في رسالة جلالة الملك إلى مؤتمر دعم القدس، الذي أقامته جامعة الدول العربية، كانت واضحة الرؤية الملكية، وما يميز الموقف التاريخي المغربي دائما ويجعله مختلفا عن سواه.
لقد تجلى، مرة أخرى، وضوح النظر السياسي للقضية والتزام المملكة الدائم بمواقفها التاريخية، وأكد جلالة الملك أن المغرب، من منطلق التزامه الراسخ، يظل مقتنعا بأن القضية الفلسطينية، هي: » قضية سياسية جوهرية، وهي مفتاح الحل الدائم والشامل من أجل إرساء السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط «، ثم أضاف العاهل المغربي أنه يتعين على هذا الأساس، إيجاد تسوية عادلة لها في إطار الشرعية الدولية، ووفق مبدأ حل الدولتين الذي توافق عليه المجتمع الدولي، ودعا، في هذا الصدد، إلى الدفع في اتجاه تحقيق انفراج سياسي، من شأنه أن يفتح آفاقا للتفاؤل بمستقبل يسوده السلم والأمن والازدهار بالمنطقة…
هذا الوضوح السياسي المبدئي الذي يبرزه جلالة الملك مرة أخرى يتوجه به إلى كامل المجتمع الدولي، ويعتبره أفقًا مشتركا بالإمكان التفاف العالم حوله، وجعل مدينة القدس انشغالا مشتركا لكل الإنسانية، والالتفاف حول رمزيتها لدى مختلف الديانات السماوية، وهذا معنى دعوة جلالة الملك، رئيس لجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، إلى إقامة تحالف عالمي يجمع كل القوى المحبة الملتزمة بالسلام والمؤمنة بقيم التسامح والتعايش، من أجل إنقاذ مدينة السلام، والحفاظ على موروثها الحضاري والإنساني المشترك.
المغرب إذن، وتبعا لما سبق، لم يفرط في موقفه السياسي المبدئي المنتصر للحق الفلسطيني المشروع، وهو يجدد التأكيد على أن القدس مسؤولية مشتركة وأخلاقية وسياسية لكامل الإنسانية، ويدعو لتحالف عالمي للدفاع عنها وحمايتها، وفي نفس الوقت هو لا يختار الشعارات المعلقة في الهواء أو سياسات الخطب والمنابر، ولكنه يعزز وضوح نظره السياسي المبدئي بعمل ميداني ملموس وداعم للفلسطينيين، وله أثر ملموس ومعاش في حياتهم اليومية وفي واقع المدينة المقدسة.
هنا يعرض جلالة الملك تجربة وحصيلة العمل الميداني الذي تقوم به وكالة بيت مال القدس منذ أزيد من ربع قرن، وهي التي تعتبر الذراع العملي للجنة القدس التي يترأسها العاهل المغربي.
الوكالة أنجزت أكثر من مائتي مشروع شملت الحياة المعيشية والاجتماعية للمقدسيين، وتدخلت في المجالات التعميرية والتجهيزية والحضارية للمدينة المقدسة، وصرفت، من أجل ذلك، أزيد من 65 مليون دولار، وهي تدعو كل الآخرين إلى الاقتداء بالتجربة وإنجاز عمل ملموس يحس به الفلسطينيون في حياتهم اليومية على الأرض، بدل المزايدات الخطابية والمنبرية والمناورات السياسية والديبلوماسية الجوفاء.
الجميع يعرف أن المنجز التنموي والاجتماعي الذي حققته وكالة بيت مال القدس، ما كانت لتنجح فيه لولا الالتزام الدائم للمملكة، ولولا الحرص والرعاية المستمرين من لدن جلالة الملك، وهذا ما يجب أن ينخرط فيه باقي أعضاء منظمة التعاون الإسلامي.
الرسالة الملكية التي تليت أمام المشاركين في المؤتمر رفيع المستوى لدعم مدينة القدس، الذي نظمته جامعة الدول العربية بالقاهرة، تندرج ضمن روح النداء الذي كان قد أطلقه جلالة الملك عام 2009 من الرباط، في المؤتمر الدولي حول القدس، وهي تجسد استمرار وضوح الرؤية السياسية، وثبات الموقف المبدئي المغربي، علاوة على أنها تكرس استمرار الجهد العملي والميداني لمساعدة الفلسطينيين على أرض الواقع، ومن أجل تحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية للمقدسيين، وذلك من خلال برامج ومبادرات وكالة بيت مال القدس.
القدس، في رؤية ملك المغرب، هي أكثر من مدينة، هي قضية، وتعني المغاربة وعاهلهم، وهي عنوان للسلام، وأيضا عنوان للمسؤولية المشتركة لكل الإنسانية.
<محتات الرقاص