعلى الرغم من تصريح الكاتب العام للمجلس في صيغته الأولى، محمد المرغدي، الذي أشار فيه إلى أن مجلس المنافسة, يتجه نحو ممارسة اختصاصاته وتطوير صلاحياته, فإن عدم توفره على الصبغة التقريرية جعلته فاقدا للفعالية ولشروط لعب دوره كحارس للسوق وضابط لإيقاع اللبرالية والحرية في تحديد الأسعارمن قبل المنتجين الذين لا يهمهم إلا تحقيق الربح الوافر والسريع مهما كان ذلك على حساب القدرات الشرائية لفئات المواطنين.
هكذا دعا عبد العالي بنعمور رئيس مجلس المنافسة إلى الانتقال من الدور الاستشاري للمجلس إلى الدور التقريري، وذلك من خلال إدخال تعديل على القانون المؤسس للمجلس.
واعتبر بنعمور أن توسيع سلطات المجلس وتمكينه من دور تقريري على شاكلة مجالس المنافسة بعدد من البلدان، ستمكنه من ضمان منافسة شريفة وحرة  من شأنها تحسين مناخ الأعمال، وبالتالي، المساهمة في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما سيسمح له بالالتحاق بالركب الدولي ، خاصة وأن هناك التزامات دولية للمغرب خصوصا مع الاتحاد الأوروبي.وأشار بنعمور في جميع لقاءاته وخرجاته الإعلامية،إلى أن التجربة العالمية أثبتت أنه بإمكان مجالس المنافسة أن تصبح هيئات تنفيذية مستقلة في إنجاز تقييمها واتخاذ القرار كما يحدث في عدد كبير من البلدان.

صلاحيات تقريرية…
مع وقف التنفيذ

بعد مصادقة البرلمان على القانون الجديد للمجلس في يونيو 2014 ظهرت بوادر خلاف آخر بين هذا الأخير والحكومة. وتتمثل في رفض  عبد العالي بنعمور لتواجد ممثل للحكومة في تشكيلة المجلس، معتبرا أن الاستقلالية الحقيقية لأشغال المجلس هي أن يكون الرئيس والأعضاء فقط، دون أن يُضاف إليهم ممثل الحكومة حتى لو كان يحمل صفة ملاحظ.
واعتبربنعمور أن القانون المنظم للمجلسلم يحمل كل ما كان يتمناه، إلا أنه في الوقت ذاته أشاد بما تم تحقيقه من انتظارات، وخاصة تضمينه “التوازن بين ضرورة الحفاظ على حرية السوق والمنافسة وضرورة تقنين السوق”. وأكد بنعمور استعداد المجلس عقد شراكات مع جهات أخرى مؤكدا في السياق ذاته، أن المجلس لوحده لا يمكنه كشف العديد من الاختلالات والتجاوزات التي تقع في بعض الصفقات.
 القانون الجديد المتعلق بمجلس المنافسة، نص على أن هذا الأخير يعتبر طبقا للفصل 166 من الدستور “هيئة مستقلة مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية”، خاصة من خلال تحليل وضبط المنافسة في الأسواق ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار.
وتمتع مجلس المنافسة، وفق هذا القانون الذي يتضمن 28 مادة، بـ “سلطة تقريرية في ميدان محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادي كما هي معرفة في القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة”.
أما بخصوص الهيكلة فيتألف، وفق المادة التاسعة، من رئيس وأربعة نواب للرئيس وثمانية أعضاء مستشارين، عضوين من القضاة، نائبين للرئيس وأربعة أعضاء يختارون بالنظر إلى كفاءتهم في الميدان الاقتصادي أو المنافسة أحدهم نائبا للرئيس وعضوين يختاران بالنظر إلى كفاءتهما في المجال القانوني أحدهما نائبا للرئيس ثلاثة أعضاء يزاولون أو سبق لهم أن زاولوا نشاطهم في قطاعات الانتاج او التوزيع او الخدمات، عضو واحد يختار بالنظر إلى كفاءته في ميدان حماية المستهلك.
ومن جديد تمر شهور عديدة دون أن يفعل دور المجلسوفق الصلاحيات الجديدة التي خولت له. ومازال عبد العالي بنعمور يطالب باستكمال هيكلة المجلس للخروج من وضعية الشلل التي يوجد فيها، خاصة بعد أن منحت له صلاحيات تقريرية بموجب قانون جديد. ويدعو بنعمور إلى الإسراع بتعيين رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، لأعضاء المجلس، الذين انتهت صلاحيتهم في أكتوبر 2014، حتى يتمكن من أداء مهامه.
ويبدو أن هناك جهات لايروقها تفعيل دور المجلس  وصلاحياته الرقابية على مستوى آلية المنافسة  في السوق.

منافسة لهيئات المنافسة

توفر مجلس المنافسة على السلطة التقريرية يصطدم بعراقيل متعددة. من بين هذه العراقيل كون الصلاحية ذاتها تتوفر عليها  جهات ومديريات تابعة لعدد من الوزارات، ولا سيما مديرية الاسعار والمنافسة التابعة لوزارة الشؤون العامة والحكامة، التي تبقى هي المعنية بالبحث في قضايا المنافسة. وحسب مسؤول قسم أبحاث المنافسة بهذه المديرية, التي توجد تحت السلطة المباشرة لرئيس الحكومة، فالمديرية “تتولى إعداد مشاريع القوانين والنصوص التنظيمية في ميادين المنافسة والشفافية في العلاقات التجارية بين المهنيين, بالإضافة إلى السهر على حماية المصالح الاقتصادية للمستهلكين”. كما تقوم أيضا، حسب ذات المسؤول، “بتنسيق مع الإدارات والمصالح المختصة, لوضع سياسة الأسعار ومشاريع القوانين والنصوص التنظيمية المتعلقة بالأسعار والمخزون الاحتياطي والسهر على تطبيقها”.
ويظهر أن هناك إشكالية لدى الحكومة تتعلق بنقل صلاحيات تتوفر عليها هيئات تابعة للجهاز التنفيذي إلى مؤسسة مستقلة. هذا ما جعل بنعمور يتساءل في إحدى تصريحاته عن “مبرر خوف البعض من تخويل مجلس المنافسة صلاحيات تقريرية من أجل محاربة اقتصاد الريع”.
يعتبر عبد العالي بنعمور أنه “منذ أن دخلت الدولة مسلسل التحرير وعدم التدخل المباشر في الميدان الاقتصادي ظلت مهمة الضبط والمراقبة للسوق من احتكار الإدارة لتكون الخصم والحكم في كثير من الحالات”. كما أن التحول من حالة الاحتكار في بعض القطاعات إلى حالات المنافسة الحرة، أو في حالة الاعتبار الخاص لخصوصية بعض القطاعات المحتمل تحريرها، “فرض إنشاء هيئات قطاعية مستقلة للتقنين والضبط، الأمر الذي خلق أشكالا جديدة من الضبط أكثر تشددا في بعض الحالات، كما هو الشأن في قطاعات الاتصالات والطاقة والنقل وغيرها”. هذا الوضع شكل، حسب بنعمور، مفارقة  في وقت أن ما هو سائد حاليا عبر العالم هو الاتجاه نحو التحرير وإلغاء الضبط مع ضمان منافسة شريفة وحرة.
‏Share ويبدو أن هجوم عبد العالي بنعمور على هيئات التقنين بعدد من القطاعات كالاتصالات والنقل… وغيرهما، جر عليه غضب مسؤولي هذه الهيئات، بل إن وزير الشؤون العامة والحكامة، محمد الوفا، هاجم، في خضم النقاش البرلماني المتعلق بتوسيع صلاحيات المجلس، استقلالية هذا الأخير، معتبرا أن استقلالية هذه المؤسسة لا يمكن أن تكون على حساباختيارات الحكومة في المجالات الاقتصادية.
محمد الوفا دافع عن هذا الرأي، أثناء تقديمه في 2014 لمشروع القانون المنظم لعمل مجلس المنافسة بلجنة المالية بمجلس المستشارين، قائلا إن مجلس المنافسة لا يجب أن يوقف عمل الحكومة، لأنها المتخصصة بوضع الخيارات الاقتصادية للبلاد. قبل أن يستدرك بقوله “أن الحكومة حريصة على استقلالية مجلس المنافسة، وهي مضمونة بالقانون الذي جاءت به الحكومة نفسها” مع أنه ربط استقلالية المجلس في القرار “بالتتبع من طرف الحكومة والبرلمان”.
الوزير الوصي اليوم على قطاع الأسعار وتقنين المنافسة أعلن حينها أن الحكومة ستطلب رأي المجلس في عدد من القضايا دون أن يحدد، واحدة منها. لكن الوزيرأبقى مجلس المنافسة بعيدا عن التدخل في اختصاصات الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات مع ما يكتسيه ملف الاتصالات والفاعلين فيها من جدل واسع داخل مجلس المنافسة وخارجه. لكن  الوفادافع على أن تقنين الاتصالات وتنظيم مجال المنافسة فيها سيبقى من اختصاص الوكالة “لا يمكن المساس باختصاص الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات  لأنها تمس قضايا أمنية، فقد كنا في حالة حرب منذ أزيد من 30 سنة، ولهذا ستظل هذه المؤسسة تمارس اختصاصاتها كما كانت” يقول الوزير.

بنعمور من الهجوم إلى الطمأنة

على الرغم من تصريحات بنعمورالنارية  في العديد من المناسبات، حيث دأب على التأكيد على أن هناك لوبيات اقتصادية، كانت تدافع عن مصالحها ولا ترى أهمية لإنشاء مجلس مستقل، يبدو أنه يدرك جيدا المقاومة الشديدة التي يبديها هؤلاء، حيث يتخوف الفاعلون الاقتصاديون من السلطات التي قد يكتسبها المجلس وهو ما أدى إلى التأخر في إصدار القانون على مدى السنوات الماضية، والذي يعطي للمجلس سلطات تقريرية ويطلق يده للتحري. بنعمور أعلن، في محاولاته المطمئنة، أنه سيتعاطى مع القطاعات المعنية بتدخلاته، عبر إجراءات واضحة، فعندما تظهر مؤشرات تفيد بأن قطاعاً ما يعرف ممارسات منافية للمنافسة، سيعمد المجلس إلى التحري، على اعتبار أن المؤشرات لا تشكل دليلاً يمكن الاستناد إليه في التدخل.. وبعدما كان الكثيرون يتساءلون حول التداخل بين مهام المجلس وبين مؤسسات عمومية أخرى منحها القانون المغربي سلطة مراقبة بعض القطاعات التي تدخل في دائرة اختصاصها، بات بنعموريتفادى الحديث عن تنازع في الاختصاصات بين المجلس وبين تلك المؤسسات، حيث أكد أنه يميل للتعاون معها.
ومن أجل تطبيق قواعد السوق المتعلقة بالمنافسة في حال تفعيل عمل المجلس، سيعمل هذا الأخير  “بمنطق الحكم الرياضي، إذ سنكون مع السوق ومع الاقتصاد، وليس لدينا أي حزازات مع المقاولات، بل نرغب في مواكبتها وتشجيعها” حسب بنعمور.
ويضيف أن المجلس “أسس لنوعين من الممارسات، إحداهما ترتبط بالعلاقات بين المقاولات، وأخرى بين المقاولات والمستهلك، التي سنعالج فيها القضايا الكبرى، التي تمس باقتصاد السوق، مع إحالة القضايا الأخرى على الإدارات المعنية، كما نقترح الدفاع عن المستهلك”.
وأعلن بنعمور أن الأغلبية بما في ذلك السلطة تقوم بتجاوز قواعد السوق من خلال العروض التي تطغى عليها امتيازات، وكذا على مستوى الإعانات، التي تنافي المنافسة”، مبرزا “أن إعانات المقاولات الصغرى والمتوسطة لا تتم على قدم المساواة”.
وأضاف رئيس مجلس المنافسة أن “هناك أمثلة كثيرة نعيشها في المغرب وهي منافية للمنافسة”، مشيرا في الصدد نفسه إلى التراخيص لمقالع الرمال وكذا تراخيص الصيد في أعالي البحار، والتي “لا تقدم على أسس المنافسة”.

مركز الظرفية يدخل على الخط

يرى  المركز المغربي للظرفية الاقتصادية أن آلية المنافسة بين الشركات في المغرب  مازالت في حاجة إلى العديد من الإجراءات التي تفعلها لتمكن المواطن والاقتصاد الوطني من الاستفادة منها؛ خصوصا في قطاعات تعرف “شبه احتكار” من طرف بعض المؤسسات، ولها علاقة مباشرة مع المواطن.
ويعتبر المركز، في تقرير  أصدره حول “المنافسة بالمغرب”، أن المغرب اختار سياسة الانفتاح الاقتصادي والتبادل التجاري الحر، لما لهذا الخيار من “آثار إيجابية” على مستوى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، فضلا عن توفيره موارد جديدة للتمويل لفائدة الشركات؛ وتراجع في الأسعار وتنويع في الاختيار بالنسبة للمستهلك في حال تفعيل آلية المنافسة داخل السوق.
إلا أن  المركز يرى أن الوضعية الحالية لطرق التوزيع بالمغرب لا تمكن المقاولات الوطنية من مواجهة المنافسة مع الشركات الدولية، مشيرا، في هذا الصدد، إلى مجموعة من العقبات التي تحد من تنافسية المقاولات الوطنية، ومن بينها الإطار القانوني وحجم السوق الوطني وطبيعته؛ حيث مازال يطغى عليه بشكل كبير القطاع غير المهيكل.
كما  أن المنافسة في الأسواق لا تكون “كاملة”،حسب المركز، وهذا ما يتطلب التقنين في إطار الحفاظ على الصالح العام، مشيرا إلى أن قانون المنافسة يجب أن يضع في اعتباره محددين أساسيين؛ وهما الصالح العام للمستهلك، وحماية الاقتصاد الوطني من الاحتكار والهيمنة، وهوما من شأنه أن يدعم موقف مجلس المنافسة. فمتى سيتم إخراج هذه الهيئة من حالة الانتظارية التي لا تخدم مصلحة الاقتصاد ولا مصلحة المستهلك.

Related posts

Top