مرية مكريم.. الباحثة عن الحقيقة في رحاب السلطة الرابعة

بصوت يحمل نفس مهنة المتاعب، يأتيك حديث صحافية خبرت دروب البحث عن المعلومة تحت كل الظروف، هي مرية مكريم، سيدة جعلت من خدمة المواطن شعارا لعملها في المجال الإعلامي ومحركا لعزيمة قوية. طيلة مسيرتها المهنية التي راكمت خلالها تجربة غير يسيرة في ميدان العمل الصحافي، حافظت مرية، المفعمة بروح الشباب والحماس المتوقد، على شرارة لا تخبو جذوتها، فكانت لها دافعا من أجل المضي قدما في جعل الصحافة أداة للتعبير عن اهتمام المواطن، وخدمة الصالح العام.
تعلقت مرية، مديرة موقع “فبراير.كوم”، بالصحافة بالفطرة، حتى قبل أن تلتحق بصفوف المهنة أو تفك أولى شيفرات العمل الصحافي المهني، فقد كانت مولعة بتدوين أفكارها في مذكرات، تمزج بين الخواطر الشخصية، لتتغير نبرة صوتها حيث تتحدث عن ذكريات تعود بها إلى سن العاشرة، حين كانت تجعل من التئام العائلة حول وجبة العشاء، فرصة للتعبير عن آرائها وقراءة ما خطته أناملها من أفكار. “كنت أطلع أفراد أسرتي على كتاباتي بشكل دوري، وحين كنت أهمل هذا “الواجب”، كانوا يهرعون لمساءلتي حول سبب غياب مذكراتي عن اجتماع الأسرة، معبرين عن اشتياقهم للاطلاع على ما أكتبه”، تقول مرية في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، مضيفة أن هذه التجربة مكنتها من صقل مهاراتها التعبيرية، وليصبح بذلك هذا الطقس العائلي تقليدا طبع ذاكرتها ووجهها، بشكل خفي أو معلن، لولوج مجال تبقى الكتابة فيه سيدة الموقف. شغف الكتابة والتعبير رافقها إذن منذ الطفولة، فقد ألفت أناملها رفقة القلم وبعده لوحة مفاتيح الحاسوب، ليصبح ميدان الصحافة عالما يفتح أمامها أفقا رحبا يمتد سقفه باتساع الطموحات. وليس الأمر بالعصيب عليها، هي التي لا تهاب الإرهاق اللصيق بمهنة الصحافة، حيث مشقة التنقل إلى الميدان ومواكبة الحدث والالتزام الدائم تجعل المرء يفكر كثيرا قبل أن يركب غمار هذه المغامرة. فـ”أن يكون المرء دائما على أهبة الاستعداد لتغطية الحدث جعلني أدرك أنني أشتغل مثل رجال الوقاية المدنية أو الأمن الوطني المجندين للاشتغال على الدوام لخدمة المواطن”، تقول مرية بحماس يخيل إليك لوهلة أنها في قلب تغطية إخبارية هامة.
قبل أن تخوض مرية مكريم غمار صحافة التحقيق، أرقى الأجناس الصحافية، تدرجت عبر مختلف أبواب المقال الصحافي، غير أنها بدأت، ومع تراكم التجربة المهنية، في طرح التساؤل حول “ماذا” و”كيف”، فكانت بذلك تسير على درب الانغماس في ما هو أعمق من المواكبة اليومية للأخبار ومعالجتها، لتتخصص في “أبو الأجناس الصحافية”. “أعشق المتاهة التي تتولد جراء طرح أسئلة شيقة تتفرع عن أجوبتها أسئلة أخرى لا تنتهي”، تقول مرية التي تحدثت بشغف عن استمتاعها بالعناء الذي تكابده في إنجاز تحقيقات صحافية ساهمت في تنوير الرأي العام بشأن قضايا عديدة. ليس من اليسير إنجاز تحقيق صحافي، كما تقر بذلك مرية، إذ يتطلب جهدا وإمكانات مادية، فضلا عن صعوبة الولوج إلى المعلومة أحيانا كثيرة، غير أن الانصهار في إنجازه لأشهر وأحيانا سنة، يتكلل بفخر الحصول على مادة إعلامية ترقى لتطلعاتها في الإخبار والكشف عن مختلف زوايا الموضوع لتقديم النظرة الأعم. طوال مسارها المهني، الذي توجت خلاله بالجائزة الوطنية للصحافة في دورتها الثانية عن أحسن تحقيق أنجزته خلال عملها بأسبوعية “الأيام”، وزارت خلاله العديد من البلدان حيث استأنست بالممارسة الصحافية على أوسع نطاق، ظلت مرية تحمل روح الصحافية الطموحة التي تحمل على عاتقها هموم تطوير مهنة الصحافة وتعزيز حضور المرأة في المجال. وحتى بعد أن أصبحت مديرة للموقع الإعلامي “فبراير.كوم”، أضحت أكثر انخراطا من أجل ضمان نجاح المقاولة الإعلامية. عن مقاولتها التي “وصلت مرحلة النضج، وما زال أمامها الكثير” تتحدث مرية باعتزاز كبير، دون أن تنسى التأكيد على أنها تبقى صحافية قبل كل شيء، مؤكدة أنه يتعين المضي قدما وتجاوز الصعوبات.
وبنفس القدر من الاهتمام، تتحدث مرية عن وضعية المرأة في المشهد الإعلامي المغربي، منوهة بتولي نساء لمسؤوليات كبيرة في المشهد الإعلامي المغربي، خاصة في الحقل السمعي البصري، مستعرضة في هذا الصدد أسماء من قبيل سميرة سيطايل بالقناة الثانية وفاطمة البارودي بالقناة الأولى. وفي الوقت نفسه، تؤكد مرية على ضرورة بذل المزيد من الجهد. فالمرأة الصحافية تتحمل بدورها مسؤولية الارتقاء بمكانتها داخل الميدان الإعلامي، وفرض وجودها.
أما عند الحديث عن ثامن مارس، فيتجاذب تفكيرها إحساس يحمل متناقضين لا يلبثان أن يكملا مضمون الرسالة ذاتها. “نعم لثامن مارس ولا لثامن مارس” تقول مرية، معترفة بأن التناقض في هذا الرأي ينبع من كونها تعتبر الاحتفال باليوم العالمي للمرأة فرصة إيجابية لتكريم المرأة وإبراز دورها، الذي يتم تجاهله في خضم الزخم الإعلامي الكبير، الذي تنحسر في ظله مبادرات نسائية تستحق التنويه، فيكون الاحتفاء يومها فرصة لتقديم اعتذار رقيق عن التغافل المجحف، وتسليط الضوء على إنجازات وازنة تتشح بثوب التواضع. “نعم ليوم ثامن مارس، الذي يمكننا من الاحتفاء برياضيات ونساء تألقن في كافة المجالات على مدار السنة، وأيضا لتذكر أسماء وازنة التي وقف المرض في وجه استمرار عطائها، وأذكر هنا الصحافية الكبيرة مليكة ملاك، غير أن انغماسنا في تغطية الأخبار الطارئة يوميا ينسينا الالتفات بين الفينة والأخرى لما تقدمه المرأة المغربية في المدن الصغيرة والقرى النائية”. لكنها تؤاخذ على هذه المناسبة انحصارها في وهلة زمنية وجيزة وتقيدها بأعراف تكرس صورة نمطية تسعى مرية بجهد لتغييرها.

Related posts

Top