الدورة 15 من المعرض الدولي للفلاحة.. رهانات وانتظارات
من المرتقب أن ينطلق يوم غد الثلاثاء بمكناس المعرض الدولي للفلاحة في نسخته الخامسة عشر بعد توقف دام لثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا. الدورة الجديدة التي تنعقد تحت شعار “الجيل الأخضر: من أجل سيادة غذائية مستدامة” تطرح مجموعة من الانتظارات خصوصا في ظل المتغيرات الدولية التي أصبحت تفرض رؤية أخرى لمسألة الأمن الغذائي.
تحديات ما بعد الجائحة
وتأتي الدورة 15 في سياق مختلف عن الدورات السابقة، خصوصا وأنها الأولى بعد جائحة كورونا التي فرضت توقفا دام ثلاث سنوات، إذ أن مجموعة من المتغيرات إضحت ترخي بظلالها على هذا الموعد المهني الهام الذي يهم القطاع الفلاحي.
ضمن هذه المتغيرات ما يتعلق بما هو وطني والظروف التي تمر منها البلاد في ظل الجفاف وشح التساقطات خلال السنوات الأخيرة التي تمس بالانتاجية الوطنية وفرة المنتجات محليا.
أيضا تطرح مسألة الأمن الغذائي بدرجة أولى خصوصا في ظل المتغيرات الدولية والأزمات المتتالية التي تعرفها مناطق متعددة بالعالم، مما أثر سلبا على الإنتاج وعلى حركية الغذاء وأدى إلى تراجع معدل الأمن الغذائي لدول عديدة وهو التراجع الخطير منذ سنوات طويلة.
وحسب القائمين على هذه التظاهرة المتميزة فإن اختيار شعار “الجيل الأخضر: من أجل سيادة غذائية مستدامة” كشعار للدورة 15 يأتي من هذا المنطلق بغية التفكير في آليات جديدة وتوجهات أخرى من أجل مواجهة التحديات الدولية والوطنية والتطورات المتسارعة لعدد من الأحداث وعلاقتها بضمان الأمن الغذائي.
ويرى عدد من المختصين أن هذا الشعار بدأ التفكير فيه منذ تفشي جائحة كورونا وما أحدثته بدورها من متغيرات على بنية التعامل الغذائي بين الدول وضرورة ضمان أمن غذائي لمواجهة مختلف التحديات الطارئة التي يمكن أن تقع كما هو الحال للأزمات الصحية التي تفرض أشكالا مثل الحجر الصحي وغيرها من الأزمات الطارئة التي تحتاج إلى تعامل استراتيجي وقبلي.
من أجل سيادة وطنية في مجال الغذاء
ويؤكد المختصون والقائمين على المعرض على أن الشعار يجسد هذه الارادة الجديدة والتوجه نحو سيادة وطنية في مجال الغذاء كفيلة بمواجهة مختلف التحديات المطروحة.
في هذا السياق، وفي تصريح سابق، قال محمد صديقي وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات إن تنظيم الملتقى الدولي للفلاحة حدث جد مهم يهيكل الأجندة الفلاحية ببلادنا وهو من التظاهرات الكبرى على الصعيد الدولي.
وأضاف صديقي الذي كان يتحدث في وقت سابق عن الدورة المزمع تنظيمها من المعرض الدولي للفلاحةبمكناس الأسبوع المقبل، أن الملتقى الفلاحي الدولي أخذ تطورا مهما منذ مجيء المخطط الأخضر الذي قال إنه هيكل هذا الملتقى الذي يجمع المهنيين والفاعلين في المجال الفلاحي.
وتابع صديقي أن عودة المعرض الفلاحي، بعد ثلاث سنوات من الغياب بسبب وباء كوفيد، ستكون فرصة لعرض التطورات التي عرفها القطاع في المغرب، خصوصا تلك المتعلقة بالبحث والتطوير والتكنولوجيات، واستراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030.
وبعدما أشار إلى الإشعاع الدولي الذي يتمتع به ملتقى الفلاحة، أكد صديقي أن معرض مكناس أصبح أحد أكبر الملتقيات الفلاحية في العالم، ويتمتع بإشعاع دولي ويجمع بين الفاعلين والمهنيين في هذا القطاع، مستحضرا في هذا الصدد، المساهمة الاقتصادية المهمة لهذا المعرض.
وتوقف وزير الفلاحة عند هذا التأثير الاقتصادي، الذي قال إنه يبقى تأثير ملموسا عبر تواجد عارضي المنتوجات الفلاحية الذين يتزايد عددهم خلال كل دورة ويكون المعرض مناسبة بالنسبة إليهم للبيع والتوجيه والاطلاع على المستجدات الفلاحية.
وأردف الوزير أن هناك إقبالا كبيرا من العارضين للمشاركة في ملتقى مكناس، خصوصا من قبل الفاعلين في الدول الإفريقية، منوها بهذه الدينامية التي قال إن السياسة الملكية تجاه البلدان الإفريقية القائمة على التعاون جنوب-جنوب، هي السبب المباشر في هذا الإشعاع الافريقي.
إلى ذلك، وبعدما تحدث صديقي عن ما عرفه العالم منذ 2020 بسبب جائحة كورونا، توقف عند فترة الجفاف التي اثرت على القطاع الفلاحي بشكل كبير، ثم ما عرفه العالم من أزمات، معتبرا أن هذا المدخل هو ما جعل المعرض يختار هذه السنة شعار “الجيل الأخضر.. من أجل سيادة غذائية مستدامة”، حيث أكد على أهمية الأمن الغذائي في المرحلة الراهنة بالنسبة للعالم ككل.
وأوضح صديقي أن المغرب وبالرغم من الأزمات المذكورة تمكن من تحقيق الأمن الغذائي الذي أساسه هو الإنتاج الوطني الفلاحي، الذي جاء بفضل جهود الفلاحين والمهنيين والغرف وباقي الفاعلين، معتبرا أن هذه الرؤية هي التي يعمل المغرب على بلورتها والسير فيها.
في هذا الإطار، يرى وزير الفلاحة أن العولمة عوضت بالسيادة الفلاحية والغذائية، وأن دول كثيرة باتت تسمي وزارة الفلاحة بوزارة السيادة الغذائية، ما يؤكد أهمية الهيكلة التي جاء بها مخطط الجيل الأخضر، موردا أن هذا المخطط وضع الإنسان في صلب اهتمامه ويعمل على تحسين ظروف عيش الفلاحين الصغار والمتوسطين للاستمرار في الإنتاج ومواكبتهم عبر برنامج التنمية الفلاحية، إضافة إلى تحقيق الاستدامة لمواجهة التقلبات المناخية.
إشعاع المقاولات الناشئة.. تحديات فلاحة الغد
ومن ضمن التحديات التي تميز الدورة 15 هذه السنة هو عزم القائمين على تنظيم الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب إعطاء إشعاع جديد للمقاولات الناشئة وهي سابقة تميز هذه الدورة عن الدورات السابقة.
ومن المرتقب أن يضم المعرض الدولي للفلاحة بمكناس لأول جناح “قرية المقاولات الناشئة”، الذي يعد قطبا جديدا في خدمة الفلاحة تم إنشاؤه بمبادرة من المندوبية العامة للملتقى.
وذكر منظمو هذه الدورة التي ستنعقد تحت شعار: “الجيل الأخضر: من أجل سيادة غذائية مستدامة”، في بلاغ لهم، أن هذا الجناح سيعرف مشاركة 30 مقاولة ناشئة وطنية ودولية ضمن برنامج غني يجمع بين الموائد المستديرة والمؤتمرات والعروض التوضيحية.
وأوضح المصدر ذاته أن اعتماد التكنولوجيات الجديدة والممارسات الذكية في القطاع الفلاحي المغربي أضحى اليوم ضرورة ملحة، مضيفا أن الحلول والابتكارات التكنولوجية الجديدة صارت وسيلة لا محيد عنها لتطوير فلاحة مغربية وإفريقية ذكية وفعالة ومستدامة، ويتضح ذلك من خلال طموحات استراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030” التي تدعو إلى تطوير قطاع فلاحي قادر على الصمود، من خلال إدخال تقنيات جديدة ورقمنة الخدمات الفلاحية وتحسين الجودة والقدرة على الابتكار.
ويضع الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب، برسم دورة هذه السنة، هذه التطلعات في المقدمة وعلى مساحة تقارب 1200 متر مربع، حيث سيتم إحداث منظومة ديناميكية ومبتكرة للسماح لـ 30 مقاولة ناشئة وطنية ودولية بتقديم حلولها القادرة على تطوير نموذج الأعمال الفلاحية وعروضها وممارساتها وخبراتها، والتي تطمح لفسح مجالات جديدة وشاسعة لفاعلي القطاع، وضمان الاستجابة للتحديات الفلاحية والاقتصادية والبيئية المطروحة. ونقل البلاغ عن المندوب العام للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب، جواد الشامي، قوله إنه “من AgTech إلى FoodTech مرورا بـGreenTech أو WaterTech، سيقرب هذا القطب الجديد المشاركين من الحلول الممكنة لدعم وتسريع الابتكار وترسيخ سبل وآليات السيادة الغذائية والاستدامة والمرونة والقدرة التنافسية لفلاحة الغد”.
وأضاف أن “هذه المقاولات الناشئة الثلاثين تهدف إلى تقديم مناهج وأفق جديدة إلى الفاعلين في القطاعين العام والخاص لتحسين إنتاجية ونجاعة وربحية القطاع الفلاحي”.
ومن بين المستجدات التي ستعرفها هذه النسخة، هناك “Ferme Immersive Digitale”، حيث تم تركيب عارض مساحته 300 متر مربع في قلب قطب “قرية المقاولات الناشئة” الذي سيضم شباك خدمات “FirmaTech” الإلكترونية، ومكاتب عرض متصلة، وفضاء مغطى رقمي، وفضاء للواقع الافتراضي، ومناطق للتواصل، والفلاحة العمودية، والزراعات، وتربية المواشي والاستزراع النباتي والسمكي، وهي طريقة تجمع بين زراعة النباتات وتربية الأسماك في بيئة مشتركة.
وأكد الشامي أن “تحديث القطاع الفلاحي يستلزم إدخال الابتكارات التكنولوجية في مراحل مختلفة من عملية الإنتاج، من أول حلقة إلى آخر المسار، من قطعة الأرض إلى التسيير. وستقدم هذه المزرعة الرقمية تجربة غامرة وتفاعلية للزوار وستعرض أحدث التقنيات والممارسات الفلاحية المستدامة”. وأوضح أنه “يمكن للشركات الناشئة في “Agritech” استخدام هذه المساحة لعرض منتجاتها وخدماتها بسرعة وكفاءة في مجالات الإنتاج الغذائي المستدام والزراعة في البيوت المغطاة والواقع الافتراضي وتربية المواشي. وسيتم على هامش المعرض، إطلاق مسابقات الألعاب من أجل تغذية روح التحدي”.
< توفيق أمزيان