هل بإمكان الموارد المائية على أن تلبي حاجيات سكان الكوكب الأزرق المتزايدة من المياه النظيفة وذات جودة عالية؟ بالطبع هناك إكراهات بالجملة تعترض تحقيق هذا الطموح لكن إن تمت إدارة المياه بشكل جيد وفعال يمكن بلوغ النتائج المتوخاة بمؤشرات جيدة، غير أن ندرة المياه وتدهور نوعيتها يشكلان تحديات كبيرة أمام تأمين مياه ذات نوعية جيدة وكافية لتلبية حاجات الإنسان والبيئة والمجتمع والاقتصاد، والتي من شأنها أن تدعم التنمية المستدامة في البلدان، هذا ويعتبر تدهور جودة المياه المنتشر على نطاق واسع حول العالم وليس في المغرب فقط من أخطر الأمور التي تهدد صحة الإنسان، وسلامة النظام البيئي فحسب، بل أيضا مصدر قلق رئيسي لاستدامة الموارد المائية، وتحمل التحديات الجديدة المتعلقة بنوعية المياه والمتمثلة بظهور الملوثات وإعادة الاستعمال الآمن للمياه العادمة هموما أكثر إلحاحا، الأمر الذي يستدعي الاهتمام العاجل، فكثيرة هي المبادرات العالمية التي تستهدف حماية موارد المياه العذبة في العالم للتقليل من تأثير مخاطر التلوث على رفاه الإنسان والبيئة الطبيعية، مبادرات تهدف أيضا إلى حماية موارد المياه من التلوث وتحسين جودة المياه والحفاظ عليها وضمان استخدامها الفعال من بينها: المبادرة الدولية لجودة المياه والمبادرة الدولية للجفاف ومبادرة الماء لأجل إفريقيا.
ويصنف المغرب ضمن الخانة الحمراء كأكثر الدول التي تواجه مستويات عالية من الضغط على الموارد المائية المهددة بالجفاف وقلة توفر المياه مستقبلا محتلا المرتبة الثانية عشرة عربيا والثالثة والعشرون عالميا حسب التقرير الصادر عن معهد الموارد العالمية، وحذر نفس التقرير أن المغرب مهدد بجفاف حاد بسبب ندرة المياه وارتفاع درجة الحرارة بشكل غير مسبوق، إلى جانب الاستنزاف الكبير للموارد المائية.
مجهودات المغرب
وعرفت تعبئة المياه بالمغرب تحسنا ملحوظا بفضل إنشاء المئات من السدود التي مكنت من تخزين أكثر من 16 مليار متر مكعب من الماء المخصص للسقي وللتزود بالماء الصالح للشرب وإنتاج الطاقة الكهرومائية، حيث تمت تهيئة مساحة 880.000 هكتار من الأراضي السقوية من أجل تطوير القطاع الفلاحي، ومن جهة أخرى فقد تم إنجاز 17 مشروعا مندمجا وما يزيد عن 30 مشروعا لاستصلاح الأراضي البورية بهدف تحسين الأوضاع المعيشية للسكان المعنيين، أما فيما يخص الرعي، فإن برنامج تهيئة واستصلاح المراعي الذي بدأ سنة 1970 قد مكن من تحديد وتحسين العديد من المجالات الرعوية وتأسيس العديد من التعاونيات والجمعيات في مختلف المناطق الرعوية.
وقد شملت إنجازات المغرب في مواجهة ظاهرتي التصحر والجفاف تحديد ما يقارب 5.000.000 هكتار من الغابات وآلاف الهكتارات من سهوب الحلفاء وتهيئة قرابة 4.000.000 هكتار من الغابات و 2.300.000 هكتار من سهوب الحلفاء وتشجير ما يقارب 530.000 هكتار، وتهيئة الأحواض المائية على مساحة تقدر ب 530.000 هكتار، ومكافحة زحف الرمال على مساحة تفوق 34.000 هكتار، وإنشاء 10 منتزهات وطنية والعديد من المحميات البيئية ومحميات الصيد من أجل المحافظة على الموروث الطبيعي للبلاد من الحيوانات والنباتات.
بعد قمة ريو للأرض سنة1992 تم استحداث العديد من الاستراتيجيات والبرامج، وقد مكنت عملية الإعداد لهذه البرامج من بلورة تصور شامل وعميق حول تشخيص الوضعية الحالية وتحديد الإكراهات وتعريف النهج الجديد للتنمية، بعض هاته المخططات والاستراتيجيات والبرامج ذات بعد قطاعي، والبعض الآخر له مهمة أفقية للتنمية المندمجة. أمّا الصنف الثالث فهو يجمع البرامج العرضية التي تندرج في إطار سياسة تدارك التأخير الحاصل في المجالات الاجتماعية عن طريق صياغة سياسات واقعية لمكافحة الفقر، بينما يتطلب تنفيذ هاته الاستراتيجية الشاملة على أرض الواقع أن يكون على أساس تحسين المستوى المعيشي للسكان عبر إنجاز مشاريع مندمجة للتنمية الفلاحية وتعبئة الموارد المائية السطحية من خلال تشييد السدود والبحيرات التليّة وتهيئة وتحسين المراعي، وكذا محاربة التعرية المائية والريحية (زحف الرمال)، والقيام بالإجراءات التي من شأنها المحافظة على الغابات، وخلق منتزهات وطنية ومحميات بيولوجية، و من بين هذه الاجراءات العملية نجد السياسة المائية والتي جعلت تعبئة الموارد المائية أبرز أولوياتها،البرنامج الوطني للري الهادف إلى سقي مليون ومائتي الف هكتار، واستراتيجية استصلاح الأراضي البورية بهدف تنمية القطاع الزراعي خاصة بالمناطق المهمشة، واستراتيجية الرعي التي ستمكن من تحسين وتنظيم المراعي الجماعية، والبرنامج الغابوي الوطني الذي سطر الاستراتيجية التي ستسمح بالمحافظة على القطاع الغابوي وتطويره، ويعتمد هذا البرنامج على دراسات القطاعات الفرعية كالمخطط المديري للمناطق المحمية والمخطط المديري للتشجير والبرنامج الوطني لتهيئة الأحواض المائية بالإضافة إلى الدراسات المحلية لتهيئة الغابات، واستراتيجية 2020 للتنمية القروية التي تقترح اعتماد مقاربة بمستويات مختلفة للإتساق الترابي من أجل إشراك الساكنة المحلية في القرارات التي تهم الأولويات ومناهج إنجاز البرامج وشروط إنجازها.
ندرة المياه وحقوق الطفل
وفي هذا الإطار ، وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف الذي يخلده العالم في 17 يونيو من كل عام، نظمت منظمة اليونيسف-المغرب لقاء وطنيا حول حقوق الطفل في مواجهة ندرة المياه. لقاء يأتي ضمن مواعيد يونيسف 2.0 التي ستركز في نسختها الثانية على تبادل المعارف والترافع بشأن مواضيع مستجدة وحاسمة لحقوق الطفل في المغرب، حيث خصص اللقاء الأول لموضوع ندرة المياه و تأثيره على حقوق الأطفال. اللقاء الذي بنيت مخرجاته على تصنيف معهد الموارد العالمية الذي درس أوضاع 165 بلدا مصنفا المغرب في الرتبة الثالثة والعشرين الأكثر تهديدا بسبب نقص المياه والمرتبة الثانية في شمال أفريقيا، ويشير المعهد إلى أن المغرب سيصل إلى مستوى عال للغاية من الإجهاد المائي بحلول عام 2040 أي أن الطلب على المياه سيتجاوز موارده المتاحة، حيث يؤكد الخبراء أن أزمة المناخ وخاصة انعدام الأمن المائي له وقع مباشر على حقوق الطفل، إلا أنه حاليا وعلى المستوى الدولي لا يعترف به كذلك بعد.
الماء هو الحياة بالنسبة للأطفال حيث إن الافتقار إلى المياه النظيفة والصرف الصحي والنظافة الصحية يؤثر على صحة الأطفال؛ فهو يؤثر على نموهم البدني، ويؤدي إلى تفاقم سوء التغذية وتأخر النمو، كما يؤثر على تعليمهم حيث يعرقل مسارهم الدراسي ويجبرهم أحيانا على التضحية بحقهم في التعليم في قطع مسافات طويلة بحثا عن الماء، وتحد ندرة المياه من إمكانية الوصول إلى المرافق الصحية وممارسات النظافة الصحية الأساسية في المدارس، مما يؤثر بشكل خاص على التعليم وحضور الفتيات وأدائهن في المناطق القروية، وتؤدي ندرة المياه إلى نقص في سبل عيش أسرهم ومجتمعاتهم المحلية، مما يؤدي إلى الهجرة وحتى عمالة الأطفال.
هذه المواعيد البيئية ذات الطابع التربوي التي نظمتها منظمة اليونيسف-المغرب في موضوع “حقوق الطفل وندرة المياه” تعتبر خطوة هامة إلى الأمام للمساعدة في تغيير الخطاب المتعلق بهذا الموضوع، من أجل أن تؤخذ بعين الاعتبار تداعيات تغير المناخ وانعدام الأمن المائي على حقوق الطفل كأولوية لدى صانعي القرار والأطفال والشباب والرأي العام على حد سواء، كما أنه سيتيح فرصة، بالإضافة إلى منح الأطفال الكلمة من أجل الترافع، للتعرف على الحالة الراهنة والتحديات والجهود المبذولة في المغرب فيما يتعلق بالمحافظة على الماء وتنويع العرض المائي.
المغرب ومبادرة الماء من أجل إفريقيا
وكان المغرب قد نجح في إطلاق عدة مبادرات تهم ندرة المياه من أهمها “مبادرة الماء من أجل افريقيا”، والتي منذ إطلاقها من الرباط سنة 2016 ما فتئت تنضج وتترسخ لتجسد رؤية استراتيجية والتزاما قويا وطموحا لصالح العدالة المناخية، مبادرة تم تقديمها خلال المؤتمر الدولي حول الماء والمناخ الذي انعقد في شهر يوليوز 2016 بالرباط، مبادرة انبثقت من نداء الرباط وتمت بلورته على شكل إجراءات تجسد فلسفته على شكل عمل ملموس في إطار “مبادرة الماء من أجل افريقيا”، مبادرة تطمح إلى إحقاق العدالة بالنسبة لأفريقيا ثاني قارة في العالم الأكثر جفافا وباعتبارها المنطقة الأقل إسهاما في التغيرات المناخية لكنها الأكثر تعرضا لانعكاساتها، وذلك من خلال تعبئة مختلف الشركاء السياسيين والماليين والمؤسساتيين الدوليين من أجل اعتماد مخطط عمل خاص بالماء في أفريقيا.
وبالطبع هناك العديد من العوامل الجغرافية والاقتصادية والمؤشرات البيئية التي تجعل من أفريقيا القارة الأكثر هشاشة أمام انعكاسات التغيرات المناخية. وهي الهشاشة التي تؤثر على تنمية واستقرار القارة وتهدد حياة الملايين من الأفارقة، فأفريقيا تضم 16 في المائة من ساكنة العالم وبسبب نقص التجهيزات والبنيات التحتية لتعبئة ومعالجة المياه والتطهير، فان حوالي 330 مليون من الأفارقة من أفريقيا جنوب الصحراء لا يمكن لهم الولوج الى الماء الصالح للشرب.
وتطمح المبادرة المغربية “الماء من أجل إفريقيا التي انبثقت عن نداء الرباط2016 إلى إحقاق العدالة لأفريقيا باعتبارها المنطقة الأقل إسهاما في التغيرات المناخية لكنها الأكثر تأثرا بانعكاساتها، وذلك من خلال تعبئة مختلف الشركاء السياسيين والماليين والمؤسساتيين الدوليين من اجل اعتماد مخطط عمل خاص بالماء في إفريقيا، وتروم المبادرة التي تحظى بدعم مختلف الشركاء من بينهم البنك العالمي والبنك الافريقي للتنمية والمجلس العالمي للماء ومجلس الوزراء الأفارقة المكلفين بالماء، إلى إعداد واعتماد مخطط عمل أولي بهدف الإسهام في بلوغ أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030، والرؤية الأفريقية للماء في افق 2025 واجندة 2063 للاتحاد الافريقي، كما تهدف المبادرة التي تم إطلاقها خلال مؤتمر المناخ في نسخته الثانية والعشرون بمراكش الى تعبئة المنتظم الدولي المعني بالماء والمناخ في أفق تنفيذ استراتيجية 2030 للماء بإفريقيا عبر تحسين ولوج المشاريع الأفريقية إلى التمويلات الخاصة بمحاربة التغيرات المناخية، من خلال إرساء الية تركز على أدوات التمويل التي تجمع بين الماء والتغيرات المناخية وتقوية القدرات والتعاون جنوب جنوب وتبادل الخبرات والتجارب.
وحسب خبراء منظمة اليونسكو فإن ندرة المياه تعرف بكونها أي وضع تقل فيه موارد المياه المتجددة عن ألف متر مكعب لكل شخص في العام، وكان هذا المعدل بتونس 440 مترا مكعبا في مارس 2020 بينما في المغرب 600 متر مكعب، وكان تقرير الموارد العالمية قد صنف العديد من دول شمال افريقيا ضمن “الخانة الحمراء” كأكثر الدول المهددة بالجفاف، فبينما جاءت الجزائر في المرتبة الـتاسعة والعشرون وتونس في المرتبة الـثلاثين عالميا جاء المغرب في المرتبة الثالثة والعشرون عالميا.
تحدي ندرة المياه
لقد ساهمت الظواهر الشديدة المرتبطة بالمياه في تفاقم الخسائر البشرية والأضرار الاقتصادية المتعلقة بالأنشطة البشرية، حيث من المحتمل تفاقم المخاطر المتعلقة بالمياه لعدد من الأسباب، فمن جهة، هناك احتمال كبير لتولد ظواهر شديدة الوقع على المجتمع لاسيما بسبب بعد الأنشطة البشرية كإزالة الغابات، وتجفيف الأنهار، وتخزين مياه الأحواض أو تسريبها، وإقامة السدود و نتيجة للتقلبات والتغيرات التي يشهدها المناخ، ومن جهة أخرى، فإن تزايد عدد السكان مصحوبا، بالنمو الاقتصادي قد أدى إلى توسع حضري مكثف، لاسيما في المناطق الأشد عرضة لتشكل الفيضانات، أي أن سوء إدارة شؤون المياه مقترنا والافتقار إلى الكفاءة لدى المؤسسات المعنية بإدارة حالات الطوارئ والبنيات الأساسية المناسبة، قد يؤدي إلى ضعف قدرة المجتمع على التكيف مع الظواهر الشديدة وبالتالي زيادة المخاطر التي تهدد الحياة وتلحق أضرارا مادية، ولذلك لا بد من تحسين إدارة المخاطر، بينما لا تزال هناك فجوة هامة بين التقديرات الدقيقة نسبيا التي تقدمها أحدث النماذج الهيدرولوجية، من جهة، وبين المعلومات المطلوبة لدعم عملية صنع القرار القائمة على تقييم المخاطر، من جهة أخرى، ومن هذا المنطلق، نجد أنّه من الضروري سبر أغوار العلاقة بين حجم التدفق أو شدة الأمطار والأضرار المتوقعة إزاء ذلك كعدد الإصابات، والخسائر الاقتصادية، والمناطق المتضررة والسكان القاطنين فيها، إلا أنها لا تحظى بدراسة كافية، وثمة حاجة إلى وضع منهجيات لتقييم المخاطر فيما يراعي الظروف المائية والمناخية والاجتماعية في المناطق المستهدفة، ومن الضروري إدماج دراسات الحالة التجريبية للعلاقة بين هذه الكوارث والأضرار الناجمة عنها على الصعيدين المحلي والإقليمي، وتحقيق فهم أفضل لها بغية تزويد مديرو الملفات المائية وصناع السياسات بالأدوات اللازمة لإدارة المخاطر.
وفي السنوات الأخيرة، برزت المداولات وتبادل المعلومات بشأن المخاطر ومساهمة الأطراف المعنية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من استراتيجيات إدارة المخاطر المتعلقة بالمياه، إذ تهدف هذه المداولات إلى التقليل من التعرض للمخاطر وبناء القدرة على مجابهتها ومقاومتها وذلك عن طريق تعزيز تصور الجمهور للمخاطر، وبالتالي التأثير على بروتوكولات التصدي لها، كما أن تبادل المعلومات المتعلقة بالمخاطر يعد وسيلة لتيسير اعتماد التدابير الكفيلة بالحد من المخاطر وتجنبها، ووسيلة من هذه الوسائل في آن معا خاصة عندما يتعلق الأمر بالإنذار المبكر، ورسم خرائط المناطق المعرضة للخطر وتخطيط الأراضي، وتنطوي هذه الاستراتيجية أيضا على مكاسب اجتماعية مثل بناء القدرات وتعزيز الثقة. وأخيرا، فإن إشراك الجهات المعنية المطلعة على المعلومات الأساسية في المراحل المختلفة من التخطيط التشاركي كفيل بالتوصل إلى تدابير أكثر رسوخا وقبولا للتخفيف من وقع هذه المخاطر.
يوم عالمي لمحاربة التصحر والجفاف
تتعرض النظم الإيكولوجية للأراضي الجافة، التي تغطي أكثر من ثلث مساحة اليابسة في الكرة الأرضية، لخطر الاستغلال المفرط والاستخدام غير الملائم، إذ يمثل التصحر ظاهرة تدهور الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة، ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى الأنشطة البشرية والتغيرات المناخية، الأمر الذي يؤثر على أشد الفئات فقرا في العالم، وإن القرارات التي نتخذها كل يوم فيما يتعلق بمشترياتنا وأكلنا وشربنا وملابسنا وكيفية سفرنا تؤثر كافة على موارد الأرض، ويجري الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف لتعزيز الوعي العام بالجهود الدولية المبذولة لمكافحة التصحر، ولذلك، يعد هذا اليوم لحظة فريدة لتذكير الجميع بأنه يمكن وقف تدهور الأراضي، وتجدر الإشارة إلى أن أمانة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر تقود الاحتفال بهذا اليوم العالمي.
ويحتفل كل عام باليوم العالمي للتصحر والجفاف المعروف قبل عام 2020 باسم اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف لتعزيز الوعي العام بالجهود الدولية المبذولة في مكافحة التصحر، ويعد هذا اليوم بمثابة لحظة فريدة لتذكير الجميع بأن عكس مسار تدهور الأراضي يمكن تحقيقه من خلال حل المشاكل والمشاركة المجتمعية القوية، والتعاون على جميع الأصعدة، وفي عام 2021 يتجلى الهدف من يوم التصحر في البرهنة على أن الاستثمار في الأراضي السليمة في إطار منظومة التعافي المراعي للبيئة يمثل قرارا اقتصاديا ذكيا ليس فقط من ناحية توفير فرص العمل واستعادة سبل كسب العيش فحسب، بل أيضا من ناحية تحصين الاقتصادات من الأزمات المستقبلية الناجمة عن التغير المناخي وفقدان موارد الطبيعة، وتسريع وتيرة التقدم في تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر بينما نتعافى من جائحة كورونا، وقال الرئيس التنفيذي لكيان الأمم المتحدة المعني بمكافحة التصحر إن الاستثمار في إصلاح الأراضي لا يساعد في الحفاظ على صحة كوكبنا فحسب، بل سيكون أيضا نقطة الانطلاق لحل أكبر قضايا عصرنا.
وكان إبراهيم ثياو الرئيس التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر قد صرح على هامش مؤتمر الأطراف السابق في نيودلهي في نسخته الرابعة عشرة: “يجب أن نستثمر في استعادة الأراضي كوسيلة لتحسين سبل العيش، والحد من مواطن الضعف التي تسهم في تغير المناخ، ومن المخاطر التي تهدد الاقتصاد”، وذكر ثياو بأن: ”الأرض توفر لنا 99.7 في المائة من طعامنا، كما أنها توفر لنا مياه الشرب، ونوعية المياه التي نحصل عليها تأتي من الأرض وأنظمتها الإيكولوجية”، محذرا من أن: “هذا المورد الثمين في خطر شديد”، في حين أن 25 دولة كانت قد أطلقت العام الماضي نداء لـ”اتخاذ تدابير عاجلة” عقب جفاف واسع النطاق، حسبما قال الرئيس التنفيذي للاتفاقية المعنية بمكافحة التصحر، وفي المتوسط، وتتأثر 70 دولة بالجفاف كل عام، وغالبا ما يكون العبء الأكبر على أفقر المجتمعات، التي تواجه بالتالي نضوبا في الموارد وتترك للاعتماد على المساعدات الإنسانية، وأضاف ثياو أن: ”تدهور الأراضي له صلات أيضا بقضايا السلام والأمن، إذ إنه يجبر المجتمعات على التنافس للحصول على الأرض والمياه، وفي بعض الحالات، يتحول هذا التنافس إلى صراع”.
الهجرة والتصحر .. مؤتمر آخر يتأجل
ثلاثة من بين كل 4 هكتارات من الأراضي حول العالم تم تغيير حالتها الطبيعية بينما انخفضت القدرة الإنتاجية لواحد من بين كل 4 هكتارات من الأراضي الزراعية في العالم، ويؤثر تدهور “صحة الأراضي” المتزايد على 3.2 مليار شخص في جميع أنحاء العالم، مما سيتسبب، إلى جانب تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي، في إجبار ما يصل إلى 700 مليون شخص على الهجرة الداخلية أو الخارجية، بحلول عام 2050، في حين أن التصحر لوحده “يتسبب في خسارة ما بين 10 و17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي”.
بينما كان من المقرر عقد الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في الربع الأخير من عام 2021 وبسبب الجائحة العالمية تقرر تأجيلها الى شهر أكتوبر 2022، وتبقى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر هي إحدى اتفاقيات ريو الثلاث، إلى جانب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاقية التنوع البيولوجي، وتمت الدعوة إلى التفاوض بشأن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في جدول أعمال القرن 21، وهو برنامج العمل المعتمد في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية لعام 1992 حيث تم تبني اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في 17 يونيو 1994 بينما دخلت حيز التنفيذ في 26 ديسمبر 1996.
المغرب والاستراتيجية الوطنية لمحاربة التصحر
في ختام أشغال قمة الارض بريو البرازيلية وتحت إلحاح الدول النامية ثم تشكيل لجنة مفاوضات لتدارس موضوع اتفاقية الأمم المتحدة حول محاربة التصحر والتي عملت لمدة سنتين من أجل إعداد مشروع الاتفاقية المتبناة في سنة 1994، وانضم المغرب إلى هذه الاتفاقية في نفس السنة وقام بالمصادقة عليها سنة 1996، من بين التزامات أطراف معاهدة الأمم المتحدة لمحاربة التصحر ولاسيما الدول الأكثر تضررا فقد ثم التركيز على ضرورة إعطاء الأولوية لمحاربة التصحر من خلال تخصيص الموارد الكافية، ومعالجة الأسباب الجذرية للتصحر مع إيلاء اهتمام خاص للعوامل السوسيو-اقتصادية والقيام بالإصلاحات اللّازمة في إطار سياسات جديدة على المدى البعيد وبرامج عمل جديدة، التزاما ووفاء منه بتعهداته اتجاه المجتمع الدولي من جهة، ووعيا منه بمحدوديّة المقاربات المتبعة من أجل التخفيف من تدهور الموارد الطبيعية من جهة أخرى، فإن المغرب كان مدعوا لاعتماد برنامج عمل وطني لمحاربة التصحر منذ يونيو 2001 وتعزيز جهوده وتعبئة الوسائل الضروريّة لمحاربة التصحر مع إدماج استراتيجيات القضاء على الفقر ضمن المجهودات المبذولة للقضاء على هذه الآفة، ويتولى قطاع المياه والغابات مهمة تنسيق السياسة الحكومية في مجال محاربة التصحر، بينما تسهر مديرية محاربة التصحر وحماية الطبيعة التابعة للقطاع على تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمحاربة التصحر على المستوى الوطني، وتقوم بتتبع وتنفيذ برنامج العمل الوطني لمحاربة التصحر، وتشغل كذلك منصب الأمانة الدائمة للجنة ريادة برنامج العمل الوطني وهيئة التنسيق الوطنية.
إن تتبع آثار برنامج العمل الوطني لوضعية الموارد الطبيعية بشكل دائم يضمن تزويد لوحة القيادة بالبيانات الضرورية التي تضم عناصر موضوعية تمكن من اتخاذ القرارات اعتمادا على معرفة كاملة للحقائق في الوقت المناسب، بهدف إضفاء تغييرات وتعديلات مناسبة على البرنامج، وتتمثل العوامل التي تساهم في تحفيز واستفحال ظاهرة التصحر في جفاف المناخ الذي يغطي ما يقارب % 93 من مجموع التراب الوطني، والذي كان يتسم في السابق بسهولة قدرته على التخليف بالرغم من تعاقب فترات طويلة من الجفاف، غير أنه وفي ظل الأوضاع الحالية فإن هذه الأراضي الجافة مهددة بشكل كبير بفقدان إنتاجيتها إذا لم يتم إدارتها بطريقة معقلنة، وينضاف حاليا إلى هذا الإكراه الطبيعي التدهور المستمر الذي يعرفه الغطاء النباتي جراء الطلب الدائم للسكان لتلبية حاجياتهم من الأراضي الزراعية والخشب وموارد أعلاف الماشية، ويؤدي هذان العاملان إلى فقر وهشاشة التربة بفعل محتواها المنخفض من المادة العضوية وكذا الاستعمالات التي لا تتناسب مع مبدأ المحافظة عليها، والضغط السكاني المتزايد بقوة، ويتم تقييم مستوى مسار التصحر عبر عدة معايير حيث يعزى تراجع الغطاء النباتي الغابوي أساسا إلى القطع المفرط لخشب الطاقة والرعي الجائر وإزالة أشجار الغابات لاستغلال الأراضي في الزراعة، وإلى حرائق الغابات التي تتلف ما يناهز 3000 هكتار سنويا، زيادة إلى المد العمراني المتنامي الذي ينقص وباستمرار الوعاء العقاري الغابوي خاصة في المناطق الساحلية حيث تشيد مشاريع سكنية وسياحية، بينما تؤدي التعرية المائية الشديدة إلى تدهور الأحواض حيث تتجاوز 2000 طن في الكيلومتر مربع سنويا بأحواض الريف شمال المغرب، وما بين 1000 إلى 2000 طن في الكيلومتر مربع سنويا بمقدمة الريف، وما بين 500 إلى 1000 طن في الكيلومتر مربع في السنة بالأطلس المتوسط والكبير، وأقل من 500 طن في الكيلومتر مربع في السنة ب المناطق الأخرى، بالإضافة إلى المحنى التنازلي لتسربات مياه الأمطار التي تتساقط على شكل زخات رعدية بكميات تتسم بالتراجع الملحوظ، فقد سجلت هذه التسربات انخفاضا خلال العقود الأخيرة بسبب التبخر المتنامي في أغلب المحطات، كما سجل تراجع لمخزون المياه الجوفيّة الذي يتعرّض إلى استغلال مكثّف لأجل أغراض زراعية، الشيء الذي يتسبب في انخفاض متواصل للاحتياطات المتوفرة لاسيما في مناطق تانسيفت وسوس-ماسة، لقد خلفت حالات الجفاف الحديثة في جميع الجهات نضوب عدة آبار ومنابع الميّاه ممّا يؤكد على هشاشة هذه الموارد، أما في المناطق الجنوبية والشرقية للبلاد، يشكل زحف الرمال بفعل التعرية الريحية أحد أبرز مظاهر التصحر، فقد أصبحت العشرات من مجمّعات المياه الصغيرة، والمئات من المدارات “الساقيات” غير قابلة للاستخدام في وقت وجيز بفعل زحف الرمال، كما أن الواحات والتجمعات السكنية القروية وقنوات الاتصال تعاني بدورها من هذه الآفة، بينما أن معضلة تملح التربة وصعود مستوى الفرشة المائية يمس تقريبا كل المساحات المسقية الكبيرة، حيث تقدر المساحة المعنية بالتملح بحوالي 37.000 هكتار بينما تبلغ مساحة الأراضي المتضرّرة بفعل التملح في منطقتي الراشدية وزاكورة فقط، وما يناهز 22.000 هكتار من الأراضي السقوية و5 مليون هكتار من أراضي الرعي لتساهم بدورها إلى جانب الآثار المترتّبة عن زحف الرمال في تردي التربة، ومن أجل التصدي لظاهرة التصحر وما ينتج عنها من تبعات على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، أقدم المغرب ومنذ أمد بعيد على اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي من شأنها عكس مسار هذه الظاهرة والتخفيف من حدتها.
<بقلم: محمد بن عبو