تنظر غرفة الجنايات الابتدائية لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، من جديد في ملف ” اختفاء الشاب التهامي بناني” يومه الأربعاء 23 فبراير الجاري، بعد تأجيل الجلسة السابقة بسبب تأخر حضور دفاع الضحية.
وقد حظي هذا الملف مؤخرا بتعاطف الرأي العام الوطني، بعد أن دخل على الخط بعض ما يعرف ب” المؤثرين الافتراضيين” على مواقع التواصل الإجتماعي، الذين طالبوا بالكشف عن الحقيقة، خصوصا وأن عائلته ماتزال تعيش معاناة كثيرة، جراء عدم معرفة حقيقة مصير ابنها، إذ أفادت والدته حياة العالمي عند نهاية الجلسة السابقة، في تصريح للصحافة، أنها لاتريد سوى معرفة مصير ابنها، بالقول، ” إذا كان ابني مايزال على قيد الحياة، فآتوني به، وإن كان ميتا، فأنا أومن بقضاء الله، وفي هذه الحالة، أريد أن أرى جثته، أو قبره لأترحم عليه”.
وتعود وقائع هذا الملف، إلى يوم 14 مارس من عام 2007، حيث خرج التهامي بناني من منزل عائلته بمدينة المحمدية، وامتطى سيارة من نوع “ألفا روميو” رفقة أصدقائه يقودها زميلهم أيوب، وكانوا ساعتها يبحثون عن فرصة للسمر هربا من تعب الدراسة وزخم الامتحانات، قبل أن يختفي، ويترك وراءه لغزا عمّر حوالي 15 عاما.
وتحكي حياة العلمي والدة المختفي، في تصريحات مختلفة لوسائل الإعلام، أنها رأت بأم عينها ابنها وهو يغادر رفقة أصدقائه لكنه لم يعد واختفى منذ ذلك الحين عن الأنظار، وكانت تلك آخر مرة تراه فيها..
ومنذ اليوم التالي، انطلقت الأم في رحلة البحث عن ابنها، في كل الاتجاهات ووسط كل معارفه وأصدقائه، دون أن يسفر ذلك عن نتيجة، لتقوم بتقديم شكاية لدى السلطات الأمنية، حيث باشرت الأخيرة التحقيق الذي أفضى إلى استدعاء الشباب الذين رافقوا المختفي حسب شهادة الأم، لكنهم أنكروا لقاءه يوم الاختفاء.
تكذيب الشباب لرواية الأم أثار شكوكها ولم تستوعب على حد قولها السبب وراء إنكار تواجدهم مع ابنها خلال ذلك اليوم المشؤوم، بعد أن كانوا قد أكدوا لها أثناء البحث عليه أنه كان فعلا معهم لكنهم افترقوا بعدها دون أن يعرفوا أين ذهب.
وبتاريخ 15 شتنبر 2019، أحالت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ثلاثة من أصدقاء وزملاء الشاب بناني السابقين في الدراسة، هم أيوب ومحمد يوسف وفؤاد، على قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، بعد الاشتباه بارتباطهم بواقعة اختفاء وموت الشاب التهامي بناني وعدم التبليغ عن مكان جثته.
ورغم أن المتهمين الثلاثة، حسب تصريحاتهم في إطار البحث التمهيدي، حاولوا إنكار العديد من المعطيات، والقفز على بعض الحقائق، إلا أن مواجهتهم بنتائج الخبرة التقنية على الهواتف المحمولة، وتقنية التموضع الجغرافي، جعلتهم يتراجعون ويعترفون بأن رحلة البحث عن هذه قضاء وقت ممتع، قادتهم لشراء كمية كبيرة من مخدر “إكستازي” من مدينة الدار البيضاء، قاموا باستهلاكها بشكل مفرط، مما تسبب لهم في الدخول في حالة غير طبيعية، وظهور أعراض هيستيرية خطيرة على الضحية التهامي بناني،حسب تصريحات المتهمين الثلاثة.
وأضاف المتهمون، أنهم رافقوا الضحية في جولة ليلية قادتهم حتى منطقة سيدي رحال، في انتظار استعادة وعيه واستقرار حالته، غير أنه فارق الحياة، مما جعلهم يتخلصون من الجثة بمنطقة رملية محاذية للغابة المطلة على شاطئ واد مرزك، ليعودوا بعد ذلك أدراجهم إلى مدينة المحمدية، حيث قدموا معطيات مغلوطة لرجال الأمن آنذاك.
لكن السؤال الذي مايزال يطرحه الجميع، ضمنهم والدة الضحية، هو أين توجد جثته؟ وهل تم دفنها في قبر معروف ؟
فالأبحاث والتحريات التي تمت في هذا الإطار، تفيد إلى أن “مصالح الدرك الملكي اكتشفت فعلا جثة متحلّلة بالغابة المذكورة، وتحديدا بتاريخ 3 أبريل 2007، أي بعد أكثر من أسبوعين تقريبا من تاريخ اختفاء التهامي بناني. وقد تم نقل هذه الجثة إلى مركز الطب الشرعي “الرحمة” بضواحي الدار البيضاء”.
وقد سلمت المسؤولة عن مركز الطب الشرعي محققي الفرقة الوطنية وقتها صورا للجثة ولحالتها ساعة اكتشافها، وهي الصور الفوتوغرافية التي تؤكد محاضر القضية أنها عُرضت على والدة الضحية وشقيقه، اللذين أكدا أنها للضحية التهامي بناني، بسبب تطابق الملابس والحذاء مع ما كان يرتديه الضحية قبيل اختفائه.
لكن السؤال الذي لا زال معلقا: أين هي الجثة، التي تشير محاضر الفرقة الوطنية إلى أن عائلة الضحية والمتهمين الثلاثة تعرفوا على صورها المؤرشفة في مركز الطب الشرعي؟ وهل تم تحصيل عينات من الحمض النووي من تلك الجثة ليتسنى مطابقتها مع البصمات الجينية المستخلصة من والدته وشقيقه؟
ولحدود الآن، مايزال البحث مستمرا للإهتداء إلى القبر الذي دفنت فيه الجثة، بعد أن تم دفنها في مكان خاص بالأشخاص المتوفين المجهولي الهوية.