مشروع القانون المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز يعود لنقطة الصفر

يبدو أن مشروع القانون 79.14 المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، والذي يوجد حاليا قيد المناقشة بمجلس النواب، سيعود إلى نقطة الصفر، بعد أن وصل النقاش المحتدم حوله إلى الباب المسدود، وخاصة في ظل الاحتجاجات القوية التي يواجهها المشروع سواء داخل أو خارج قبة البرلمان.
فقد أقدمت فرق المعارضة، أول أمس الثلاثاء، على الانسحاب بقوة من جلسة مناقشة المشروع ضمن لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، وذلك احتجاجا على المسار الذي اتخذه النقاش بسبب رفض الاقتراحات المقدمة من قبل الفرق البرلمانية في المعارضة، وبعض فرق الأغلبية، من أجل تعديل عدد من مواد المشروع في أفق المصادقة على صيغة نهائية كان من المقرر أن تعرض في أقرب وقت للمصادقة ضمن جلسة عمومية.
قرار انسحاب المعارضة أدى إلى إيقاف الجلسة، التي جرت أشغالها بحضور وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، وبالتالي إيقاف النقاش حول المشروع إلى أجل غير مسمى. وأفادت مصادر حضرت الجلسة لبيان اليوم، أن الوزيرة رفضت معظم مقترحات التعديلات التي قدمت من قبل فرق المعارضة وكذا عدد من  فرق الأغلبية، حيث ارتأت هذه الفرق أن الصيغة الحالية للمشروع تتضمن عددا من الإشكالات العميقة التي لا تتناسب مطلقا مع أدوار وأهداف الهيئة الدستورية المزمع إحداثها، كما أشار إليها دستور 2011، وتحديدا الفصلين 19 و164 منه.
وبالموازاة مع هذه التطورات، ارتفعت كذلك حدة الاحتجاجات التي تشنها جمعيات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الإنسان والجمعيات النسائية، ضد مشروع القانون الذي تعتبر هذه الهيئات أنه يرمي إلى “الالتفاف على المكتسبات التي جاء بها دستور 2011” بشأن حقوق النساء، وذلك من خلال إخراج هيئة دستورية “فارغة من المحتوى وغير قادرة على القيام بأدوارها الحقيقية في النهوض بحقوق النساء وحمايتهن من التمييز”.
فقد أصدرت عدة جمعيات نسائية، خلال الأيام الأخيرة، بلاغات احتجاجية وتنديدية بالمشروع، معلنة عزمها على التصعيد ضده والتصدي لرغبة المصادقة عليه في صيغته الحالية.
وأوضحت رشيدة الطاهري، النائبة البرلمانية ضمن فريق التقدم الديمقراطي بمجلس النواب “حزب التقدم والاشتراكية”، في اتصال أجرته معها بيان اليوم، يوم أمس، أن مشروع إحداث هيأة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، كهيأة دستورية، وكمؤسسة وطنية لحقوق الإنسان معنية بحماية النساء من التمييز، ومنذ عرضه للمناقشة ضمن لجنة القطاعات الاجتماعية، واجه انتقادات عديدة من قبل عدد من الفرق النيابية، وذلك على اعتبار عدم أخذه بعين الاعتبار للمرتكزات الأساسية لمشروع إحداث هيأة من هذا القبيل، وهي المرتكزات التي يفترض أنها تمتثل لمقتضيات الدستور، وكذا لمعايير ومبادئ الهيئات الوطنية لحقوق الإنسان كما تنص عليها القوانين الدولية ومبادئ باريس. وعلى رأس هذه المرتكزات ضرورة تنصيص المشروع على تعريف واضح للتمييز، وتحديد صلاحيات الحماية المخولة للهيأة ومن بينها صلاحية تلقي ودراسة الشكايات والتحري والتدخل في حالات التمييز، دون تداخل مع اختصاصات القضاء، فضلا عن تحديد طبيعة وكيفية تركيبة الهيأة، وكذا امتدادها الجهوي وتفادي مركزتها سواء على مستوى التمثيلية أو الامتداد الجغرافي.
إلا أن المشروع في صيغته الحالية، تضيف الطاهري، يذهب في اتجاه تقييد أدوارها واختزال مهامها في الأدوار الاستشارية مع تجاهل أدوار الحماية ومكافحة التمييز، فضلا عن تعميم ولايتها بحيث لا تختص بحالات التمييز ضد النساء بل تمتد إلى فئات اجتماعية أخرى، وهو ما يتناقض مع دورها الدستوري ويجعلها متداخلة مع مؤسسات حقوقية وطنية أخرى. كما أن مسألة التركيبة أثارت بدورها نقاشا كبيرا بحيث اعتبرت مسألة التمثيلية المقترحة ضمن المشروع غير متلائمة مع أهدافه، إذ في الوقت الذي يبدو فيه من المطلوب أن تمثل في الهيأة حساسيات مختلفة، مع احترام معايير النزاهة والكفاءة والاستقلالية، إلا أنه من المناسب أيضا ترجيح منطق الخبرة والتجربة الميدانية في التعامل مع حقوق النساء ومكافحة أوجه التمييز ضدهن، وهو ما لا يتم احترامه دوما عندما يتم إعمال منطق التمثيلية الواسعة في إحداث الهيآت الوطنية.    
واعتبرت الطاهري أنه كان من الطبيعي أن تفضي هذه الإشكالات، مقرونة بتشبت الوزارة صاحبة المشروع بموقفها الرافض للتعديلات المقترحة، إلى مزيد من الاحتقان في أجواء مناقشة المشروع ضمن لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، بحيث تم في وقت سابق تشكيل لجنة نيابية تقنية، من أجل محاولة التوصل إلى نوع من التوافق حول التعديلات المقترحة. لكن إصرار كل طرف على رأيه أفضى إلى المآل الذي عرفه المشروع أول أمس من خلال إيقاف المناقشة حوله.
ودعت الطاهري إلى إعادة النظر في كيفية التعامل مع الملف، من خلال نقاش هادئ يأخذ بعين الاعتبار مقتضيات الدستور بإحداث هيأة مستقلة ذات ولاية خاصة بحقوق المرأة وحمايتها من التمييز، وكذا مختلف التراكمات والمكتسبات التي تم تحقيقها ضمن مسار إحداث هذه الهيأة الذي سبق إقرار دستور 2011 بسنوات طويلة، عملت فيها الحكومات المتتالية وكذا جمعيات المجتمع المدني، الحقوقية والنسائية، على تحديد معالم ومضامين وأهداف مؤسسة وطنية معنية بحقوق النساء.

سميرة الشناوي

Related posts

Top