تعتبر السياسة اﻷمنية من المجالات المغيبة في النقاش العمومي، وفي اهتمام الفاعليين الرسميين رغم أهميتها في تنمية واستقرار المجتمعات (السلم الاجتماعي) وتطور الشعوب ومآلها من آثار جيدة إن تمت عقلنتها وتدبيرها تدبيرا جيدا.. وقد تخلف آثارا سلبية (احتجاجات، عنف..) إن همشت وتركت للضياع العلمي والمؤسساتي ولأهواء وميولات المسؤولين الأمنيين.. لذا فالسياسة الأمنية تعد من الحقول العلمية التي تستوجب إنتاجا أكاديميا واهتماما من قبل الباحثين والدارسين بغية طرح إشكالية السياسة اﻷمنية بالمغرب لطاولة النقاش المنهجي والموضوعي، بهدف الوصول لنتائج علمية من شأنها تطوير الفعل اﻷمني وتقوية قدرات الفاعل اﻷمني وكذلك مأسسة السؤال اﻷمني من خلال مؤسسات تدبيرية (المجلس الأعلى للأمن كمؤسسة دستورية استشارية) ومراجع نظرية تأطيرية تحدد اﻷدوار والصلاحيات، من خلال ضرورة وضع إستراتيجية وطنية حول الحكامة الأمنية عبر مقاربة الفعالية والنجاعة، ومدخل حقوق الإنسان، وكذلك ضرورة تسطير الحدود المتاحة بشكل دقيق وتحديد الاختصاصات لربط مبدأ المسؤولية بالمحاسبة نظرا لصعوبة القرار في السياسة اﻷمنية ونظرا لما لها من إكراهات وصعوبات كونها تتعلق وترتبط بمجال حقوق وحريات المواطنين .
إن عقلنة الفعل اﻷمني ودمقرطته يتأثر بالسياسة العامة للدولة وبواقع الحقوق والحريات وبمنسوب الديمقراطية، ونقيس به مدى تطور المجتمعات في تحقيق المصالحة وجبر الضرر وكذلك في تطوير التجربة بشكل إيجابي في مسار الانتقال الديمقراطي الحقيقي عموما وتؤثر فيها طبيعة النظام السياسي وطريقة تدبير السلط، ففصل السلط شرط أساسي في الاختيارات المؤسساتية الكبرى.. ولا يمكن الحديث عن سياسة أمنية في غياب إستراتيجية واضحة وسياسة عمومية أمنية دقيقة، ودون اختيار مؤسساتي واضح ومحدد لهامش بين المتدخلين لضمان دقة وضوح القرار الأمني وفي غياب إرادة سياسية حقيقية من كل المتدخلين (دولة، مؤسسات، مجتمع مدني، مواطنين).
ومن ثمة نرى ضرورة تقوية قدرات الفاعل اﻷمني في مجال حقوق اﻹنسان وفي مجال المواطنة وتجاوز الأنماط الكلاسيكية في التكوين والتعاطي مع مطالب المواطنين (تجاوز العنف والقطع مع الشطط في استغلال النفوذ وفي الاحتكام للأهواء الشخصية ومزاجية الفاعلين واجتهاداتهم العشوائية الغير محكمة)، والتعاطي مع الملفات الأمنية الإستراتيجية (الإرهاب، الجريمة المنظمة ..). ويعتبر البعد الحقوقي للسياسات الأمنية هو الرهان الممكن لعدم استمرار الانتهاكات الماسة بالحرية والكرامة لكون الفاعل اﻷمني هو المتدخل والمفعل اﻷساسي للسياسة اﻷمنية على أرض الواقع من خلال تدخلاتة الوقائية والضبطية… فعبر المواطنة اﻷمنية يمكن سيادة اﻷمن وفرض احترام القانون الضامن للحقوق والحريات حيث يتم تجسيد حقيقي لدولة الحق والقانون، ويكون الفعل اﻷمني وسيلة وضمانة لتعزيز مجال الحريات بدون إكراهات.. فقط تلزم إرادة أمنية مؤسساتية بآليات وميكانيزمات عقلانية وتدابير وإجراءات دقيقة تضبط المجال اﻷمني تفاديا لأي تجاوزات من شأنها خلق توترات بفعل أخطاء لمسؤولين معينين، ومعاقبتهم ليست بالحل الكافي بقدرما يكمن الحل الناجع في تغيير العقائد الأمنية التي كانت سائدة بتطوير مستويات تحليل الظواهر ذات الصلة بالفعل الأمني وبنجاعة آليات التعاطي معها من خلال المقاربات الجديدة.
الحكامة اﻷمنية وشفافية الفعل اﻷمني لن تتأتى إلا عبر مؤسسات أمنية دستورية خاضغة لمبادئ الحكامة وللرقابة البرلمانية ولرقابة السلطات القضائية (المحاكم) وضرورة استقلالية القرار الأمني، وأن تكون شروط الفعل الأمني بعيدة عن أي استغلال وتدخل للفاعل وللقرار السياسي والاقتصادي في الفاعل الأمني، علما أننا ندري جيدا الوباء البيروقراطي المتفشي في أجهزة الإدارة العمومية عموما والأجهزة الأمنية خاصة واستمرارها في الاشتغال بمنطق تقليدي متجاوز لا يعبر عن السياق الحقوقي ولا يعبر عن المواطنة والكرامة البشرية ولا يواكب تطور أجيال حقوق الإنسان خصوصا في ظل التجاوزات الخطيرة التي يرتكبها رجال السلطة ورجال الأمن في حق المواطنين، وعدم تمكن الفاعل الأمني من آليات الحوار والوساطة الأمنية بغية تغليب منطق السلم والتفاوض والتدبير الجيد والتفعيل السليم للمفهوم الجديد للسلطة والبناء الحقيقي لدولة الحق والقانون ودولة الكرامة وحقوق الإنسان من خلال العمل الميداني القويم والتعامل الوطني الغيور مع أبناء وبنات الوطن وحمايته من كل ما من شأنه أن يهدد سلامة المجتمع المغربي وليس أن يكون عاملا في الللاستقرار في حين نريده أن يكون ضامنا وحاميا للاستقرار الحقيقي وللعيش الكريم في وطن حر يسع لكل مواطنيه ويصون كرامتهم.
•بقلم: حسن سفري
طالب باحث في العلوم السياسية