منطق البلادة.. دويلة “إسرائيل” وفزاعة التطرف “الإسلامي”.. ملاحظات

ملاحظة أولى:

لابد من الأخذ بالحسبان أن إسرائيل (طبعا، بعد إبادتها لغزة، وعدوانها المستمر على الشعب اللبناني، ايا كانت المبررات والمسوّغات)، طورت منذ قيامها، قوة عسكرية تفوق كثيرا إمكاناتها كدولة صغيرة، وذلك استنادا (وهذا أساسي) على الدعم الغربي وبخاصة منه الأمريكي السخي، في مقابل الخدمات التي تقوم بها (وقامت بها في السابق)، والتي كيف ما كان الحال (لاعتبارات متعددة) أثبتت نجاعتها وفعاليتها، بل وتكاليف أقل كثيرا من تكاليف التدخل المباشر، وهذا علاوة على توفير التورط السياسي ومواصفاته. وإذا كانت إسرائيل قد أسهمت في الماضي في  حماية بعض الأنظمة الأعرابية سراً وبطريق غير مباشر، فلماذا لا تفعل ذلك اليوم علنا، وبطلب معني من النظام المعني ومقابل أجر أقل تكلفة، وبسرعة أكبر من شيء اسمه التقارب الجغرافي؟ ويكفي بهذا الصدد، أن نستذكر هنا، ليس حرب الخليج وما كلفته من عشرات مليارات الدولارات، دفعتها بالأساس السعودية والكويت، بل أكثر من ذلك إبان إخراج جحافل الجيش العراقي من الكويت. لا يهم الآن. ما يهمني شخصيا قوله،  التالي:

بمنطق الإيجار والاستئجار، ألا تستطيع القوات الإسرائيلية أن تقوم في ظروف التطبيع (الغريب أنها تقوم بذلك بغزة والضفة وجنوب لبنان وبعنجهية قل نظيرها في التاريخ)، قلت، ألا تستطيع في ظروف التطبيع المعوّق، أن تقوم بهذه المهمة بأجر أرخص، ووقت أسرع؟؟ سنرى..

  ملاحظة ثانية:

لفهم مغزى الطرح السابق، لابد من الرجوع إلى الوراء، وإلقاء الضوء على استراتيجية إسرائيل الخارجية بعد قيامها، فمن المعروف أنه تصادف ميلاد إسرائيل زمنيا، مع بداية الحرب الباردة، فالأولى ولدت في العام 48، والثانية بدأت بعد بعد ذلك بعام واحد، وفي الحقيقة (وبغض النظر عن الطروحات القومية، والبعثية منها بالأساس)، ما أن ضمنت إسرائيل الاعتراف الدولي بوجودها واكتسبت عضوية الأمم المتحدة، حتى انعطفت صوب التحالف الغربي بزعامة الولايات المتحدة، وراحت تعزز بكل واقعية، دورها ومكانتها أكثر فأكثر، في إطار هذا التحالف، على المستويين الإقليمي والعالمي، عبر نشاطات كثيفة ومتنوعة.. فعلى النطاق الإقليمي، وتحت غطاء النزاع العربي الإسرائيلي الذي لم تكن إسرائيل معنية بتسويته على أساس الشرعية الدولية، راحت تتصدى بفعالية لحركات التحرر القومي العربية التي انتعشت بعد الحرب العالمية، وحققت نجاحات نسبية خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي. وهنا لا يجب أن ننسى أن انتعاش حركات التحرر العربية في هذه الفترة، شكل تهديدا للغرب، ولسياسة نهبه خيرات المنطقة العربية وفي مقدمتها الخيرات النفطية. وهكذا، وطبعا، استحقت إسرائيل على هذه الخدمات المتنوعة والبالغة الأهمية الدعم السخي والمتعدد الأشكال من دول التحالف الغربي. وما تشهده غزة والجنوب اللبناني الآن، ليس سوى حلقة من حلقات برنامجها الاستراتيجي..

ملاحظة ثالثة:

في ضوء ما سبق، يغدو واضحا، لماذا ترفض إسرائيل (مثلا) التي هيأت نفسها لهذه المهام، طلب مصر التوقيع على اتفاقية منع انتشار السلاح النووي، وتجد التأييد الفعلي على ذلك من واشنطن.

مثل هذا التحالف أو الحلف الغير مقدس، والذي يستهدف في حقيقته وأبعاده دوائر ومهام أوسع كثيرا من تيار التطرف الإسلامي (المرفوض طبعا من لدننا – شأن شعار مكافحة الشيوعية سابقا -) لابد له وأن يحفز ويستثير – بالمقابل – قوى ودوائر تتلاقى وتتجمع لتقف في وجهه، ولو أنه من المبكر التكهن بمدى اتساعها وقوتها. لكن ها هي مصر، التي كانت أولى الدول العربية التي وقعت معاهدة الصلح مع إسرائيل تراقب بغضب كيف أن إسرائيل تتجاوزها (للأسف) في تطبيع علاقاتها مع البلدان العربية والإفريقية، وعلى دورها التاريخي في هاتين المنطقتين، بل والتمهيد لخلق المناخ للقيام بدور قوة التدخل السريع، عند الضرورة، في أي بقعة من العالم العربي. على أي، فهذا الدور هيأت مصر نفسها للقيام به منذ كامب ديفيد.

فهل تتهيأ الظروف لإحباط هذا الدور لإسرائيل في المنطقة وقبل فوات الأوان، أم أن استراتيجية إسرائيل تفرض نفسها؟ لننتظر نتيجة حربها المجنونة على غزة ولبنان. لننتظر.

ملاحظة رابعة:

في مكالمة ترامب (يجب أن نميز هنا بين موقفي ترامب من قضيتي فلسطين والصحراء المغربية. لأن هذه الأخيرة افترضت التعامل البرغماتي الصرف في إطار رابح/رابح)؛ قلت، في مكالمة ترامب مع نتنياهو، كان طبعا (وهذا بديهي)، التطرق إلى إمكانية واحتمال إنتاج إيران لأسلحة نووية، إذ يعبر هو ووزير دفاعه عن قلقهما للغاية من احتمال أن تصبح إيران قوة نووية. وهو تطور غير مقبول إطلاقا.

ثم يأتي، كما أتى من قبله، تصريح سكرتير عام حلف الناتو ومخلصه “الإنجيلي” التالي: إن الأصولية الإسلامية تمثل اليوم تهديدا لحلف الناتو لا يقل تهديدا وخطرا عن الشيوعية في الماضي (أنظروا، أليس مثل هذا الكلام ينم ويفصح عن استراتيجية سحرية للاستبداد والسيطرة ونهب موارد الدول؟). أليس هذا الخيط السحري هو الذي ينتظم كلا من قادة الحلف الأطلسي والبنتاغون وحكام اسرائيل، والتقائهم على مهام جديدة، تبرر استمرار وجودهم وامتيازاتهم وسطوتهم كما كان الحال في الحرب الباردة؟؟.

على أي، وهذا غريب، فإن اتجاه بعض الأنظمة العربية، وبخاصة التي ليست من دول الطوق، نحو التسابق اليوم للتطبيع مع إسرائيل، لا يمكن أن يعزى، بأي حال من الأحوال، إلى حاجتها للسلع والخبرات الإسرائيلية. فهذه الدول تمتلك من المال وفرص الانفتاح على الأسواق العالمية ما يغنيها عن ذلك؛ وإنما، وهذا هو الأساس، لأنها ترى في إسرائيل ذرعا عسكريا فعليا ومجربا، قادرا على مد يد النجدة والحماية عند الضرورة في ظروف التطبيع.

حاشية لابد منها:

عندما تحدثنا عن الأصولية والإسلام السياسي في الفقرات السابقة، كان ديدننا بعيدا عن أية قراءة قومجو-إسلاموية:

1 إن التناقض الرئيسي في العالم العربي اليوم ليس بين أنصار الأصالة والمعاصرة، وليس بين أنصار الاشتراكية وأنصار الرأسمالية، ولا بين أنصار الوحدة وأنصار التجزئة.. بل هو بين أنصار التبعية وأنصار التحرر، هو صراع وتناقض بين الفئات والقوى الاجتماعية التي ربطت مصالحها بمصالح الرأسمال الأجنبي وربطت مصيرها باستمرار وتكريس هيمنة قوى الرأسمالية العالمية بالبلدان العربية (حكومة الباطرونا بالمغرب أكبر مثال)، وبين الفئات والقوى الاجتماعية التي تتعارض مصالحها مع تلك المصالح وترى نفسها ومصيرها مرتبطا بتحرر بلدانها من مختلف أشكال التبعية للنظام الرأسمالي المتوحش.

2 إن الحركات الإسلامية المعاصرة، في خطابها النظري على الأقل، ترفض التغريب، وتدعو للتصدي للاستعمار والسيطرة الخارجية وتعد الصراع مع الغرب صراعا حضاريا تتصادم فيه القيم الإسلامية مع القيم الغربية، بل إن بعضها يربط فشل النهضة العربية بتقليد الغرب والتبعية له، حتى أن بعضها يذهب أبعد من ذلك فيشار إلى المصالح المتبادلة بين الفئات المهيمنة في الأقطار العربية والشركات والدول الاستعمارية، ويعدها سببا في ما أصاب المسلمين من هزائم، وما تعيشه من هزائم وماس، بل وما تعيشه من تخلف وانحطاط.

*ملاحظة:

تمت كتابة هذا المقال بدون الاعتماد على مراجع، وذلك على اعتبار أن ما سبقت الإشارة إليه من معطيات، أصبح متداولا، رسميا وشعبيا.

* بقلم: عبد الله راكز

Top