كشفت المندوبية السامية للتخطيط عن أرقام صادمة بشأن تشغيل الأطفال، وأيضا الطفلات القاصرات، وهي أرقام تسائل ضميرنا جميعا، وتنبهنا إلى واقع لا زال متفشيا في مجتمعنا، ويطفح بكثير من القساوة. الأرقام الواردة تفيد أن 78 % من الأطفال المشغلين هم من العالم القروي، أغلبهم يعملون في الرعي، في حين أطفال المدن يعملون في النسيج والتجارة والأعمال المنزلية وورشات الميكانيك والصيد…، كما أن 6،16 من الأطفال يجمعون بين العمل والدراسة، و56 % متسربين من التعليم، بينما لم يسبق ل 3،27 منهم الذهاب أصلا إلى المدرسة، وبلغ عدد الأطفال العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين خمس وسبع سنوات 170 ألف طفل سنة 2009، أي بنسبة 4،3 من إجمالي عدد الأطفال الذين ينتمون إلى هذه الفئة العمرية.
الأرقام ليست هنا جامدة أو باردة، إنما هي، في الواقع، تنطق وتصرخ في وجوهنا كلنا، بهذه الجرائم التي ترتكب في حق أطفال المغرب.
أحيانا تثار تبريرات لظاهرة تشغيل الأطفال، تستمد خلفيتها من دوافع اقتصادية وسوسيولوجية وثقافية، وهي تعقيدات موجودة في الواقع حقيقة، لكن مع ذلك لا يجب أن نحمل الأطفال وزر تفشي الفقر في العالم القروي وفي ضواحي المدن، إنما بدل ذلك يجب تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحسيس الأسر ومساندتها حتى لا تبقى مرتبطة ماديا بتشغيل أطفالها، ويصير في إمكانها توفير مورد رزق قار يغنيها عن ذلك .
اليوم عار على المغرب أن يسمح بوجود أزيد من نصف مليون طفل تقل أعمارهم عن 15 سنة، يتم تشغيلهم في ظروف يتعرضون خلالها لانتهاكات عديدة، فضلا على أنهم محرومون من حقهم في التعليم، وأيضا في اللعب وفي حياة كريمة وسط دفئ العائلة.
الواقع المذكور، يشهد في المغرب وعيا متزايدا بخطورته، وبضرورة القضاء على الظاهرة.
هذه السنة يخوض المرصد الوطني لحقوق الطفل ووزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن حملة وطنية تحسيسية وتعبوية، كما أن البلاد سجلت تقدما إيجابيا على صعيد ملاءمة التشريع الوطني مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، خصوصا منذ التصديق على الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل عام 1989، وهذا الورش القانوني والتشريعي متواصل إلى اليوم بغاية تمتين الترسانة القانونية بهذا الخصوص.
من جهة أخرى يمتلك المغرب خطة عمل وطنية للطفولة 2006-2015 تحت شعار: «مغرب جدير بأطفاله»، كما أن ظاهرة تشغيل الأطفال سجلت منذ 1999 تراجعا لا يمكن إنكاره، وذلك نتيجة مجهود حكومي واضح، وأيضا بفضل عمليات المراقبة، والدينامية التنموية التي تعيشها البلاد…
النجاح في القضاء على ظاهرة تشغيل الأطفال، وخصوصا الطفلات القاصرات، يمر أساسا من خلال النجاح في القضاء على أسباب الظاهرة…
هدفنا جميعا ….»مغرب جدير بأطفاله».