اتحاد كتاب المغرب كاسمه تماما: مِلْكٌ أولا للمغرب كله وطنا وشعبا وأدبا، ومِلْكٌ ثانيا لكتاب المغرب الذهبي غروبا وشروقا، بشتى المشارب، وهو اتحاد لجميع المنتسبين إليه، والحريصين عليه، البررة منهم والعاقين على حظ سواء. ولكنه قبل وبعد كل شيء، مِلْكٌ لثقافة الحركة الوطنية والتقدمية، التي احتضنته، واحترمت فيه وحدته، واستقلاليته وديموقراطيته.
أما الحاجة إليه فهي ملحة أكثر من أي وقت مضى ولكن الحاجة الملحة، تنظيمية بالأساس، قبل أن تكون مسألة ثقافية. الآن، اتحاد الكتاب، في مهبّ الريح وقلب العاصفة، يواجه مصيرا مجهولا، ولا يستطيع سبيلا لا إلى الحياة ولا حتى إلى الموت وصولا، ويعيش حالات ومآلات غريبة، من التعطيل والتأجيل، ومن الانتظار والاحتضار.
أذكر أن صديقا كاتبا كبيرا راحلا أخيرا عاتبني بل سبني بحبه القاسي، على كل هذا الحب الذي يُعمي ويُصمّ عن سماع ورؤية الانهيارات الشاملة التي يشهدها العالم كله ولماذا أريد لعنقاء رماد اتحاد الكتاب وحده ألا ينهار أو ينتهي أجله.
للأسف، هناك من لا يريد له أن يظل على قيد الحياة. ومن الغريب أننا طالما تغنينا به جميعا، قلعةً أخيرة، ومنظمة عتيدة وعنيدة، وبيتا مشتركا، مثلما كنا نقول دائما عشية كل مؤتمر أو غداة انتخاب التحابّ، بلسان الشاعر الفلسطيني الرفيق أحمد دحبور: نمشي ونختلفُ، نمشي ونكتشفُ، أنّا معك!.
لكنّ في بيتنا من يُراد لهم أن يكونوا حكماء وأعيانا ووجهاء يرون فيه مآربَ أخرى، ورغائبَ خاصة، غيرَ المنصوص عليها في مواثيق شرفه وأخلاقه ومؤتمراته الوطنية.
وإلى وقت قريب وحتى عهد غير بعيد، كان الحوار، النقدي والندّي والودّي، المؤدّي إلى اتحاد تحابّ الكتاب والانتخاب، لا إلى اتحاد الأحقاد والاحتراب، أو إلى حدّ “الصراع على سلطة وهمية” بالتعبير الشهير للكاتب والإعلامي الكبير محمد باهي، عن تدبير الخلاف الثقافي الذي لم يصل إلى مثل هذا التدمير الحاصل الآن.
ولكن يبدو أن حسن الجوار والحوار ما عاد كذلك، في هذا الزمن الانتهازي الفانتازي الفائز فيه سلم الخاسر القائل:
من راقب الناس مات غما،
وفاز باللذة الجسورُ!
إذ سطا على بيت أستاذه الشاعر بشار البصير:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته،
وفاز بالطيبات الفاتك اللهجُ!
فذاع وانتشر بيت سلم الخاسر وضاع واندثر بيت الشاعر والفيلسوف العقلاني!
وللتذكير والتأكيد لمن يحتاج إليه: “لم يقطر بنا السقف” ليطالبنا البعض بالانسحاب من اتحاد تحابّ الكتّاب. جيلي الستيني، على سبيل المثال، جاء إليه، مما أسميه دائما بنضال الجمال وجمال النضال الإبداعي والاجتماعي، وبأشعار منشورة، ودواوين مطبوعة، ومنذ أيام الطلب الجامعي، حين كانت العضوية توهب أكثر مما تطلب، ومن ثقافة وصحافة الحركة الوطنية والتقدمية، ومن جمعيات ثقافية، مثل رواد القلم البيضاوي وأصدقاء المعتمد الشفشاوني والبعث المكناسي، ومن وداديات التلاميذ والاتحاد الوطني للطلبة الخ.. وهي جمعيات ثقافية شبابية نشأت في نفس تاريخ تأسيس اتحاد الكتاب، وقبله أيضا، وكانت أنشط منه ولها إصدارات، دواوين ومجلات، بينما ليست لاتحاد الكتاب غير مجلة آفاق. واسألوا عن تلك الحقبة الستينية الخصبة بالعطاء والعناء والغناء، الرومانسي والحماسي، حبنا الرئاسي الأول كما يحلو لي ان أسميه، الأستاذ محمد برادة، والكوكبة المضيئة من رواد جيلنا الموتور، المؤسسين والمدرسين والمكرسين لحداثة آدابنا ودماثة أخلاق من واكبوهم وأحبوهم من الأدباء الكتاب والشعراء الشباب الصحاب.
ولذلك، صار جيلي الستيني من المؤسسين لاتحاد الكتاب، تماما مثل الأعضاء الجدد الشباب خاصة هم منذ اليوم من مؤسسي مستقبل اتحاد الكتاب والأمناء عليه.
لقد قمت، كنائب للرئيس، منذ تنحيه بما أملاه علي ضميري وبتفعيل دوره القانوني الفودفيلي كما سميته، ولأول مرة في تاريخ اتحاد الكتاب، بلا فخر ودون تواضع مجاني، ومع من تبقى من جنود المكتب التنفيذي، واستدعاء الجميع بلا استثناء، من استقال أو أبعد أو تنحّى، والإصرار على إنجاح المؤتمر الاستثنائي، ولم أنسحب مرتين من اللجنتين التحضيريتين إلا لأسباب كثيرة، كتوالي الغيابات والانسحابات، ولمّا لم تفض المساعي إلا للمزيد من الانتظار والاحتضار. ولم أسمع من الشكر على كل ذلك إلا التشفي والشماتة مرتين من اللجنتين.
ولا أرى حتى هنا والآن حلا أو أملا إلا في نداء استغاثة أو دعاء ثلثي أعضاء المكتب التنفيذي إلى مؤتمر عاجل، في أي مكان ولو وقوفا وبمن حضر، لبث الروح وبعث الحركة والحياة في هياكله المشلولة. وإلا فلنقل مع الشاعر الشهيد: عمّق الحفرة يا حفّار، عمقها لقاع لا قرار!
……………………………………….
*تدخل في الندوة الوطنية للملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي
حول “أدوار اتحاد كتاب المغرب اليوم والحاجة إليه..” بالمحمدية بتاريخ 25 فبراير 2023
بقلم: إدريس الملياني