يقصد ملايين السياح، في كل سنة، المغرب، ويجلبون قدرا مهما من العملة الصعبة، مساهمين بذلك في إنعاش الاقتصاد الوطني، على اعتبار أن السياحة تساهم بما يقارب 10 في المائة من الناتج الداخلي للبلاد.
وكانت المندوبية السامية للتخطيط قد أفادت، سنة 2018 ، بأن الناتج الداخلي الإجمالي لنشاط القطاع السياحي سنة 2017 ارتفع إلى 72.4 مليار درهم عوض 66.9 مليار سنة 2016، محققا ارتفاعا قدره 8.3%، مساهما في تكوين الناتج الداخلي الإجمالي بنسبة 6.8% أي بزيادة 0.2 نقطة مقارنة مع سنة 2016.
ويستفيد المغرب من موقع جغرافي قريب وملائم جدا للسياح الأوروبيين الذين يشكلون أغلب الزوار، فضلا عن وجود شركات طيران منخفضة التكلفة بين المملكة وبلدان القارة العجوز، رغم أن الرهان في الوقت الحالي هو تشجيع السياحة الداخلية.
وعرفت السياحة المغربية، على غرار مختلف بقاع العالم، تراجعا كبيرا، عقب انتشار وباء كورونا، حيث كشفت وزيرة السياحة في المغرب، نادية فتاح، خلال يونيو الماضي، أن عدد السياح في البلاد تراجع بنسبة 45 في المائة، خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي.
ويختلف وقع الضرر الاقتصادي من مدينة إلى أخرى، وتعد الوجهات الداخلية الشهيرة مثل مراكش، ووارزازات، وفاس، ومكناس، وإفران… من بين الأكثر تأثرا، أما المدن الساحلية، فتراهن بشكل أكبر على فصل الصيف وقدوم المصطافين، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الأسس التي تعتمدها السياحة المغربية، وما إذا كانت المقومات الاعتيادية والمألوفة التي تزخر بها أغلب بقاع العالم كافية لجلب السياح من قبيل الشواطئ والغابات والجبال…، أم أنه يجب النهوض بمقومات وطنية محضة تميز وطننا عن باقي البلدان السياحية، وتجعل منه وجهة سياحة لا بديل عنها.
في هذا السياق، لا بد من الحديث عن المقومات الثقافية التي يزخر بها التراب الوطني، حيث تحظى المملكة بروافد متعددة صنعت زخما كبيرا وتنوعا يحيّر الباحثين. ويعود التنوع الثقافي المغربي للموقع الإستراتيجي للمغرب، فهو قريب من شبه الجزيرة الإيبيرية ومنفتح على الصحراء الكبرى وأفريقيا والمشرق، ومنفتح على ثقافات أخرى كان لها كبير الأثر في هذا التنوع الثقافي واللغوي الذي يشمل الأمازيغي، والعربي الإسلامي، والحساني والأندلسي الموريسكي، والأفريقي، واليهودي، والمتوسطي.
كما يشير التراث المعماري المغربي، بما في ذلك الأسوار والمدن العتيقة والمساجد والقصور والقصبات، إلى الثقافة المغربية المتنوعة والزاخرة بالعادات والتقاليد والطبائع التي تجعلها مميزة عن غيرها، وبالتالي أصبح لزاما إبراز كافة هذه المكونات التي تميز المملكة وتقديمها للزوار.
ومن خلال ما تم الإشارة إليه آنفا، يثار السؤال المحوري لهذا الملف الذي فتحته بيان اليوم، حول “أي دور للثقافة والتراث في تحريك عجلة السياحة”، والذي تواصلت بشأنه الجريدة مع عدد من الأسماء الوازنة المهتمة بالثقافة والتراث والسياحة ودورها في تحريك عجلة التنمية، لاستقاء آرائهم ومواقفهم، بغية المساهمة في رسم خريطة الطريق للنهوض بالسياحة الوطنية، بعد الآثار السلبية اتي خلفتها جائحة كورونا.
وقبل المرور لمواقف ضيوفنا في هذا الملف، لا بد من الإشارة إلى أن هناك مدن مغربية عديدة تزخر بمؤهلات ثقافية مهمة يمكن النهوض بها لتشجيع السياحة بشقيها الداخلي والخارجي، من قبيل مدن أزمور، وكلميم، وآسفي، ودمنات، وشفشاون، ووارزازات…..
وفي هذا السياق، أصبح لزاما عدم الاكتفاء ببناء المركبات السياحية والفنادق والقرى السياحية، رغم أن هذه أمور لا غنى عنها، ويمكن اعتبارها من المسلمات، بل بات الوضع يتطلب بذل مجهودات كبرى لتحسين البنيات التحتية بالبلاد، من خلال تشييد الطرق، وتعزيز الطرق السيارة، والمستشفيات والمراكز الصحية، وتوفير النقل الجيد، وإعداد المواطن المغربي لاستقبال السياح الأجانب حتى تصبح لدينا ثقافة سياحية، إلى جانب نهج سياسة عمومية حقيقة للنهوض بالثقافة والمعمار الوطنيين.
إن السلطات العمومية، وعلى رأسها وزارة السياحة، تنهج سياسة عمومية غير شمولية، باعتمادها أكثر على إعداد وتهيئة السواحل التي تتطلب قدرات مالية وتقنية مهمة، وتغفل عن السياحة الثقافية، خاصة بالمدن العتيقة والقصبات…
فبعد مرور أكثر من خمس سنوات على انتهاء رؤية 2010، لم يتعد عدد السياح الأجانب الوافدين على بلادنا 10 مليون سائح؟ أي بات رقما ثابتا بعدما راهنت وزارة السياحة على جلب 20 مليون سائح في أفق سنة 2020، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يتم استكمال العدد بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، وكذلك الأمر بالنسبة للإيرادات المحققة التي لن تتجاوز 56 مليار درهم عند نهاية سنة 2010، علما أنها بلغت، سنة 2015 ما مجموعه 59 مليار درهم.
***
أندري أزولاي: الثقافة جزء لا يتجزأ من التنمية..
خارطة السياحة الثقافية في الصويرة تشكلت من المعارض والحفلات الموسيقية والمهرجانات الدولية
قال مستشار جلالة الملك والرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موكادور، أندري أزولاي، إن دور الثقافة والتراث يتجلى بوضوح في دينامية الميدان السياحي، خاصة ما يميز السياحة بمحتواها الثقافي والفني، أي السياحة الثقافية التي تلقى رواجا واهتماما على مستوى العالم، لما تسهم به في تنمية اقتصادات الدول بشكل متنام وفعال خلال السنوات الأخيرة، مما يوضح أهمية ربط الثقافة بمفهوم التنمية وخلق الثروات.
وأكد أندري أزولاي، في تصريح خص به جريدة بيان اليوم، على أنه، في هذا الاتجاه، يلزم التذكير بأن نهضة مدينة الصويرة تشكل نموذجا في مجال التنمية المستدامة المرتكزة على الثقافة والتراث، وذلك منذ انطلاق ودعم هذا المسار منذ حوالي ثلاثين سنة.
فطيلة هذه المدة، يقول أندري أزولاي، لم يتوقف اشتغال جمعية الصويرة موكادور بشراكة مع فاعلين محليين ووطنيين ودوليين، و تشكلت خارطة السياحة الثقافية في الصويرة من المعارض والحفلات الموسيقية والمهرجانات الدولية والمتاحف والتظاهرات على اختلاف موضوعاتها، مما حولها إلى عنصر جذب جديد للزوار المهتمين بالسياحة الثقافية.
وتابع السيد أندري أزولاي، أن هذه السياحة النوعية التي تحمل قيما إنسانية كونية تخص الحوار العبر-ثقافي والتعايش ونبذ الكراهية ونشر المحبة والسلام بين شعوب العالم، مما يؤكد أيضا مميزات ودور المغرب في هذا الاتجاه.
وذكر السيد أندري أزولاي، بأن المهرجانات السنوية بمدينة الصويرة تؤمّن عنصر جذب للسائحين للمجيء إلى المدينة، كونها أصبحت معروفة، وبالتالي تستقطب أعداداً مهمة من السياح الذين يعزّزون الإنفاق السياحي باعتبار أن وجودهم يحرّك مختلف القطاعات السياحية الأخرى.
وشدد أزولاي، في التصريح ذاته، على أن الصويرة راهنت على الثقافة وأولت لها عناية خاصة وكسبت الرهان، مستطردا “اليوم تستقبل المدينة أزيد من ثماني مهرجانات من بينها مهرجان كناوة وموسيقى العالم الذي استطاع أن يستقطب أزيد من 500 ألف شخص في عطلة لنهاية الاسبوع، ومهرجان الأندلسيات الأطلسية ومهرجان ربيع الموسيقى الكلاسيكية واللذان يستقطبان أعدادا كبيرة من محبي هذه الأنواع الموسيقية”.
واعتبر أزولاي، أن «الثقافة ليست مجرد لحظات للجمالية والأحاسيس المشتركة، بل هي أيضا رافعة لخلق الثروة والاندماج»، مشددا على أن الثقافة جزء لا يتجزأ من التنمية، وتلعب دورا محوريا في العملية التنموية، كما أبرز أن كل مناطقنا وخصوصياتنا حافلة بذاكرة حيوية ودقيقة للغاية والتي لم تحد مطلقا عن درب الكونية والحداثة.
وفي حديثه عن الموسيقى على سبيل المثال لا الحصر، كمكون من المكونات الثقافية، التي لا محيد عنها، اعتبر أندري أزولاي في تصريحه أن الموسيقى كانت وستظل في صلب النهضة التي تشهدها مدينة الصويرة.
وأبرز أنه تم انطلاقا من هذا المنظور، إحداث مهرجان “أندلسيات أطلسية” بداية سنة 2003 والذي يعد الوحيد من نوعه في العالم الذي اختار جمع ثلة من الموسيقيين والمغنين والراقصين المسلمين واليهود الذين “يلتئمون مرة كل سنة للغناء والاحتفال سويا بحضور الآلاف من المتفرجين”.
وأشار أزولاي إلى أن الأثر التنموي والاقتصادي للمهرجانات الثقافية يمكن اختزاله في عدد الفنادق في المدينة، من ستة عندما انطلق قبل 30 عاما إلى أزيد من 300 فندق حاليا.
وختم أزولاي، تصريحه للجريدة بقوله “ما زلت أذكر عندما انتفضنا، نحن مجموعة من أبناء الصويرة، خلال سنة 1991 على واقع التهميش والإهمال الذي كانت تعيشه مدينتنا، قلنا كفى. وقررنا الانطلاق من مواردنا الخاصة، التي لن يطلب منا أحد ردها. وبدأنا بحجارة المدينة، التي أنطقناها لتحكي قصص تاريخنا وذاكرتنا”.
وفي سياق متصل، أكد مستشار جلالة الملك والرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موكادور، أندري أزولاي، السبت الماضي “بدار الصويري”، أن “سياحة الغد ستكون سياحة الثقافة والإيكولوجيا والرفاهية”، وذلك أثناء تقديمه لخارطة طريق الصويرة الخاصة بالموسم السياحي والدخول المقبل، بحضور وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، نادية فتاح العلوي.
وتقترح خارطة الطريق، التي أعدتها جمعية الصويرة موكادور بشراكة مع المجلس الإقليمي للسياحة وبتشاور وثيق مع السلطات المحلية، جدولة استثنائية لزوار حاضرة الرياح، مع برمجة تراثية وثقافية وفنية وإيكولوجية ورياضية وترفيهية، تتسم بكثافتها وإبداعها على كافة الأصعدة. وأكد أزولاي أن خارطة الطريق هذه “تعد ثمرة موهبة والتزام لتطوع ودفاع مجموع الصويريين الذين تمكنوا بسخاء وانخراط من العمل خلال أسابيع لرسم معالم هذه الخطة، مستمدين في ذلك مما تزخر به المدينة من مؤهلات”.
وأضاف، في معرض حديثه أمام فاعلين سياحيين وشخصيات أخرى، أن خارطة الطريق هذه تهم الموسم السياحي الذي انطلق مؤخرا، وكذا الدخول المقبل خلال شهر شتنبر، والممتد إلى نهاية السنة، مع برمجة حوالي عشرين تظاهرة ستنظم طبقا للتدابير الصحية والاحترازية المعمول بها من قبل السلطات العمومية، وفق وضعيات تتلاءم مع الظرفيات. وبعد أن أشار إلى أن “سياحة الغد ستكون في المقام الأول، سياحة الإيكولوجيا والرفاهية”، أبرز أزولاي مركزية الثقافة في إعادة تأسيس الصناعة السياحية والفندقية بالنسبة لفترة ما بعد “كوفيد – 19”.
وقال أزولاي “هنا بالصويرة، نستضيف الفنون بصفة عامة والثقافة بصفة شاملة، فوق منصة المعرفة، الأمر الذي يمكننا من التطور والتقدم وأن نكون كما كان الصويريون دائما يطالبون بها وهو العالمية وفن العيش المشترك ومحو الخلافات”.
وتابع أن “موقع مدينة الصويرة وطموحاتها وطلباتها ومتطلباتها كلها تتسم اليوم بالمشروعية “، مسجلا “نحن مستعدون للمقاومة وإعادة الإقلاع وتعميق خياراتنا”. وأكد السيد أزولاي، أنه عبر خارطة الطريق، “نريد أن تحافظ الصويرة وتعزز وتديم ديناميتها”، مشددا على أن “الصويريين يتمتعون بإرادة صلبة ولن يستسلموا”.
*مستشار جلالة الملك والرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موكادور
****
مهرجان كناوة
تحظى مدينة الصويرة التي يعود تاريخ تأسيسها إلى قرون خلت، باعتراف من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) لما تزخر به من موروث ثقافي، ويحرص منظمو مهرجان كناوة على الرفع من مكانة موسيقى “تكناويت” ليتقوى حضورها أيضا في سجل هذه المنظمة الثقافية العالمية كتراث إنساني لا مادي.
ومنذ إنشائه، كانت لدى المهرجان الإرادة في إدراج التظاهرة في مدينة الصويرة، بإبراز أصالة هذه المدينة وسحرها الفريد. إجمالا، هناك أكثر من 20 مكان في المدينة استضاف الحفلات الموسيقية: سوق الحبوب، السقالة، الزاوية، الرياضات والمنصات في الهواء الطلق … إلا أن المهرجان، هو بالخصوص هذا الجو السحري، حيث يلتقي رواد المهرجان بدون أي بروتوكول في أزقتها بالموسيقيين والصحفيين، والصويرين الأصليين و”المشاهير” الحاضرين في المهرجان، وحيث ترن الموسيقى ويتردد نفَس المهرجان في كل ركن من أركان شوارعها.
وشهدت مدينة الصويرة منذ إنشاء المهرجان، طفرة اقتصادية أثرت على العديد من القطاعات، لاسيما الفنادق والمطاعم. خلال المهرجان، تتضاعف ساكنة المدينة البالغ عددها 70.000 نسمة، 6 مرات، مما يفترض زيادة البنيات التحتية لاستقبال السياح والزوار. لقد ارتقت الصويرة إلى مصاف الوجهات السياحية الأكثر شعبية في المغرب منذ بداية المهرجان. وهكذا، ارتفع عدد بيوت الضيافة والفنادق من 9 إلى 160 بين عامي 1998 و 2008 وعدد المطاعم من 7 إلى 64 خلال نفس الفترة. وتعيش المدينة بصورة إجمالية تنمية مستدامة لبنياتها الأساسية، ناهيك عن معدل البطالة الذي انخفض بشكل قوي في المدينة من خلال تنفيذ مشاريع مختلفة.
***
أبو القاسم الشبري*: الثقافة والتراث دائما قاطرة للتنمية.. السياحة الثقافية تستحوذ على أكثر من أربعة أخماس الزيارات والواردات السياحية
> كباحث أثري ومدير مركز دراسات وأبحاث التراث المغربي-البرتغالي، في رأيك أين يكمن دور الثقافة والتراث في النهوض بالاقتصاد والسياحة الوطنيين ؟
< غالبا ما نسمع ترديد جملة خاطئة، أو غير محسوبة الدلالة والأبعاد، مفادها “العناية بالثقافة والتراث لدمجهما في التنمية”. فيكون الاعتراف الجمعي، أو الجماعي، بتخلف الثقافة والتراث، ومن ثمة حاجتهما للرعاية والإحسان كي “يساعدهما” المجتمع، والمسؤولون، على الوقوف والمشي، فيصبح بمقدورهما محاولة تدلية دلوهما في بحر التنمية، لعلهما يقولان كلمتهما في التنمية. والحقيقة الواقعية، والتاريخية أن الثقافة عموما، والتراث على وجه الخصوص هما معا القاطرة الأساسية في التنمية. والتنمية التي تكون قاطرتها هي الثقافة والتراث تكون حتميا تنمية شاملة ومندمجة ومستديمة.
لا يحتاج المرء أن يكون داخل مطبخ الثقافة ليقول إن الثقافة والتراث قاطرة مركزية وأساسية في التنمية، فيبدو وكأن كلامه مصبوغ بالنرجسية. بل إن كل متبصر يفكك عناصر التنمية في أي بلد، يقف على الكتلة الاقتصادية الضخمة التي تشكلها الثقافة والتراث. والتراث في الحقيقة جزء من الثقافة. ومن زاوية أنتربولوجية معينة، تكون الثقافة نفسُها جزءا من التراث. فالثقافة بمعناها الأنتربولوجي هي التراث عينه، إذ يدخل فيه كل المنتوج البشري من حِرَف ومهارات وصنائع، وعادات وتقاليد وسلوكيات، ولغة وإشارات، وفنون وطبخ، ولباس وأفرشة، وتشييد وبناء، وحكايات وحكم ومعتقدات وعبادات. وهنا تتماهى الثقافة مع التراث، المادي واللامادي. بيد أن هناك بعض الأشكال الثقافية لا تدخل مباشرة في خانة التراث إلا مع صيرورة مجتمعية، هي صيرورة “التحول التراثي” (patrimonialisation)، ولذلك لا تدخل في التراث والثقافة التراثية مباشرة، وفي حينها، أشكال ثقافية صرفة، ثقافة عالِمة، راهنة، من رواية وشعر، وغناء ومسرح وسينما وتآليف فكرية، إلا بعد مرور برهة من الزمن وتحويل المجتمع لها إلى تراث روائي أو سينمائي أو إسطوغرافي أو فلسفي مثلا.
كل هذا المنتوج الثقافي، التراثي، يدخل في خانة ما نسميه اليوم “الصناعات الثقافية”. فحين يكون الفرد والمجموعات البشرية أو الجماعة ينتجون ما نسميه عملا ثقافيا أو تراثيا، فرديا أو جماعيا، يكونون بصدد تنفيذ مباشر ل”سلسلة إنتاج”، بالمفهوم الليبرالي أو الماركسي، على حد سواء. فيكون ذلك إسهاما في حركية اقتصادية، بطريقة مباشرة، غالبا، وبطريقة غير مباشرة وبعيدة المدى في بعض الأحيان. وفي هذا لا يختلف إصدار كتاب عن صباغة لوحة تشكيلية أو صناعة منتوج تقليدي أو إخراج فيلم أو مسرحية، أو ترميم معلمة تراثية أو إجراء حفريات أثرية.
ولاختصار القول والتدليل على دور الثقافة عموما، والتراث خصوصا، في التنمية الشاملة، يكفي أن نشير مثلا إلى الدور الريادي الذي يلعبه التراث في عجلة الحركة الاقتصادية السياحية. فالناس يسيحون في الأرض لاكتشاف الآخر، من خلال تراثه المادي واللامادي. ذلك أن الشمس والبحر والثلوج والجبال والرمال متوفرة تقريبا في كل بلدان المعمور، لكن هذه المظاهر الطبيعية لا تأخذ خصوصيتها إلا في ارتباطها بمحيطها البشري. ولذلك فإن شمس ريو دي جانيرو ليست هي شمس ساحة جامع الفنا المفعمة بأشكال تراثية متنوعة ومختلفة. هكذا تتحول ممارسات تراثية، عفوية، من وصلة حلقة أو حصة حناء أو مراقصة قِرَدة وترويض أفاعي، إلى عجلة اقتصادية هائلة، رفعت الساحة إلى التصنيف تراثا عالميا لاماديا. وفي هذه الحركية الاقتصادية تدخل مهرجانات فنون تقليدية، من قبيل مهرجانات كناوة وأحواش وأحيدوس والراي والعيطة والموسيقى العريقة، وغيرها كثير.
لكن يبقى للتراث المادي، المعماري والأركيولوجي والمتحفي، نصيب الأسد في تحريك عجلة الاقتصاد في كل بلدان المعمور، وإلى تثمينه تتسابق حتى تلك الدول التي لا يتوفر لها مخزون أثري قديم. لكنها دول ذكية. والإحصائيات العالمية تشهد كيف أن مثلا بلدانا صناعية كبرى تسجل رقم معاملات في الواردات السياحية من تراثها بشكل أكبر بكثير من رقم معاملات الصناعات التي تشتهر بها، بل أكثر من صناعتها التي تنفرد بها عالميا. فأن يتجاوز عدد السياح سنويا ثمانين مليون سائح في بلدين مثل إسبانيا وفرنسا، ويتراوح العدد بين الأربعين والخمسين مليونا في إيطاليا وألمانيا، تاركين في خزائن هذه الدول مئات ملايير الأوروهات، فإن أولئك السياح، استهواهم تراث تلك البلدان وطريقة تقديمه إلى الزوار، وهو التراث الذي يلقى كامل العناية والرعاية والتثمين من الجهات المسؤولة، عمومية وشبه عمومية ومنتخبة وخواص. بينما نجد بلدانا أخرى يتوفر لها تراث قل نظيره، لكنه لا يدر على البلاد المداخيل المفروض استدرارها، لأن البلد المعني لم يولي تراثه نفس الرعاية والعناية ورد الاعتبار والتثمين. وبإحصائيات نجريها أحيانا، بحكم الاختصاص، اعتمادا على أرقام رسمية عالمية، فإننا نسجل كيف أن مداخيل التراث تكون أحيانا أكثر من عشر مرات ضعف ما أنفقه هذا البلد أو ذاك على ترميم وصيانة تراثه وتثمينه وتسويقه بالطريقة العقلانية التي يجب تسويقها.
دون تحديد الاسم، نقول إن هناك متحفا في دولة ما يستقبل سنويا عشرة ملايين سائح، ومعلمة تراثية واحدة تستقبل ستة أو ثمانية ملايين سائح، سنويا. بينما نجد بلدانا بأكملها تصل بالكاد إلى عدد زوار معلمة واحدة مما ذكرناه. وهنا نقول إن التراث سيف ذو حدين : إما أن تعتني به فتغنم كنوز الأرض، أو تهمله فتبقى تكابد ويلات عجلة تنمية لا تدور. ولذلك فنحن لا نؤكد دوما على العناية بالتراث من باب الترف والتسلية أو التباهي فقط، بل إن العناية بالتراث هي أولا اعتناء بالهوية وتثبيت أقدام الشعب في الأرض، ثم إن التراث عجلة اقتصادية عظيمة، هي طاحونة، تطحن من يهمله، وتخدم بكل طواعية من يعتني بتراثه ذاك.
> ما هي الطريقة أو الكيفية التي تساهم بها الثقافة والتراث في التنمية السياحية والاقتصادية ؟
< إن العناية بالتراث، تشبه كرة ثلج، تكبر وهي تتدحرج. فبقدر العناية بالتراث والإنفاق عليه، بقدر ما تدور عجلة الاقتصاد، فيتشجع المستثمرون، وتبدأ منشآت قليلة ومتوسطة في الظهور، تتبعها استثمارات ضخمة في مشاريع كبرى، بالموازاة مع زيادة الطلب بفعل تنامي الحركية السياحية، الداخلية والخارجية.
تبدأ الحركة السياحية، في أية مدينة ومنطقة، ببرمجة وكالات الأسفار لمدينة معينة بمثابة وجهة مرور، ثم تصبح وجهة رسمية بقدر تنامي العناية وازدياد الطلب.
والمستثمر، رغم حس المغامرة، فهو بطبعه خائف، فلا يمكنه الاستثمار في منطقة لا توفر الأرضية المشجعة على الاستثمار.
ومن أولويات الاستثمار طرق المواصلات والقوانين الواضحة. ثم في مجال الاستثمار السياحي، تكون العناية بالتراث، المادي واللامادي، عاملا حاسما في توفير شروط استثمار سليم ومستدام.
لا يسع المجال لتفصيل دور “المَـيْسَنةُ الثقافية” في إقلاع الثقافة وتحريك العجلة الاقتصادية. والمَيسَنة الثقافية “le Mécénat culturel” هي ما يصطلح عليه بالرعاية الثقافية، وذاك خطأ في المعنى جرت به كل الألسن، ونشرنا فيه مقالا بالصحافة الوطنية، ضمنها جريدة البيان سنة 1998.
هذه المَـيسنة الثقافية هي نفسها عملية اقتصادية، ومالية، وضريبية، تعود بالنفع على المقاولة، مثلما تعود إيجابا على تنشيط الفعل الثقافي، والتراثي، وعلى الحركية الاقتصادية، محليا ووطنيا. ولذلك، فإن المقاولات “الذكية”، في توجهها الحديث، صارت تتوق إلى المساهمة في الأنشطة الثقافية، والمتحفية، وفي ترميم المعالم التراثية، إدراكا منها لما لذلك من وقع على روح المواطنة للمقاولة-المواطِنة، وتلميع صورة المقاولة، وعلى التخفيضات الضريبية، ثم ما يتبع ذلك من تدوير للعجلة الاقتصادية من استهلاك المواد وتشغيل يد عاملة وتحسين الموارد الاقتصادية للبلاد على المديين المتوسط والبعيد.
> من خلال ما أشرت إليه في السؤال السابق، حين نأخذ أمثلة من المغرب الذي لا يتعدى فيه عدد السياح سنويا إثنى عشرة مليون سائح، بمن فيهم مغاربة العالم، نجد مدنا قليلة جدا تستحوذ على أكثر من ثلثي الوجهات والعائدات السياحية، إلى ما يعود ذلك في رأيك ؟ ولماذا يفضل السياح مدن بعينها دون أخرى ؟
< لا توجد مدينة أفضل من أخريات، لكن المسألة هي قضية عناية بالتراث وتسويق للمنتوج. هي قضية عدالة تراثية مجالية. فكل مناطق المغرب تزخر بتراث ثقافي وطبيعي زاخر، غني ومتنوع، وله خصوصياته بالمقارنة مع مناطق أخرى. ومع ذلك هناك مناطق كثيرة لا يتم استغلال مؤهلاتها التراثية والطبيعية والبشرية، من قبيل مناطق وجدة وبركان وتازة وتاونات ووزان والحسيمة والجديدة وأسفي وتارودانت وميدلت وطاطا والسمارة وبوجدور، وغيرها.
ومن الطبيعي أن تقل الاستثمارات في بعض المناطق، وبديهي أن تعرف أزمة بطالة وتشغيل، وهو ما ينعكس على الاقتصاد الوطني عامة. وهناك مدن في العالم لا تتوفر بها ظروف استثمارات صناعية، ولا سبيل لها للنهوض والتقدم سوى تراثها الطبيعي والتراثي، ورأسمالها البـشري. فمدن مثل العرائش وأزمور وتازة والصويرة لا يمكنها النهوض إلا اعتمادا على ما تزخر به من تراث، لأنها ليست مدنا صناعية ولا مراكز مالية أو تجارية، باستثناء تجارة القرب. وهذا المدن والمناطق، وغيرها، تضم من المعالم العمرانية والمواقع الأثرية، ومن المناظر الطبيعية ما يأسر الناظر. ومن ثمة يمكنها أن تأخذ وظيفتها الطبيعية كقاطرة للتنمية، ويكفي فقط العناية بها، وفق مخططات مدروسة.
إن العناية بالتراث تساهم مباشرة في تحريك الاقتصاد منذ انطلاق أي ورش للترميم. فأشغال الترميم تستهلك موادا أولية مختلفة وتشغل يدا عاملة، وتساهم في الدخل الضريبي للدولة. ثم بعد ذلك يأتي تسويق ذلك التراث، فتبدأ الحركة السياحية، الداخلية ثم الخارجية. وهي الحركية التي تمشي بشكل تصاعدي، فتصبح مدينة ما وجهة عبور سياحي ثم تتحول إلى وجهة سياحية رئيسية، ومنها تتفرع وجهات ومسارات سياحية أخرى. كل هذا يدر على خزينة الدولة موارد مالية هامة جدا، بقليل عناء، وكثير صبر، ودهاء في التخطيط والبرمجة.
وللتدليل على هذه الصيرورة التراثية-التنموية، يكفي ذكر مثال مدينة الصويرة التي كانت تعاني الفقر الصريح لعشرات السنين، قبل أن تعرف نهضة تنموية يجب أن يحتدى بها عالميا، حتى أصبحت المدينة ليست فقط وجهة سياحية رئيسية، بل أضحت تتوفر على مطار بكل المواصفات. هذه الصيرورة، وهذه “النهضة الصويرية” لم تقم على صناعة ولا معامل وشركات، بل قامت وارتكزت على العناية بالتراث التاريخي والأثري واللامادي والبشري، وتثمينه وحسن تسويقه. وها هي اليوم مدينة أزمور تشق طريقها على نفس النهج، بفضل عناية بمستوى متوسط بتراثها التاريخي. فبفعل بعض مشاريع ترميم لا يستهان بها عرفتها مآثر أزمور بين 2014 و2018، دبت حياة جديدة في شرايين أزمور، وصارت المدينة اليوم قِبلة أفراد وجماعات، من داخل المغرب وخارجه، وبدأت بعض المشاريع تظهر بمدينة مولاي بوشعيب، وداخل أسوار المدينة العتيقة بالخصوص. كما أن تحولا كبيرا حدث ويحدث اليوم على مستوى السيكولوجيا الجماعية لساكنة أزمور التي أمست أكثر تمسكا بتراثها، وتتملكه، وترعاه وتساهم في رد الاعتبار إليه، في إطار عمل جمعوي صرف. وهذا هو رهان أي تدخل في التراث من طرف جهات وسلطات حكومية وعمومية، وهو أن يتملك السكان تراثهم، فيساهم ذلك في حركة إقلاع حقيقية.
نفس الحركية التي بدأت تظهر ملامحها اليوم بأزمور، سبق لمدينة الجديدة نفسها أن عرفتها نهاية تسعينيات القرن العشرين حين عرفت المدينة ترميمات هامة داخل الحي البرتغالي. ثم ارتفعت الواردات السياحية مباشرة بعد سنة 2004 حين تم تصنيف قلعة مازغان/الجديدة تراثا عالميا من طرف منظمة اليونسكو. وبعد ذلك تغير وجه الجديدة إلى الأفضل.
وبناء عليه، فإننا ننتظر في الثلاث سنوات القادمة أن ترتفع إحصائيات الزيارات السياحية بمنطقة دكالة إلى أكثر بكثير من 200000 زائر، علما أنها سجلت فقط حوالي 140000 زائر في 2019، بإحصاء فقط ليالي المبيت بالمؤسسات السياحية المصنفة، تضاف إليها عشرات آلاف أخرى تقيم في ما هو ليس مصنفا عند المصالح المختصة، وأعداد كثيرة تزور المنطقة عبورا فلا تقضي أية ليلة بها، فتضيع علها موارد لا يستهان بها. وإذا استمرت وثيرة ترميم المباني التاريخية والمعالم العمرانية بالجديدة وأزمور وبولعوان ورباط تــيط/مولاي عبد الله والوليدية والغربية، مثلا، فإن إقليمي الجديدة وسيدي بنور سيعرفان نهضة سياحية غير مسبوقة قد تصل من دون شك إلى 1 مليون زائر بعد عشر سنوات من الآن. وهذه الحركية السياحية ستصاحبها بالتدريج استثمارات متتالية، سواء في المؤسسات السياحية، أو في الوحدات التجارية والنهضة العمرانية والثقافية والاجتماعية.
> إذن، كيف يمكن جلب السياح إلى مختلف المدن المغربية اعتمادا على الثقافة والثرات ؟
< من خلال الإحصائيات العالمية الرسمية، وباستقراء الأرقام، يمكن الجزم أن السياحة الثقافية تستحوذ على أكثر من أربعة أخماس “4/5” الزيارات والواردات السياحية.
والسياحة الثقافية تشمل زيارة المعالم التراثية، والمتاحف، والمهرجانات الفنية، والمعارض الفنية الكبرى، والملتقيات الفكرية والعلمية والسينمائية. وهذه كلها تعتبر وجهات سياحية بالنسبة لوكالات الأسفار، ويكفي الحفاظ لكل تظاهرة على تاريخ قار.
إن مهرجانا مثل مهرجان أفينيون يمكنه أن يحول قرية إلى واحدة من أشهر الوجهات السياحية في العالم.
مثل ما حدث لأفينيون جون فيلار، يمكن أن ينطبق على مهرجان القرية والحمير بقرية بني عمار ضواحي زرهون، ومهرجان العيطة بأسفي، وموسم مولاي عبد الله، بتغيير صياغتها وتصورها وتسويقها.
كما يمكن أن ينطبق ذلك على ألوان فنية أخرى لو تمت برمجتها بتاونات، ووزان، وتازة والناظور، وسيدي قاسم، والقنيطرة، وأزمور، وخنيفرة، وبني ملال، وبركان، وزاكورة، وكلميم، والعيون، على سبيل الإشارة، لا الحصر.
لكن هذه النهضة التراثية والسياحية والاقتصادية لن تكتمل دون إحداث متاحف ومراكز تحليل التراث بكل المدن والأقاليم التي لا توجد بها أية نقطة متحفية، أولا لتحقيق عدالة مجالية في مجالات الثقافة والتراث. كما أن البنية التحتية وشبكة طرق المواصلات تحتاج إلى تخطيط جديد.
إن سؤال التراث والسياحة بالمغرب، إجمالا، يحتاج إلى مشروع رؤية جديدة.
*باحث أثري، مدير مركز دراسات وأبحاث التراث المغربي-البرتغالي “وزارة الثقافة”
***
زايد جرو*: يجب بناء تصور جديد لسياحة ثقافية مستدامة يمكن أن تكون بديلة وقوية.. يجب دمج قطاع الثقافة في القطاع السياحي
قال زايد جرو كاتب وباحث مهتم بالتراث المادي واللامادي بجهة درعة تافيلالت، إن السياحة جسر للتواصل بين الشعوب والأمم والثقافات وحصيلة إنمائية في تطور المجتمعات وارتفاع مستوى معيشة الفرد، مؤكدا أنها المحركة لعجلة الاقتصاد في التشغيل الذاتي والمقاولاتي والجمعوي والتعاوني.
وأكد زايد جرو، في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن المغرب غني بمواقعه السياحية والطبيعية التي جعلت منه قبلة للسياح من كل الدول، مستطردا “لكن هذه السنة تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد على قطاع السياحة في كل الدول كان له الأثر السلبي بشكل كبير على القطاع حيث تعطلت المنشآت السياحية في كل المدن المغربية التاريخية العتيقة وتعطل الاشتغال بفضاءات وواحات درعة تافيلالت… ومن المتوقع أن تمتد فترة تعافي القطاع السياحي والسفر وعودته إلى المستويات المسجلة قبل الأزمة مدة طويلة”.
وأوضح زايد جرو، أن السياح بالمغرب أنواع مختلفة منهم من تستهويه المناظر الطبيعية المتعددة والمتنوعة والمختلفة ومنهم من تستهويه الأبحاث الإريكيولجيا والمناطق الأثرية ومنهم من يستهويه التراث المادي والمعمار التقليدي للقصور والقصبات ومنهم من يستهويه التراث الشعبي وعادات المغاربة المختلفة ومنهم من تستهويه العلاقات الاجتماعية والدفء الأسري بين المكونات الاجتماعية المغربية.
واعتبر المتحدث ذاته، أنه في ظل الأزمة الحالية يجب تبني استراتيجية جديدة لتنمية السياحة من أجل التخفيف من آثار الأزمة، والكل مدعو إلى تقييم عام وموضوعي شامل للعرض السياحي الوطني من خلال تبني استراتيجية جديدة مندمجة لتنمية متواصلة للسياحة الداخلية من أجل استقطاب السياح المغاربة لاستهلاك المنتوج السياحي الوطني بكنوزه المادية واللامادية لتقليص التداعيات السلبية للجائحة.
وشدد زايد جرو، على أن انتعاش القطاع السياحي في هذه اللحظة الحرجة يتطلب الترويج لما يوحد جميع المغاربة من إرث ثقافي وتنوع فكري وصناعي تقليدي وتلاقح ثقافي وتعايش سلمي وتجسيده واقعا ملموسا عبر لقاءات واشرطة ومعارض لتقوية اهتمام المتتبعين من الداخل والخارج باعتبار الجانب الثقافي والتراثي هو من يعزز الانتماء الذي يميز البلاد عن غيرها وأحد العناصر الأساسية للهوية الثقافية المغربية.
وأضاف المتحدث أنه يجب الانكباب على الجانب المشار إليه بشكل جدي وسريع لمقاربة مسألة التراث والتنمية السياحية عبر سفريات منظمة وتخفيضات ملموسة في النقل والحجز في الفنادق لزيارة المواقع التاريخية العريقة والبيئة الاجتماعية والثقافية، والأثرية المغربية والحد أو التقليل على الأقل من عدد السياح المغاربة الذين يقضون عطلهم السنوية في إسبانيا أو تركيا الشبيهتين في البنية المعمارية التقليدية للمعمار المغربي الأصيل.
وحسب زايد جرو، “فإذا كانت الوضعية الحالية تمنع التجمعات بشكل كبير فيجب الاشتغال على المنشآت السياحية الكبيرة لتنظيم مختلف الأنشطة الثقافية واللقاءات التي تشتغل على التراث والفن من أجل بناء تصور جديد لسياحة ثقافية مستدامة يمكن أن تكون بديلة وقوية تجلب سياحا آخرين من درجات اجتماعية راقية داخل الوطن وخارجه لمعاينة التنوع الأثري والحضاري، والعلمي، واللغوي المغربي لنقل التراث من الأنا الضيقة للآخر العريض والمتنوع والمتعدد وبهذه الطريقة سيتخذ التراث الثقافي بعداً آخر، غير هامشي وسيحتل مع الزمن قلب التنمية المجتمعية”.
واعتبر زايد جرو، “أن مؤسسات الدولة من وزارة الثقافة ووزارة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي وغرف الصناعة التقليدية بالجهات، والمديريات الجهوية لقطاع الثقافة ومجالس الجهة والجماعات الترابية والمنتخبين وفروع اتحاد كتاب المغرب ووزارة التربية الوطنية وجمعيات المجتمع المدني والهيئات الثقافية والنقابية والإعلام كلها مسؤولة للترويج الثقافي والعمل على بيان أبعاده الاقتصادية والروحية، وذلك بمحاولة دمج قطاع الثقافة في القطاع السياحي ويجب وضع خطط ملموسة قابلة للتنزيل بدل خطابات تملأ الرفوف بالتدوينات والملاحظات والاقتراحات دون أن تجد طريقا للتنزيل، فبدون انخراط فعلي لهذه المؤسسات لا يمكن الحديث عن دور الثقافة والتراث في تحريك عجلة السياحة”.
وتابع زايد جرو، أن الثقافة مسؤولية جماعية ومشتركة بين جميع القطاعات فهي الوجه الذي تحافظ به الأمم على سيرورتها وكينونتها، مضيفا “فبدون ثقافة لا يمكن الحديث عن الهوية لكن للأسف آخر ما يمكن التفكير فيه هي الثقافة ولا يمكن لقطاع واحد أن يتحمل عبء الترويج والتسويق الثقافي للمنتوج والتعريف به، فرغم وجود غيورين ومتحمسين للحفاظ على الأنا الثقافية المغربية في مواجهة العولمة الداخلة تبقى محاولات محتشمة أمام الميزانية الضعيفة التي تخصص للقطاع”.
*كاتب وباحث مهتم بالتراث المادي واللامادي بجهة درعة تافيلالت
***
3 أسئلة لمحمد عبدالوهاب العلالي
> أي دور للسياحة والثقافة في تحريك عجلة السياحة ؟
< تعتبر السياحة أحد أعمدة التنمية ومصدر للدخل لكثير من المجتمعات كما تثبت ذلك المعطيات المتعلقة بمكانة السياحة بالنسبة لباقي المجالات الاقتصادية والاجتماعية في تجارب دولية مختلفة. بخصوص دور الثقافة والتراث في تطوير السياحة فإن ربط العامل الثقافي وضمنه التراث بالسياحة عنصر هام وأساسي بين بقية العوامل والعناصر الأخرى.
عندما نتحدث عن ربط السياحة بالثقافة ماذا يعني ذلك؟ يعني بالأساس على مستوى أول دور الصورة الحضارية والثقافية للأمة في علاقتها ببقية الأمم ومدى القدرة على تسويقها في نطاق منتوج سياحي ثقافي تراثي تاريخي والتعريف بمكنونات الحضارة والثقافة المغربية وتاريخ عريق قائم على التعددية، والتنوع الثقافي والانفتاح والتسامح والعيش المشترك ميز المغرب خلال تاريخه الطويل. ويعني ذلك، الاستعراض المستمر والمتفاعل لمختلف التعبيرات لأشكال النشاط الاجتماعي والثقافي والفكر ارتبطت بالإنسان المغربي في علاقته بذاته وفي علاقته بالآخر. وهنا نجد في هذا المعطى نقطة سلبية نحتاج إلى تحقيق قطيعة معها بالانتقال من صيغ استخدام سياحتنا لأساليب العرض الفلكلوري لثقافتنا وحضارتنا وحضارة الأجداد طوال القرون الماضية. وربطها بخدمة مصالح خارجية أكثر من ارتباطها بمصالح دولة قوية وأمة مغربية راسخة في التاريخ.
والعنصر الثاني بخصوص دور السياحة في تحريك عجلة التنمية، يرتبط بمدى وجود فلسفة للسياحة أو سياسة وطنية للسياحة تجعل من الثقافة والبيئة عناصرها ودعاماتها الأساسية. فلا يمكن النجاح في جذب السياح، من الخارج كما من الداخل، لفضاءات معزولة يغيب فيها التنشيط الثقافي والفني والرياضي والمهرجانات والمواسم الفنية والثقافية والرياضية المختلفة. وإذا ما ألقينا نظرة حول واقع الحال فباستثناء مراكش والصويرة وعدد محدود من النقط الأخرى، واستثنينا التجربة الناجحة في كل من الصويرة وأصيلا في ربط تطور المدينتين بالتنمية الثقافية والسياحية، مع الفوارق القائمة، فإن بقية مناطق البلاد تفتقر إلى مركبات سياحية تتوفر على عروض فنية وموسيقية وكرنفالات وألعاب وغيرها من الفنون الاستعراضية التي تضفي معنى للاستجمام والعطلة السنوية أو العطل القصيرة والتعرف على التراث الثقافي والفني المتنوع لمختلف مناطق البلاد، مما يجعل منها فضاءات مهجورة أو قليلة الزيارة بسبب غياب هذا البعد اللامادي.
لكن رغم هذا التباين، فان وعيا متزايدا لدى المسؤولين يؤشر بامكانية التجاوز، وضمن هذا المنحى نشير إلى اعتماد مدينة الرباط خلال الأيام القليلة الماضية لمخطط محين لتدبير تراثها خلال الفترة 2020 – 2025، ضمن رؤية تدمج بعد التنمية الاقتصادية والتنمية الثقافية والسياحية في أفق تكاملي بين عدة فاعلين، وهو ما يجعلنا بحاجة إلى تعميم هذا النموذج وتعميمه على بقية المدن خاصة تلك المصنفة كتراث عالمي لدى منظمة اليونسكو كفضاءات معبرة عن غنى وتنوع التراث الثقافي والطبيعي المغربي وحمولته الحضارية المادية وأبعاده اللامادية.
وبالنسبة لعلاقة السياحة بالتراث الثقافي فهي تعاني أيضا من اختزال في الرؤية للتراث. فالتعريف الذي تقدمه منظمة اليونسكو يميز بين مكونات أساسية تضم التراث المبني والمنقول والتراث الطبيعي والمناظر الطبيعية والتراث اللامادي. وكلما توقفنا على منظومة فرعية من هذه المنظومات الخاصة بالتراث إلا واكتشفنا أنها توفر إمكانيات استثنائية لتطوير السياحة.
لابد القول أنه خلال العقود الأخيرة قد بذلت مجهودات كبيرة في صيانة التراث المادي من خلال حملات الترميم الضخمة لمدن عتيقة والقصبات والعديد من المواقع ودعم العديد من المهرجانات لكن ذلك لم يعد وحده دافعا لجذب المزيد من السياح. فالمغرب بكونه بلدا مميزا للمناظر الطبيعية بامتياز لا يستفيد منها على النحو المطلوب في السياحة بسبب أن الولوج إلى هذه الأماكن غير مضمون وتوفر إمكانات النقل والطرق والمسارات والخرائط والدلائل والأمن والتجهيزات والمرافق والخدمات والتغذية والترفيه حتى إذا كانت متوفر لا ترقى إلى مستوى مرضي وتشكل معوقات حقيقية.
> كيف يمكن جعل الثقافة والتراث حافزا للسياحة لزيارة مختلف المدن المغربية؟
< علاقة السياحة بالتراث لابد من النظر إليها ضمن فلسفة النموذج التنموي والذي في حالته المثلى أن يكون إلا نموذجا متوازنا يربط بين التراث الطبيعي والتراث المادي والتراث اللامادي بكل معنى الكلمة على نحو يربط بين العناصر المادية والعوامل الثقافية والعوامل الايكولوجية وأعتقد أننا في مرحلة ما بعد الجائحة بحاجة إلى تبني فلسفة من هذا النوع للنموذج التنموي قيد التحضير.
من هذا المنطلق فالنظرة الشمولية لعلاقة السياحة بالثقافة والتراث تفرض ضرورة إدخال البعد الايكولوجي والسياحة الايكولوجية أو السياحة البيئية في صلب التراث حيث المواقع الطبيعية التي تزخر بالتنوع الحيوي تمثل مخزونا وبعدا هاما لاستثماره في السياحة بما توفره للناس من إمكانيات لزيارة معالم البيئة واستكشاف الجبال والأنهار والبحيرات والتزلج والتجديف وغيرها من الأنشطة السياحية الهامة. فبلادنا يمكن أن تفتخر بالمواقع البيئية الهامة والمنتزهات والواحات، من شأن العناية بها وتأهيل الساكنة للتعامل معها أن يشكل أحد الأبعاد الداعمة للسياحة الوطنية والحفاظ على تراث بنوعيه الثقافي والطبيعي وموارده المختلفة وتحقيق أثر إيجابي له على الاقتصاديات المحلية لما يوفره من فرص ومشروعات صغيرة ومتوسطة وفرص عمل وإمكانيات استغلالها في جذب السياح واستعراض الفنون المحلية.
إن الدمج بين السياحة الثقافية والسياحة الايكولوجية وربطها بالاقتصاد والتنمية المحلية لا يمكن تصوره دون استراتيجيات تحسيسية وتواصلية داخلية وخارجية، واليوم توفر وسائل الإعلام والتواصل ووسائل التواصل الاجتماعي إمكانيات لا محدودة للتعريف بمختلف أنواع المنتوجات السياحية، ونقدم هنا مثالا واحدا من خلال نموذج السلسلة الوثائقية أمودو على القناة الأولى التي عرفت المغاربة والأجانب بالتراث الثقافي والطبيعي المغربي المتنوع والتعددي وخاصة الأمازيغي من خلال عشرات حلقات السلسة، أو من خلال المهرجانات الدولية التي توج فيها بجوائز، ومن خلال تواجده على وسائل التواصل الاجتماعي عبر فايسبوك واليوتوب من خلال صفحات بها آلاف من المشتركين، وهذا مثال لما يمكن إن يقدمه الاتصال في خدمة السياحة.
في رأيكم، هل تلقى الثقافة والتراث العناية اللازمة في رؤية مرتبطة بالسياحة؟
< يفرض السياق الحالي لجائحة كورونا وتأثيرها على مختلف القطاعات بما فيها قطاع السياحة والثقافة ضرورة ملائمة رؤية 2020 للسياحة للأوضاع الجديدة، والحذر من الميل إلى الاعتماد على نموذج السياحة الخارجية. وهو ما يعني موائمة وتكييف سياسة القطاع السياحي مع الوضع الجديد وفق خطة تقلص من التأثيرات السلبية لحركة النقل الجوي والعلاقات مع الخارج والاعتماد على خطط جديدة تعزز المجهودات التي بذلت وتمنحها بعدا جديدا بتطوير نمط للساحة الذاتية لضمان استمرار قطاع السياحة كأحد القوى المحركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالمملكة بتركيز الاهتمام على المغاربة بما فيهم المغاربة المقيمين بالخارج. وضمن هذا المنظور فإن ارتباط الثقافة بالسياحة أمر بنيوي يخدم على نوع متفاعل الواحدة الآخر.
وهذا يتطلب التربية على السياحة كمكون آخر للتربية على التراث. إذا ما اعتبرنا أن التراث هو مجموع الممتلكات التي تتناقل من جيل إلى آخر، فإن التربية على السياحة الثقافية والطبيعية توفر الأجيال الجديدة وتعزز اتجاهات السياحة المواطنة القائمة على احترام البيئة الثقافية والطبيعية.
وهنا لا بد من التأكيد على أنه رغم الجهود التي بذلت خلال العقود الأخيرة للمحافظة وتثمين وإشعاع النور الثقافي والفني ببلادنا وأعمال دعم للمتاحف والقلاع والقصبات والمواقع، وإبراز وجهات للمهرجانات الثقافية والفنية والرياضية المختلفة في نطاق ما عرف بالسياحة الثقافية، فإنها لم تحقق النتائج المأمولة بسبب عدم الاستمرارية وتغير السياسات مع تغير المسؤولين وغياب سياسة تكاملية واضحة ودقيقة بين مختلف القطاعات.
لذلك نقول، إن وجود رؤية شمولية لقطاع السياحة من شأنها أن تشكل خلفية أساسية لجذب الجمهور للسياحة وطنيا ودوليا وهذا يتطلب بذل مجهودات استثنائية لتهيئة الفضاءات التي ظلت مقصية لوقت طويل، والعمل على تهيئتها وتطوير البنيات التحتية المساعدة ضمن سياسات جهوية ومحلية، وإنعاش السياحة في الأوساط القروية ودعمها ببرامج التنشيط الثقافي والفني المساعدة خاصة بالنسبة للواجهات البحرية والمناطق الجبلية حيث العامل الثقافي والفني يشكل عنصرا غائبا بإمتياز. فهناك أمثلة عديدة يمكن ملاحظتها على أرض الواقع لوجود مركبات سياحية كبيرة ولكنها تفقد إلى برامج التنشيط الثقافي والفني والرياضي مما يجعل الإقامة والعودة إليها صعبا،وهذا يؤلمنا عندما نقارن بعض دول الجوار كإسبانيا وتونس وتركيا ومصر.
إرثنا من الماضي يجب أن نعيشه في الحاضر وننقله إلى الأجيال القادمة والسياحة تشكل آلية متميزة لذلك. إذا كان الصينيون قد ابتكروا طريق الحرير ليعيشوا الماضي في الحاضر ألا يمكننا أن نطور صيغة عصرية لطريق الذهب في إفريقيا يعيد للمغرب مكانته كدولة قوية ذات تاريخ عريق ؟*أستاذ التعليم العالي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، ومؤلف كتاب “الثقافة والاتصال والمجتمع”، له العديد من الدراسات والأبحاث حول قضايا الثقافة والاتصال
***
مهرجانات ومواسم منتظمة في العديد من المدن المغربية للتأكيد على أهمية العمل الثقافي والفني في تشجيع السياحة
موسم مولاي عبد الله أمغار
يعتبر موسم مولاي عبد الله، بجماعة مولاي عبد الله، إقليم مدينة الجديدة، واحدا من أهم التظاهرات الدينية والثقافية على الصعيد الوطني. ينظم منذ مئات السنين برباط تيط (مركز مولاي عبد الله حاليا) من طرف قبائل دكالة احتفاء بالولي الصالح مولاي عبد الله أمغار.
تتوزع المظاهر الاحتفالية للموسم، التي يحضرها طيلة أيام إقامته أزيد من +2000000 زائر محليين و وطنيين ودوليين، بين الأنشطة الدينية بضريح الولي الصالح والمسجد التابع له والأنشطة الفكرية والثقافية والترفيهية بمختلف فضاءات الموسم. ويتميز باستمرار أنشطته، فإذا كان النهار يخصص لألعاب الفروسية والصيد بالصقور فإن الليل يشهد حفلات فنية شعبية وتراث الحلقة. وحسب الإحصائيات الرسمية، فقد بلغت المساحة الإجمالية لفضاء موسم الولي الصالح “مولاي عبد الله أمغار”، السنة الماضية، ما يربو عن 120 هكتار ممتدة على الساحل الأطلسي وتم نصب مدينة من الخيام على امتداد هذا الفضاء حيث بلغ عدد الخيام المنصوبة حوالي 22 ألف و500 خيمة، وبلغ عدد الفرسان المشاركة والتي أبدعت وقدمت أجود ما لديها في فن التبوريدة 1420 فارس، فيما بلغ عدد الزوار 1.8000.000 زائر وعدد الجماهير التي تابعت السهرات الفنية على منصة موسم مولاي عبد الله أمغار 320000 متفرج.
****
مهرجان أصيلة الثقا في المفتوح
يعد المجال السياحي من أنشط المجالات الاقتصادية بمدينة أصيلة، حيث تستقطب المدينة آلاف الزوار سنويا لمشاهدة مآثرها التاريخية والثقافية وللمشاركة في مهرجان أصيلة الثقافي المفتوح وهو عبارة عن تظاهرة فنية مفتوحة خاصة بالفن التشكيلي يشارك فيها مئات الفنانين والهواة والمبتدئين.
وتظل المدينة بعد ذلك معرضا مفتوحا لأهم وأجمل اللوحات طيلة عام كامل. كما تعد شواطئ المدينة والتي تمتد على طول 17 كيلومترا من أهم وسائل الجذب السياحي، حيث تستقطب هذه الشواطئ آلاف المصطافين سنويا من داخل المغرب ومن شبه الجزيرة الإيبيرية بشكل خاص.
ويشار إلى أن مجموعة من الفنانين البحرينيين الذين سبق لهم أن شاركوا في فعاليات مواسم أصيلة الثقافية الدولية، أطلقوا خلال الأيام الماضية مبادرة افتراضية برسم جدارية مشتركة تعبيرا عن دعمهم للجهود التي تقوم بها مؤسسة منتدى أصيلة لاستمرار نشاط المؤسسة رغم الظروف التي فرضتها جائحة كورونا، تأكيدا منهم على أهمية استمرار العمل الثقافي والفني لنشر رسائل المحبة والمودة والتعاضد بين الشعوب.
***
معرض الفرس بالجديدة
يعتبر معرض الفرس، الذي ينظم من طرف جمعية معرض الفرس، واجهة تعكس التراث المغربي الأصيل في مجال الفروسية وحدثا مهما لتشجيع سلسلة تربية الخيول الوطنية. في كل سنة، يشهد المعرض مسابقات وطنية ودولية من مستوى عال وبرنامجا تنشيطيا غنيا ومتنوعا، يخصص بالكامل لعالم الفرس: أنشطة ترفيهية، ثقافية، فنية، رياضية موجهة لكافة فئات الجمهور.
وتجري فعاليات المعرض بين 15 و20 أكتوبر من كل سنة بمركز المعارض محمد السادس بالجديدة، منذ سنة 2015، إذ مكن هذا المركز الجديد والأول من نوعه في إفريقيا من توفير الظروف الملائمة الكفيلة بإبراز وتثمين سلسلة تربية الخيول والإسهام في تسريع تنميتها وتطورها.
وقال عمر الصقلي، المدير العام للشركة الملكية لتشجيع الفرس “سوريك”، في ندوة صحفية خلال الدورة الماضية إنّ “معرض الفرس بالجديدة يعرفُ نجاحاً منقطع النّظير ويزداد إشعاعه عاماً على عام، سواء من حيث عدد الزوار والمشاركين أو جودة التنظيم والفرص التي يتيحها للمهنيين والعاملين في المجال”، مورداً أن “المعرض يعرفُ برمجة غنية تتداخل فيها ثقافة الفرس المغربي الأصيل بجمالية التقاليدِ المحلية”.
***
مهرجان حب الملوك
مهرجان حب الملوك هو من أقدم المهرجانات الشعبية في المغرب تجري أحداثه ويُقام بمدينة صفرو في المغرب منذ عام 1920 ميلادية. يحضر هذا المهرجان الكثير من السياح الأجانب والزوار المغاربة. ويتميز المهرجان بترشيح الفتيات لنيل لقب ملكة جمال حب الملوك.
ويعتبر المغرب من أهم البلدان المنتجة للكرز، بحوالي 7.4 ألف طن. وعملية جني ثمار الكرز تكون عادة ما بين نهاية شهر مايو وبداية شهر يوليو. وقد أسس مهرجان حب الملوك بمدينة صفرو في المغرب احتفاء بهذه الفاكهة منذ عام 1920 ميلادية. يحضر هذا المهرجان الكثير من السياح الأجانب علاوة على الزوار المغاربة من العديد من المدن المختلفة.
وتتزامن الاحتفالات مع نهاية موسم قطف فاكهة الكرز الذي يسمى “حب الملوك” في المغرب، لمدة ثلاثة أيام في يونيو من كل عام، ويعرف المهرجان اختيار ملكة الجمال، وقد كانت في السابق أحد رموز التعايش في المدينة، حيث يشارك في المسابقات مسلمات ويهوديات ومسيحيات، ولكن بعد هجرة الفرنسيين بعد الاستقلال ثم هجرة جل المغاربة من الديانة اليهودية اقتصرت المسابقة على الساكنة المحلية من المسلمات.
ويقول منظمو المهرجان إن صفرو هي المدينة المغربية الوحيدة التي تتوج ملكة الجمال بدون حساسيات سياسية بموازاة مع تنظيم مهرجان حب الملوك، والسر في الجمع بين الاحتفالين تشابه فاكهة حب الملوك أو الكرز الخجولة بملامح الفتاة الجميلة.
ويتم اختيار ملكة الجمال ووصيفتيها من بين تسع مرشحات، وفي احتفال ترافقه الأهازيج العربية والأمازيغية تكلل ملكة الجمال ووصيفتيها، يعقبه استعراض شعبي يطوف شوارع المدينة مصحوبا بنغمات فرق موسيقية شعبية تختزل الترابط القديم الجديد بين جمال الطبيعة والجمال الآدمي.****
فيستسفال تيفاوين
يقام مهرجان تيفاوين “الأنوار” سنويا بالجماعة القروية أملن، دائرة تفراوت، إقليم تزنيت. ويضيء المهرجان دوراته بحفل زواج جماعي أمازيغي، و”ينتصر” لفنون القرية، على خلاف المهرجانات المغربية الكبيرة. ويحتفي مهرجان “تيفاوين”، بالموسيقى الأمازيغية، في سهراته الغنائية الكبرى المفتوحة للعموم، إضافة إلى إضاءات فكرية على رموز ثقافية مغربية أمازيغية.
كما ينظم مسابقة وطنية على مستوى التراب المغربي للتلاميذ المغاربة في الإملاء بالحرف الأمازيغي “تيفيناغ” الذي أصبح يدرس في المدارس الابتدائية في بعض المناطق المغربية منذ سنوات قليلة.
ويسلط المهرجان الضوء على مقومات القرية التفرواتية كفضاء مجالي وثقافي تتفاعل فيه جمالية فنون القرية الامازيغية الاصيلة بالابداعات الموسيقية العصرية.
وتسعى “جمعية تيفاوين” لأن تحافظ على مقومات الاستمرار من خلال ترسيخ هوية المهرجان المتمثلة في “الانتصار للقرية” كتيمة خاصة تسمح بتسليط الضوء على مقومات القرية، كفضاء مجالي وثقافي من جهة، ومن جهة أخرى تضفي عليه مقومات التجديد من خلال برمجة متماسكة يتناغم فيها السؤال الثقافي بمثيله التنموي، وذلك بتنظيم مجموعة من الأنشطة السوسيوثقافية والتنموية تتفاعل فيها جمالية فنون القرية الأمازيغية الأصيلة بالإبداعات الموسيقية العصرية.ملف من إنجاز: عبد الصمد ادنيدن
تصوير: أحمد عقيل مكاو