ملوك وسلاطين – الحلقة 21-

 تاريخ كل أمة خط متصل، قد يصعد الخط أو يهبط، وقد يدور حول نفسه أو ينحني ولكنه لا ينقطع. ولعل كل أمة تنقب عن تاريخها وتصونه من أجل الرقي بحاضرها والتحضير لمستقبلها. وكذلك شأن المملكة المغربية التي اجتهد مؤرخوها لصون تفاصيل تاريخ يمتد لقرون طويلة عرف فيها المغرب عدة حضارات وساسه قادة وملوك وسلاطين. بيان اليوم حاولت النهل من كتب ومراجع ومخطوطات عديدة لتحضير هذه النافذة التاريخية لقرائها طيلة شهر رمضان الكريم، تطل من خلالها على ما مضى من مواقف ملوك وسلاطين المملكة اتجاه أبرز الأحداث.

عبد الله العادل والرشيد عبد الواحد

في هذه الحلقة سنتطرق إلى أميرين من الموحدين، ويتعبق الأمر بالخليفة أبو محمد عبد الله العادل و أبو محمد الرشيد عبد الواحد بن المأمون.

عبد الله العادل

الخليفة أبو محمد عبد الله العادل بن الخليفة أبي يوسف المنصور هو خليفة موحدي، عينه الأشياخ الموحدون خليفة للموحدين سنة 621هـ/1224م، ثم قتلوه سنة 624هـ/ 1227م

كان أبو محمد عبد الله العادل واحدً من ستة عشر ولدًا ذكرًا تركهم الخليفة أبو يوسف المنصور، وهو ثاني ثلاثة من أبناء الخليفة أبي يوسف المنصور تولوا خلافة الموحدين من بعده، والآخران هما محمد الناصر، الذي خلف أباه (حكم بين عامي 1199 و1213 م) وأبو العلاء إدريس المأمون، الذي خلف ابن أخيه يحيى المعتصم (حكم بين عامي 1227 و1232 م).

عينه أخوه محمد الناصر واليًا على إشبيلية بعد قليل من تولي الناصر الخلافة في سنة 595 هـ (1199 م)، لكنه لم يلبث أن عزله، ثم عاد فاستبقاه في منصبه تحقيقًا لرغبته، وكان ذلك في أوائل سنة 597 هـ (خريف سنة 1200 م).

وفي سنة 607 هـ (1210 م)، نُقل أبو محمد واليًا لشرقي الأندلس، وكان الخليفة محمد الناصر كثير التغيير والتبديل للولاة ورجال الدولة.

استيلاؤه على الخلافة

في سنة 620 هـ توفي الخليفة أبي يعقوب يوسف المستنصر دون عقب، فاستقر الموحدون على تنصيب أبي محمد عبد الواحد بن يوسف بن عبد المؤمن، غير أن العادل ـ وكان آنذاك واليًا على مرسية ـ لم يلبث أن أعلن نفسه خليفة للموحدين وتلقب بالعادل، وذلك في شهر صفر سنة 621 هـ، وأيدته في دعوته معظم القواعد الأندلسية الكبرى، وكان ولاة قرطبة وغرناطة ومالقة وإشبيلية يومئذ من إخوته، أولاد الخليفة أبي يوسف المنصور.

سار العادل إلى إشبيلية، وهناك وصلته بيعات أهل مراكش وبلاد المغرب، وقام أشياخ الموحدين بمراكش بخلع الخليفة أبي محمد عبد الواحد، ثم دبروا قتله غيلة في شعبان سنة 621 هـ، وعندئذ عبر العادل إلى المغرب (أواخر سنة 622 هـ)، وترك أخاه أبا العلاء إدريس بن المنصور واليًا لإشبيلية، وهي يومئذ قاعدة الحكم الموحدي بالأندلس، وتربع العادل على كرسي الخلافة، وكانت أحوال الدولة الموحدية قد ساءت يومئذ ومزقتها الأهواء والفتن، وتضعضع سلطانها في معظم أنحاء المغرب والأندلس.

مقتله

لم يمضِ قليل على قيام العادل في الخلافة حتى خرج عليه بالأندلس أخوه أبو العلاء إدريس والي إشبيلية، ودعا لنفسه، وتسمى بالمأمون، وكان من أصداء هذه الحركة الجديدة في مراكش أن قام الموحدون بقتل العادل، ولكنهم لم يعلنوا بيعة المأمون، بل أقاموا مكانه في الخلافة ولد أخيه، يحيى بن الناصر (يحيى المعتصم) في شوال سنة 624 هـ، فغضب المأمون، وقصد إلى مراكش فهاجمها بمعاونة فرقة من النصارى أمده بها فرناندو الثالث ملك قشتالة، فهُزم يحيى، وفر ناجيًا بنفسه، ودخل المأمون مراكش، وتربع على كرسي الخلافة.

أبو محمد الرشيد عبد الواحد بن المأمون

أبو محمد الرشيد عبد الواحد بن المأمون (توفي 9 جمادى 640 هـ / 4 نونبر 1242) خليفة موحدي حكم المغرب الأقصى والأوسط والأندلس بين 1232 – 1242.

مسيرته

أبوه هو المأمون أبو العلى، الذي ثار عليه أخوه أبو موسى عمران بن يعقوب أمير سبتة فتوجه لقتاله وحاصره، وفي غيابه بهذا الحصار عاد ابن أخيه يحيى ومعه جموع من العرب والبربر ودخلوا مراكش وعاد المأمون مسرعا ومات في الطريق سنة 630 هـ. وبُويع عبد الواحد بعد وفاة والده ولُقِّبَ بالرشيد مع خلاف ابن عمِّه يحيى لَهُ. في عهده تولى يغمراسن بن زيان حكم إقليم تلمسان الذي كتب له الخليفة بالعهد على ولاية المغرب الأوسط.

ثار ابن وقاريط بقومه وأخذ بدعوة يحيى بن الناصر فاستنفرت له قبائل الموحدين ونهض إليهم الرشيد سنة 631 هـ واستخلف على مراكش صهره أبا العلى إدريس وصعد إليهم الجبل فأوقع بيحيى وجموعه بمكانهم من هزرجة واستولى على معسكرهم ولحق يحيى ببلاد سجلماسة وانكفأ الرشيد راجعا إلى عاصمته واستأمن له كثير من الموحدين الذين كانوا مع يحيى بن الناصر فأمنهم ولحقوا بحضرته، وكان كبيرهم أبو عثمان سعيد بن زكريا الكدميوي وجاء الباقون على أثره بسعيه بعد أن اشترطوا على الرشيد إعادة الطقوس التي أزالها والده المأمون من رسوم المهدي فأعيدت وقدم فيهم أبو بكر بن يعزى التينمللي رسولا عن يوسف بن علي بن يوسف شيخ تينملل ومحمد بن يوزيكن الهنتاني رسولا عن أبي علي بن عزوز ورجعا إلى مرسليهما بالقبول فقدما على السلطان في مراكش وقدم معهم موسى بن الناصر أخو يحيى وكبيره وجاء على أثرهم أبو محمد ابن أبي زكريا وقاموا باسترجاع رسوم الدعوة المهدية، فبدأ الرشيد يقيم الخطبة بذكر المهدي بن تومرت، ليستميل بذلك قلوب الموحدين.

الأندلس

منح عبد الواحد الرشيد الإشبيليين عام 637 هـ حق اللجوء إلى المغرب حسب ظهير حرره قاضي الرباط آنذاك أبو المُطرِّف بن عميرة المخزومي، ولعل ذلك كان بسبب انضمام الإشبيليين إلى المولى الرشيد عام 635 هـ عندما حاول الأمير الأندلسي محمد بن يوسف بن هود اقتحام مصب أبي رقراق. وقد تخللت هذه الفترة أحداث جرفت بالأندلس بعد سقوط قرطبة سنة 633 هـ وبداية مضايقة سواحل الريف من طرف المراكب الإسبانية. كما كتب بن سبعين المسائل الصقلية بأمر من الخليفة الرشيد.

الخلط

قام عمر بن وقاريطر بإغراء مسعود بن حمدان الخلطي على التمرد، وهو كبير قبيلة الخلط العربية الذين كانت قواتهم يومئذ تناهز إثني عشر ألفا، فأغره ذلك، وتثاقل في الذهاب إلى أداء الطاعة، وتمرد على السلطان. فأعمل الرشيد حيلة لاستدعائه، فأبعد جيشه إلى باجة كي يطمئن الآخر، فاستقدمه بحضرة مراكش وقدم معه معاوية وهو عم عمر بن وقاريط فقبض عليه وقتله واستدعى مسعود بن حمدان إلى المجلس الخلافي للحديث فقبض عليه هو كذلك ومعه أصحابه فقتلوا ساعتئذ، وبعد أن قضى الرشيد حاجته فيهم استقدم وزيره وعساكره من باجة فقدموا. ولما بلغ خبر مقتلهم إلى قومهم عينوا عليهم يحيى بن هلال بن حمدان واستقدموه من مكانه بقاصية الصحراء. وساندهم في ذلك عمرو بن وقاريط، فقاموا بالزحف لحصار مراكش وخرجت عساكرها لقتالهم ومعهم عبد الصمد بن يلولان واشتبكوا مع ابن وقاريط، فتفاقم أمر ساكنة مراكش بسبب انعدام المؤن.

فعزم الرشيد الخروج إلى جبال الموحدين وسار منها إلى سجلماسة فملكها واشتد الحصار على مراكش وافتتحها يحيى بن الناصر وقومه من هسكورة وعرب الخلط فسيطروا على عاصمة الخلافة. وتغلب على السلطان أبو إبراهيم بن أبي حفص الملقب بأبي حاقة. وفي سنة 633 هـ تجهز وخرج السلطان الرشيد من سجلماسة يقصد مراكش وخاطب جرمون بن عيسى وقومه من بني سفيان فأجازوا واد أم الربيع وبرز إليه يحيى في جموعه والتقى الفريقان فانهزمت جموع يحيى واستحر القتل فيهم ودخل الرشيد إلى حضرة مراكش منتصرا.

وفاته

يوم الخميس تاسع جمادى سنة 640 هـ وجد غريقا في أحد بساتينه بحضرة مراكش، وأخرج من الماء حيا فحم لوقته ومات، وذكر المؤرخ أكنسوس أن غرق الرشيد كان في البركة الكبرى التي بدار الهناء من أجدال اليوم التي كانت تسمى بالبحر الأصغر لأن ملوك بني عبد المؤمن الذين أنشؤوها كانوا يرسلون فيها الزوارق والفلك الصغار بقصد النزهة والفرجة.

إعداد: أنس معطى الله

 

Top