نخبة من الكتاب يتحدثون لبيان اليوم عن راهن ومستقبل اتحاد كتاب المغرب في أفق مؤتمره الاستثنائي

اليوم مع الباحث الأكاديمي محمد مصطفى القباج

منذ عدة سنوات، واتحاد كتاب المغرب يشكو من التشرذم. مختلف فروعه مجمدة. وبالرغم من المجهودات التي كان يقوم بها المكتب التنفيذي للاتحاد، من أجل بث الروح في هذا الجسد، فإن الوضع لم يتحسن قيد أنملة. ومما زاد الطين بلة، أن المؤتمر الوطني الأخير تعرض للفشل، وتم تبادل الاتهامات بين أطراف مختلفة. وكان لا بد من طرح السؤال: متى يتم وضع حد لكل الخلافات التي تعوق اتحاد كتاب المغرب عن مواصلة نشاطه؟
إذن، في أفق المؤتمر الوطني الاستثنائي لاتحاد كتاب المغرب الذي يجري الاستعداد لعقده، كان لبيان اليوم حوار مع نخبة من الكتاب المنتمين لهذه المنظمة العتيدة، للحديث حول راهنها ومستقبلها.

> كيف هي تجربتك الشخصية في اتحاد كتاب المغرب؟
< لا بد لي قبل الإجابة عن هذا السؤال أن أتوجه بالشكر إلى الجريدة الغراء “بيان اليوم”، ذلك أني أعتبر دعوتي لهذا الحوار هو احترام لأخلاقيات مهنة الصحافة التي تفرض واجب الاستماع إلى كل الأصوات المعنية بقضية ما لتتبين لها الحقيقة. أعود إلى السؤال فأقول: إن تجربتي في اتحاد كتاب المغرب ترجع إلى ستينيات القرن الماضي حين التحقت طالبا بشعبة الفلسفة في كلية آداب الرباط، كان الراحل محمد عزيز الحبابي آنئذ أستاذا مشرفا على هذه الشعبة، وإلى جانب كونه أستاذنا في مادتي تحليل النصوص الفلسفية والترجمة، كان منهمكا في إجراء الاتصالات والمشاورات مع كتاب ومبدعين ومفكرين من الدول المغاربية حول مشروع تأسيس “اتحاد لكتاب المغرب العربي”. وبعد أن تبينت له جدوى تأسيس هذا الاتحاد، شرع في الإجراءات الإدارية والقانونية لهذا التأسيس ونحن بمعيته، وانطلقت بذلك مسيرة الاتحاد الذي أخذ فيما بعد مسمى “اتحاد كتاب المغرب”.
منذ أواخر ستينيات القرن الماضي وإلى حدود سنة 2018 كنت مواظبا على أداء واجبات العضوية المادية والمعنوية في الاتحاد مساهما في أنشطته ومنخرطا في مواقفه سواء من موقع المسؤولية أو من موقع العضوية فقط، وقد أسعفني الحظ أن أشتغل مع رؤساء محترمين، لهم مكانتهم المرموقة في الحقل الثقافي المغربي والعربي وحقول الإبداعات الأدبية والفنية، كما كانت لهم مواقعهم في الحقل السياسي بمختلف هيئاته، وكذلك الشأن في تركيبة الأعضاء. كان الجميع على كلمة سواء، القاسم المشترك فيها أن الاتحاد جزء من المجتمع المدني، يتمتع باستقلالية تامة عن أية سلطة سياسية أو إدارية أو حزبية، ومن حيث أنه سلطة ثقافية تعبر عن ضمير الأمة والشعب، يدافع عن حقوق الناس وخصوصا حقوق الكتاب والمبدعين في التعبير والرأي، احتراما لمستلزمات الخيار الديمقراطي الحداثي.
طيلة تجربتي الطويلة في الاتحاد، تحملت عديدا من المهام، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الإشراف على تدبير مقر الاتحاد “دار الفكر” بالرباط، والإشراف على البرامج التواصلية سواء مع الصحف المغربية على اختلاف مشاربها، ومع الإذاعة والتلفزة. كما كنت مكلفا بالعلاقات الخارجية واستقبال الوفود الأجنبية من الوطن العربي وخارجه ومكلفا بإعداد برامج الأنشطة والندوات..
حين أقيم الآن هذه التجربة أدرك إلى أي مدى استفدت منها في تكويني ومنتجي الثقافي والفلسفي، وأشعر بالارتياح لأني احتفظت بالعلاقة الطيبة مع كل الزملاء أعضاء الاتحاد بحكم حيادي السياسي والتزامي التام بأهدافه ومهامه، وتفادي الانحياز إلى أي طرف حين تنشأ خلافات بين القيادات أو بين الأعضاء، بعضها يكون فكريا وبعضها سياسيا وبعضها مصلحيا..
لعلك تلاحظ، أخي بركات، أني تجنبت الدخول في التفاصيل، لأني أعتبر أن المهم هو رسم صورة تقريبية ومختصرة لتجربتي في رحاب اتحاد كتاب المغرب.

> ما موقفك مما يقع في الاتحاد حاليا؟
< ما يقع الآن في اتحاد كتاب المغرب أمر مؤسف جدا. ما يقع يقرب من أن يكون أزمة بنيوية مردها ليس الاختلاف في الرؤى والأهداف والمهام، وليس الاختلاف حول جوهر المشروع الثقافي لهيئة يعتد برأيها. ما يقع الآن في الاتحاد يعود في حقيقة الأمر إلى اعتبارات ذاتية وعلائقية، معارك مجانية، تؤججها أياد خفية أحيانا، وأياد معلنة أحيانا أخرى، من أجل مكاسب ومصالح مادية أو معنوية. وهذه الاهتمامات الهامشية تعطي صورة سلبية ومشوهة عن المبدع والمفكر والباحث والمثقف.
بدأت هذه الأزمة البنيوية منذ الانقلاب على رئاسة الزميل عبد الحميد عقار للاتحاد، واضطراره للاستقالة والانسحاب من الاتحاد. كان أيضا من المفترض أن ينعقد المؤتمر التاسع عشر سنة 2018 لإنهاء مهام مكتب تنفيذي لمدة دامت زهاء تسع سنوات أو أكثر، ولكن التأجيلات غير المبررة تسببت في تدهور الوضع المؤسسي للاتحاد. أخيرا، وتحت ضغوط عدة وجهت الدعوة للمؤتمر العام التاسع عشر، وفعلا التأم هذا المؤتمر بمدينة طنجة شهر يوليوز 2019. وعلى ما بلغني من معلومات أنه ما كاد رئيس المؤتمر أن يفتتح الأشغال حتى ارتفعت أصوات تنادي بالمحاسبة أولا، والصراخ بأنه لا شرعية للرئيس ومكتبه التنفيذي لاشتغالهما خارج الولاية القانونية طيلة سنة كاملة. في جو من الصخب وتبادل التهم حمي وطيس المعركة وانتهى الأمر إلى توقيف أعمال المؤتمر الذي تحول إلى لقاء أو جمع عام، توصل بعد أخذ ورد، إلى توافق يقضي بتشكيل لجنة تحضيرية مهمتها الإعداد لعقد مؤتمر استثنائي.
> ما هي أهم الخطوات التي أقدمت عليها هذه اللجنة المنبثقة عن المؤتمر التاسع عشر؟
< فكرة تشكيل لجنة تحضيرية لم تنبثق من المؤتمر، لأنه لم ينعقد، الفكرة عبارة عن توصية توافقية صدرت عن لقاء بين الأطراف المتنازعة. هكذا تشكلت لجنة تضم المكتب التنفيذي المنتهية ولايته، رئاسة وأعضاء بصفتهم الشخصية، وأعضاء من بعض قدامى الاتحاد وجدده، أنيطت بها مهمة الإعداد لعقد مؤتمر استثنائي بنقطة واحدة في جدول أعماله هي انتخاب مكتب مركزي مؤقت في أجل محدد، وهذا المكتب المؤقت سيكون عليه التحضير لعقد المؤتمر التاسع عشر الذي توقفت أعماله، ويكون جدول أعماله يضم الموضوعات المعهودة في المؤتمرات العامة العادية.
لم توفق هذه اللجنة في عقد المؤتمر الاستثنائي في الأجل المحدد لأسباب أجهلها، وأفترض أنها تعود لكون المكتب التنفيذي لم يسع لتفعيل دورها. في هذه الأثناء أقدم الزميل عبد الرحيم العلام، عبر مواقع التواصل الاجتماعي على إعلان تنحيته عن رئاسة الاتحاد، والحالة أنه يعلم كون هذه الطريقة غير قانونية، إذ يفترض أن تكون التنحية أو الاستقالة بندا يعرض على المكتب التنفيذي الذي يعرضها بدوره على المجلس الإداري ليتم قبولها أو رفضها. وهذه هي الهفوة الأولى التي ارتكبت، بما يعني أنها كانت تلاعبا بالرأي العام وبالهيئة ذاتها.
مباشرة بعد الإعلان عن التنحي بطريقة غير قانونية، اجتمع المكتب التنفيذي ببادرة من النائب الأول للرئيس وأعلن قبوله للتنحي ودعا لأن تواصل اللجنة التحضيرية أشغالها بعد توسيعها لتضم الرؤساء السابقين للاتحاد، وممن يعتبرون حكماء الاتحاد من الأعضاء المؤسسين.
وبالفعل عقدت هذه اللجنة التحضيرية اجتماعا موسعا تمهيديا بمقر الاتحاد، ألقى فيها النائب الأول للرئيس المنتخب في مستهلها كلمة ترحيبية. خلال هذا الاجتماع تم تعييني بالإجماع رئيسا لهذه اللجنة وتعيين الزميل حسن مخافي مقررا لها، مع التنصيص على أن رئيس اللجنة هو الناطق الرسمي الوحيد باسم الاتحاد، وهو المخاطب في القضايا التنفيذية العاجلة، كما تقرر عقد الاجتماع الأول للجنة الموسعة بكافة أعضائها بالمكتبة الوطنية، وبالفعل التأم هذا الجمع يوم 23 فبراير 2020
كان من المفترض أن تشرع اللجنة الموسعة في الأشغال التحضيرية المادية واللوجيستية للمؤتمر الاستثنائي مباشرة، لكن بعض الأصوات أثارت قضيتين للحسم فيهما قبل الأشغال التحضيرية، هما: مراجعة بعض بنود القانون الأساسي من أجل ملاءمته للمراسيم الحكومية الجديدة المتعلقة بالجمعيات المدنية، خاصة وأن الاتحاد يتمتع بصفة “المنفعة العامة”، والقضية الثانية، هي إشكالية الكتاب الذين منحت لهم عضوية الاتحاد خارج الولاية القانونية ودون عرض طلباتهم على لجنة العضوية. استغرق نقاش القضيتين جلسات طويلة حدثت فيها مساجلات ومشاحنات، وأحيانا تبادل القذف والاشتباك بالأيادي. لكنني تشبثت بأقصى حدود الصبر والأناة على حساب صحتي وأعصابي، إلى أن توصلنا إلى إجماع بخصوص القضية الأولى، مع تحفظ ثلاث من الزملاء لاداعي لذكر أسمائهم، وإلى توافق حول القضية الثانية باقتراحات تعرض على المؤتمر الاستثنائي ليتخذ قراره بالقبول أو الرفض. هكذا صفا الجو وشرعت اللجنة في أداء مهمتها الحقيقية، فتمكنت من حجز الفندق الذي سيأوي المؤتمر، وتم توفير التغطية المالية للمؤتمر تعهدت بها وزارة الثقافة، وتم التمكن من الحصول على غلاف مالي من جهات رسمية وغير رسمية كاف للمستلزمات اللوجيستية، وتم تشكيل لجان العمل وتعيين منسقيها، وأخيرا تقرر موعد لعقد المؤتمر بالرباط في الخامس من شهر أبريل 2020
في الثاني من شهر مارس 2020 حلت بالمغرب، كباقي أنحاء المعمورة كارثة الكوفيد 19 فتعذر انعقاد المؤتمر بسبب الحجر الصحي الشامل والتدابير الإحترازية الصارمة. في عز هذا الوضع الوبائي، يرتكب الزميل العلام هفوة أخرى، إذ قام باقتحام مقر الاتحاد وشرع بالصفة، أي باعتباره ما زال رئيسا للاتحاد، في عقد الاجتماعات الدورية وإصدار البيانات معية نائبه الأول الذي استقال من المكتب التنفيذي ومن اللجنة التحضيرية، وممن تبقى من المكتب التنفيذي الذي انتهت ولايته. إزاء هذا الوضع المستغرب، اضطرت اللجنة التحضيرية الموسعة إلى رفع دعوى لدى القضاء ليصدر حكما كنا نريد به أن يضع حدا لهذه المهازل. لكن القضاء رفض الدعوى من حيث الشكل لا من حيث الجوهر. وهنا ارتكب الزميل العلام هفوة أخرى، إذ أصدر بيان انتصار شخصن فيه الموقف وكأن الخلاف هو بين القباج والعلام، وحقيقة الأمر أن اللجنة التحضيرية الموسعة هي التي رفعت الدعوى موقعة باسم رئيسها. فالخلاف ليس بين شخصين، ولكن بين مؤسسة اسمها اللجنة التحضيرية وبين العلام.
هذا هو الوضع الذي عليه اتحاد الكتاب: من جهة لجنة تحضيرية موسعة أفرزها لقاء طنجة وزكاها من تبقى من المكتب التنفيذي، ومن جهة أخرى مكتب تنفيذي سبق لرئيسه ونائبه الأول أن تخليا عن منصبيهما. هل هناك من مخرج من هذا الوضع غير العادي الذي يزداد حدة يوما بعد يوم؟ هل نحن أمام انشقاق يتراءى في الأفق؟

> ما هي الأسباب التي أدت في نظرك إلى هذا الوضع المتأزم للاتحاد؟
< واضح مما أتيت على ذكره أن الأسباب لا تتعلق بخلافات حول أهداف ومهام الاتحاد، ولا تتعلق باختلاف وجهات النظر حول القضايا الرئيسية التي تهم أوضاع الكتاب والمبدعين، بل هي أسباب مردها بالأساس الاعتبارات الذاتية والمصلحية. الحالة التي عليها الاتحاد اليوم أعتبرها حالة مرضية تسبب لي ولكل الغيورين مشاعر يأس. لا أحد يرغب في أن يؤدي هذا الوضع إلى الإجهاز على الاتحاد بالضربة القاضية.

> ما ذا تقترح لتجاوز هذا الوضع؟
< ليس لدي أي اقتراح أفرضه على زملائي: المخرج من هذه الأزمة هو بين الأعضاء المؤسسين للاتحاد وقدمائه. أود أن أذكر هنا بأن الاتحاد سبق له أن مر بأزمة ظرفية كان مسرحها المؤتمر العام الذي كان قد انعقد بمدارس محمد الخامس بالرباط أواخر سبعينيات القرن الماضي. فقد نشبت خلاله معركة ضارية بين الغيورين على أن يتمسك الاتحاد باستقلاليته وبين أعضاء جندتهم السلطات الإدارية للاستحواذ عليه، ولكن انتهت الأزمة بالحكم الصادر عن صندوق الاقتراع الذي أعطى النصر للمتشبثين باستقلالية الاتحاد الذي عاد لأداء أدواره النبيلة البناءة. وأود هنا ذكر ملاحظة أخرى، فلو فرضنا أن الزميل العلام أفلح في عقد المؤتمر الاستثنائي، فإن التجاذبات ستحتد ولن تنتهي الأزمة. وإني لأعلن بمناسبة هذا الحوار أني سأواصل التشبث بالصبر وبالنية الحسنة في إنقاذ الاتحاد دون أن أي مطمع أو طموح. فإذا استمع الزملاء إلى صوت العقل والحكمة، وتغلبت لديهم الرغبة في الحفاظ على كيان الاتحاد ووحدته والعودة به إلى عهوده الزاهرة، فإني سأستمر في أداء المهمة المنوطة بي وإلا فسأكون مضطرا لأن أتخلى بدوري عن هذه المهمة.

> هل تقبل أن يتم تسيير الاتحاد من طرف المسؤولين في المكتب السابق؟
< الجواب عن هذا السؤال بسيط: الأمر بيد صندوق الاقتراع، لكل عضو الحق في الترشح والتصويت، ممن كان في المكتب السابق وممن لم يكن فيه. المهم أن يكون الولاء للاتحاد وأهدافه ومهامه وليس لمصلحة شخصية، والالتزام بمقتضيات القانون الأساسي للاتحاد.

> ما هي المؤهلات التي ترى ضرورة توفرها لدى الرئيس المقبل؟
< القانون الأساسي للاتحاد واضح بالنسبة للمؤهلات التي يجب أن تتوفر في الرئيس وأعضاء المكتب المركزي. ينص الفصل السابع المعنون ب: شروط الترشح لمهمة رئيس الاتحاد وعضوية المكتب التنفيذي، على ما يلي:
“يشترط في رئيس اتحاد كتاب المغرب أن يتوفر على أقدمية عشر سنوات بصفته عضوا في الاتحاد وأن يكون قد تحمل من قبل إحدى المسؤوليات في أحد أجهزة الاتحاد، ويحق لرئيس الاتحاد وأعضاء المكتب المركزي تحمل المسؤولية لولاية واحدة، قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، وأن يكون المترشح لعضوية المكتب قد سبق له حضور مؤتمر واحد على الأقل، طبقا لبنود القانون الداخلي”.

> ما هي الأولويات التي ترى ضرورة طرحها للنقاش في المؤتمر؟
< لا شك أنك تقصد المؤتمر العام، لأن المؤتمر الاستثنائي موكول له انتخاب مكتب تنفيذي مؤقت. أرى أن تكون أهم النقاط التي ينبغي أن تكون مثار النقاش العام والمعمق في المؤتمر العام التاسع عشر: إعداد مشروع ثقافي جديد للاتحاد، وتجديد النظر في وظائف الكتاب والمبدعين والمثقفين في ضوء مستجدات العصر، وأساليب تعزيز التوجه الديمقراطي الحداثي في المغرب، والدفاع عن حقوق الناس بمن فيهم الكتاب والمبدعون.. اللائحة طويلة من الموضوعات ذات الراهنية والتي يتوقف عليها مستقبل الاتحاد.

< إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top