بعد انتشار فيروس كورونا بالمغرب سارعت الحكومة المغربية والبنك المركزي وباقي القطاعات المعنية لاتخاذ عدة تدابير وإجراءات احترازية، بهدف احتواء التداعيات السلبية للجائحة ومواجهة الكساد، وسارع الاتحاد العام لمقاولات المغرب CGEM بدوره وهو ممثل القطاع الخاص لدى السلطات العمومية والمؤسساتية، وهو لسان 90.000 عضوا مباشرا ومنخرطا، والساهر على ضمان بيئة اقتصادية مشجعة لنمو المقاولات المغربية، إلى اقتراح مجموعة من الإجراءات للتخفيف من التأثير السلبي لانتشار الفيروس على الاقتصاد الوطني، فاقترح تعليق آجال جباية الضرائب التي كانت مقررة في 31 مارس، وطالب التجمع في رسالة وجهها إلى الحكومة المغربية بتوقيف اقتطاع استحقاقات البنوك بالنسبة للمقاولات والأفراد المتضررين خاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة، وطالبت الرسالة بوضع نظام للتعويض على فقدان العمل بالنسبة للعمال ذوي الأجور المتدنية، ودعت إلى إنشاء صندوق لدعم القطاعات المتضررة، وإعلان فيروس كورونا كحالة قوة قاهرة.
فيما يخص التدابير الجبائية، والتي أقرتها السلطات المغربية، استفادت الشركات التي تقل معاملاتها للسنة المالية الماضية عن 20 مليون درهم (2.04 مليون دولار) من تأجيل وضع التصريحات الضريبية حتى نهاية يونيو المقبل.
فماذا عن السيناريوهات المحتملة لاستئناف الأنشطة الاقتصادية؟ ما مصير المقاولات بعد رفع الحجر الصحي؟ وما هي المساطر الأنسب لمواجهة تداعيات جائحة كورونا على المقاولات المغربية؟
المدخل الأول: المقاولات المغربية وسيناريوهات استئناف الأنشطة الاقتصادية
من السيناريوهات التي طرحت من قبل البعض أن يكون إقرار رفع شامل للحجر الصحي وطنيا، دون الأخذ بعين الاعتبار الوضعية الوبائية لكل جهة وإقليم، هذا التوجه يجد مبرره في الضربة التي تلقاها الاقتصاد الوطني الاجتماعي لشرائح واسعة من المغاربة، رغم كل الإجراءات التي اتخذتها الدولة عبر منح الدعم للأجراء وعمال القطاع غير المهيكل، وكان يرى هذا التوجه أنه لا يمكن استعادة النشاط الاقتصادي ولو بشكل تدريجي، دون أن تلجأ الدولة إلى رفع الحجر الصحي على مستوى المدن الكبرى التي تحتضن الأنشطة الصناعية، وهنا الحديث عن مدن البيضاء وطنجة والقنيطرة وغيرها، لكن هذا السيناريو قد يشكل مغامرة خطيرة في ظل استمرار نشاط الفيروس في هذه المناطق، وكان سيناريو التخفيف الجغرافي للحجر هو الأقرب للتطبيق.
فقد تلقى الولاة والعمال الإشارات من وزارة الداخلية، بالاستعداد لرفع الحجر الصحي، وإطلاق سيرورة الدورة الاقتصادية والتجارية عن المدن التي لا تعاني تفشي الوباء، ويتعلق الأمر بجهة العيون الساقية الحمراء، الداخلة وادي الذهب، اقليم سيدي قاسم، شفشاون، سيدي بنور، اليوسفية، الخميسات، وسيدي سليمان وخنيفرة …لكن لا تشكل هذه الجهات والأقاليم المراكز الاقتصادية الكبرى .
واليوم نرى العديد من الفاعلين الاقتصاديين استأنفوا أنشطتهم الاقتصادية شريطة اتخاذ المحاذير الصحية لاستدراك ما فات من النشاط الاقتصادي وهو الخيار الاستراتيجي الصائب.
قامت المندوبية السامية للتخطيط بإنجاز بحث نوعي لرصد الآثار الاقتصادية للأزمة الناتجة عن انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد الوطني ولتقييم الأثر المباشر لفيروس كوفيد 19 على المقاولات في البلاد .
بالنسبة للعرض تم التصريح بتوقف 6300 مقاولة بشكل نهائي، 135.000 مقاولة توقفت مؤقتا خاصة منها المصدرة .
بالنسبة للطلب، تراجع الطلب الخارجي والطلب العمومي .مما أثر على الاجتماعي، فـ 950.000 أجير توقفوا عن العمل موزعون على 134.000 مقاولة، وهذه الأرقام لازالت مرشحة للارتفاع..
لكن الأسئلة المطروحة هي:
• هل ستتمكن كل الشركات أو المقاولات من استئناف أنشطتها الاقتصادية؟
• ما هي الحلول المحتملة لمساعدة المقاولات في مواجهة هذه الأزمة؟
• هل الحلول القانونية والقضائية كافية لتجاوز هذه الأزمة؟
المدخل الثاني: مساطر صعوبات المقاولة الأنسب للإنقاذ
مما لاشك فيه أننا نعيش وسنعيش متغيرات العولمة الاقتصادية، ونوعا ما الانتقال للاقتصاد القومي بدل الاقتصاد المنفتح. ومما لاشك فيه ستنعكس هذه المتغيرات على المغرب على اعتبار أن ٪37 من الدخل مرتبط بالسوق الخارجية، مما ينبغي معه وضع تعديلات على النموذج التنموي الاقتصادي الذي سيناسب هذه الجائحة.
وبما أن المقاولة تعتبر فضاء اقتصاديا لمعاملات وتفاعلات تجارية واقتصادية، يجب وضع حلول لها لإنقاذها وبالتالي إنقاذ الاقتصاد المغربي، وستكون مجازفة إن قلنا إن الحلول القانونية كفيلة لمواجهة الأزمة.
نعلم أن مدونة التجارة في الكتاب الخامس قد سنت قانونا جديدا وهو القانون 73.17 الذي عدل بعض مقتضيات الكتاب الخامس المتعلق بصعوبات المقاولة، وأدخل إلى جانب المساطر الوقائية بما في ذلك الوقاية الداخلية والوقاية الخارجية ومسطرة المعالجة ممثلة في مسطرة التسوية القانونية ومسطرة التصفية القضائية، أدخل مسطرة الإنقاذ التي تعتبر في مرتبة وسط بين مسطرة الوقاية ومسطرة المعالجة، أتت لكي تستجيب لمستجدات جديدة في باب الصعوبات التي تعاني منها المقاولات.
ونعلم أن لكل مسطرة خصائصها التي تميزها عن غيرها، فإذا كانت مسطرة الوقاية تبنى بالدرجة الأولى على الإخلال باستمرارية الاستغلال، وإذا كانت مسطرة التسوية القضائية تبنى على واقعة التوقف عن الدفع بشكل يمكن التراجع عنه، وإذا كانت مسطرة التصفية القضائية قد تتأسس بالخصوص على معاينة واقعة التوقف عن الدفع بشكل لا رجعة فيه، فإن مسطرة الإنقاذ أهم ما يميزها هو إثبات رئيس المقاولة للمحكمة عبر طلب يقدمه يطلب من خلاله فتح مسطرة الإنقاذ بسبب وجوده أمام صعوبات يصعب عليه تجاوزها، وهذه الصعوبات يمكن أن تكون صعوبات ظرفية أو صعوبات قانونية أو صعوبات اقتصادية أو صعوبات اجتماعية أو صعوبات مالية .
فيجب على رئيس المقاولة هنا أن يثبت في طلبه وجود صعوبات وأن هذه الصعوبات من المستحيل تجاوزها، لأنه بإرادته فهو يسير المقاولة ويثبت أنه قادر على الوفاء بديونه إلا أنه يوجد في صعوبات طارئة يستحيل تجاوزها.
قد نقول إن مسطرة الإنقاذ هي الأنسب لتجاوز جائحة كورونا، لكن هل يمكن اعتبار جائحة كورونا بمثابة صعوبات يستحيل تجاوزها؟
ولو تم تأكيد ذلك، فواقع الحال ومند دخول القانون 73.17 حيز التنفيذ قد تواجدت بالمحاكم التجارية ما يناهز 20 مسطرة فقط تتأرجح بين قبول الطلب ورفضه، وهذا الرفض يكون أحيانا معللا بسبب تأكد واقتناع المحكمة من سوء نية رئيس المقاولة، وبالتالي نستشف من خلال ذلك على أن رئيس المقاولة عليه أن يكون حسن النية في تقديم طلبه ويثبت أمام المحكمة عبر ما يسمى بمخطط الإنقاذ الصعوبات، وأنه باستمرار تسيير المقاولة قادر على تجنب التوقف عن الدفع وقادر على أن يفي بالتزاماته شريطة أن تأذن المحكمة بوقف المتابعات الفردية للدائنين إلى حين آخر، وبما أن للقضاء التجاري دورا اقتصاديا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تداعيات هذه الأزمة على المقاولات وكذا المتعاملين معها وكل الفاعلين الآخرين، فلا محيد عن ضرورة تدخل الوزارات المعنية.
في الأخير نرى أن ما تضمره النصوص القانونية في قانون صعوبات المقاولة، سيكون المنقذ والمعين للمقاولات والاقتصاد المغربي ما بعد جائحة كورونا، وأن هذه المقاولات المعنية والمتأثرة بهذه الجائحة إما فرادى أو المتمثلة في جمعيات مهنية قطاعية لا خيار لها سوى التحاور مع السلطات أو الوزارات الوصية، أي وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، وزارة التجارة والصناعة والاقتصاد الأخضر والاقتصاد الرقمي، وكذلك وزارة العدل، لوضع حلول ملحة للعديد من المقاولات التي أغلقت أبوابها وشلت حركتها، وكذا المتعثرة منها.
بقلم: عمر المعاش باحث في القانون