ندوة تفاعلية لحزب التقدم والاشتراكية حول موضوع “القطاع العمومي للكهرباء بالمغرب الاختيارات، الحصيلة والآفاق”

شكلت الندوة التفاعلية التي نظمها حزب التقدم والاشتراكية حول موضوع “القطاع العمومي للكهرباء بالمغرب الاختيارات، الحصيلة والآفاق”، يوم الخميس الماضي، فرصة لمجموعة من الفاعلين السياسيين والنقابيين والخبراء في مجال الطاقة، لإماطة اللثام عما يجري بهذا القطاع الحيوي والاستراتيجي، خاصة في ظل التوجه الحكومي المعلن، والذي يستهدف المكتب الوطني للكهرباء ومحاولة تفكيك ما تبقى من خدامته، مما يهدد، في نظر المشاركين في هذه الندوة، الأمن الطاقي والسيادة الطاقية لبلادنا.
وفي هذا السياق، جدد محمد نبيل بعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، موقف حزبه المتشبث بدور الدولة والقطاع العام في تدبير قطاع الطاقة بمختلف روافدها في المغرب، ومن داخل ذلك، عبر عن استعداد حزب التقدم والاشتراكية، للنقاش حول ما إذا كانت هناك أشكال تدبيرية من شأنها تحسين الجانب التدبيري أو تساهم في الوصل إلى نتائج متقدمة بتكاليف أقل، مؤكدا على أنه خارج هذه الرؤية سيبقى حزب الكتاب حذرا وسيتصدى لكل محاولة من شأنها أن تمس التوجه القائم على تدبير القطاع العمومي لهذا المجال الحيوي، خاصة وأن هناك تحديات مرتبطة بالطاقات المتجددة التي يمكن أن تلعب أيضا، دورا حقيقيا في هذا المجال.
وأبرز محمد نبيل بنعبد الله، في كلمة له خلال هذه الندوة التي أطرها وأدار أطوارها الفاعل الجمعوي عمر الكندي، مسؤول سابق في بناء شبكات نقل الكهرباء وعضو في جمعية “طاقات” المجهود الذي بذله المغرب في مجال التغطية بالماء والكهرباء والتي قاربت نسبتها الـ 100 في المائة بالنسبة للولوج لهاتين المادتين الأساسيتين بالنسبة لكل مواطن مغربي وبالنسبة لكل أسرة مغربية، لذلك اليوم، يضيف الأمين العام، فإن حزب والاشتراكية سيبقى منفتحا على كل أشكال التدبير الجديدة، والكفيلة بأن تتجاوز كل الإشكالات المادية والتكاليف التي تطرح، اليوم، في مجال الطاقة، وأن تساهم في خلق فعالية أقوى على مستوى تدبير المال العمومي في هذا القطاع.
لكن، في الوقت ذاته، عبر بنعبد الله عن تخوفه مما يمكن أن تفكر فيه بعض الأطراف، بأن تخرج من المنطق العمومي للدخول في منطق آخر يكون هاجسه هو الربح، ويغيب ما هو أساسي بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية، وهي الخدمة العمومية، والمرفق العمومي، والولوج بالتساوي بالنسبة لكافة الموطنات والمواطنين إلى الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء الصالح للشرب، وبعض الموارد الطاقية الأخرى.
وفي نفس التوجه، أكدت شرفات أفيلال، الوزيرة السابقة، وعضوة الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، على ضرورة بناء تعاقد جديد من أجل ضخ نفس اجتماعي في القانون المتعلق بالتدبير المفوض، وكل ما يتعلق بالخدمة العمومية وبالمرفق الاجتماعي، مشيرة إلى أنه، على الرغم من المزايا التي وفرها نظام التدبير المفوضـ إلا أن هاجس الربح غطى على الخدمة الاجتماعية وطبيعة المرفق الاجتماعي، على اعتبار أن قانون التدبير المفوض رقم 54-05 تمت صياغته بنفس ليبرالي محض، نصا وروحا، وفيه نوع من المحاباة للجهة الموفض لها، حيث لا يتضمن أية إشارة لاستمرارية المرفق العمومية بغض النظر عن الدخل الفردي للطبقات الاجتماعية، وبغض النظر عن الإمكانيات المادية لبعض الأحياء الهامشية التي تنعدم فيها شروط السكن اللائق.
ومن ثمة، دعت الوزيرة السابقة والقيادية السياسية، إلى التحلي بالموضوعية في تقييم نظام التدبير المفوض الذي عرف مجموعة من الاختلالات، لكنه في الوقت ذاته، مكن المدن الكبرى من مواكبة ومرافقة التطور العمراني السريع، والطلب المتزايد على هذا المرفق العمومي، دون أن يكون هناك انقطاع في الخدمة كما حدث في الدار البيضاء وطنجة والعديد من المدن الكبرى، مشيرة إلى أن وتيرة الاستثمار في المدن الكبرى تتجاوز بكثير وتيرة الاستثمار في المدن الصغرى والمتوسطة، ففي الدار البيضاء مثلا هناك هكتار يوميا من توسع شبكة التطهير السائل والكهرباء والمائي الصالح للشرب، وهو الشيء الذي لا يمكن للجماعات الترابية مواكبتها بالنظر إلى إمكانياتها الضعيفة.
وأوردت أفيلال أن القانون رقم 17-08 المتعلق بالميثاق الجماعي حدد للمجالس الجماعية أدوارها واختصاصاتها الحصرية المتعلقة، أساسا، بتدبير وتجهيز المرافق العمومية من الماء الصالح للشرب، والكهرباء، والتطهير السائل، ونقل المرضى، ونقل اللحوم، وتدبير السير والجولان، وغيرها من الخدمات التي تعتبر خدمات حصرية للجماعات الترابية، خول لهذه الجماعات إمكانية تفويض جزء من تلك الخدمات إلى القطاع الخاص، سواء كان وطنيا أو أجنبيا، مع تحديد مجموعة من السيناريوهات الممكنة، سواء كتدبير مباشر أو تدبير عبر الوكالات أو التدبير المفوض الذي اتخذ بدوره عدة أشكال.
وأوضحت المسؤولة الحزبية أن توفير الخدمة بشكل مستمر ومواكبة التطور العمراني ومواكبة الطلب المتزايد على هذه الخدمات الحيوية سواء الكهرباء، أو الماء الصالح للشرب، أو التطهير السائل، جعل هذه الخدمة تثقل كاهل الجماعات الترابية وأغرقتها في مديونية كبيرة، لكونها قطاعات تتطلب استثمارات ضخمة، وتتطلب رأسمال بشري مؤهل، كما تتطلب الانفتاح على كل التطورات التكنولوجية، واستيراد التكنولوجيات الحديثة، التي بدأت تعرف بـ”التكنولوجية الذكية” في تدبير الماء والكهرباء، وهو ما دفع الجماعات الترابية، تضيف المتحدثة، إلى التفكير في التخلي الجزئي عن تدبير هذه القطاعات وتفويضها إلى مؤسسات أكثر حنكة، وأكثر مهنية، وأكثر حرفية، في تدبير هذه القطاعات.
وفي هذا السياق، تقول أفيلال “انخرط المغرب في سياسة التدبير المفوض، منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي شهدت تنامي الحركة الليبرالية والعولمة، التي كانت تبحث عن أسواق مالية جديدة ، وتسعى بالخصوص إلى الربح، وكانت تعتبر بمثابة إملاءات لبعض المؤسسات المالية الدولية، كالبنك الدولي وبعض المؤسسات المالية خاصة في ألمانيا التي كانت تحث بالخصوص الدول النامية على اللجوء إلى تفويض تدبير هذه الخدمات العمومية إلى القطاع الخاص، وكان هاجسها في ذلك، هو الربح والبحث عن أسواق مالية جديدة”.
وأوضحت القيادية في حزب الكتاب أنه لم يعد ممكنا حصر تدبير هذه القطاعات الحيوية، فقط في هاجس الربح، بدون التأكيد على أنه كانت هناك حاجة ماسة للجماعات الترابية في البحث على من يحمل معها جزاء من العبء الذي كان يشكله تدبير هذه القطاعات، خاصة على مستوى مالية هذه الجماعات، لذلك كان اللجوء إلى التدبير المفوض الذي اتخذ عدة أشكال منها عقد التدبير، وعقد التدبير المشتركة مع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، والتدبير من الباطن بالنسبة لبعض المقاولات الخاصة، أو عن طريق عقود الامتياز كما حدث في العديد من المدن خاص المدن الكبرى.
وذكرت أفيلال أن الجماعات الترابية لما قامت بتفويض تدبير تلك المرافق الاجتماعية، كأنها استقلت من التزاماتها بخصوص هذه الاختصاصات الحصرية والسيادية لهذه الجماعات الترابية، وأعطت مثالا على ذلك بما حدث من فيضانات في الدار البيضاء، وكيف أن عمدة المدينة تبرأ من المسؤولية، وألقاها على عاتق شركة التدبير المفوض، في الوقت الذي يتعين أن معرفة أن تفويض هذه المرافق لا يعني تخلي الجماعات الترابية عن اختصاصاتها الحصرية والسيادية، وعن أدوارها المهمة في الرقابة والتتبع والتحكم، والمسائلة، وإعمال الشفافية في كل ما يتعلق بالجانب القانوني، والجانب المحاسباتي، والجانب المالي، والاستثماري والتقني لدى الشريك أو لدى المفوض إليه.
وفي نظر عضوة الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، فإن الجماعات الترابية تخلت عن أدوارها، ولا تمتلك الآليات الأساسية والخبرة الأساسية في إعمال الرقابة والتتبع الصارم وفق ما تنص عليه عقود الشراكة التي وقعت مع الطرف المفوض إليه، والتي تركز على الجانب المتعلق بالتوازنات المالية على حساب الخدمة العمومية والاجتماعية.
وقالت في هذا الصدد ” إن القوانين المؤطرة للتدبير المفوض وصلت إلى مداها، ويتعين إعادة النظر فيها ومراجعتها بالشكل الذي يحافظ على الخدمة العمومية، وعلى الخدمة الاجتماعية وفق مقاربة رابح رابح، وشراكة اجتماعية ومتوازنة بين الجماعة الترابية والشريك المفوض له”.
بدوره تطرق محمد توفيق، الأخصائي في المحروقات لتوليد الكهرباء، وعضو جمعية “طاقات”، لموضوع السياسات العمومية المتعبة في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية وإلى تأثيراتها الإيجابية والسلبية، مشيرا إلى أن المكتب الوطني للكهرباء الذي أسس سنة 1963 كمؤسسة عمومية، أسندت إليه مهام ذات طابع الخدمة العمومية من إنتاج وتوزيع ونقل الطاقة الكهربائية.
وأوضح محمد توفيق أن المكتب الوطني للكهرباء، واجه خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي، والتي عرفت ببرنامج التقويم الهيكلي، مجموعة من الصعوبات التي وصفها ب”الكبيرة” في تنزيل برنامجه الاستثماري، حسب ما تتطلبه وتيرة نمو الطلب، وذلك بعد جفاف منابع الاستثمار العمومي، وفرض برنامج تقشفي من طرف مؤسسة الصندوق الدولي، مشيرا إلى أن هذه السياسة التي فرضت من قبل المؤسسات المالية الدولية أدت بالمغرب إلى اللجوء إلى الخواص للاستثمار في مشاريع إنتاج الطاقة، وبالتالي تم تعديل القانون المؤسسة للمكتب الوطني للكهرباء، لينتهي بذلك عهد المنتج الوحيد ويفتح الباب أمام الخواص.
وذكر المتحدث أن الاستثمارات في مجال الإنتاج، هي استثمارات مكلفة، وثقيلة، وذات مرودية طويلة المدى، ولذلك فهي لا تتوافق مع أهداف المنتجين الخواص الذين يبحثون عن الربح السريع، وبالتالي، يضيف محمد توفيق، لم يكن من السهل التوصل إلى اتفاق يرضي الجميع، وهو ما أدى إلى تأخير مشاريع إنتاجية لتلبية الطلب من طرف المستهلكين، وأصبحت الوضعية محرجة، بسبب الانقطاع المتكرر للتيار وانهيار الشبكة مما يهدد الاقتصاد الوطني، مشيدا، بالمناسبة، بالدور الذي قام به عمال المكتب الوطني للكهرباء خلال تلك الفترة، حيث كانوا يضحون بأوقاتهم ليل نهار من أجل ضمان استمرارية خدمة إنتاج والتزويد بالكهرباء.
ولفت محمد توفيق الانتباه، إلى أن الحل الذي لجأ إليه صناع القرار في تلك المرحلة، والمتمثل في تسريع إبرام عقد تفويت المحطة الحرارية التي كان يستغلها المكتب الوطني للكهرباء، بالجرف الأصفر في وجدة، وفرض تفويتها للخواص، وفق شروط مجحفة أثرت على تحملات المكتب الوطني للكهرباء، مشيرا إلى أنه لو التزمت مؤسسات الدولة وأدت ما كان بذمتها لفائدة المكتب الوطني للكهرباء، لما اضطرت للجوء للخواص الذين استفادوا من خبرة ومؤهلات الموارد البشرية للمكتب.
وشدد محمد توفيق على أن الإستراتجية الطاقية التي اعتمدها المغرب فيما بعد والتي ارتكزت الانتقال الطاقي، وعلى النجاعة الطاقية والطاقات المتجددة، نتج عنها تحولات عميقة في قطاع الطاقة، مشيرا إلى أن من بين الأهداف التي تم التأكيد عليها في اعتماد الطاقة المتجددة هي الحفاظ على البيئة، والتخفيف من التبعية الطاقية وتخفيض الكلفة الطاقية.
وفي نظر الأخصائي في المحروقات فإن الهدف المعلن والمتمثل في تخفيف التبعية الطاقية، هو أمر غير ممكن، على اعتبار أن المغرب يستورد التكنولوجية الأساسية لإنتاج الطاقة، وأن كلفة الكيلوات من الطاقة المتجددة هي تقريبا نفسها، لكن يمكن الحديث عن أهداف المحافظة على البيئة وعلى الأمن الطاقي لأن تنوع مصادر إنتاج الطاقة تضمن الأمن الطاقي لبلادنا، مؤكدا على أن الإستراتيجية الوطنية للطاقة، نتج عنها مجموعة من التحولات العميقة، وذلك بسبب عاملين أساسيين ساقهما محمد توفيق، الأول هو فتح إنتاج الطاقة أمام المنتجين الخواص، والثاني هو حركية تحرير الإنتاج الطاقي على الصعيد الدولي، مشيرا إلى ذلك أسس لبداية إعادة تحويل وهندسة قطاع الطاقة الكهربائية بالمغرب.
وأضاف محمد توفيق أن فكرة تحرير القطاع بدأ التفكير فيها سنة 2001، وتم وضع رسم بياني لفتح المنافسة داخل القطاع الكهربائي، لكن ذلك لم يتم تنزيله بالشكل الذي يتيح المنافسة، وذلك في ظل غياب إستراتجية واضحة وإطار قانوني متكامل، مشيرا في السياق ذاته، إلى أن النصوص القانوني التي جاءت لتأطير هذا المجال هي في غالبيتها، نصوصا غير كاملة، وضعت دون معرفة دقيق بتأثيراتها، أي في غياب تام لدراسة الجدوى، وفي غياب لتقيم مسبق لمعرفة أثارها السلبية والإيجابية، وهو ما أدى، في نظره، إلى وجود نصوص هي موضوع حسب ظرفية معينة ودون رؤية إستراتيجية واضحة، وساق بهذا الخصوص مثالا على ذلك بالقانون المؤسس للمكتب الوطني للكهرباء والقانون المؤسس لشركة “مازن”.

وبحسب محمد توفيق فإنه في حالة تزيل القانون المتعلق بالهيئة الوطنية لضبط الكهرباء رقم 98-15، سيكون ذلك إيذانا بنهاية ما تبقى من المكتب الوطني للكهرباء، مشيرا إلى أن هذه الهيئة تؤسس لسوق حرة في القطاع، وهي الوصفة التي طرحها صندوق النقد الدولي بحذافيرها، على الرغم من وجود دراسة دولية لا تنصح بتحرير القطاع في الدول النامية، وفي ظل عدم وجود، على الأقل، خمس شركات متنافسة، وثلاثة جيكاواط، ورقم معاملات في حدود مليار دولار، متسائلا في السياق ذاته عن مصير المكتب الوطني للكهرباء الذي قال “إنه يمكن أن يتكلف فقط، بنقل الكهرباء” كما تساءل عن مصير العمال والمستخدمين بهذا المكتب.
وعلى الرغم من كل ذلك، ذكر محمد توفيق أن هذا النظام مكن المغرب من مواكبة النمو وضمان استمرارية إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء، والعودة إلى وتيرة عادية، وتنويع مصادر الطاقة خاصة الطاقة المستدامة، وتوسيع شبكة النقل خاصة مع الدول المجاورة، مقابل مجموعة من السلبيات التي أوردها المتحدث وحددها في تفكيك المكتب الوطني للكهرباء كمؤسسة وطنية لها من دور سوسيو-اقتصادي، وارتفاع تكلفة الاختيارات خاصة في إنتاج الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى الانعكاسات السلبية لتلك الاختيار على المكتب الوطني للكهرباء وعلى العاملين فيه، وعلى الاقتصاد الوطني وعلى المواطنين عموما.
وتمحورت مداخلة حسن البوزيدي، المسؤول السابق والمستشار في توزيع الكهرباء، وعضو جمعية “طاقات”، حول قطاع التوزيع العمومي للكهرباء، وبعض التحولات الرئيسية التي مر منها هذا المرفق العمومي والحيوي، وقسم مداخلته إلى أربع فترات زمنية، مشيرا إلى أن المرحلة الأولى والتي حددها في بداية الاستقلال قامت الدولة المغربية بتأميم قطاع الكهرباء بما فيه الشركات الأجنبية الفرنسية والاسبانية التي كانت مكلفة بإنتاج وتوزيع الكهرباء، وتم إنشاء الوكالة المستقلة للتوزيع والكهرباء بالدار البيضاء، وابتداء من 5 غشت 1963 تم تأسيس المكتب الوطني للكهرباء أسندت له مهمة الإنتاج والنقل بشكل حصري وكذلك التوزيع بكل المجال القروي، وبعض المراكز الحضرية الكبرى كمدن أكادير وبني ملال ووجدة والناضور والحسيمة، وهي المراكز التي لم تكن تتوفر على وكالة جماعية.

وبخصوص المرحلة الثانية والتي حددها في مرحلة التقويم الهيكلي الذي فرض على المغرب سنة 1983 والذي أدى إلى تقليص حجم الاستثمارات العمومية وتأجيل الاستثمارات الجديدة، وتخلي الدولة عن العديد من الخدمات العمومية التي تمت خصخصتها آنذاك، فقد استمر هذا البرنامج، تحت رقابة البنك الدولي، إلى غاية 1993، مشيرا في السياق ذاته، إلى أن صدور قانون 89-39 سيتم بموجبه تفويت منشآت عامة إلى القطاع الخاص، بهدف عصرنة الاقتصاد وتخفيف العبء عن الميزانية العامة.
وذكر حسن البوزيدي أنه بالموازاة مع عملية الخوصصة لعدد كبير من المقاولات العمومية، تم إنزال نظام التدبير المفوض باعتباره شكلا من أشكال الخوصصة لقطاعات وخدمات أساسية كالماء والكهرباء، وهكذا أسند منذ سنة 1997 لشركتين أجنبيتين من كبريات الشركات العالمية، والتي حلت محل الوكالات الجماعية حيث ستشمل هاتين الشركتين 46 جماعية ترابية، مشيرا إلى أن جميع عملية التدبير المفوض تمت قبل صدور القانون الذي صدر يوم 14 فبراير 2006 الخاص بالتدبير المفوض أي تقريبا عشر سنوات من اعتماد هذا النوع من التدبير.
وأوضح حسن البوزيدي أن ما حدث بعد تلك التطورات هو أن عملية توزيع الكهرباء أصبح بيد 7 وكالات جماعية وأربع شركات للتدبير المفوض بالإضافة إلى المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، مشيرا إلى هذا الوضع كشف عن عدم التجانس بين 12 موزعا على امتداد التراب الوطني وذلك بسبب اختلاف الإمكانيات وحجم اليد العاملة، وصعوبة المسالك، وطول مسافات التنقل، وهيكلة شبكة التوزيع، واختلاف التعريفة، بالإضافة إلى جودة الخدمات وتشتت الزبناء، وعلى الرغم من كل ذلك، يضيف المتحدث، فالجميع مطالب بتقديم نفس الخدمة بنفس الجودة ونفس الكلفة، لكن في ظروف مختلفة، لأن العالم القروي مكلف جدا بالنسبة للمكتب الوطني للكهرباء الذي لا يستفيد من التوزيع في المناطق المربحة لسد الحاجيات والتغلب عن عدم المردودية في العالم القروي.
وبحسب المستشار في توزيغ الكهرباء، فإن هذا الوضع أدى إلى تأخر كهربة العالم القروي بالمقارنة مع دول مشابهة، حيث أن نسبة الربط في العالم القروي لم تكن تتعدى 15 في المائة إلى حدود سنة 1995، مشيرا إلى السبب في ذلك هو عدم وجود موزع وحيد يمكن أن يوفر الإمكانيات من أجل تسريع وتسهيل عملية الكهربة القروية التي عرفت صعوبات كبيرة خلال سبعينيات القرن الماضي.
وذكر حسن البوزيدي أن البرنامج الوطني للكهربة القروية الذي وضع سنة 1996 أحدث ثورة حقيقية على صعيد جميع الجهات الفاعلة الوطنية من خلال طريقة تمويله التي وصفها ب”الحكيمة” والتشاركية بين المكتب الوطني للكهرباء والجماعات الترابية والمواطن المستفيد، مشيرا إلى أن المكتب الوطني للكهرباء خصص لهذا المشروع مديرية مهمتها دراسات وإنجاز مختلف المشاريع، مع توفير الموارد البشرية المختصة في مجالات الهندسة والمستلزمات اللوجيستيكية، وأضاف أن هذا البرنامج مكن المغرب من الرفع من وتيرة الربط بالكهرباء في العالم القروية حيث قفزت نسبة الربط من 15 في المائة سنة 1995 إلى 99.72 في المائة سنة 2019، وارتفع عدد المشتركين بالمكتب الوطني للكهرباء من 2 مليون و 654 الف مشترك سنة 2004 إلى 6 مليون و 328 ألف زبون مع نهاية سنة 2019، أي بزيادة سنويا قدرها 250 ألف مشترك.
وبالنسبة لحسن البوزيدي، فالكهرباء هو المنتوج الوحيد المربح تجاريا بالمقارنة مع الماء والتطهير السائل، فهناك حوالي 12 مليون زبون في الكهرباء على الصعيد الوطني بالنسبة لجميع الموزعين، وأن نسبة الربط بالشبكة جد عالية بعد إنجاز برنامج الكهربة القروية.
في المقابل، أورد المتدخل بعض نقط الضعف التي رافقت هذا البرنامج، من قبيل عدم تحكم الموزع في الأسعار وغياب منافسة عادلة بين الموزعين، حيث أن الموزع في مدينة الدار البيضاء ليس كالموزع في أعالي الجبال، كما أن التوزيع الجغرافي غير متواز ولا يتم ضبط الحدود بين الموزعين في بعض المناطق مما ينتج عنه خلافات وصراعات بين الأطراف، وهو المشكل الذي يعيشه المكتب وبعض الوكالات منذ حوالي 25 سنة.
وخلص المتحدث إلى أن مشروع إعادة هيكلة المكتب الوطني للكهرباء وأحداث وكالات جهوية للتوزيع يستدعي الحذر، مشيرا إلى أنه في حال إحداث هذه الوكالات سوف تستقطب حوالي 6000 مستخدم من المكتب الوطني للكهرباء في أفق سنة 2030، وهو ما سيؤثر على المكتسبات الاجتماعية للمستخدمين بما في ذلك صندوق التقاعد، مؤكدا على أن كل المؤشرات المتشائمة سيكون من الضروري الدفاع من أجل الحفاظ على الحقوق المكتسبة، والتشبث بأحكام النظام الأساسي لموظفي شركات النقل والتوزيع للكهرباء في المغرب.
من جانبه، أفاد محمد زروال، مستشار برلماني، نائب الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، الكاتب العام للجامعة الوطنية لعمال الطاقة، أن قطاع الكهرباء يعيش تحولات عميقة، سيكون لها الآثار العميقة على بلادنا، وعلى الفئات الشعبية وعلى المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب وعلى كل الأطر والمستخدمين بهذا المكتب، مشيرا إلى أن ذلك ما دفع الجامعة الوطنية للتحرك وإطلاق حملة ترافعية والاتصال بمختلف الفاعلين السياسيين والمدنيين من أجل وضعهم أمام مسؤولياتهم التاريخية في ملف عمومي وطني، له حساسية خاصة، تفرض عدم المخاطرة بالأمن والسيادة الطاقية لبلادنا، خاصة وأن هناك توجه دولي لدعم المؤسسات للعمومية في القطاعات الحيوية.
ونوه محمد زروال بالتفاعل الإيجابي لقيادة حزب التقدم والاشتراكية مع المبادرة التي أطلقتها الجامعة الوطنية لعمال الطاقة، مشيرا إلى أن هذه الندوة هي ثمرة من ثمرة اللقاء الذي جمع الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية مع قيادة الجامعة، وهو تفاعل قال إنه ليس غريبا على حزب من طينة حزب التقدم والاشتراكية الذي كان دائما وأبدا صديقا للاتحاد المغربي للشغل، وصديقا للطبقة العاملة.
وأوضح القيادي النقابي، أن شركة لاسامير تمثل نموذجا صارخا لمؤسسة وطنية يعتز بها المغاربة ويعتبرونها معلمة ومفخرة وطنية، رأوا كيف تمت خصخصتها، في الوقت الذي كانت فيه البلاد في حاجة ماسة إلى هذه المعلمة الوطنية التي كانت تؤمن احتياجات السوق الوطنية من المحروقات، وتؤمن الاحتياطات وتضمن الجودة والأسعار، مشيرا إلى أن الجميع بات يعلم، الآن حجم المشاكل التي نجمت عن توقف هذه المعلمة.
وفي نظر محمد زروال فإن هذه الندوة كانت مناسبة لإظهار حقيقة ما يروج له من مغالطات حول المكتب الوطني للكهرباء، ليس فقط من طرف الذين يريدون تفكيك خدماته، بل أيضا من طرف الذين يزعمون أنهم يدافعون عنه، مشيرا إلى أن تداعيات أزمة كورنا التي اجتحت العالم أظهرت أن هناك عجز مهول في القطاعات الاجتماعية الحيوية وأكد الحاجة إلى تدخل الدولة بل وإلى تدبير الدولة لهذه القطاعات الحيوية.
وأضاف محمد زروال أن هذه الندوة تأتي أيضا في سياق سنة انتخابية، من المفترض أن تقدم فيها الحصيلة، وأن تتنافس الأحزاب حول البرامج، وأن تطرح الأسئلة الحقيقية، والأسئلة الحرجة والمؤجلة من قبيل الديمقراطية الحقيقة والحرية والكرامة، والعدالة الاجتماعية والمجالية، مشيرا إلى أن المغرب عرف تطورا في البنيات الأساسية لا أحد يمكنه أن ينكر ذلك.
وأقر محمد زروال أنه بالنظر إلى كل ما صرف من أموال وكل ما تم بذله من مجهود لم يصل المغرب بعد إلى مستوى تطلعات وطموحات عموم الشعب المغربي والتي حملها معه منذ الاستقلال، مشيرا إلى أن الدولة لم تحقق طموح الشعب المغربي في التعليم وفي الصحة وفي السكن اللائق وفي الشغل اللائق واستمرار آفة الاقتصاد الغير منظم الذي يهدد الاقتصاد الوطني ويرمي بفئات عريضة من الشعب المغربي في أحضان الفقر والهشاشة.
وأضاف محمد زروال أن الجميع الآن، بما فيه الخطاب الرسمي بات مقتنعا بفشل النموذج التنموي الذي تم اعتماده طيلة الستة عقود الماضية، مستغربا كيف أنه بعد الاعتراف الرسمي بفشل هذا النموذج، يتم البحث عن نموذج تنموي جديد بنفس المنهجية وبنفس الأدوات التي اعتمدت في النموذج القديم.
وفي نظر محمد زروال، فإن السياسة الطاقية خضعت لنفس المنهجية التي تم اعتمادها في وضع مختلف السياسات العمومية في بلادنا، وهي نفس المنهجية المستمرة إلى اليوم، حيث هناك غياب نقاش عمومي حقيقي حول ما أسموه إصلاح وهيكلة قطاع الكهرباء، مشيرا إلى مثل هذه الملفات الحساسة والتي تمس الأمن الطاقي، والسيادة الطاقية وبالقدرة الشرائية للمواطنين، تخضع في البلدان الديمقراطية بنقاش عمومي مجتمعي واسع من طرف مختلف القوة الحية في البلاد.
وأكد الكاتب العام أن الغاية من المبادرة التي أطلقتها الجامعة الوطنية للطاقة هي إعادة صياغة الاستراتيجية الوطنية للكهرباء بمقاربة تشاركية مع الأحزاب السياسية المتنافسة على تدبير الشأن العام، والمجتمع المدني المعني بهذا الملف، كما أن الهدف من مبادرة الجامعة الوطنية للطاقة هو الحفاظ على الدور المركزي الذي يضطلع به المكتب الوطني للكهرباء في معادلة إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء للحفاظ على الأمن الطاقي وعلى القدرة الشرائية لعموم المواطنين ومكتسبات المستخدمين الكهربائيين الذين ضحوا بالغالي والنفسي من أجل الرقي بهذه الخدمة العمومية والحيوية خاصة في ثمانينيات القرن الماضي.
وذهب محمد زروال إلى التأكيد على أن المغرب في خضم التطورات الاقتصادية والجيو-استرتيجية الدولية والإقليمية هو مطالب بالحفاظ على أمنه الطاقي ووضعه السيادي في هذا المجال الحيوي، من خلال المكتب الوطني للكهرباء كمؤسسة وطنية ساهمت وتساهم في الأمن الطاقي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشيرا إلى أن ما يعيشه المكتب خلال العشر سنوات الأخير من تفكيك وتفويت خدماته، يسير عكس هذا المطلب الاستراتيجي.
وقال محمد زروال “إن هناك حملات إعلامية ممنهجة، من طرف البعض، ضد المكتب الوطني للكهرباء، سواء بحسن نية أو بسوء نية، تزامنت مع تمرير ترسانة من القوانين لإعادة هيكلة قطاع الكهرباء، مشيرا إلى أن المكتب الوطني للكهرباء كمؤسسة عمومية قد تعتريها بعض الاختلالات التدبيرية على غرار باقي المؤسسات العمومية، لكنه استغرب كيف يطلب من هذا المكتب استثمارات ضخمة وهائلة، حيث أنه واكب تطور البنية التحتية الأساسية من مطارات وموانئ وسدود وطرق وسكك حديدية وغيرها وأن هذه الاستثمارات مكنت من تغطية جميع التراب الوطني بالكهرباء.
مقابل كل ذلك، يضيف الكاتب العام للجامعة الوطنية للطاقة يحرم المكتب الوطني للكهرباء من كل الأنشطة المربحة، وقدمت الدول انتاج الكهرباء في طبق من ذهب للخواص مستدلا على ذلك بما حدث في ملف محطة الجرف الأصفر التي تم تفويتها للخواص الذين حققوا أرباحا طائلة من وراء هذه العملية.
وأورد محمد زروال أن هناك توجه نحو تجريد المكتب الوطني للكهرباء من مهمة توزيع الكهرباء وتفويت هذه المهمة للخواص في إطار ما يسمى بالشركات الجهوية لتوزيع الكهرباء، متسائلا حول سبب الصمت المطبق عن بعض المؤسسات العمومية التي لم تصف ما بذمتها من ملايير من الدراهم لفائدة المكتب الوطني للكهرباء، في الوقت الذي يطلب منه التقيد بالتسعيرة الاجتماعية المحددة من طرف الدولة، وتتم مؤاخذة المكتب بغلاء الفواتير رغم أن اجتماعية ومحددة من طرف الدولة ولا علاقة لها بتعريفة التدبير المفوض.
إلى ذلك تساءل محمد زروال عن الهدف من وراء خلق الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء في الوقت أن عملية التحرير لا تتجاوز نسبة ثلاثة في المائة، مشيرا إلى أن مثل هذه الهيئة غير موجود في دول بها قطاع طاقي محرر بالكامل، فكان الأولى في نظره، خلق هيئة لضبط المتحكمين في سوق المحروقات، أما الكهرباء فهو ليس في حاجة لمثل تلك الهيئة، لأن الأولى بالتقنين هو سوق المحروقات لأنه محرر بالكامل، بالإضافة إلى أن هناك حاجة لشرطة الكهرباء وليس لهيئة ضبط الكهرباء.
واعتبر المتحدث أن عملية دمج المكتب الوطني للكهرباء مع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب والتي لم تفعل على أرض الواقع، رغم صدور القانون منذ حوالي عشر سنوات، ولم تعترف به الحكومة إلى اليوم، اعتبر عملية الدمج بمثابة الزواج الغير شرعي وضد السنن الكونية.

< محمد حجيوي

Related posts

Top