موريتانيا تعيش حمى التنقيب عن الذهب

بين أحلام الراغبين في الثراء وعرق الكادحين في تحديات التنقيب اليومي على المعدن النفيس ودموع الثكالى على فقدان الأحبّة تحت ردم المناجم، تعيش موريتانيا حمّى التنقيب عن الذهب الذي بات يطغى على كل مناحي الحياة الأخرى.
وفي 14 مارس لقي سبعة منقبين عن الذهب مصرعهم في منطقة الشكات شمالي البلاد، وقالت شركة معادن موريتانيا إن الحادث وقع في منطقة تقع خارج منطقة الترخيص. وقبل ذلك أعلن في 15 يناير عن مصرع 12 منقبا في منطقة تازيازت إثر انهيار بئر كبيرة للتنقيب كانوا يستغلونها تعرف باسم “مجهر محمد سالم”، وهو من أشهر المجاهر في المنطقة.
ومنذ توجه الموريتانيين إلى التنقيب السطحي عن الذهب خلال السنوات الأخيرة سجلت العشرات من حوادث السير والانهيارات التي أودت بحياة العشرات من الأشخاص في عدة مناطق من البلاد.
وبذلك ارتفع عدد الضحايا منذ منتصف 2017 حتى منتصف مارس 2021 إلى 94 قتيلا و162 جريحا نتيجة حمى التنقيب عن الذهب، حيث لا يقتصر سقوط هؤلاء على انهيارات آبار التنقيب، وإنما تساهم حوادث السير بشكل كبير في حصد أرواح المنقبين ممّن يتنقلون عبر طرقات وعرة غير آمنة إلى مناطق التنقيب.
وتعتبر انهيارات التربة من أكثر الهواجس التي تؤرق المنقبين، حيث يواجه المنقبون الذين يعملون بوسائل تقليدية ودون وسائل سلامة مشاكل عدة، فتنهار عليهم حفريات التنقيب في مواقع لا توجد بها فرق للإغاثة.

حمى المعدن الأصفر

عشرات الآلاف من مختلف فئات المجتمع من بينهم الفقير والغني والأمي وخريج الجامعات اتجهوا في رحلات جماعية إلى شمال البلاد للتنقيب عن المعدن الأصفر النفيس في مرحلتين، الأولى كانت عشوائية في سياق المحظور، والثانية منظمة تحت إشراف حكومي بعد أن سمحت الدولة بالتنقيب اليدوي، فيما قدرت اللجنة الموريتانية للشفافية في الصناعات الاستخراجية في تقريرها الأخير احتياطي البلاد من الذهب بـ25 مليون أونصة، إضافة إلى 900 مؤشر موثق للتعدين والمعادن، وهو ما يؤهل موريتانيا لأن تصبح فاعلا رئيسيا على الصعيد العالمي في إنتاج الذهب.
وفي العام الماضي وضعت الدولة أمام المنقبين جملة من الشروط من بينها التعاون مع الجيش من أجل ضمان الحفاظ على الأمن بمنطقة التنقيب والالتزام بأوقات العمل المتفق عليها وتطبيق كل الضوابط التي وضعتها وزارة النفط والمعادن، إضافة إلى دفع مبلغ مئة ألف أوقية للخزينة العامة (نحو 300 دولار)، والاستظهار بوثيقة تُثبت جمركة جهاز الكشف عن الذهب، إضافة إلى نسخة من بطاقة التعريف الوطنية وصورتين، وتم السماح في مرحلة أولى بالتنقيب ضمن مساحة تمتد نحو 32 كيلومترا عرضاً و50 كيلومترا طولاً.
ومنطقة الشكات التي تصل مساحتها إلى 104 آلاف كيلومتر مربع هي منطقة غنية بالذهب السطحي كانت مغلقة ومحروسة من طرف الجيش قالت شركة معادن موريتانيا في 30 نوفمبر الماضي إنها أوفدت إليها بعثة بالتعاون مع الجيش لتحديد الأماكن التي سترخص للمنقبين ووضع علامات في الأماكن غير المسموح بالتنقيب فيها.

معادن موريتانيا

تم الإعلان عن تأسيس شركة معادن موريتانيا في مايو 2020 وقال مديرها حمود ولد إمحمد إن إنشاءها يأتي ترجمة لتعهد انتخابي أعطاه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني “بغية تقديم الحلول للمشاكل المطروحة على هذه الفئة المتنوعة والمهمة القادمة من جميع جهات الوطن الموريتاني ولتعزيز الإنتاج وزيادة المردودية والالتزام بالقانون والنظام”، مشيرا إلى أن الدولة “سخرت جميع وسائلها لخدمة المواطنين، رغم أن هناك خيارات أخرى أكثر مردودية بالنسبة إليها كان بوسعها أن تنتهجها” لاستخراج هذه المعادن.
وفي اجتماعه بأعداد من المنقبين عن الذهب في المناطق التابعة لمقاطعة الشامي دعا ولد إمحمد إلى احترام القوانين والمزيد من التنظيم والتأطير النقابي، قبل أن يتعهد لهم بتوفير ظروف أفضل لممارسة نشاطهم، وشدد على ضرورة “احترام القانون والنظام وعدم التعدي على حدود المنح وحيثيات الملكية والالتزام في التنقيب بالحدود المتفق عليها في الرخص الممنوحة من طرف الجهات المختصة بما في ذلك الرخص الممنوحة للشركات الأجنبية”.

الشامي عاصمة للتنقيب

في دجنبر 2014 أعلن المكتب الموريتاني للإحصاء أن عدد سكان مقاطعة الشامي التي تم استحداثها في يوليو 2011 ودشنها الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز قد بلغ 51 رجلا و5 نساء، وبذلك تكون أصغر مقاطعة في موريتانيا وقد تكون الأصغر في العالم.
وكان الهدف من استحداث مقاطعة الشامي الواقعة على بعد 300 كيلومتر شمال العاصمة نواكشوط أن تكون صلة وصل بين عاصمتي البلاد السياسية (نواكشوط) والاقتصادية (نواذيبو) ولتكون مركزا أمنيا في المنطقة، غير أن شح مصادر المياه وموقع المقاطعة الواقع في صحراء قاحلة وبعيدة عن المراكز الحضرية جعل السكان يرفضون العيش فيها، فيما هجرتها أغلب الأسر التي قدمت للعيش فيها بعد أشهر قليلة من وصولها.
ووصل اليوم عدد سكان المدينة إلى أكثر من 11 ألف نسمة يعمل حوالي 3 آلاف منهم في التنقيب عن الذهب حيث يستخرجون 30 كيلوغراما يوميا، لكن عدد المنقبين العرضيين بالمحافظة يصل إلى 50 ألفا من بينهم موريتانيون ومهاجرون من السودان ومالي والنيجر.

الإرهاب والذهب

رغم الإجراءات الأمنية والعسكرية المشددة في شمال البلاد، إلا أن هاجس استغلال الجماعات الإرهابية للمعادن النفيسة لا يزال يؤرق السلطات، ففي يونيو 2018 أعلن الجيش الموريتاني أن كل من يدخل المنطقة العسكرية المغلقة شمالي البلاد يعرض نفسه للخطر، وذلك بعد أن أشار إلى أن بعض المنقبين عن الذهب يتعاملون مع جماعات التهريب والإرهاب.
وسبق أن وجه الجيش تحذيراً شديد اللهجة إلى كل المنقبين عن الذهب الذين يدخلون المنطقة العسكرية المغلقة، لصعوبة التمييز بينهم وبين المهربين.
وقال الخبير الفرنسي في الذكاء الاقتصادي بيير دهيربيس في دراسة إن ما بين 60 إلى 70 في المئة من الذهب المستخرج عن طريق المنقبين يخرج من البلاد عبر دوائر التهريب، مشيرا إلى أن البنك المركزي الموريتاني يشتري سنويا ما قيمته 130 مليون دولار من المنقبين في منطقة الشامي بينما يتم تسويق 300 مليون دولار من إنتاجهم عبر دوائر التهريب وتباع في داكار وباماكو.

Related posts

Top