نبيل بنعبد الله لـ ” بيان اليوم ” : الحكومة ضعيفة وفاشلة وتشكو من نقص مهول في منسوب الحس السياسي

بعد مرور سنتين ونصف من الولاية الحكومية، وبعد ما عرفته الساحة الاجتماعية من توتر واحتقان في قطاعي التعليم والصحة، وكذا ما مس القدرة الشرائية للمواطن البسيط، وما استجد في الحياة السياسية الوطنية.. أجرت بيان اليوم حوارا مع الأستاذ نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، لتقييم الحصيلة وإبراز رأيه حول عدة قضايا، كما شمل الحوار الحديث عن العلاقات الدولية وما تعرفه هذه الأخيرة من تقلبات.

في البداية أود أن أسألكم عن تداعيات الرسالة المفتوحة الثانية التي وجهها حزب التقدم والاشتراكية للسيد رئيس الحكومة وكيف تلقتها الأوساط السياسية؟

< أعتقد أن الرسالة المفتوحة الثانية التي وجهها حزب التقدم والاشتراكية كانت لها عموما أصداء طيبة في أوساط عديدة مختلفة، سياسية وحزبية، خاصة في أوساط المعارضة طبعا. لكن أيضا في أوساط مجتمعية ومهنية وجمعوية وأوساط مهتمة بالشأن العام، حيث كان من الضروري أن تعرب عن تخوفات أساسية ومساءلات أساسية أيضا موجهة لهذه الحكومة. لماذا؟ لأن الحكومة ربما حققت بعض الإنجازات وبعض الجوانب الإيجابية، وفي البرلمان أثناء مناقشة الحصيلة الحكومية تدخل فريق التقدم والاشتراكية من خلال الرفيق رشيد الحموني. وكان تدخلا مسؤولا مبنيا متزنا ليسطر على بعض الإيجابيات ويقف عند مجموعة من الثغرات.. لكن في وقت وجيز لا يسمح بقول كل ما يمكن أن يقال. المشكل إذن يكمن في كون أن رئيس الحكومة في تفاعله مع مختلف المداخلات، أبان عن استعلاء عجيب وعن ردود فعل متعجرفة حيت اعتبر أن هذه الحكومة هي أحسن حكومة عرفها المغرب على الإطلاق. وهي الحكومة التي استطاعت، في نظره، أن تبلور في سنتين ونصف ما التزمت أن تبلوره في خمس سنوات. وهي الحكومة التي قامت، في سنتين ونصف، بما لم تقم به أي حكومة سابقة على امتداد خمس سنوات كاملة.. وبالتالي فحكومة السيد عزيز أخنوش قامت بكل شيء.
طبعا عندما ترى المفارقة الكبيرة الموجودة في هذا الخطاب، إضافة إلى كونه يتسم بنبرة تهديدية إزاء كل من ينتقد أعمال الحكومة، بما في ذلك مؤسسات دستورية تصدر التقارير مثل المندوبية السامية للتخطيط، ومثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أمام ذلك اعتبرنا أنه من واجبنا أن نخرج للساحة بمواقف قوية تؤكد على النقائص العشرة التي تسم هذه التجربة الحكومية. ومن هذا المنطلق أعتقد أنه كان لرسالتنا المفتوحة وقع هام وبين.

بداية نحن نأسف لطريقة تعامل الحزب الذي يسير الحكومة مع هذه الرسالة، حيث أنه عوض أن يتجاوب بشكل مسؤول مع مضمونها وأن يفند كل ما ورد فيها، فضل مسلكا آخر لا يرقى إلى الحد الأدنى من احترام الأخلاق والتقاليد السياسية، أكثر من ذلك خرج لنا بمفهوم خطير ومخالف للدستور، وهو أنه لا يحق لأي حزب أبدا توجيه أي رسالة للحكومة، وكان قد قال ذلك في رده على الرسالة المفتوحة الأولى مشددا على أنه لا يمكن أبدا أن نوجه رسالة مفتوحة لهذه الحكومة، وأن المساءلة الوحيدة الممكنة تتم داخل البرلمان وليس خارجه. بما يعني أن ما أقوم به، مثلا، الآن، من استجواب معك مسألة مخالفة للدستور. وقد يتسع هذا السلوك ليشمل كل التصريحات والتجمعات واللقاءات التي نقوم بها خارج البرلمان ونوجه فيها رسائل وخطابات للحكومة.. هذا يعني أنه على الأحزاب السياسية أن تنتظر انعقاد جلسات البرلمان لتعبر عن آرائها ومواقفها وتترك الفضاء السياسي فارغا.. وهذا جانب أساسي من انتقاداتنا للحكومة الحالية وهو ضعفها السياسي وفشلها في ملء الفضاءات السياسية والاجتماعية وعدم قدرتها على النزول للمجتمع لتفسير قراراتها ومخططاتها.. على كل حال لا أريد أن أفصل الحديث في هذا الموضوع إذ سبق لي أن تفاعلت مع ذلك من داخل البرلمان ومن خارجه في عدة مناسبات وفي خرجات إعلامية متعددة..
خلاصة القول إنه إلى يومنا هذا لم نتلق أي جواب رسمي من الحكومة حول رسالتنا المصاغة بحس وطني عال، وبنفس نقدي تقدمي، وبأسلوب لبق ولائق.. في مقابل ذلك، هناك رأي عام وطني تفاعل بشكل غير مسبوق مع هذه الرسالة. ويوجه لنا التحية والثناء على ما قمنا به، ولا أخفيك أننا نلتقي بأناس يقولون لنا وقفتم على من نحياه حقيقة في حياتنا من غلاء المعيشة بشكل غير مسبوق، وكذلك ما نحياه بالنسبة للتغطية الاجتماعية وعلى مستوى الدعم المباشر الذي لا نتوصل به، أو غير ذلك من القضايا المتعددة التي يشكو منها المواطنات والمواطنون..

باطلاعنا على هذه الرسالة / الوثيقة، نجد أنكم وقفتم بإسهاب على مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لبلادنا في عشر نقاط، هلا قربتم قراءنا من مضامين هذه الرسالة؟
طيب، البداية، كما أسلفت، هي أن هذه الحكومة تقول عن نفسها بأنها حكومة قوية، والحال أنها ضعيفة سياسيا، ولا مشروع سياسي لها، ولا تقوم ولا تريد أن تقوم بأي إصلاح في الفضاء السياسي. إضافة لذلك ثمة تسع نقاط أخرى مرتبطة أختزلها بسرعة فيما يلي: أولا، البطالة التي ارتفعت، ثانيا، فشل في الوصول إلى الأهداف الاقتصادية سواء تعلق الأمر بنسبة النمو أو بالاستثمارات الخارجية. ثم مسألة التغطية الاجتماعية، ومسألة الدعم المباشر الذي يعرف مشاكل كثيرة، فمسألة غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية لفئات واسعة من المواطنات والمواطنين. ومسألة عدم الخوض في كل ما هو إصلاح حقيقي لميكانيزمات الحكامة في بلادنا. وتطرقنا أيضا إلى معضلة تفاقم الفقر حيث هناك الملايين من المغاربة الذين إما التحقوا أو نزلوا تحت عتبة الفقر. أو بالنسبة للشباب الذين يعانون من البطالة، أو من لا دراسة ولا تكوين ولا تعليم له.
كل هذه الأمور وغيرها مطروقة في رسالتنا، وأعتقد أنه علينا اليوم أن نواصل هذا المجهود من أجل أن نبرز أن هناك ضرورة للبديل، وأننا في حزب التقدم والاشتراكية نتوفر على هذا البديل ويشرفنا أن نلعب هذا الدور بكل مسؤولية واستقلالية في القرار، وبكل ما أوتينا من طاقات في الدراسة والتحليل والاقتراح، سواء داخل أو خارج البرلمان، وفي كل الفضاءات السياسية والاجتماعية والإعلامية المتاحة.

على ذكر البرلمان، كيف تقيمون أداء البرلمان المغربي بغرفتيه سواء على مستوى وثيرة التشريع أو على مستوى الدور الرقابي المنوط به؟

 أعتقد أنه، على أي حال، هناك أطراف عديدة داخل البرلمان بغرفتيه تسعى إلى إعطاء حياة للعمل البرلماني. نحن مثلا على مستوى فريقنا نقوم دائما بعدة مبادرات في مسألة المراقبة، وعلى صعيد التشريع نتقدم بمقترحات أخرى ولعلكم اطلعتم على نماذج منها… بمعنى أن هناك سعيا إلى جعل البرلمان فضاء حقيقيا لدينامية سياسية تكون في خدمة مصالح الوطن والشعب، ناهيك عن أدوار أخرى للبرلمان على مستوى الدبلوماسية البرلمانية، وعلى مستوى تشكيل فضاء للمصادقة على القوانين وغير ذلك. لكن في المقابل، عندما نرى درجة الاستخفاف بالبرلمان من قبل الحكومة بأعمال وممارسات غير مفهومة وغير مقبولة، أو عندما نسجل أنه نادرا ما تتعامل الحكومة مع المبادرات التي تأتي من الفرق البرلمانية، سواء تعلق الأمر بمقترحات القوانين، أو تعلق الأمر ببعض المبادرات المرتبطة بلجان التقصي أو كل المبادرات الرقابية الأخرى، عندما نقف على كل هذه الممارسات السلبية، سنلمس لا محالة أن الحاجة قائمة اليوم لاستعادة قيمة البرلمان ورد الاعتبار لدوره التشريعي والرقابي.. وأنه يتعين أن يكون هناك وعيا بأننا في أمس الحاجة إلى أن نعطي بشكل ملموس وبأعمال ملموسة صورة لدى الرأي العام الوطني وخاصة الشباب للتصالح مع السياسة. ويجب أن نقدم حججا على أن هناك سعيا إلى جعل البرلمان بغرفتيه مكانا حقيقيا لممارسة السيادة الوطنية، ومكانا حقيقيا لممارسة السياسة. 
فالبرلمان فضاء لتدبير الخلاف بين مختلف مكونات الأمة، ومكان طبعا للشفافية والمساءلة والنقاش العمومي وغير ذلك.. نحن في حاجة إلى أن نحدث الكثير من التغييرات على هذا المستوى، وأن يظهر دور البرلمان حتى نكون في مستوى ما يؤكد عليه الدستور. فهذا الأخير يخول للبرلمان السلطة التشريعية بشكل واضح. هذه مسألة يجب أن تبلور على أرض الواقع.

كيف تلقى حزبكم انتصار ائتلاف اليسار في الانتخابات التشريعية الفرنسية مؤخرا، وهل سيكون لحزبكم دور في تجويد العلاقات المغربية الفرنسية، باعتبار زعيم اليسار الفرنسي صديقا لكم؟
< كل ما يمكن أن نقوم به، في هذا الباب، هو تقديم خدمة لبلادنا، وكنا ولا نزال نقوم بأداء هذا الدور دائما دفاعا عن قضايانا الوطنية الأساسية.. بالطبع بدء من قضيتنا الأولى قضية الصحراء المغربية والوحدة الترابية، التي تشكل دوما أولى أولوياتنا في برامجنا السياسية، حيث أننا لم نكن أبدا من الذين يستغلون الفضاءات الخارجية لتقديم انتقادات لبلادنا. نحن ما نقوله وما نمارسه إنما يتم داخل البلاد مما يخدمها بشكل مباشر، فإذا تمكنا من مواصلة العمل الذي بدأناه مع اليسار الفرنسي، وخاصة مع حزب فرنسا الأبية، وهنا أريد القول إن المسألة خاصة بصيغة فرنسا وليس فرنسا الأبية فحسب. سنسعى بالطبع من خلال هذه العلاقات التي فتحناها بالإضافة إلى العلاقات مع الفصائل الفرنسية الأخرى اليسارية، (سنسعى) إلى أن يشكل ذلك عنصرا للدخول في عهد جديد في العلاقات بين المغرب وفرنسا.. والحمد لله هناك وعي، خاصة بعد زيارة ميلنشون، بأن للمغرب سيادة وشخصية وأنه من الواجب التعامل معه بتقدير..
فلبلادنا قضايا وطنية أساسية. وجب أن يتم التعامل معها باحترام وتقدير، فبلادنا تراعي مصالح فرنسا لهذا يجب على فرنسا أيضا مراعاة مصالح المملكة مثلما يراعي المغرب مصالحها.. فللمغرب قضيته الأساسية التي لا تخفى على أحد، وهي بالطبع قضية الصحراء. وهذا الأمر الذي تم استيعابه بشكل كبير، نتمنى أن يكون له وقع، وسنواصل هذه المجهودات من أجل أن يتحقق ذلك. مع أملي أن يكون للجبهة الشعبية الجديدة دور كبير في قيادة الحكومة الفرنسية المقبلة.. وهذا أمر غير محسوم لحد الآن.

> المبادرة الملكية الأطلسية لتمكين دول الساحل للولوج للفضاء الأطلسي بدأت تحصد التأييد من قبل دول إفريقية.. وصاحب ذلك إشادة دولية بارزة باعتبار أن المبادرة المغربية ستشكل جسرا استراتيجيا لربط إفريقيا بأوروبا وأمريكا وآسيا… في نظر حزبكم، ما هي التأثيرات الاقتصادية لهذه المبادرة على المغرب، وخصوصا في مجال الطاقة بكل أنواعه؟ا 
< المغرب له توجهات استراتيجية. ويتعين بكل موضوعية أن نقف عند جودة وعمق ووجاهة هذه التوجهات التي تنبع من إرادة ملكية سامية واضحة. فصاحب الجلالة له دور في هذه الاختيارات، خصوصا لما يتعلق الأمر بتطوير وتعزيز الحضور المغربي بإفريقيا، حيث اجتهد صاحب الجلالة شخصيا وبشكل قوي من أجل أن يطور حضور بلادنا على هذا المستوى. وللمغرب أيضا عدد من التوجهات المرتبطة بقضايا استراتيجية مثل المجال المائي أو مجالات أخرى مرتبطة بالهجرة. لا ننسى الدور الذي سعى إليه صاحب الجلالة بالنسبة لمسألة الهجرة من داخل الاتحاد الإفريقي، وفي علاقة ببلدان أوروبا. وأخيرا في سياق هذه المبادرة، يتعين أن نعتبر هذا الخزان الهائل وهذه القارة الواعدة أي القارة الأفريقية، هي التي يحب أن تشكل فضاء للتنمية للمستقبل. فضاء للاستثمار للمستقبل. لكن ليس الاستثمار بمفهوم استغلال خيرات هذه القارة لمصالح خارجية إمبريالية كما نقول نحن في معجم حزبنا، بل فضاء لتطوير قدرات هذه الدول المنتمية لهذه القارة خاصة في وجهتها الأطلسية. استغلال أمثل لقدرات وطاقات وخيرات هذه الدول، إحداث جسور تعاون بين مختلف هذه البلدان، والاستثمار في الموارد البشرية لهذه البلدان، وفتح كل هذه الطاقات ليس لهجرة بئيسة بحثا عن الرزق، بل توفير الإمكانية في عيش كريم داخل هذا التراب وداخل هذه البلدان، بما يسمح في نهاية المطاف للعالم أن يقوم بقفزة تؤدي إلى احترام مجموعة من التحديات المرتبطة بمؤشرات التنمية المستدامة والمرتبطة أساسا بالجوانب البيولوجية المتعلقة بالحفاظ على المناخ والمرتبطة بمحاربة التصحر والمرتبطة أيضا بغير ذلك من الأهداف الاقتصادية والمناخية وغيرها. وفي هذا الاتجاه المغرب يأتي بهذه المبادرة ليقول إن مسألة الطاقة هي جزء كبير وهام على مستوى المنطقة، فهي مسألة مركزية في كل ذلك، خاصة في كل ما هو مرتبط بطاقة نظيفة وطاقة متجددة قادرة على أن تحافظ على الكون، على العالم وعلى الأرض. فالمغرب يسعى إلى أن يكون طرفا أساسيا في هذه المعادلة، وأن يفتح بشكل ملموس قدرات محيطه وواجهته الأطلسية. هذا المشروع سيمتد لعقود من الزمن، ويتعين أن نشید بما يسعى إليه المغرب عسى أن يدعم على هذا المستوى وعسى أن يستمر.

مسلسل مراجعة وإصلاح مدونة الأسرة بلغ أشواطه الأخيرة بتوجيه جلالة الملك رسالة للمجلس العلمي الأعلى للمملكة… هل ترون في ذلك إشارة للتغيير في أفق إنصاف المرأة بشكل نهائي؟

< هذا أملنا، وهذا سعينا، وهذا ما ننتظره.. ونحن من جهتنا بذلنا كل المجهودات من أجل ذلك. وكانت لنا في حزب التقدم والاشتراكية مواقف متأنية وجريئة في نفس الوقت، لكنها مسؤولة، ولم يصدر عنا أي موقف متشنج، ولم نسقط أبدا في بعض الممارسات التي لا ترقى إلى المستوى الأخلاقي الضروري الذي يجب أن يؤطر أي نقاش عمومي خاصة عندما يتعلق الأمر بنقاش مجتمعي، وسعينا إلى أن نأخذ بعين الاعتبار الجوانب الدينية المرتبطة بهذا الملف، لكن أيضا انطلقنا من الدستور، ومن سمو هذا الدستور، ومما يطرحه من تحديات، ومن ضرورة أن نتفاعل مع واقع جديد، وعلى هذا الأساس عبأنا أيضا فئات واسعة من المجتمع من أجل تشكيل قوة موحدة تؤثر إيجابا على المنحى العام بالنسبة لهذا الإصلاح. وطبعا كانت هناك طروحات أخرى محافظة. فعندما تكون طروحات محافظة يتم التعبير عنها بشكل مسؤول ومتزن. لا بأس في ذلك أيضا. فكما يحق لنا نحن أن نعبر عن آرائنا ومواقفنا، هناك أطراف أخرى من حقها ذلك أيضا، لكن عندما يسقط البعض في مجموعة من التعبيرات التي تنطلق من مغالطات أو أكاذيب أو تحوير للمواقف أو هجمات على الأشخاص أو غير ذلك، فإننا لا نتجاوب معها ولا ننجر للسقوط فيها. اليوم هناك خطوة ملكية ثانية في هذا المسلسل الذي نتمنى أن يفضي لنتائج إيجابية بعد أن قامت اللجنة بعملها، وبعد أن عرضت على رئيس الحكومة نص الوثيقة، وبعد أن رفع رئيس الحكومة هذه الوثيقة إلى أنظار صاحب الجلالة، وبعد أن تمت دراستها من دون شك.. فكانت هناك بعض التعديلات على كل ما طرح من أفكار، وأعتقد أنه يتعين أن نؤول إيجابا هذه الخطوة وأن نعتبر أنه بالنظر لهذه الجوانب الدينية التي يتعين أن تراعى، هناك رؤية ثاقبة وذكاء عميق من قبل صاحب الجلالة، كما فعل في صيغة 2004، حيث طرح هذا الملف مجددا على أنظار المجلس العلمي الأعلى، ولعل هذا الأمر، فيما أعتقد، من شأنه أن يساهم في أن يكون هناك تفاعل إيجابي عموما مع محتويات المقترحات التي قدمت من قبل جميع مكونات الأمة، بمعنى أن رأي المجلس العلمي سيسير في اتجاه إعطاء الدليل بأنه المرجعية الدينية التي تؤخذ بعين الاعتبار. ومن هذا المنطلق كلنا أمل، كما قلت في البداية، أن يكون هذا الإصلاح وأن يحمل تقدما عميقا بالنسبة لمسألة المساواة التي تشكل جزءا أساسيا من جيناتنا السياسية في حزب التقدم والاشتراكية.
فبالطبع، ربما لن تكون كل المقترحات التي تقدمنا بها وتقدمت بها بعض الفصائل الأخرى في الحركة اليسارية الديمقراطية والتقدمية واردة بمجملها في الوثيقة النهائية، ربما لن تكون كل هذه المطالب موجودة، ولكن إذا حصلنا على جزء كبير مما طالبنا به، ستكون خطوة إلى الأمام وسيستمر النضال من أجل تحقيق ما تبقى في مرحلة أخرى، كما يستمر النضال في واجهات ديمقراطية واقتصادية واجتماعية وثقافية وحقوقية أخرى.

يبدو أن الأزمة تفاقمت بين طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان من جهة والحكومة من جهة ثانية، واستمر الاحتقان زهاء سبعة شهور، وعلى ما يبدو أن ثمة جهودا جارية من أجل اتفاق لإنقاذ مستقبل الطلاب وأسرهم من شبح سنة بيضاء، كيف تعلقون على هذا الوضع؟

< أولاً، تجدر الإشارة إلى أننا في حزب التقدم والاشتراكية نحمل الحكومة المسؤولية الرئيسية في ما آلت إليه هذه الوضعية. لقد كان هذا هو الحال نفسه بالفعل خلال أزمة التعليم. فبدلا من التفاعل بشكل إيجابي مع مطالب الطلاب وتعزيز ثقافة الحوار، انتظرت الحكومة حتى تفاقمت الأزمة للتدخل. يجب القول إن أزمة كليات الطب والصيدلة هي أزمة تظهر مرة أخرى غياب رؤية سياسية عميقة لدى السلطة التنفيذية. هذا يوضح عدم القدرة على فهم أن الحكم يعني إقناع وطمأنة المواطنين. بعبارة أخرى، الحكم هو فن تعبئة المواطنين وجعلهم ينضمون إلى مشاريعك. لكن الموقف المتحجر الذي تبنته الحكومة والوزارة الوصية ساهم في تأزيم الوضع وتفاقمه، حيث بلغت نسبة مقاطعة الامتحانات حوالي 95%. نحن إذن أمام أزمة هشة أو مستدامة وموقف متعال يستمر في اعتبار أنه لا يوجد حوار مع هؤلاء الناس. يجب أن نتذكر أن هؤلاء الناس هم أبناء الشعب. إنهم من بين الأفضل في نظامنا التعليمي. لذا نحن بحاجة إلى مهاراتهم.

إنها نفس الحكومة التي ترى أن الإصلاح سيسرع تدريب هذه الكفاءات في المجال الطبي وخاصة في المستشفيات العامة. لهذا السبب تقتضي الحكمة بأن يتم تأطير هذه الكفاءات بشكل جيد من خلال إقناعهم بفائدة المشروع الحكومي وجعلهم ينضمون إلى هذه الرؤية. للأسف، لم يكن هذا هو الحال. بصراحة، أظهرت هذه الحكومة مرة أخرى ضعفها وفشلها ونقصا مهولا في منسوب الحس السياسي. وكما قلنا في بياننا الأخير للمكتب السياسي، يجب على الحكومة أن تكون مجبرة على إدارة هذه الأزمة وإيجاد الحلول المناسبة فوراً لإنقاذ الطلاب. أيضا، من حيث المبدأ، عندما نفشل، هناك شيء واحد فقط يجب القيام به وهو تقديم الاستقالة. وآمل أن تستخلص الحكومة الدروس اللازمة من هذه الأزمة.
لا يفوتني أن أشير في هذا الصدد، أننا في قيادة الحزب، استقبلنا، مؤخرا، ممثلات وممثلين عن الفئات الطلابية المعنية، واستمعنا لوجهات نظرهم ومطالبهم، وتناقشنا معهم بكل جدية وأريحية لما فيه مصلحتهم ومصلحة الجامعة المغربية، ولمسنا فيهم قدرة هائلة على الحوار وقوة اقتراحية ومطلبية إيجابية، كما أنوه بالمبادرة التي قامت بها، مؤخرا، الأغلبية البرلمانية من خلال إحداث لجنة مختلطة لتدارس الوضع، وأتمنى صادقا أن تنجح هذه المساعي في إنهاء هذا الملف المؤسف.

المستشفيات المغربية تعاني أيضا من ضغوطات شديدة. الأطباء ومهنيو قطاع الصحة غاضبون بسبب تجاهل الحكومة لمطالبهم، كيف يمكننا تجنب التضحية بقطاع الصحة على مذبح الخوصصة المتزايدة؟

< حسب علمي، كانت هناك في البداية رغبة في تعزيز الحوار الاجتماعي. لكن فيما بعد، وجدنا أنفسنا في وضع مسدود نتيجة عدم قدرة الحكومة على تقديم استجابات مادية، وأيضا فيما يتعلق بالوضعية القانونية لمختلف فئات الصحة العامة. بذلك، شهد قطاعان حيويان أزمة غير مسبوقة، في وقت كانت فيه الحكومة تكرر أن الصحة والتعليم هما من أولويات أجندتها. إنه تناقض صارخ! خاصة وأن المستشفى العام اليوم، من حيث البنية التحتية والمعدات، حقق تقدمًا ملحوظًا. ومن ذلك مثلا أننا على وشك الانتهاء من مشروع كبير يتمثل في إنشاء مركز استشفائي جامعي (CHU) في كل منطقة. بالإضافة إلى ذلك، تم بناء العديد من المستشفيات الإقليمية والمحلية المجهزة في جميع أنحاء البلاد. هذه الإنجازات ليست نتيجة عمل هذه الحكومة فقط، بل نحن أيضًا ساهمنا فيها، ولكن المشكلة الكبرى تكمن في نقص الموارد البشرية. إنها أزمة تمس جميع مستويات النظام الصحي. والأسوأ من ذلك، أننا نشهد اليوم نوعا من تحويل جميع موارد التغطية الاجتماعية والصحية نحو مؤسسات القطاع الخاص، ولا سيما العيادات التي تتزايد بشكل كبير وتستحوذ على أكثر من 90٪ من موارد التغطية الصحية الشاملة، مع العلم أن النظام الاستشفائي العام سجل مرة أخرى عجزا قياسيا بلغ 1.6 مليار درهم، وفقا لأرقام CNOPS، بالإضافة إلى ذلك، يغادر العديد من العاملين في الصحة القطاع العام لصالح القطاع الخاص، بينما يبقى البعض في القطاع العمومي فقط لمواصلة تلقي الرواتب أثناء العمل في القطاع الخاص. الحكومة يجب أن تكون أكثر وعيًا وتطرح الأسئلة الصحيحة لمعرفة إلى أين نتجه. بصراحة، لدي انطباع أن الحكومة ليست في مستوى التحدي للإجابة على هذه الأسئلة، رغم الجهود المبذولة، إلى درجة أن وزراء الصحة والتعليم تُركوا لمصيرهم…

حاورته: هاجر العزوزي

Top