مليكة البلغيتي..عطاء علمي رمزي ومادي ثمين في مجال السوسيولوجيا المغربية الملتزمة xx

نظم فضاء حزب التقدم والاشتراكية للأطر بالدار البيضاء، يوم الأربعاء 15 يونيو 2016 ، بالدار البيضاء  ندوة حول موضوع ” قضايا المرأة من خلال الأعمال السوسيولوجية لمليكة البلغيتي”. خلال هذه الندوة، ألقت أستاذة االفلسفة لسعيدية بوفتاس مداخلة قيمة سلطت الضوء فيها على جوانب من حياة وأعمال البلغيتي، رائدة النضال التقدمي النسائي بالمغرب. فيما يلي النص الكامل لهذه المداخلة:

بداية، أتقدم بالشكر الجزيل للهيئة المنظمة لهذا اللقاء  المتميز، ولدعوتي للمشاركة في هذه اللحظة المفعمة ببهاء الاعتراف ،وزخم الاحساس بالوفاء والعرفان ، لهامة باحثة ، ومناضلة ، وانسانة رفيعة القيم   الأستاذة مليكة البلغيثي  .
وفي الحقيقة ، فان هذه المبادرة  ،مبادرة تكريم الأستاذة السوسيولوجية الجليلة مليكة البلغيثي من خلال أعمالها السوسيولوجية، هي مبادرة جد رفيعة ، لأنها  ، بقدر ماهي تكريم لشخصها ، وأعمالها ومسارها ونضالها، فانها أيضا وأساسا تكريم للبحث العلمي السوسيولوجي الملتزم، الذي كان منذ بداياته مزاوجا بين البحث الميداني الموضوعي العلمي، والالتزام السياسي، بمقاربات ميدانية علمية تطبيقية ،هدفها العلمي :العمل على فهم وتحليل الوضعيات الهشة في المجتمع  من أجل العمل على تغييرها،  وهدفها القيمي :العمل على صون وحفظ انسانية الانسان وكرامته.
— تكريم أيضا للمرأة المغربية الباحثة والمثقفة،ا لتي تساهم بانخراط واع ومسؤول في انتاج كل امكانيات وشروط التغيير الى الأحسن ، وتسعى الى بلورة الشروط المساعدة على ذلك، وتصر على أن تخترق الفضاء العام العلمي والسياسي والاجتماعي…. ، مسلحة بأدوات العلم، ورؤية العقل المستنير، من أجل المساهمة في بناء لبنات مجتمع ديموقراطي  جدير بمواطناته ومواطنيه
— تكريم أيضا لنضال كل النساء المغربيات التقدميات في كافة أشكاله وعلى كافة الواجهات، أينما تواجدن، وكيفما تواجدن.
— وتكريم أخيرا لصمودهن وتضامنهن أمام كل التحديات، وأمام كل التراجعات التي لاتني تعصف بثمار نضالاتهن الى اليوم.
لهذا، فاختيار الأعمال السوسيولوجية للأستاذة البلغيثي كعطاء علمي رمزي ومادي ثمين في مجال السوسيولوجيا المغربية الملتزمة، هو اختيار دال على الرغبة في فهم الدلالات العميقة لهذا العطاء، الذي لاتزال طروحاته، وكيفيات مقارباته وأسئلته راهنية الى حد اليوم.
لذلك ، وأنا استعد لهذا اللقاء، حرصت على أ ن أضع اليد  وبأيجاز شديد  ،على الهاجس الكبير الذي سكن فكر وقلب الأستاذة البلغيثي ،هذا الهاجس المتمثل أساسا في القضية النسائية ، وبالضبط وضعية النساء في العالم القروي بمغرب الاستقلال ،والذي وظفت له كل امكانياتها السوسيولوجية العلمية من أدوات بحث ، ومفاهيم ذات قيمة علمية كبيرة ،ومن طرق ملائمة لانجازها، ومن التزام واع ومسؤول بضرورة تفكيك كل العوامل الذاتية والموضوعية التي أدت الى استمرارية وتركيز الاقصاء واللامساواة والحيف الاجتماعي الصارخ في العالم القروي ،وخاصة بالنسبة لوضعية النساء . واعتمدت في هذا الإطار على دراستين سوسيولوجيتين فقط، من بين أعمال أخرى كثيرة، وهما:”وضعية النساء والأطفال في منطقة تطوان، جبالا “، وهي من أولى الدراسات السوسيولوجية الميدانية في المغرب التي اهتمت بوضعية النساء في العالم القروي، والتي أنجزتها سنة 1969، و” العلاقات النسائية ووضع المرأة في الأسرة القروية – ثلاث مناطق في تاساوت-، انجزت سنة 1970.
فكيف اذن طرحت الأستاذة البلغيثي قضايا النساء؟ وماهي المقاربات العلمية التي وظفتها للدراسة؟ وكيف مارست عملها الميداني العلمي؟
ان أهم الملاحظات التي سجلتها ذة. الباحثة في البداية، والتي كانت بمثابة الحافز القوي للاشتغال على تلك المنطقة (منطقة جبالا) كان هو:
الارتفاع المهول لنسبة وفيات  الأطفال ، وارتفاع نسبة التراجع المستمر في التمدرس ، وخاصة تمدرس الفتيات القرويات ، رغم أن تلك المنطقة مشهود لها تاريخيا بالتعلم والتعليم، اضافة الى هشاشة وضعية النساء نتيجة الاقصاء والتهميش الذي تتعرضن له ، رغن  مساهمتهن القوية في الاقتصاد المحلي ، ورغم عملهن الدؤوب والمتنوع ، وأيضا ملاحظة مدى تأثر البنيات الاقتصادية والاجتماعية بظاهرة عدم الاستقرار التي نتجت عن المواجهة المستمرة لكافة أشكال الغزو الأوروبي منذ قرون ، ناهيك عن انبناء وتشكل نظرة محددة للواقع متأثرة بالقوى التقليدية والزوايا وظواهر المقدس،التي  ساهمت في نحث العقليا ت وتشكلها  مثلما ساهمت في انبناء العلاقات الاجتماعية على ضوئها  ، وكذا في توزيع الأدوار بين النساء والرجال وما يترتب عنه من وضع اجتماعي ومن علاقات اجتماعية متفاوتة بالنسبة للنساء والأطفال خاصة..
لقد ألزمت هذه الملاحظات الاستاذة الباحثة باعتماد مقاربات علمية و منهجية متعددة منها  : المقاربة الكمية، والكيفية السوسيولوجية، والمقاربة التاريخية الثقافية ، لفهم وتحليل هذه الظواهر المشكلة لوضعية النساء في تلك المنطقة ، ومعنى ذلك، أنها عملت على النبش التاريخي والسوسيولوجي العلمي في الجذور التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل مظاهر الاقصاء والتهميش الذي طال المنطقة ، وطال ساكنتها، ووشم بنياتها الاجتماعية  ، مثلما وشم ثقافتها وذاكرتها ، من أجل الكشف عن الأثر العميق للموروث الثقافي الذي ظل يقاوم بشراسة وعنف كل أشكال التغيير والتطور الذي يساهم في تغيير البنيات المادية أو الرمزية ، والذي ينحث العقليات ويبنيها،  مثلما يشرع للابقاء على الوجود الهش ،ويكرس وضعية الاقصاء المستمر للنساء ،و الاحساس الدائم بالحرمان من الحقوق الأساسية لهن .
إن هذا النبش التاريخي  المقترن بالكرونولوجيا التاريخية  لم يكن هدفا في حد ذاته بالنسبة للباحثة، بل كان فقط مطية لفهم كافة تمظهرات وضعية النساء القرويات، وكافة اشكال العلاقات الناجمة عن هذه الوضعيات، من أجل وضع اليد  أولا على الأسباب الثاوية والعميقة التي سببتها ، والتي لازالت تمتح منها وتساهم في الابقاء عليها ، وثانيا من أجل  تفكيكها لاقتراح الحلول لها  خاصة وأن معاناتهن من الفقر والامية والامراض وكذا من عدم الاعتراف بمجهوداتهن الانتاجية على كافة المستويات ،في كل مراحل العمر ،دون توقف  ،اضافة الى الاحساس المستمر بالدونية والافتقار للحرية والمشاركة في اتخاذ القرارات  التي تهم وجودها ككائن عاقل و حياتها كانسان، وانعدام التأمين عل هذا  الوجود لأسباب أو لأخرى.
إن هم وضعية النساء القرويات خاصة، جعل الباحثة في الدراسة الثانية المتعلقة “بالعلاقات النسائية ووضع المرأة في الأسرة القروية” عموما، والتي أجرتها في منطقة تاساوت، تنحو نحو التعمق أكثر في طبيعة العلاقات التي تسم الوسط النسائي القروي، ومدى التأثير الذي تمارسه هذه العلاقات على وجود المرأة ووضعيتها، وكذا على المجتمع المحلي الذي تعيش فيه.
لذلك كان هدفها من البحث الميداني ذاك هو التمكن من معرفة جيدة وموضوعية للوسط النسائي القروي، ومعرفة طبيعة العلاقات الاجتماعية التي تؤثر في وضعيتهن، وكذا تأثيرها على وجودهن مثل: تعدد الزوجات مثلا، والزواج المبكر، وجل العلاقات المبنية بين الأسر وخاصة بين النساء في مختلف مواقعهن داخل الأسرة، والتي قد تؤثر سلبا أو ايجابا في هذه الوضعية سواء قبل الزواج أو بعده، وأيضا التي قد يمارس من خلالها كل أنواع العنف المادي والرمزي، وكذا كل أشكال الاقصاء والتحسيس بالدونية الاجتماعية والنفسية.
اضافة الى ذلك، استهدفت الأستاذة الباحثة التعرف على الشروط الممكنة لتحسين مردودية النساء وخلق التعاون والتضامن بينهن، وجعلهن يعين بوضعيتهن كنساء داخل مجتمعهن المحلي والوطني، وكذا معرفة تطلعاتهن وتصوراتهن لذواتهن ولعلاقاتهن بالوسط الذي يعشن فيه
وقد تبين من خلال الدراستين معا، رغم اختلاف الظواهر المدروسة المتعلقة بالنساء، ورغم تشعب القضايا فيهما معا، أنهما معا تعكسان:
1-مدى التزام الأستاذة البلغيثي كباحثة سوسيولوجية بالقضية النسائية في   مختلف وتعدد مظاهرها وأشكالها وخاصة وضعية النساء القرويات.
2-مدى صلابة رؤيتها ومنظورها العلمي السوسيولوجي المبني على ثقافة العمل عن قرب، والمشاركة الفعلية، والانخراط الواعي بقضايا المجتمع ككل، على اعتبار أن القضية النسائية هي قضية مجتمع بأكمله، رجالا ونساء لا قضية نصف مكوناته فقط.
3-مدى اصرارها على استعمال كل الأدوات العلمية، وكل الخبرة الانسانية، التي تمكن من الوصول الى تفكيك وكشف العوامل الثاوية خلف كل الظواهر المدروسة المتعلقة بوضعية النساء، ثقافية كانت أوسياسية أواقتصادية أواجتماعية.
4-مدى تمسكها، في جوهر كل أبحاثها التي صدرت لها، بالقضية النسائية باعتبارها النواة لكل القضايا المجتمعية في المغرب.
ويبدو أن هذا الانخراط المتميز للأستاذة مليكة البلغيثي نحثته عوامل متداخلة ومتعددة يمكن أن نذكر منها فقط:
— االتزامها السياسي، وقناعاتها اليسارية التقدمية، وايمانها بقضايا المجتمع وضرورة العمل على تغييرها وفق منظور ينزع الى تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، ويربط النظرية بالممارسة، ويؤمن بأن “العلوم الاجتماعية هي أداة للتحرر والنمو والتطور باعتبارها مرتبطة تاريخيا بالحركات التحررية للشعوب”، على حد قول الأستاذ المرحوم الدكتور محمد جسوس.
— ايمانها بالعمل من أجل تغيير الذهنيات والعقليات المنتجة لثقافات الاستغلال والعنف، والتمييز والاقصاء والدونية الماسة بالكرامة الانسانية،والعمل على بناء أسس مجتمع ديموقراطي ، يتساوى فيه النساء والرجال حقوقا وواجبات، مجتمع يضمن العيش الكريم ، والوجود الانساني الحر /المسؤول ، ويكفل لمواطنيه ومواطناته المساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية.
— انسانيتها ، كامرأة قيم من المستوى الرفيع ، أبت الا أن تجعل حياتها في خدمة القضايا المجتمعية الكبرى للوطن وعلى رأسها القضية النسائية ، وسخرت معرفتها العلمية وعرفانها بسخاء ،لفهم وتفسير آليات اشتغال كل العوامل الذاتية والموضوعية ، التيلقد ألزمت هذه الملاحظات الاستاذة الباحثة باعتماد مقاربات علمية و منهجية متعددة منها  : المقاربة الكمية، والكيفية السوسيولوجية، والمقاربة التاريخية الثقافية ، لفهم وتحليل هذه الظواهر المشكلة لوضعية النساء في تلك المنطقة ، ومعنى ذلك، أنها عملت على النبش التاريخي والسوسيولوجي العلمي في الجذور التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل مظاهر الاقصاء والتهميش الذي طال المنطقة ، وطال ساكنتها، ووشم بنياتها الاجتماعية  ، مثلما وشم ثقافتها وذاكرتها ، من أجل الكشف عن الأثر العميق للموروث الثقافي الذي ظل يقاوم بشراسة وعنف كل أشكال التغيير والتطور الذي يساهم في تغيير البنيات المادية أو الرمزية ، والذي ينحث العقليات ويبنيها،  مثلما يشرع للابقاء على الوجود الهش ،ويكرس وضعية الاقصاء المستمر للنساء ،و الاحساس الدائم بالحرمان من الحقوق الأساسية لهن
إن هذا النبش التارخي  المقترن بالكرونولوجيا التاريخية  لم يكن هدفا في حد ذاته بالنسبة للباحثة ، بل كان فقط مطية لفهم كافة تمظهرات وضعية النساء القرويات ، وكافة اشكال العلاقات الناجمة عن هذه الوضعيات ، من أجل وضع اليد  أولا على الأسباب الثاوية والعميقة التي سببتها ، والتي لازالت تمتح منها وتساهم في الابقاء عليها ، وثانيا من أجل  تفكيكها لاقتراح الحلول لها  خاصة وأن معاناتهن من الفقر والامية والامراض وكذا من عدم الاعتراف بمجهوداتهن الانتاجية على كافة المستويات ،في كل مراحل العمر ،دون توقف  ،اضافة الى الاحساس المستمر بالدونية والافتقار للحرية والمشاركة في اتخاذ القرارات  التي تهم وجودها ككائن عاقل و حياتها كانسان، وانعدام التأمين عل هذا  الوجود لأسباب أو لأخرى.
إن هم وضعية  النساء القرويات خاصة ، جعل الباحثة في الدراسة الثانية المتعلقة “بالعلاقات النسائية ووضع المرأة في الأسرة القروية” عموما ، والتي أجرتها في منطقة تاساوت، تنحو نحو التعمق أكثر في طبيعة العلاقات التي تسم الوسط النسائي القروي، ومدى التأثير الذي تمارسه هذه العلاقات على وجود المرأة ووضعيتها، وكذا على المجتمع المحلي الذي تعيش فيه.
لذلك كان هدفها من البحث الميداني ذاك هو التمكن من معرفة جيدة وموضوعية للوسط النسائي القروي، ومعرفة طبيعة العلاقات الاجتماعية التي تؤثر في وضعيتهن، وكذا تأثيرها على وجودهن مثل: تعدد الزوجات مثلا، والزواج المبكر، وجل العلاقات المبنية بين الأسر وخاصة بين النساء في مختلف مواقعهن داخل الأسرة، والتي قد تؤثر سلبا أو ايجابا في هذه الوضعية سواء قبل الزواج أو بعده، وأيضا التي قد يمارس من خلالها كل أنواع  العنف المادي والرمزي ، وكذا كل أشكال الاقصاء والتحسيس بالدونية الاجتماعية والنفسية.
اضافة الى ذلك ،استهدفت الأستاذة الباحثة التعرف على الشروط الممكنة لتحسين مردودية النساء وخلق التعاون والتضامن بينهن ، وجعلهن يعين بوضعيتهن كنساء داخل مجتمعهن المحلي والوطني ، وكذا معرفة تطلعاتهن وتصوراتهن لذواتهن ولعلاقاتهن بالوسط الذي يعشن فيه
وقد تبين من خلال الدراستين معا ، رغم اختلاف الظواهر المدروسة المتعلقة بالنساء ،ورغم تشعب القضايا فيهما معا ، أنهما معا تعكسان :
1-مدى التزام الأستاذة البلغيثي كباحثة سوسيولوجية  بالقضية النسائية في   مختلف وتعدد مظاهرها وأشكالها وخاصة  وضعية النساء القرويات.
2-مدى صلابة رؤيتها ومنظورها العلمي السوسيولوجي المبني على ثقافة  العمل عن قرب ، و المشاركة الفعلية، والانخراط الواعي بقضايا المجتمع ككل، على اعتبار أن القضية النسائية هي قضية مجتمع بأكمله ، رجالا ونساء  لاقضية نصف مكوناته فقط.
3-مدى اصرارها على استعمال كل الأدوات العلمية، وكل الخبرة الانسانية ، التي تمكن من الوصول الى تفكيك وكشف العوامل الثاوية خلف كل الظواهر المدروسة المتعلقة بوضعية النساء ،ثقافية كانت أوسياسية أواقتصادية أواجتماعية.
4-مدى تمسكها ،في جوهر كل أبحاثها التي صدرت لها، بالقضية النسائية باعتبارها النواة لكل القضايا المجتمعية في المغرب.
ويبدو أن  هذا الانخراط المتميز للأستاذة مليكة البلغيثي نحثته عوامل متداخلة ومتعددة يمكن أن نذكر منها فقط :
— االتزامها السياسي، وقناعاتها اليسارية التقدمية، وايمانها بقضايا المجتمع وضرورة العمل على تغييرها وفق منظور ينزع الى تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، ويربط النظرية بالممارسة ، ويؤمن بأن “العلوم الاجتماعية هي أداة للتحرر والنمو والتطور باعتبارها مرتبطة تاريخيا بالحركات التحررية للشعوب”، على حد قول الأستاذ المرحوم الدكتور محمد جسوس.
— ايمانها بالعمل من أجل تغيير الذهنيات والعقليات المنتجة لثقافات الاستغلال والعنف، والتمييز والاقصاء والدونية  الماسة بالكرامة الانسانية،والعمل على بناء أسس مجتمع ديموقراطي ، يتساوى فيه النساء والرجال حقوقا وواجبات، مجتمع يضمن العيش الكريم ، والوجود الانساني الحر /المسؤول ، ويكفل لمواطنيه ومواطناته المساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية.
— انسانيتها ، كامرأة قيم من المستوى الرفيع ، أبت الا أن تجعل حياتها في خدمة القضايا المجتمعية الكبرى للوطن وعلى رأسها القضية النسائية ، وسخرت معرفتها العلمية وعرفانها بسخاء ،لفهم وتفسير آليات اشتغال كل العوامل الذاتية والموضوعية ، التي ساهمت في نحث هذا الوجود اللامتكافئ للنساء ، مستثمرة حسها الانساني ،المسؤول ، والمؤمن دوما بالقدرة على الفعل وعلى التغييرالى الأحسن.
— ممارستها للبحث النظري والعملي على السواء ، لافي المكاتب والردهات الادارية ، بل في الميدان ، في حياة القرى :حيث الجبال والدواوير، وحيث التربة بروائحها المختلفة ، ولفحات الشمس الحارقة  نهارا، وبرودة المساءات  حين العودة من الحقول، وحيث القرب من النساء والأطفال.. منصتة الى همومهن ، ومتتبعة لمجريات مسارهن اليومي منذ انبلاج الفجر الى المساء ، وعاكفة على تأمل كل الوضعيات الصعبة والهشة  ،المجترة يوميا من طرف بنات جنسها في ربوع المغرب العميق ،والمعلنة عن تفاصيل الاستغلال ، والمعاناة ، والهشاشة والحرمان من أبسط شروط العيش الكريم.
— اشتغالها مع فريق العمل الذي كان يشرف عليه الباحث السوسيولوجي بول باسكون، والذي كان يعتبر البحث السوسيولوجي عملا نضاليا بامتياز؛ حيث  أقر بأن السوسيولوجيا تصبح بدون جدوى اذا لم تقم بمهمة الكشف والتعرية لكل ماهو خفي وكامن، وأيضا  لتصحيح كل واقع اجتماعي  مشوه ومزيف، ولذلك كانت كل الأبحاث السوسيولوجية  في هذه المرحلة  (الستينات والسبعينات)معتمدة على أسلوب الملاحظة المباشرة والمقابلات الميدانية مع الفلاحين والنساء القرويات والشباب .وقد ظهرت ذة البلغيثي في هذا الفريق كأول باحثة سوسيولوجية  وعالمة اجتماع ، تقوم بالدراسات الميدانية حول القضايا النسائية ، يسكنها هاجس تغيير وضعية المرأة ،اعتمادا على المقاربة العلمية الأكاديمية الموجهة بالقيم ، والمتأثرة بالأنساق القيمية السائدة آنذاك ، قيم الفكر الماركسي الذي كان يقدم نظرة كلية وشمولية للعالم ، والانسان، والقيم، والوجود.
إن هذا الايمان القوي بانسانية الانسان وانسانية النساء التي لاتتبعض ،والذي لازم ذة. البلغيثي ويلازمها دوما ، هو الذي جعلها تكرس جل أبحاثها العلمية لقضايا النساء والأطفال ، والدفاع عنها علميا وميدانيا وسياسيا ، مثلما مكنها من السبق التاريخي في هذا المجال العلمي ، فكانت بذلك أول عالمة باحثة سوسيولوجية  في قضايا النساء والأطفال، وأول من  انخرط في الكشف عن المشاكل والصعوبات التي تحول دون تطور وضعيتهن، وتحررهن ،حاملة أسئلتها القلقة حول هشاشة وضعهن ووجودهن المنذور للعنف الرمزي والمادي ، وللحرمان من الحقوق الأساسية  من تعليم ورعاية صحية وحقوق الشغل ورفه وحرية اختيار واتخاذ القرار رغم انتاجهن الدؤوب لكل شروط عيش الجماعة والمجتمع، واضطلاعهن بالأدوار المتعددة والشاقة  والمستمرة.
– إن ما يمكن تسجيله باختصار هو أن سؤال المرأة وقضاياها لايزال مطروحا الى اليوم، انه سؤال المجتمع الذي لايمكن تجاهله ، وهو بذلك سؤال الحركة النسائية واالقوى الديموقراطية الذي لا يمكن أن  تصاغ اجاباته  إلا  من خلال النضالات المتواصلة لكافة القوى المؤمنة بحقوق الانسان وحقوق النساء كاملة بدون تبعض.
لقد ناضلت مليكة البلغيثي فكرا وممارسة في قضايا المرأة المغربية منذ سنوات الستينات، ولازال النضال متواصلا، يحمل مشعله كل النساء والرجال اللواتي والذين يؤمنون بالوجود الكريم الحر والعادل لكافة أفراد المجتمع، وخاصة  منهم النساء والأطفال.
فالقضية النسائية التي تتعدد أبعادها بين الاجتماعي والفكري والثقافي والسياسي والاقتصادي و الانساني، هي القضية التي تبين بجلاء أزمة المجتمع المغربي الآن، وقصوره وتعثر آليات مؤسساته في تفعيل عادل وحقوقي عقلاني لبنود الدستور باعتباره القانون الأسمى للدولة.
ان الحركة النسائية  التقدمية اليوم ،وكل مكونات المجتمع المدني التقدمي تتابع بكل يقظة ونضالية  تطور مسار هذه النضالات، ونتائجها، وتحولاتها  وانعكاسها على المعيش اليومي للمرأة المغربية  وعلى المجتمع المغربي عامة ، ولذلك فهي تستزيد دفاعا عن المكاسب ،وفي نفس الوقت تتأكد من انه لامناص لها من الاستمرارية والصمود  أمام كل  التراجعات والنكوصات عن المكاسب  خصوصا  مع المقاومات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تمارسها القوى المحافظة في المجتمع، ولهذا يجب أن  يبقى المسار النضالي  متوهجا في أفق تحقيق مجتمع حداثي ديموقراطي أسسه العقلانية ، و قيم حقوق الانسان  وغايته العدالة  والمساواة واحترام  الحريات الفردية والجماعية  .
ولا شك أ خيرا أن النضال من أجل تحقيق المواطنة الكاملة للنساء والرجال معا يستدعي بالضرورة العمل الدؤوب والمستمر على الواجهتين:
— الواجهة العلمية والفكرية والثقافية، والتي أساسها البحث العلمي الموضوعي.
— الواجهة الحركية النضالية التي بفضل يقظتها وعملها الدؤوب تحرص على تتبع مدي تحقق التشريعات والقوانين الكفيلة بالحياة الكريمة والعادلة للمرأة المغربية في كافة ربوع الوطن.
بقلم: ذة. السعدية بوفتاس

Related posts

Top