مطلب الثقافة السينمائية

غالبا ما يتم الحديث عن مشكل انقراض وقلة القاعات السينمائية في المغرب من زاوية نظر السينما المغربية المفترضة فقط، أي كإمكانية لتوزيع وبث الحياة في الفيلم المغربي، الذي بدأ يُنتج بوتيرة محترمة ومستقرة، مقاربة مشروعة، لكنها تغفل مطلبا آخر مرتبطا بالدور الذي يمكن أن تقوم به هذه المؤسسات في نشر الثقافة السينمائية في بعدها الإنساني العام من خلال عرض أفلام عالمية بمختلف أنواعها، التجارية والثقافية وأفلام السينمات الوطنية، كما كان الشأن إلى حدود التسعينات من القرن الماضي.
ولا تذهب أبدا الانتقادات الموجهة لما تبثه قنوات القطب العمومي إلى فراغ برمجتها لسينما ببعد تثقيفي، أي برمجة سينمائية تزاوج بين أفلام شباك التذاكر وبرمجة خاصة تتراوح بين أفلام كلاسيكية طبعت تاريخ السينما الدولية، والعربية، وأفلام السينمات الوطنية، وأخرى حصلت على جوائز في مهرجانات معروفة، كما كان الشأن، مرة أخرى، إلى عهد قريب. حيث شاهدنا على شاشة القناتين تحفا سينمائية مازالت تَحتفظ بها ذاكرتنا، وربما أثرت على مسار حياة بعضنا.
لا ينبغي أن تعفينا وفرة الإنتاج النسبية عن مطلب الثقافة السينمائية، أي لا يجب أن تنسينا الحركية التي يعرفها الإنتاج السينمائي في المغرب، أن الصورة لا تكتمل إلا بوجود ثقافة سينمائية ووجود آليات تعميمها كما كانت تَطلع بذلك الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب في زمن السيلولويد والالتزام الثقافي والسياسي، بالموازاة مع القاعات التجارية وأنشطة أخرى.
 لايجب أن ننغلق على أنفسنا ونتبادل دور المرجعية بيننا، وأن نتحول شهودا لبعضنا البعض، علما أننا في أقصى الحالات لسنا بعد مؤهلين لذلك، وحتى وإن كنا كذلك، لن يكون ذلك كافيا لأن الثقافة السينمائية لاتتبلور من سينما وحيدة خصوصا إذا كانت هذه السينما مازالت تبحث عن ذاتها. الحاجة إلى ثقافة سينمائية هي حاجة لتربية الجمهور وجعله وفيا متشوقا للجديد، لسينما كقيمة مطلقة، دون تفضيل سينما عن أخرى.
 بفضل وجود سوق متطورة وذكية للأفلام المقرصنة بالمغرب، أصبح المهتم منا يشاهد (أو يشتري فقط) كل الأفلام التي حصلت على الجوائز العالمية على مر العصور أو اعتراف النقاد، والمجلات السينمائية وأفلام تاريخ السينما، إلى درجة أنه هناك من يشتري السينيفيليا بالجملة “كُرجة” دفعة واحدة، بأن يقتني المئات من الأفلام كحل سحري لفراغ ثقافي متأصل، وتاريخي، وكتعويض عن سينيفيليا كان من المفروض أن تبدأ في سن مبكر. للأسف لا يحس المتتبع لأثر لهذا الهوس السينيفيلي المبالغ، على النقاش العام حول السينما الذي أصبح نقاشا فيه نوع من المبارزة على من شاهد أكثر وتبادل العناوين.
لنقلها بصراحة، إلى حدود الساعة الفئة الوحيدة التي تستطيع أن تنتج خطابا عن السينما أو تنتجها، أو النخبة السينمائية هي عموما من بقايا الجيل الذي تربى في القاعات المظلمة. ماذا عن جيل أغلبه لا توجد في قاموسه مشاهدة فيلم في شروط قاعة سينمائية وتربى بدون أن يحس بأي حاجة لذلك، عندما يريد أن “يطيح الرأس” ليلا، يُحمل فيلما ما ليشاهده، وهو في نفس الآن يتواصل مع العالم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ويَنساه ما أن يَغلق الحاسوب وكأن شيئا ما كان.
أظن أن عدم الإقبال على القاعات السينمائية يتجاوز مستوى الأفلام وانتشار القرصنة والجودة التقنية للعرض وتفاصيل أخرى وموقع القاعات في مناطق آمنة. هناك شيء ما تغير في سلوك المغاربة وجعلهم يفقدون تقاليد التنقل للذهاب إلى السينما لمشاهدة فيلم، وبالتالي لا يكون هناك أي استثمار جديد في المجال.
في زمن وجود المدارس السينمائية والفنون البصرية بشكل عام ودخول السينما إلى الجامعة من خلال الإجازات المهنية ومسالك الماستر، من المفروض أن تكون قاعات السينما كمؤسسات تكمل الدرس وتخلق مناخا تربويا. تدريس السينما لا يتم فقط بالدرس النظري ولكن كذلك وأساسا بمشاهدة الأفلام، ووجود محيط ثقافي يسمح بأن يستمرالدرس خارج أسوار المؤسسة التعليمية.
أعتقد أن الدفاع عن السينما في المغرب أو الثقافة بشكل عام، يجب أن يكون ضمن مشروع سياسة ثقافية وليس فقط، محدودا في مطالب نقابية للمهنيين فقط. سياسة ثقافية ترى في السينما لغة ومتعة لذاتها، وكأداة أيضا لنشر وترسيخ قيم نبيلة، ممكن أن تجعل وجودنا مع بعضنا محتملا وكقطاع اقتصادي مفترض إذا توفرت الإرادة السياسية لذلك. تُعلمنا السينما من بين ما تُعلمنا، بكونها حالة ديمقراطية، أن نتعود على فضاء العيش المشترك والاحترام، احترام الآخر واحترام العمل الفني ومجهود الآخر بشكل عام.

بقلم: محمد الشريف الطريبق

Related posts

Top