نخبة من الفاعلين المسرحيين يناقشون مشاكل وإشكاليات الدعم المسرحي بعد ربع قرن على إحداثه

كان الدعم المسرحي محورا رئيسيا للقاء الذي نظمه الفرع الجهوي للفيدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة مساء السبت الماضي بالمركب الثقافي سيدي بليوط بالدار البيضاء.
تحت شعار «الدعم المسرحي: الإشكالات والمشاكل»، ألقى الأساتذة المسكيني الصغير وبوسرحان الزيتوني ومسعود بوحسين عروضا مستضيفة قاربت موضوع الدعم المسرحي من مختلف جوانبه الإيجابية والسلبية واقترحت مجموعة من الحلول لتجاوز العطب الذي ظل لصيقا بهذه المبادرة التي مر على إنشائها ربع قرن.

بوسرحان الزيتوني: آلية الدعم تقتلنا وتقتل المسرح

استهل الكاتب العام للفيدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة مداخلته بالإشارة إلى أن الأسئلة والهموم والهواجس المحيطة بموضوع الدعم المسرحي، صارت خاضعة للاجترار والدوران في حلقة مفرغة، في مرحلة انسحب فيها جميع المعنيين، مؤكدا في هذا الإطار إلى أن المسرح ترك لشأنه، كل فرد يحله كما يرتضي ويستطيع.
وأشار بعد ذلك إلى أن الأدوار التي لعبتها النقابة النقابة الوطنية لمهنيي الفنون الدرامية وكذلك الفيدرالية باعتبارها معنية بالدعم، كان مآلها الفشل أو أنها تعرضت للإفشال على حد تعبيره.
ودعا إلى ضرورة أن يتوجه الفاعلون المسرحيون بالنقد لأنفسهم، بالنظر إلى أنهم عولوا على آلية للدعم تقتلنا وتقتل المسرح، عولوا على دعم قد يأتي وقد لا يأتي.
وتحدث بوسرحان بعد ذلك عن الواقع التنظيمي للجهة الساهرة على الدعم المتمثلة في وزارة الثقافة، حيث أشار إلى أنه يشوبه خلل، وأنه من الضرورة إعادة النظر فيه لأجل ضمان وتيرة منتظمة وإيجابية للحركة المسرحية ببلادنا. في غياب ذلك –يضيف بوسرحان- هناك توهم بأننا نعيش تجربة مسرحية، المسرح في ظل الظروف الحالية هو مجرد أشكال من الوجود لا أثر له في الواقع.
ذهب بوسرحان أبعد من ذلك إلى التساؤل عن جدوى الحديث عن الدعم، مذكرا في هذا الإطار بأن أخطر شيء ارتكبناه هو مناقشة الدعم لذاته وفي ذاته، كما لو أن حياة المسرح مرتبطة بالدعم، وأنه بدونه لا يمكن لنا أن نبدع مسرحا، فكل وزير وصي على الثقافة يأتي ويجرب النهج الذي ينبغي بواسطته التعامل مع دعم المسرح. وبالتالي بقي هذا الموضوع بدون تصور وبدون آلية، واستحضر بهذا الصدد الجانب المتعلق بدفتر التحملات، حيث اعتبره عائما مقززا في مبناه ومعناه، حيث يذكر ضمن بنوده أن الاستفادة من الدعم تخص من لم يسبق له أن استفاد منه، مما يؤكد على عدم وجود تصور لمن ينبغي أن يتوجه إليه الدعم. إنه غير مضبوط في آلياته وأجندته كذلك رغم إلحاح الهيئات المسرحية على ضرورة ضبط بداية ونهاية الموسم المسرحي السنوي.
وانتقل إلى الحديث عن موقع المؤسسات، حيث ذكر أنها تخلت عن أدواها في دعم المسرح، وبالتالي ترك الدعم لتدبير الإدارة، واعتبر ابتعاد النقابة عن قضية تدبير الدعم، يعد خطأ قاتلا.
ومن بين الأعطاب الأساسية التي ذكرها، أن الفرق المسرحية، ليس لديها مشروع إبداعي، حيث أن الدعم بالنسبة إليها هو الهدف في حين أنه مجرد غاية، ذلك أن كل واحد يدفع مشروعه للدعم وله فكرة مسبقة بوجوب الاستفادة منه، وإلا فإن لجنة الدعم هي مدانة.
يضاف إلى ذلك أن المشروع المسرحي المستفيد من الدعم، يخضع للميزانية المرصودة له حتى وإن كانت غير متطابقة مع مستلزمات العمل المسرحي، في حين أنه من الواجب في هذه الحالة الاعتذار أو البحث عن جهات أخرى داعمة، الشيء الذي لا يحصل.
كما تطرق إلى جانب آخر من الخلل المحيط بالدعم، وهو دفع الجمهور إلى عدم أداء قيمة الفرجة المسرحية من خلال تكريس المجانية، وخلص في هذا الإطار إلى أن المسرح المغربي يتحرك في فضاء مضاد للمسرح، هناك غياب سياسة واعية بأن الفن معركة حضارية وأنه جزء من المنظومة التربوية وبناء الشخصية.
ودعا في ختام مداخلته إلى ضرورة استئناف الحوار مع المؤسسات الراعية وتجنب النقاش العبثي حول الدعم لأجل القيام خطوة نحو الأمام.

******

مسعود بوحسين: عقلية الباطرونا ظلت تسكن عقلية الفنانين

تساءل رئيس النقابة الوطنية لمهنيي الفنون الدرامية مسعود بوحسين عن الجدوى من النقاش حول الدعم المسرحي، بعد أن صار الوضع ميؤوسا منه أو حسب تعبير «غسلنا يدينا منه»، وعيا منه بأنه ليس هناك رؤية استشرافية، فما نعيشه اليوم سبق الحديث عنه سابقا لما يناهز ربع قرن، سواء تعلق الأمر بتنزيل القوانين أو هيكلة لجنة الدعم، أو تعارض المصالح داخل الفرق المسرحية.
لقد تم التعامل مع الدعم دون استحضار أنه داخل الدولة لم يكن هناك اهتمام بالفنون والثقافة، لم تكن هذه المجالات جزءا من سياسة الدولة. كانت هناك فقط مبادرات فردية في إطار جمعوي ولم يكن هناك اهتمام من داخل القرار السياسي.
وفي تفصيل حديثه عن الأعطاب المحيطة بالدعم المسرحي، أشار بوحسين إلى أن تدبير الهيئات المهنية سقط في خطأ إعادة ميكانيزمات التعاملات السابقة المتمثلة في الحصول على الدعم من تحت الدف، على حد تعبيره، رغم الخضوع للجن والقانون.
وشدد بعد ذلك على أهمية التمييز بين الفنان والمقاولة، ذلك أن عقلية الباطورنا ظلت تسكن عقلية الفنانين، كل واحد يفكر في أن يكون هو الباطرون، بينما الصحيح هو أن يعتبر الفنان نفسه أجيرا يشتغل في مقاولة، وليس من واجبه أن يدافع عن الدعم، بل هذا من اختصاص المقاولة وكذلك المجتمع المدني، وليس للتفاوض الفردي.
وتحدث بوحسين كذلك عن الميزانية التي تؤسس بناء على الدعم، رغم أن تكلفة العرض أكثر من الإمكانيات المادية المرصودة له، مما يجعل عملية ترويجه شبه مستحيلة، وهذا ناتج عن غياب الوعي بأن العرض مثل أي منتوج قابل للاستغلال المتعدد.
إن مبلغ الدعم -يضيف بوحسين- يتم تفتيته لأجل إسكات المطالبين بالاستفادة منه، مما يضعنا أمام مفهوم آخر للدعم وهو الإعانة، في حين أن المفهوم الحقيقي ليس إعانة المقاولة بل إن الدعم هو موجه أساسا للجمهور، باعتباره المبدأ الأساسي للدخول إلى الفرجة. ومن ثم فإن المطالبة بالدعم لا ينبغي أن تكون محصورة في المقاولة بل إن المجتمع المدني ككل معني به.
ودعا إلى ضرورة أن تلعب المؤسسات الجامعية دورها في تخريج متخصصين في تدبير المسرح.
وانتهى إلى القول إن النقاش مع الدولة حول الدعم ينبغي أن ينتقل إلى مرحلة أخرى، وبمنطق آخر، بالنظر إلى أنه استنفد مهامه. ينبغي هيكلة جديدة للقطاع المسرحي وتقنين العلاقة بين الفنان والمقاولة.

******

المسكيني الصغير: يجب تفادي السلوك الانتهازي لأجل تقوية الحركة المسرحية

بدوره أكد الكاتب المسرحي المسكيني الصغير على أن النقاش حول الدعم المسرحي في وقتنا الحاضر، لا يعدو أن يكون تكرارا واجترارا للأسئلة التي طرحت على امتداد ربع قرن. فهناك الآلاف من الأوراق التي دبجت والاحتجاجات لكن الوضع ظل على ما هو عليه، فالإشكالية نابعة إما من الفنانين وإما من الدولة.
بالنسبة للدولة فهي لم يسبق أن كانت لها سياسة ثقافية، من منطلق أنه لا يهمها تطور الإنسان المغربي عن طريق الفن.
وفي ما يخص المؤسسة التمثيلية، أي الفرق المسرحية، فقد عجزت إلى حد الآن عن إيصال الاحتجاجات إلى الوزارة الوصية بشكل ناجع. ومن ثم نجد أن أي وزير جديد وصي على الثقافة يأتي فيقوم بتكوين نقابة.
ودعا الفنانين المسرحيين إلى وجوب تفادي السلوك الانتهازي لأجل تقوية الحركة المسرحية.
واستحضر المسكيني في مداخلته الرسالة الملكية التي خصصت نسبة واحد في المئة لدعم المسرح. غير أن هذا لم يتم تفعيله إلى حد الآن، بالنظر إلى حصول عدم فهم كيفية الحصول على هذا الحق، كان ينبغي مخاطبة الدولة بمنطق قانوني، الشيء الذي لم يحصل. كان ينبغي التحلي بالنضج في طلب الحقوق، حيث أن أغلب الفرق لم يكن يهمها التقنين بقدر ما كان همها الأساسي هو الحصول على الدعم.
وأشار إلى أن الدعم المسرحي بحاجة إلى إعادة النظر فيه لأجل الخروج من النفق المظلم.

المسرح المغربي يعاني من التقشف والقهر ويعيش الدونية

فتح نقاش بعد ذلك مع الحاضرين، حيث تم التطرق إلى مجموعة من النقاط المحيطة بالدعم، واقترح الأستاذ بوشعيب الطالعي في رسالة بالمناسبة، قرأها نيابة عنه الأستاذ والفاعل الجمعوي إسماعيل بوقاسم الذي تولى تأطير هذا اللقاء، أن تقوم المديريات الجهوية للإشراف على الدعم، وإقرار كوطا للعروض الجهوية لضمان التعدد والتنوع، وكذلك لتجنب الاحتقان.
وأشار المسرحي رشيد بوفارس إلى أن مبادرة الدعم المسرحي تم شيطنتها بعد أن كانت في السكة الصحيحة، مما نتج عنه تكوين جمهور ليست له قابلية لدفع ثمن الفرجة المسرحية وبالتالي الاتكال على المجانية، كما تمت الإشارة إلى أن المسرح المغربي يعاني من التقشف والقهر ويعيش الدونية، على خلاف المجالات الفنية الأخرى، السينما على سبيل المثال، وبالتالي تمت المطالبة بالدعم الشامل والكامل للمسرح.
كما تمت الدعوة إلى الاهتمام بعقد لقاءات وورشات من طرف المؤسسات المسرحية.
وأشار الكاتب المسرحي الحسين الشعبي في مداخلته التي قسمها إلى مجموعة من النقاط، إلى أن عطب التعامل مع الدعم المسرحي يكمن في أنه انتقل من وسيلة إلى غاية، مما شكل عائقا أمام النهوض بالعمل المسرحي، وتحول بالتالي من منقذ إلى مأزق.
وأكد بعد ذلك على أن الدعم المسرحي قام بأدواره لا بل استوفاها وأنه آن الأوان لإعادة النظر فيه، مذكرا بأنه حق دستوري ملزم، وما نحتاج إليه هو تصريفه بذكاء.
ومن بين الأعطاب التي أشار إليها الشعبي كذلك أن الوزارة الوصية على قطاع الثقافة تتجسد فيها عقلية متخلفة تتقاطع مع مثيلتها داخل الجسد الفني، أبرز عناوينها: ثقافة البؤس، وعبر عن أسفه لإقبار مبادرة التوطين المسرحي.
وعاب على الوزارة تحديد سقف لإنتاج الدعم، معتبرا ذلك عبثا واحتقارا للمسرح.
ورأى أن التخلص من ثقافة البؤس يمكن أن يكون عاملا من عوامل تطوير عملية الدعم المسرحي.
وفي اعتباره أن حصر الدعم في الوزارة خلق نوعا من الكسب وانتظار الفتات، في الوقت الذي كان ينبغي البحث عن مصادر أخرى للدعم.
ودعا في ختام مداخلته إلى ضرورة التفكير في آليات جديدة للدعم.
واعتبر الباحث المسرحي محمد العزيز أن الدولة لا تملك منهجية لتدبير الدعم المسرحي وأنها تفضل إبقاء الوضع على ما هو عليه.
هناك غياب إرادة سياسية للنهوض بالحركة المسرحية.

> عبد العالي بركات > تصوير: عقيل مكاو

Related posts

Top