من تاريخ مدارس المغرب

الحلقة الخامسة

لا شك أن تاريخ مدارس المغرب، خاصة الثانويات، هو جزء من تاريخ البلاد الحافل بالأحداث. كما أن البحث في ذاكرة المدارس القديمة بالمملكة، قد ينبش في المتخيل الجميل لعدد من أفراد الأسرة التعليمية ولدى عدد من الأجيال التي تخرجت على أياديهم.
فالكثير من المغاربة، ستتحرك في دواخلهم ذكريات من زمن قد مضى، سواء تعلق الأمر بالتلاميذ، أو الذين عملوا بهذه المؤسسات.
ثانويات، منها التقنية والعلمية والأدبية وغير ذلك، كل واحدة لها مكانة في قلوب الملايين من المغاربة، ويتقاسمون فيها ذكريات كثيرة.
بيان اليوم، تستعرض تاريخ أهم الثانويات، تدقق في تفاصيلها، وتستعيد أهم الأحداث فيها، وتقف على محطات رئيسية في مسارها، وتذكر بأسماء كثيرة تخرجت منها.

ثانوية أبي يعقوب البادسي بالحسيمة.. منارة تربوية وعلمية

تأسست ثانوية ابي يعقوب البادسي بالحسيمة سنة 1959. وتم وضع حجرها الأساسي على أثر زيارة ملكية الى منطقة الريف والتي شكلت النواة لعصرنة التعليم العمومي بالاقليم ومواكبة النظام التعليمي المغربي بعد الاستقلال والذي تميز بتعدد الأنظمة خلال مرحلة الاستعمار الذي جزأ المغرب الى مناطق احتلال فرنسية واسبانية ومثلت ثانوية ابي يعقوب البادسي   قطبا تربويا اساسيا لمنطقة الريف باعتبارها مركز استقطاب لحوض تربوي يشمل اقليمي الحسيمة والناظور طيلة حقبة الستينيات من القرن الماضي.
وتعود تسمية ثانوية ابي يعقوب البادسي إلى الولي الصالح يوسف بن محمد بن علال بن منصور المعروف بابي يعقوب البادسي والذي عاش بالمنطقة ما بين القرنين 13 و14 الميلادي حيث عاصر الدولة المرينية ونال دراسته العليا بفاس وسافر الى الشرق وتشبع بالفكر الصوفي. وبعد عودته تفرغ لخدمة العقيدة في قرية بادس غرب الحسيمة والتي شكلت آنذاك نقطة تواصل بين الاندلس وحاضرة فاس وكان ابي يعقوب البادسي   يدعو إلى التآخي والأعمال الخيرية. وتم اختيار اسمه من بين مجموعة من الاسماء المقترحة آنذاك على اللجنة المكلفة بتسمية المؤسسة المحدثة.
لقد عرفت الانطلاقة الرسمية لثانوية ابي يعقوب البادسي   خلال الموسم الدراسي 1959 – 1960 بعد تحويل تلاميذ التعليم العصري من مركز التعليم المتوسط بمقر النيابة القديمة بوسط المدينة. وكان عدد المتمدرسين فيها لا يتجاوزون 100 تلميذ وتلميذة وظلت تتطور تدريجيا.
واقتصر التعليم بها على السلك الاعدادي طيلة سنوات 59 – 60 و60 -61 و1961 – 1962.
وكان التلاميذ الموجهين الى الثانوي يستكملون مشوارهم الدراسي بتطوان بوجدة بعد دخول اللغة الفرنسية كلغة أجنبية اولى واقصاء الاسبانية.
وتم اقرار توسيع المؤسسة بعد الزيارة الملكية الى الحسيمة سنة 1962 بإضافة عدة حجرات دراسية لتشمل التعليم الثانوي الى مستوى الباكالوريا الادبية وبناء الداخلية. وارتفع عدد المتمدرسين تدريجيا حتى وصل اقصاه سنة 1976 الى 2145 تلميذ موزعين على سلكي التعليم الثانوي كما تطورعدد الطاقم التربوي ليصل الى ازيد من 130 استاذ واستاذة معظمهم من المتعاونين الاجانب يتشكل اغلبهم من الفرنسيين.
وبخصوص فضاء ثانوية ابي يعقوب البادسي   وبنيتها التربوية فالمؤسسة تضم حاليا أقسام الثانوي التأهيلي موزعين على الشعب التالية: الآداب والعلوم الانسانية، العلوم التجريبية والرياضية، علوم الاقتصاد والتدبير. وتتفرع هذه الشعب الى المسالك التالية:
مسلك العلوم الانسانية، مسلك العلوم الفيزيائية، مسلك العلوم الرياضية، مسلك العلوم الاقتصادية ولا وجود بالثانوية لمسلك الآداب وعلوم الحياة والأرض بسبب تراجع الاقبال عليها من طرف التلاميذ. وقد احدثت بالثانوية اقسام ما بعد الباكالوريا او ما يسمى باقسام تحضير دبلوم التقني العالي BTS   والتي تم احداثها منذ الموسم الدراسي 2010 – 2011 واحتضنت المؤسسة تخصص تطوير نظم الاعلام في هذا التكوين وتخرج من التخصص ذاته أربع افواج الى حدود الموسم الدراسي 2014-2015.
وتضم ثانوية ابي يعقوب البادسي حاليا 1100 تلميذ تمثل الاناث منهم 59%. وتعرف إقبالا مكثفا مع بداية كل موسم دراسي نظرا لموقعها بوسط المدينة وتوفرها على أطر كفؤة.
لقد تعاقب على ادارة المؤسسة منذ تأسيسها خمس مديرين فقط رغم مرور ازيد من نصف قرن على انشائها وهم كالتالي:
عبد الكبير الادريسي 1960 – 1964
ابو خالد احمد 1965 -1982
أحمد الطالبي 1984-1996
أحمد أسويق 1996-2008
عبد الوحيد بنقدور 2009-2016
تتوفر ثانوية ابي يعقوب البادسي   على ناديين مفعلين بشكل جيد وهما النادي الصحي والنادي البيئي ويتم تأطيرها من طرف اساتذة لهم تجربة في التنشيط وتنظيم الندوات والرحلات. فالمؤسسة قامت بوضع مشروع تربوي 2011 – 2013 يهدف الى الرقي بالخدمات التربوية للمؤسسة بتحويلها الى فضاء استقطاب رئيسي بالإقليم. وتم تسطير هذا المشروع بشراكة مع جمعية الاباء التي تكلفت بتدبير تغطية تكاليف المشروع بعقد شراكات مع جهات أخرى وركزت على انجاز واعادة هيكلة مرافق المؤسسة:
اعادة ترميم المكتبة واغناءها بالكتب وآلات الاستنساخ.
بناء قاعة للعروض مجهزة بالكراسي وأجهزة سمعية بصرية
تنظيم المجال الاخضر بالمؤسسة.
لقد ساهم هذا المشروع المتميز في امتصاص اوقات فراغ التلاميذ وتشجيعهم على اخذ المبادرة وتفعيلها.
وتجدر الاشارة الى ان ثانوية ابي يعقوب البادسي تضم سجلات ازيد من 20 ألف تلميذ واصلوا فيها مشوارهم الدراسي الى نهاية التعليم الثانوي وقد ساهمت المؤسسة بانجاب عديد من الاطر والشخصيات التي تقلدت مناصب مهمة في الدولة المغربية: أطباء، مهندسين، أساتذة جامعيين، محامون، مفكرون، زعماء سياسيون وأطر عليا في الجيش والأمن والصحة والتعليم والداخلية ودبلوماسيين. وفيما يلي بعض اسماء من هذه النخبة:
الدكتور نجيب الوزاني (طبيب جراح بمستشفى ابن سيناء واستاذ جامعي بكلية الطب بالرباط ونائب برلماني لعدة دورات تشريعية ورئيس فريق …)
عبد الوهاب بلوقي سفير  المغرب  في عدة  دول  عربية و أوروبية ..
رشيد  أحمد خطابي  سفير  للمغرب  بمملكة  البحرين
محمادي علاش  نائب  المدير  العام  للمكتب  الوطني  للكهرباء.
عبد الحفيظ بلوقي عقيد بالقوات المسلحة الملكية و يعمل حاليا بالقيادة العليا للقوات  المسلحة  الملكية بالرباط .
محمد ايت على رجل اعمال يتوفر على شريكتين لتدوير النفايات الالكترونية بولاية الميسيسيبي بالولايات المتحدة الامريكية ويساهم في نفس الولاية في شركة كبرى لإنتاج الطاقة المتجددة. ويعتبر كذلك من الشخصيات التي تتذكر ثانوية ابي يعقوب البادسي باستمرار فهو عضو نشيط في جمعية قدماء التلاميذ ويقدم سنويا جوائز للتلاميذ المتفوقين في اللغة الانجليزية.
وخلاصة القول وانطلاقا مما قلناه عن ثانوية ابي يعقوب البادسي   يتضح لنا جليا بان هذه الثانوية تمثل منارة بمنطقة الريف ومهما ذكرناه في هذه الحلقة عن هذه الثانوية فلن نستوفي حقها.
خليل  البخاري

Related posts

*

*

Top