انطلاقا من مرجعياتي المنشورة سلفا عن تجاربي كمستشار جماعي خلال فترة ما بين 1983 و1992 وكنائب برلماني من 1993 إلى 1997 ثم كمستشار برلماني عن الفترة من 2006 إلى 2015 ارتأيت تناول هذا الموضوع “تجربة مسؤول نقابي سابق”؛ وما دفعني لذلك هو ما قد تكون له من فائدة، إذ يلخص تجربة استغرقت فترة 42 سنة تحملت فيها مسؤولية نقابية باشرتها منذ تجديد المكتب النقابي لمعمل كوطيف سنة 1976 في إطار الاتحاد المغربي للشغل، ثم تأسيس المكتب الموحد لقطاع النسيج في إطار الاتحاد المغربي للشغل سنة 1977، ثم اللجنة الإدارية للكونفدرالية الديمقراطية للشغل في المؤتمر التأسيسي المنعقد بقاعة الأفراح بالدار البيضاء في نونبر 1978، ثم الاتحاد المحلي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بفاس، ثم المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ثم النقابة الوطنية للنسيج والألبسة الجلدية سنة 1995 المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ثم الفريق الكونفدرالي فالفيدرالي بمجلس المستشارين من سنة 2006 إلى 2015، ثم الاتحاد المحلي للفيدرالية الديمقراطية للشغل بفاس سنة 2010، ثم المكتب المركزي للفيدرالية الديمقراطية للشغل إلى أن نفذت قرار التخلي عن المسؤولية في 15 يوليوز 2018 والذي اتخذته منذ مدة طويلة قبل هذا التاريخ.. وطيلة هذه الفترة كنت أتواجد بمقر النقابة من الصباح الباكر إلى وقت متأخر من المساء أو الليل إلا في الحالات التي يكون لدي التزام في البرلمان أو في الجماعة لكون العمل النقابي في ظل الوضع القائم وخاصة بالقطاع الخاص يتطلب ذلك.
أولا: أحداث ومحطات
وسأتناول الموضوع حسب تواريخ وقوع الأحداث على الشكل التالي :
– الالتحاق بالعمل النقابي :
التحقت بالعمل بمعمل تيكسنور في شهر يونيو من سنة 1965، ومباشرة التحقت بالعمل النقابي في إطار الاتحاد المغربي للشغل، وقد طردت من العمل في نهاية 1969 على إثر الإضراب الذي تم في هذه المرحلة بسبب النزاع الذي حدث مع مدير قسم النسيج الذي كان يتعسف على العمال حيث تم طرد 59 عاملا، وفي سنة 1971 التحقت بمعمل كوطيف، وقد تمكنت خلال فترة حوالي 10 سنوات من اكتساب تجربة لا بأس بها بالإضافة إلى كون نظام العمل المستمر أو نظام الفرق مكنني من استثمار أوقات الفراغ من خلال قراءة الصحف والمجلات والكتب بما فيها التي تتعلق بالقانون الاجتماعي وهو ما ساعدني على تحمل المسؤولية عند تجديد المكتب النقابي لمعمل كوطيف سنة 1976.
– دور العمل النقابي بمعمل كوطيف
لعب معمل كوطيف دورا أساسيا في تقوية وتطوير العمل النقابي بفاس والذي شرع في بنائه من سنة 1967 إلى سنة 1969 على إثر الدراسة التي قام بها مكتب الدراسات الفرنسي SODEFRA بقرض من البنك الفرنسي للتجارة الخارجية برأس مال قدره 131.000.000 درهما على مساحة 17 هكتارا، وبدأ في الإنتاج على مراحل من بداية سنة 1970 إلى بداية 1972، وكان يشغل آنذاك حوالي 1700 عاملا حيث كان يعد أكبر معمل للنسيج في شمال إفريقيا، ومنذ البداية عرف عدة اختلالات برزت على مراحل أذكر منها وضعية الآلات التي كانت جلها عند شرائها متقادمة وكانت موجودة بالأسواق منذ حوالي 10 سنوات، وسوء التسيير وتشغيل عدد كبير من العمال والأطر أكثر من طاقته التشغيلية حيث كان يتم تشغيلهم عن طريق الزبونية والمحسوبية والرشوة والتي كانت محل متابعات قضائية، وبعد مجهودات جبارة من طرف العمال استمرت مدة طويلة تم يوم 17 أكتوبر 1976 انتخاب مكتب نقابي جديد لتصحيح الوضع النقابي الذي كان يسير من طرف إدارة المعمل لتزكية واقع الفساد، ورغم المحاولات التي قامت بها إدارة المعمل من أجل تكسير وحدة العمال غير أنها لم تنجح في ذلك، حيث عرفت انتخابات مناديب العمال نجاحا كبيرا فازت فيها لائحة الاتحاد المغربي للشغل بنسبة مائة بالمائة، حيث تم وضع برنامج بتنسيق بين ممثلي العمال وممثلي المستخدمين والأطر بهدف تصحيح وضعية المعمل وتطويره نحو الأفضل، يتضمن أسبوع النظافة وأسبوع الإنتاج وملف مطلبي تم فيه تصنيف العمال حسب المهام المهنية التي يقومون بها بهدف الرفع من المردودية، ولكي يتقاضى كل عامل أجره حسب الكفاءة التي يتوفر عليها.. وأمام جدية ووحدة العمال تم تحقيق هذه المطالب، غير أن إدارة المعمل واصلت مخططها في ضرب العمل النقابي الجاد حيث قامت بالعديد من المؤامرات، ومنها إبلاغ العمالة بتقارير كاذبة مما أدى إلى استدعاء المكتب النقابي وتنبيهه بلغة قوية من طرف رئيس القسم الاقتصادي والاجتماعي بالعمالة (المرحوم عبد المجيد العراقي) والذي كانت له مكانة كبيرة في العمالة نيابة عن عامل إقليم فاس (المرحوم مولاي المهدي العلوي) الذي لم يحضر هذا الاجتماع بسبب تزامنه مع مهام أخرى طارئة، وقد تم ذلك بحضور إدارة المعمل، ثم بعد ذلك تعرضت لاعتقال من طرف رجال الأمن استمر طيلة يوم من الساعة التاسعة والنصف صباحا إلى الثالثة بعد منتصف الليل، حيث تم استنطاقي باستعمال أساليب التعذيب والضرب و”الشيفون والفرفرة” وكانت الأسئلة تتعلق بانتمائي السياسي الذي كنت لا أظهره تجنبا للمضايقات، وبعد تفتيش البيت الذي كنت أسكنه في وقت متأخر من الليل لمعرفة نوعية الكتب التي كنت أقرؤها حيث وجدوا بحوزتي بعض الكتب ومنها “القانون الاجتماعي” للدكتور موسى عبود، و”هؤلاء علموني” لسلامة موسى.. وفي الساعة الثانية صباحا تمت إحالتي على رئيس قسم الاستعلامات بمديرية الأمن (المرحوم حميد الصقلي) الذي قال لي خلال هذه المقابلة بأنه لم يكن يعلم انتمائي السياسي إلا حين اتصل به في الموضوع المرحوم (الدكتور محمد الشامي) الكاتب الإقليمي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حيث تم الإفراج عني بعد الضغوط التي تمت على المستوى النقابي والسياسي والاحتجاجات التي قام بها العمال حيث التحقت بالعمل صباح اليوم الموالي. وفي نفس اليوم نشرت جريدة “المحرر” الخبر في صفحتها الأولى، ثم قامت الإدارة بتنقيلي من قسم النسيج الذي كنت أشتغل فيه إلى إدارة المعمل لكي لا أتواصل مع العمال من موقع مسؤوليتي ككاتب للمكتب النقابي وكمندوب للعمال، وبعد ذلك قامت بتكليف أحد الأشخاص للقيام بضربي أثناء دخولي للعمل على مرأى ومسمع من المسؤولين الذين كلفوا بمتابعة هذه العملية، وفي نفس السياق تم تلفيق تهمة إلى الأخ محمد الحياني عضو المكتب النقابي حيث تم اتهامه بإفساد عدد كبير من أمتار الثوب عند الصباغة وعلى إثرها تم اعتقاله ومحاكمته، وقد تبين فيما بعد أن هذه التهمة ملفقة حيث تمت تبرئته وإخراجه من السجن، وقد واصلت إدارة المعمل مؤامراتها طيلة فترة ثلاث سنوات 1976 و1977 و 1978 حيث تم في الشهور الأخيرة من سنة 1978 طرد حوالي 80 عاملا بتهم ملفقة وكنت من ضمنهم رغم أن القانون لا يسمح بذلك لكوني كنت مندوبا للعمال.. وتجنبنا الدخول في مواجهات أو خوض إضراب بسبب الانشغال في التنظيم، حيث تزامن ذلك مع فترة انعقاد المؤتمر التأسيسي للكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، غير أن كل محاولاتها لتكسير وحدة العمال لم تنجح بفضل قوة التنظيم النقابي والحزبي، حيث كان يوجد بالمعمل 13 خلية حزبية تتكون من 13 فردا في كل خلية موزعين على مختلف الأقسام والفرق؛ وقد تطلب بناء هذه الخلايا ثلاث سنوات. ولحماية المناضلين كان أعضاء الخلايا لا يعرفون بعضهم باستثناء لجنة التنسيق المتكونة من كتاب الخلايا، وكان يتم الاهتمام بشكل كبير بتكوين العمال من خلال الاجتماعات المنتظمة للمجلس النقابي الذي كان يتكون من ممثلين عن مختلف أقسام المعمل وعن طريق العروض التي كانت تقدم أثناء اجتماعات الخلايا وعن طريق توزيع وتبادل الكتب بين العمال، وكما أشرنا إلى ذلك فإن المعمل عرف عدة اختلالات منذ تأسيسه استمرت خلال كل المراحل التي مر منها، وكان من الطبيعي أن تؤدي إلى إغلاقه خاصة وأن قطاع النسيج كان يمر من أزمة على الصعيد الوطني، وهو ما حصل بعد العطلة الصيفية لسنة 2006 رغم الاحتجاجات التي تمت من أجل استمراره ورغم إلحاح العمال، وهو ما كانت له انعكاسات سلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بفاس.
– توسيع قاعدة العمل النقابي بفاس:
بعد المسيرة الخضراء، ومع الانتخابات الجماعية والبرلمانية، ارتفعت وتيرة نضالات الطبقة العاملة بفاس بمختلف المؤسسات الصناعية والمهنية. وكان قطاع النسيج يشكل العمود الفقري لها وعلى رأسه معمل كوطيف، حيث عرف التنظيم النقابي في إطار الاتحاد المغربي للشغل توسعا كبيرا بمختلف المؤسسات الصناعية في جل القطاعات المهنية ومنها قطاع المدابغ وصناعة الأحذية والأفرنة التقليدية وغيرها، ولكون قطاع النسيج كان يشكل العمود الفقري باعتباره كان يشغل عددا كبيرا من العمال، فقد تم تأسيس مكتب نقابي موحد لهذا القطاع الذي كان يضم آنذاك معمل كوطيف، ونسيج المغرب، ومانفكتور، ومانيدرا، وكوفيطيكس، وتيكسنور، وبفضل المجهودات التي قام بها أعضاء المكاتب النقابية والعمال تم تحقيق عدد كبير من المكتسبات عن طريق إبرام بروتوكولات تتضمن تحسين الأوضاع المهنية وتوفير شروط العمل الصحية وتوفير بذلات العمل وتوفير النقل وإقرار منحة الكراء ومنحة السلة والمنحة السنوية ومنحة التمدرس وغيرها والتي أصبحت توقع مرة في السنة بجميع هذه المؤسسات، علما بأن مدينة فاس كانت في هاته المرحلة تعد المدينة الثانية من الناحية الاقتصادية بعد مدينة الدار البيضاء.
– انتخابات 1976-1977:
لعب العمل النقابي وعلى رأسه معمل كوطيف دورا كبيرا في الانتخابات الجماعية والبرلمانية لسنتي 1976 و1977 مما جعل الاتحاد الاشتراكي يكتسح الانتخابات الجماعية حيث فاز بـ 19 مقعدا من أصل 39 رغم المحاولات التي تم القيام بها من طرف إدارة كوطيف التي لم تلتزم الحياد لكونها مؤسسة صناعية غير مسموح لها باتخاذ مواقف سياسية، حيث قامت بتنسيق مع عدة جهات أخرى ومنها إداراة الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، وإدارة وكالة النقل الحضري، وإدارة لاسيميف بالدعوة إلى التصويت على لائحة المستقلين بالنسبة للانتخابات الجماعية، وعلى مرشح التجمع الوطني للأحرار في الانتخابات البرلمانية، من خلال عقد اجتماعات بمنازل بعض الشخصيات بالمدينة بحضور ممثلي العمال لمساندة (المرحوم محمد بلخياط) الذي كان آنذاك مديرا عاما لمكتب التنمية الصناعية ODI حيث تم وعد العمال بتوفير السكن وتدشين قطعة أرضية أمام معمل كوطيف ليستفيد منها عمال كوطيف والوكالة المستقلة للماء والكهرباء ووكالة النقل الحضري ولا سيميف، غير أن العمال عرفوا أن ذلك مجرد كذب وصوتوا وفق قناعتهم، حيث فاز الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأربعة مقاعد وهم المرحوم محمد المجدوبي والمرحوم ابراهيم بوطالب والأستاذ محمد بنسعيد والأستاذ محمد الدباغ، ومن خلال ما أشرنا إليه يتبين الدور الأساسي الذي قامت به الطبقة العاملة سواء في الانتخابات الجماعية أو البرلمانية، ولم يكن يتداول المال الحرام وسط العمال وعندما تكون بعض الحالات المحدودة فإن أصحابها يتم التعامل معهم من طرف العمال بالاستهزاء والاحتقار.
– تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل :
ساهم عمال كوطيف بدور أساسي في تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى جانب قطاعات الوظيفة العمومية، وكان لهم حضور قوي في مسيرات فاتح ماي التي كانت في البداية تنطلق من ملعب الخيل بجنان مولاي الكامل، والتي كانت تعرف حضورا كبيرا للقطاع الطلابي وحماسا قويا ومتابعة واسعة من المواطنين الذين كانوا يأتون من جميع مناطق المدينة وبالأخص الأحياء الشعبية لمتابعتها والتي كانت تصاحبها أنشطة ثقافية وفنية بمساهمة فرقة الرائد، وفرقة جبل الزيتون، كان لها صدى كبير وسط المناضلين والعاطفين، كما أن هذه المرحلة تزامنت مع عودة الشرعية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب بانعقاد المؤتمر 16 الذي تم في الفترة ما بين فاتح غشت إلى 6 شتنبر 1979، وقد ظل معمل كوطيف يقوم بدور أساسي في هذه المرحلة من الناحية النقابية نظرا لحجم العمال حيث ساهم في التحاق جل القطاعات العمالية بصفوف الكونفدرالية الديمقراطية للشغل منذ التأسيس وخلال سنوات الثمانينيات والتسعينيات وخاصة المؤسسات الكبيرة، وقد عرفت هذه المرحلة بالإضافة إلى المهام النقابية المتعلقة بالدفاع عن حقوق العمال، ظل الاهتمام منصبا خلال هذه الفترة (حوالي 30 سنة) على التكوين من خلال تنظيم عروض وندوات فكرية وثقافية كانت تؤطر من طرف عدد كبير من الأساتذة المختصين والأطر النقابية أذكر منهم المرحوم أحمد بنجلون في المراحل الأولى، والمرحوم محمد أديب الذي كان – رحمه الله – يحضر باستمرار للمساهمة في هذه الندوات، بالإضافة إلى القيام بأنشطة موازية حيث كانت تنظم برامج فنية ورحلات جماعية إلى بعض المواقع السياحية الجبلية والشاطئية وإلى بعض المدن.
– الإضراب العام التضامني مع الشعب الفلسطيني 30 مارس 1979:
عرف الإضراب العام التضامني مع الشعب الفلسطيني بمناسبة يوم الأرض 30 مارس نجاحا كبيرا على الصعيد الوطني وعلى مستوى مدينة فاس التي عرفت توقفا عن العمل شمل القطاع العام والخاص والقطاع التجاري وقطاع الصناعة التقليدية، وعلى إثر هذا الإضراب تم طرد حوالي 40 عاملا بمعمل كوطيف الذي توقف عن العمل ابتداء من الساعة الثانية عشرة من ليلة 29 مارس وفق قرار المنظمة رغم تدخل إدارة المؤسسة التي حضرت إلى عين المكان، ولو أن الإضراب يتعلق بالتضامن مع الشعب الفلسطيني ولا يعنيها بشكل مباشر، وقد جاء ذلك لكون إدارة هذا المعمل استمرت على ما كانت عليه من حقد على العمل النقابي الجاد بسبب مواجهته للتعفن الذي ظل متغلغلا في هذه الإدارة، وقد كانت هذه المحطة هي أول تجربة في الإضرابات العامة التي خاضتها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
– الإضراب العام لـ 20 يونيو 1981:
قبل خوض الإضراب العام لـ 20 يونيو 1981 أجرى المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل عدة اتصالات مع الاتحادات المحلية قصد استشارتها في الموضوع، وقد طلب مني الأخ نوبير الأموي أن أقوم بزيارته في المقر المركزي للمنظمة حيث مكنته من تقرير عن الوضعية بفاس وعن استعداد القواعد لخوض هذا الإضراب. وقد عرفت هذه الفترة مرحلة قمع قوية ضد الكونفدرالية الديمقراطية للشغل حيث أغلقت جميع المقرات باستثناء مقر فاس، وقد عرف هذا الإضراب نجاحا كبيرا بمدينة فاس وحقق مشاركة واسعة إلى جانب الطبقة العاملة من طرف التجار الصغار والمتوسطين والحرفيين بجميع مناطق وأحياء المدينة، والذي مر في جو من الانضباط والمسؤولية. ورغم ذلك فقد تم اعتقال 19 مناضلا، تم الحكم عليهم بسنة سجنا نافذا من طرف المحكمة الابتدائية، تم تخفيضها إلى خمسة أشهر بعد الاستئناف رغم أنهم لم يفعلوا أي شيء مخالف للقانون، فقط قاموا بتوزيع البيان الذي يدعو إلى الإضراب، وقد عرفت طيلة فترة السجن خمسة أشهر تضامنا قويا بين الكدش ومكاتب فروع ومقاطعات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالإضافة إلى مساهمة النواب البرلمانين الاتحاديين في توفير التغذية للسجناء.
– الإضراب العام 14 دجنبر 1990 :
عرف الإضراب العام لـ 14 دجنبر 1990 تنسيقا بين الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين. ولكي ينجح هذا الإضراب ويمر في جو عاد، فقد تطلب عدة لقاءات تنسيقية بين الاتحاد المحلي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد الجهوي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، وتميز بنجاح وانضباط كبيرين من طرف الطبقة العاملة بالقطاع العام والخاص، كما أن المعامل الصناعية لم تمس إلا بعض الوحدات من طرف جهات مجهولة خارج الطبقة العاملة، والتي يعود سببها إلى دور السلطات التي حاولت تكسير الإضراب أمام التعاطف والمساندة القوية مع قرار الإضراب، والذي ترك انعكاسات إيجابية وسط الطبقة العاملة ووسط الرأي العام المحلي والوطني نظرا لما عرفته هذه المحطة من تماسك وتكامل بين مكونات الطبقة العاملة وبين جميع الفئات الأخرى من الحرفيين والتجار الصغار والمتوسطين، ولكون ما قامت به الطبقة العاملة كان يحظى بدعم قوي من طرف كل القوى الوطنية والديمقراطية بما فيها الأحزاب السياسية الوطنية والهيئات الحقوقية والمنظمات الشبابية والمثقفين، مما جعل لهذه المحطة ما بعدها من نتائج إيجابية ساهمت بقدر كبير في توفير الشروط الممهدة لمجيء حكومة التناوب التوافقي.
– الأوراش الكونفدرالية:
عرفت الأوراش التي نظمتها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل صيف 1998 نجاحا كبيرا بفاس حيث تم إنجاز عدة مشاريع من طرف الكونفدراليين والكونفدراليات الذين قاموا بوضع برنامج عمل وكانوا ينطلقون من ثانوية أم أيمن ليتوزعوا على عدة أوراش بمختلف مناطق المدينة، ومنها الورش الذي تم تنظيمه بنفس الثانوية حيث تمت تهيئة الملعب الرياضي للثانوية والزيادة في طول الجدار المحيط بالثانوية وحديقة الدكارات المجاورة للعمارات وترصيف الطريق الفاصلة بين عوينات الحجاج والنرجس وبناء حديقة بحي الزهور وبناء سور بإحدى المدارس بباب الحمراء بالمدينة العتيقة، وقد تركت هذه المرحلة أصداء إيجابية وسط الطبقة العاملة بفاس، حيث ظل العمال يعتزون بما حققوه من إنجازات ومن مستوى الندوات الفكرية التي كان يتم تنظيمها، كما أنهم ظلوا يتذكرون تلك الأجواء التي عاشوها والعلاقات الحميمية التي كانت تجمع بينهم في هذا العمل التطوعي حيث ظلوا باستمرار يشيدون به.
– الالتحاق بالفيدرالية الديمقراطية للشغل:
على إثر الموقف الذي اتخذته الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل بالانسحاب من مجلس المستشارين تم التحاق شبه جماعي للعديد من القطاعات بصفوف الفيدرالية الديمقراطية للشغل بفاس سنة 2010، وهو ما أدى إلى خلق دينامية وإعطاء دفعة قوية للعمل النقابي الفيدرالي حيث تم إبرام العديد من البروتوكولات تم من خلالها تحقيق مكاسب مهمة للطبقة العاملة، كما عرفت احتفالات أعياد الشغل فاتح ماي تطورا كبيرا كما وكيفا وأصبحت تنظم ندوات دورية مرة في الشهر أو كل شهرين ومنها التي يقوم بها الاتحاد المحلي ومنها التي كانت تتم بكيفية مشتركة مع بعض المؤسسات العمومية أو الجمعيات المهنية أو القطاعات الوزارية محليا ووطنيا والتي كانت تتناول العديد من القضايا وعلى رأسها القضية الوطنية والقضية الفلسطينية بالإضافة للقضايا ذات العلاقة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمهنية وتشريع الشغل وغيرها، وكانت هذه الأنشطة تنظم بمقر النقابة أو القاعات العمومية إما بقصر المؤتمرات أو بغرفة التجارة والصناعة والخدمات أو بمركب الحرية أو بمجمع القدس.. وكان يتم تأطيرها من طرف أساتذة جامعيين من ذوي الاختصاص وأكاديميين ووزراء وأرباب عمل وأطر نقابية، وكانت تعرف حضورا واسعا واهتماما كبيرا من طرف الرأي العام المحلي والوطني حيث كانت تتم تغطيتها ونشر خلاصاتها من طرف وسائل الإعلام الإلكتروني والمكتوب والإذاعة الجهوية بفاس والقناة الأولى وقد استمرت خلال الفترة الممتدة من 2010 إلى 2018.
– الحضور في المحطات النضالية الكبرى:
ومن خلال ما أشرنا إليه يتضح الحضور القوي للطبقة العاملة بفاس في المحطات النضالية الكبرى ومنها المسيرات الاحتجاجية التي كانت تنظم بمدينة الرباط أو الدار البيضاء حول القضية الوطنية أو القضية الفلسطينية أو حول القضية النسائية والقضايا الاجتماعية للاحتجاج من أجل تلبية مطالب الطبقة العاملة.. حيث كانت هذه الرحلات تصل فيها نسبة المشاركة ما بين 10 حافلات أي أزيد من 500 مناضل ومناضلة إلى 23 حافلة أي حولي 1200 مناضل ومناضلة، وعند الاحتفال بالذكرى الفضية لتأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل سنة 2003 بمدينة الدار البيضاء، وقد عرفت مدينة فاس بكونها كانت أكثر حضورا بالمقارنة مع باقي المدن المغربية في جميع المحطات عبر جميع المراحل التاريخية، ويعود الفضل في ذلك إلى الدور الكبير الذي قام به جميع المناضلين والمناضلات والأطر النقابية بفاس طيلة المراحل الماضية وقد أدى هذا الحضور إلى استهداف العمل النقابي بكونه يقف وراء إغلاق عدد كبير من المقاولات الصناعية والتي تعود أسبابها الرئيسية إلى الأزمة التي كان يمر منها قطاع النسيج والجلد ويتضح ذلك بالرجوع إلى قائمة المؤسسات التي أغلقت علما بأن هذين القطاعين كان لهما حضور قوي بفاس وهو ما كانت له انعكاسات سلبية على المستوى المحلي تطلبت مجهودات كبيرة من أجل إزالة هذه الصورة بعد أن أدرك الجميع خطورتها.
ثانيا: مهام ومسؤوليات
– ومنذ أن تحملت المسؤولية في اللجنة الإدارية للكونفدرالية الديمقراطية للشغل سنة 1978 ثم المكتب التنفيذي للكونفيدرالية الديمقراطية للشغل ثم المكتب المركزي للفيدرالية الديمقراطية للشغل إلى جانب العضوية في اللجنة التحضيرية للنقابة الوطنية للنسيج والألبسة والجلد كنت بالإضافة إلى مسؤوليتي المحلية بفاس أكلف للقيام بمهام على المستوى الوطني نذكر منها:
– تأسيس النقابة الوطنية للنسيج:
بدأت الخطوات الأولى لتأسيس النقابة الوطنية للنسيج سنة 1978 قبل تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل حيث تم عقد اللقاء التحضيري الأول بمقر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بحي الخبازات قرب ساحة الشهداء بمدينة القنيطرة. غير أنه لأسباب تنظيمية تعود إلى الانشغال بالمهام التي جاءت على إثر تأسيس النقابة، وبعد إجراء عدة اتصالات مع مختلف الفروع النقابية التي يتواجد بها قطاع النسيج وبالأخص منها مدينة الدار البيضاء وفاس ومكناس وطنجة وقصبة تادلة وآسفي وغيرها، تم تكوين لجنة تحضيرية. وبتاريخ 26 و27 أبريل 1995 انعقد المؤتمر التأسيسي للنقابة الوطنية للنسيج بالمقر المركزي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالدار البيضاء، وهنا أشيد بالدور الذي قامت به لجنة المرأة الكونفدرالية لكونها واكبت البرنامج الذي كان يتم بين النقابات وبين الجمعية المغربية للنسيج والألبسة حول العمل اللائق إلى أن تم تأسيس النقابة، ومباشرة تم وضع برنامج حول مختلف مجالات الفعل النقابي، ويتضمن التكوين الداخلي، وعن طريق العمل المشترك بين المكاتب النقابية والمدبرين للموارد البشرية للقطاع برئاسة السيد كريم التازي رئيس الجمعية المغربية للنسيج والألبسة، ومع نقابة CSC البلجيكية كما بذلت مجهودات كبيرة في محاربة العمل غير اللائق على المستوى الوطني والدولي بتنسيق مع الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين.
– تنظيم قطاع سلام غاز:
منذ سنة 1991 عند تأسيس المكتب النقابي لمركز فاس التابع للكونفيدرالية الديمقراطية للشغل تم تكليفي من طرف المكتب التنفيذي بتنظيم هذا القطاع بتنسيق مع الاتحادات المحلية، حيث تم وضع برنامج كان من نتائجه تأسيس فروع الراشيدية وتازة ووجدة والناظور وطنجة وتطوان وسيدي قاسم والصخيرات والمكتب الموحد الذي أصبح يقوم بالإشراف على القطاع بتنسيق وتعاون مع المكاتب النقابية.. وتم تحقيق العديد من المكتسبات وعلى رأسها ترسيم العمال الذين كانوا يشتغلون بشكل مؤقت ويعود الفضل في ذلك إلى المجهودات التي قام بها أعضاء المكاتب النقابية وكنت أقوم بمساعدتهم عندما تقتضي الضرورة ذلك إلى سنة 2006 عند انعقاد المؤتمر الوطني للنقابة الوطنية للبترول والغاز.
– المساهمة في مناقشة مشاريع مدونة الشغل:
واكبت مناقشة جميع مشاريع مدونة الشغل منذ 1994 إلى أن تم التوافق عليها سنة 2003 سواء خلال المرحلة التي كنت فيها عضوا برلمانيا باسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أو من موقعي في المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وقد اعتبرت الأطراف الثلاث التوافق عليها يعد إنجازا تاريخيا كبيرا، غير أنه مع الأسف لم يتم بذل المجهودات المطلوب القيام بها من أجل تطبيق مقتضياتها ثم بعد ذلك تابعت هذا الموضوع خلال جميع المراحل التي مر منها.
– المساهمة في الحوار الجماعي والمفاوضة الجماعية :
واكبت جميع المراحل التي مر منها الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية منذ التوقيع على التصريح المشترك لفاتح غشت 1996 ثم اتفاق 23 أبريل 2000 (19 محرم) ثم 30 أبريل 2003 ثم 26 أبريل 2011 ثم 25 أبريل 2019 مع الحكومات المتعاقبة، سواء من خلال الحضور الفعلي حيث حضرت جل اللقاءات، أو من خلال المتابعة. وأعتبر أن الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية قاما بدور كبير في تحسين أوضاع الطبقة العاملة وفي التطور الإيجابي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وكان من الممكن لو تم استثمار التراكمات التي تحققت خلال المراحل الماضية أن يكون الوضع أحسن مما هم عليه حاليا.
– العضوية في مجلس المفاوضة الجماعية:
كما كنت عضوا في مجلس المفاوضة الجماعية واللجنة المكلفة بالتشغيل المؤقت خلال فترة طويلة، ويمكن، إذا تم توظيف هذه الهيئات الاستشارية المنصوص عليها في مدونة الشغل، بما فيها أيضا المجلس الأعلى لإنعاش الشغل ومجلس طب الشغل والمفاوضة الجماعية، بشكل جيد، أن تلعب دورا كبيرا في تطوير وتقوية العلاقات المهنية، غير أنها مع الأسف ما تصل إليه من خلاصات ونتائج لا تترجم على أرض الواقع.
– المساهمة بكتابة المقالات :
ومن أجل استثمار ما تحققه الطبقة العاملة من تراكمات من خلال الممارسة الفعلية في الميدان، كنت أساهم بكتابة مقالات اقتناعا مني بكون النقابة تعد قوة اقتراحية تساهم في إيجاد الحلول لمختلف القضايا المطروحة ولما للنقاش الفكري من دور أساسي في هذا المجال، وكانت هذه المقالات تشمل مواضيع مختلفة ومنها التي تتعلق بمدونة الشغل والحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية واتفاقيات الشغل الجماعية والحماية الاجتماعية ووضعية جهاز تفتيش الشغل وغيرها من القضايا التي تهم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمهنية. وقد تم نشر هذه المقالات بمختلف الصحف الوطنية الورقية والإلكترونية.
– الانسحاب من المسؤولية :
ومنذ تأسيس المكتب النقابي لمعمل كوطيف تحملت المسؤولية على ألا تتعدى بضعة أشهر أو سنة على الأكثر لأسباب شخصية وعائلية، غير أن الظروف لم تسمح بذلك، وبعد تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل اعتبرت أن مسؤوليتي قد انتهت وقررت الانسحاب، غير أن الأخ الأموي فرض علي الاستمرار على إثر الاجتماع الذي ترأسه شخصيا في ذلك الحين، وفي سنة 1986 عند تجديد الاتحاد المحلي بقاعة الأفراح بسينما أمبير حاولت من جديد الانسحاب غير أن الأخ الأموي فرض علي الاستمرار حيث أمر بتسجيل اسمي في لائحة المرشحين دون موافقتي، وبعد الالتحاق بالفيدرالية الديمقراطية للشغل حاولت الانسحاب من المسؤولية سواء على مستوى المكتب المركزي حيث كنت أطالب بالتعجيل بعقد المؤتمر، غير أن الظروف التي كانت تمر منها الفيدرالية حالت دون ذلك، ونفس الشيء حصل بالنسبة للاتحاد المحلي إلى أن انسحبت من المسؤولية في 15 يوليوز 2018.
– ملحوظة :
حاولت قدر الإمكان أن ألخص وفق ما جاء في عنوان الموضوع لكي لا أطيل على القارئ وخاصة فيما يتعلق بالقضايا التي سبق لي أن كتبت فيها مقالات خلال المراحل السابقة على أن أعود إلى تناول كل جانب من الجوانب على حدة إذا سمحت الظروف بذلك.
<بقلم: عبد الرحيم الرماح