قال محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الجمعة الماضي، بفاس، إن الحماية الاجتماعية للمحامي ولمكونات العدالة الأخرى تعتبر مدخلاً نحو نظام عدالة ناجح، يوفر للقائمين بشأنها الأمان والطمأنينة في معاشهم، ويمكنهم من مواجهة الأزمات الاجتماعية والصحية، مضيفا أن الحماية الاجتماعية للمحامي ترتبط بكرامته، التي هي جزء من شرف المهنة.
واستحضر عبد النباوي، الذي كان يتحدث في ندوة “الحماية الاجتماعية للمحامي.. الواقع، الرهانات والتحديات”، التي نظمتها هيئة المحامين بمدينة فاس، خطاب العرش لسنة 2020، الذي جاء فيه: “نعتبر أن الوقت قد حان لإطلاق عملية حازمة، لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، خلال الخمس سنوات المقبلة”.
وأوضح المتحدث ذاته أن هذا التوجيه هو الذي أكد عليه الملك محمد السادس، في كلمته لأعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية يوم 8 أكتوبر 2021، بالقول إن “الحكومة الجديدة مسؤولة على وضع الأولويات والمشاريع، خلال ولايتها، وتعبئة الوسائل الضرورية لتمويلها، في إطار تنزيل هذا النموذج. وهي مطالبة أيضاً باستكمال المشاريع الكبرى، التي تم إطلاقها، وفي مقدمتها تعميم الحماية الاجتماعية، التي تحظى برعايتنا”.
وأشار المصدر نفسه إلى بعض هيئات المحامين، التي أوجدت بمقتضى أنظمتها الداخلية أشكالاً متطورة للحماية الاجتماعية لأعضائها، وأبرمت عقوداً للتأمين الصحي والتأمين على الوفاة والتقاعد مع شركات التأمين، ومع تعاضديات خاصة بالمنتمين إلى مهنة المحاماة أو عبر تنظيمات مشابهة مثل الصندوق الاجتماعي للمحامين الذي أنشأته بعض الهيئات، والذي امتدت تغطيته إلى المسؤولية المهنية للمحامين، وإلى الأخطار التي يتعرضون لها، والتعويض عن التوقف عن العمل لسبب قاهر، وكذا للمساعدة في حالات استثنائية.
وأوضح الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن الندوة تتطرق إلى بعض التجارب الناجحة لبعض هيئات المحامين بالمغرب أو بدول أخرى ينضوي محاموها تحت لواء الاتحاد الدولي للمحامين، آملا أن تسهم الدراسات المقدمة والتوصيات في تحسين التغطية الاجتماعية للمحامين بما يساعدهم على التفرغ لأداء مهمتهم النبيلة، وتنزيل الشعار الذي اختاره المنظمون لهذه الندوة: “معا نستطيع.. من أجل منظومة حماية اجتماعية مستدامة”.
ومن جهته، قال الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، إن “الحماية الاجتماعية تشكل مدخلا أساسيا للنهوض بالعنصر البشري وحلقة أساسية في التنمية، وبناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية والمجالية”.
وأكد رئيس النيابة العامة خلال أشغال الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة الدولية الهامة، التي نظمها الاتحاد الدولي للمحامين بشراكة مع هيئة المحامين بفاس وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، أن الحماية الاجتماعية، حقا من حقوق الإنسان الأساسية التي نصت عليها المواثيق الدولية في مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما نص على ذلك دستور المملكة لسنة 2011، في الفصل 31 منه، مشيرا إلى أن “موضوع الحماية الاجتماعية من بين الأوراش الكبرى التي تسهر بلادنا على تنزيلها”.
وسعيا لبناء منظومة قوية قادرة على توفير الحماية الاجتماعية لكافة فئات المجتمع، يضيف الداكي، فإن جلالة الملك محمد السادس وأيده ما فتئ يؤكد على ضرورة إعطاء الأولوية للجانب الاجتماعي، وإيلائه العناية اللازمة، حيث ورد في خطابه السامي بمناسبة عيد العرش لسنة 2020 ما يلي: “إن الهدف من كل المشاريع والمبادرات والإصلاحات التي نقوم بها، هو النهوض بالتنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية. ويأتي في مقدمة ذلك، توفير الحماية الاجتماعية لكل المغاربة، التي ستبقى شغلنا الشاغل، حتى نتمكن من تعميمها على جميع الفئات الاجتماعية”.
واعتبرالداكي، في كلمته إلى المشاركين في الندوة،أن “مهنة المحاماة جزء لا يتجزأ من منظومة العدالة وأحد جناحيها..فنحن نتقاسم نفس القيم ونحمل نفس الرسالة، ومجندون لخدمة مبادئ العدالة الفضلى فقد كانت وستظل مهنة المحاماة على الدوام مهنة نبيلة ومساهما أساسياً في الرفع من مستوى أداء العدالة ببلادنا وتكريس ثقة المواطن فيها”.
واستحضاراً لهذه الأدوار النبيلة التي تقوم بها هيئة الدفاع، يضيف الداكي، فإن “الأمر يتطلب الاهتمام بأوضاعها وأوضاع منتسبيها، وفي هذا الإطار يعتبر توفير الحماية الاجتماعية للسيدات والسادة المحامين أحد المداخل الأساسية للارتقاء بالمهنة”.
ومن أجل الارتقاء بالبعد الاجتماعي والصحي لممتهني مهنة المحاماة، يؤكد رئيس النيابة العامة، فإن “الأمر يتطلب البحث عن حلول مبتكرة، وتوحيد جهود جميع مجالس هيئات المحامين بالمغرب والمتدخلين من اجل تحقيق الرعاية الاجتماعية لأفرادها”.
وعبرالداكي عن أمله الكبير، في “أن تتحد جهود جمعية هيئات المحامين بالمغرب، لإيجاد آليات فعالة وشاملة كفيلة لضمان التنزيل الأمثل للحماية الاجتماعية للمحامين، وإغنائها بتجارب الأنظمة المقارنة النموذجية، والاستفادة من مكتسباتها في هذا الشأن من أجل ابتكار حلول فعالة تستجيب لاحتياجاتهم الاجتماعية، خصوصا في ظل التقلبات الاقتصادية والمخاطر الصحية المتجددة”.
ولهذا، فإن انعقاد هذه الندوة اليوم، يؤكد رئيس النيابة العامة، “تشكل مناسبة سانحة لفتح جسور التعاون بين الجمعيات المهنية والتفكير بشأن إيجاد الحلول المناسبة في إطار المقاربات التشاركية، وتبادل الرؤى والاقتراحات لتحقيق ما تصبو إليه مهنة المحاماة في إتمام سمو رسالتها اسهاما في بناء صرح العدالة الشامخ ببلادنا”.
من جانبه، أفاد رئيس الاتحاد الدولي للمحامين، هرفي شيمولي، بأن الندوة تشكل فرصة للنقاش والتداول حول مجموعة من القضايا والتحديات التي تواجه المهنيين، خاصة ما يتعلق بموضوع الحماية الاجتماعية الذي يعتبر من الحقوق الإنسانية، وذلك سعيا من أجل تنظيم قوي لمهنة المحاماة. وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء ولقناتها الإخبارية M24، اعتبر نقيب هيئة المحامين بفاس، محمد بومليك، أن موضوع الندوة له راهنيته ويأتي في سياق صدور القانون المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، مضيفا أن اللقاء فرصة سانحة للوقوف على بعض التجارب الأجنبية سواء العربية أو الأوربية، من أجل الاستفادة منها واستلهام ما يتلاءم ووضعية المهنة بالمغرب. أما نائب رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، عبد الرحيم اعبابو ، فأكد في تصريح مماثل انخراط الجمعية في ورش تعميم الحماية الاجتماعية واستعدادها للانخراط والمساهمة في جميع المبادرات الحميدة.
ويهدف هذا اللقاء إلى تأطير أنظمة الحماية الاجتماعية للمحامين في إطار النماذج التنموية والاقتصادية والاجتماعية للدول، وتشخيص واقع حال أنظمة الحماية الاجتماعية للمحامين وطنيا ودوليا، والاطلاع على التجارب المقارنة النموذجية، ورصد العوائق والمخاطر التي تهدد أنظمة الحماية للمحامين واقتراح الحلول العلمية والعملية لتجاوزها. وتدارس المشاركون في الندوة ثلاثة محاور أساسية تتعلق ب”الحماية الاجتماعية للمحامي من منظور الفاعلين المؤسساتيين على المستوى الوطني”، و”الحماية الاجتماعية للمحامي من خلال المعايير الدولية والتجارب المقارنة”، و”الحماية الاجتماعية للمحامي على المستوى الوطني: رؤى متقاطعة”.
حسن عربي