معضلة التوجيه الثانوي وضبابية الاستقطاب المفتوح

بات من الواجب الجهر بخصوص الأسباب الحقيقية وراء التعثر والانقطاع الدراسي والجامعي لآلاف التلاميذ والطلبة، وكذا وراء تراكم أفواج الخريجين أصحاب الشواهد العليا، والمستويات العلمية والثقافية الهزيلة. تلك الأسباب لا ترتبط فقط بفشل المنظومة التربوية من حيث المناهج وطرق التدريس وانعدام الثقة والانحلال الأخلاقي. بل هي مرتبطة أولا بالمحتوى التعليمي كما وكيفا، وطرق التدريس. كما هي مرتبطة بالعمليات العشوائية للتوجيه والاستقطاب التعليمي والمهني المفتوح على مصراعيه دون اعتبار للمستوى التعليمي والكفاءات المهنية على مستوى التعليمين المدرسي والجامعي. نخص بالذكر الجذع المشترك الأدبي، الذي من المفروض أن يكون قبلة للتلاميذ والتلميذات أصحاب الميولات الأدبية. لكنه بات مصبا للتلاميذ الكسالى ومتوسطي المستوى التعليمي. الذين لا يتوفرون على كفاءات والمهارات العلمية والتقنية. لأن الأهم لدى المسؤولين التربويين هو الخروج بخريطة مدرسية للتلاميذ توازي البنيات التحتية والموارد البشرية (الأطر التربوية والإدارية).
ناذرا ما يتم التوجيه إلى الشعب الأدبية بناء على ميولات ومؤهلات التلاميذ الأدبية واللسانية. وهو ما يؤثر على مسارهم الدراسي، ويفرز أقسام بمستويات تعليمية ضعيفة بالسنتين الأولى والثانية بكالوريا شعب الآداب العصرية والعلوم الإنسانية وباقي متفرعات الشعب الأدبية. ويؤدي إلى تدهور نتائج البكالوريا في تلك الشعب. بالإضافة إلى أن مجموعة من الحاصلين على الشهادة الإعدادية، الذين لا يتوفرون على أية مؤهلات علمية أو أدبية. يتم الزج بهم بشعب ومسالك مختلفة بالجدع المشترك أو التكوين المهني بناء على ما دونوه من رغبات لا يفقهون عنها شيئا. لينتهي مسار هؤلاء وأولئك إما بمنحدرات الهدر المدرسي أو الظفر بشهادة البكالوريا، بنتائج دون الحسنة، وهي غير كافية لولوج الكليات والمعاهد ذات الاستقطاب المحدود التي تشترط معدلات ونقط جد مرتفعة. وهو ما يؤدي بهؤلاء المرفوضين من طرف تلك المعاهد والكليات التي تنتقي المميزين دراسيا، إلى التسجيل بالكليات ذات الاستقطاب المفتوح (كليات العلوم السياسية والاقتصادية، والعلوم والتقنيات، الآداب والعلوم الإنسانية،…). يلجؤون إليها كآخر المطاف. وتبقى لديهم منافذ دون المستوى. طبعا إلى جانب آخرين من أصحاب المستويات التعليمية الجيدة، ممن استهوتهم تلك المسالك والشعب.
الغريب في أمر هاته الكليات ذات الاستقطاب المفتوح، وأخص بالذكر كليات الحقوق والآداب، أنها ورغم ما يقال ويدون بخصوص برامجها واكتظاظها وأداء مواردها البشرية، وبنياتها و.. فإن مستقبل خريجيها المهني والوظائفي، يفوق بكثير مستقبل باقي الخريجين. بل إن معظم من يحكمون البلاد والنافذين داخل سلطه التنفيذية والقضائية والإعلامية. هم خريجي تلك الكليات المفتوحة. ويكفي الإشارة إلى أن قضاة المملكة ومحاميها واقتصادييها ومعظم وزرائها وموظفيها السامين، والمسؤولين بأسلاكها العسكرية والأمنية و.. هم خريجين تلك الكليات.. وطبعا بعض أو معظم هؤلاء القابضين بزمام أمر العباد والبلاد كانوا فاشلين في تعليمهم. ولجوا الكليات كمنفذ أخير وليس برغبة منهم. وهذا يجعل عطاءهم داخل مراكز المسؤولية والقيادة محدود. يقومون بأعمال روتينية بلا إبداع أو اجتهاد.
على الوزارة الوصية أن تدرك أن عمليات دفع التلاميذ والطلبة إلى مسارات تعليمية وتكوينية لا توازي مهاراتهم وكفاءاتهم وقدراتهم العلمية والأدبية. هو انتحار لهم. وضرب لمستقبل البلاد. وأن وضع برامج ومناهج تعليمية عشوائية أو غير قابلة للتنفيذ بسبب طول حصصها الدراسية أو قصور المؤسسة التعليمية أو ضعف أو غياب الموارد البشرية. هو كذلك ضرب لمصير التلاميذ والأهداف والغايات المنشودة.
كما أن على الوزارة أن تعيد النظر في طرق الولوج إلى الكليات والمعاهد. ومفهومي الاستقطاب المفتوح والاستقطاب المحدود. حيث يتم اعتبار كليات الاستقطاب المفتوح (الرويضة سكور) أو (آخر خيار)، بعد أن يتم رفض الطالب أو الطالبة من ولوج مؤسسات الاستقطاب المحدود. لأن بهذه الأساليب نحرم مجموعة من الوظائف والمهن والمسؤوليات من موارد بشرية أكثر تعليما وتكوينا.
معظم الشباب المغربي، يربط التعليم والتكوين بالشغل والوظيفة وتدبير المقاولات. لكن التعليم والتكوين بالمغرب يسير عكس ذلك. وينتج سنويا آلاف حاملي الشهادات الجامعية والدبلومات المهنية الذين يجدون صعوبة في الخروج إلى أسواق الشغل. يدركون بعد سنوات وعقود من العمل والتكوين أنهم استفادوا من برامج ودروس لا تمت بصلة بواقعهم ومحيطهم.
على المسؤولين أن يعلموا أن الحاضر الأدبي والثقافي والفني والمهني لا يمكن أن ينتعش بدون كفاءات ذات صلة وبعقليات علمية.
وأن سيناريوهات الأفلام السينمائية والمسلسلات والبرامج التلفزيونية، لا يمكن أن ينجزها كتاب وأدباء بعقليات أدبية صرفة. كما أن الإتقان والتميز والاجتهاد لا يمكن أن يصاحب المحامي والقاضي والأستاذ الجامعي إن لم يمتلك قدرات علمية. ولهذه الأسباب فرض على تلاميذ الشعب الأدبية بالتعليم الثانوي التأهيلي، دراسة حصص في مادتي الرياضيات والفلسفة. لكن مع الأسف فإن الإهمال والتهميش يطال المادتين من طرف معظم التلاميذ.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top