نستحق أفضل

أقرت الحكومة منتصف يونيو الماضي في سياق خاص اتسم بارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وعدم تحرك هذه الحكومة لسن إجراءات واقعية ومعقولة يمكن أن تحمي القدرة الشرائية للشعب، وتنأى به عن الارتفاعات الصاروخية للأسعار، (أقرت) مرسوما يستثني “المعاملات المنجزة عن طريق المنصات الإلكترونية من الإعفاء من الرسوم الجمركية عند الاستيراد، بصرف النظر عن قيمة هذه الإرساليات”، وكأن الحكومة تتفنن في خنق بصيص الأمل لدى المواطنين، خصوصا الشباب منهم، الذين وجدوا ضالتهم عند عدد من المواقع الإلكترونية التجارية الدولية، للحصول على بعض من حاجياتهم (ألبسة، إلكترونيات…) تتلاءم مع قدراتهم الشرائية المحدودة وبأثمنة تفضيلة مقارنة مع ما هو متوفر في السوق المحلية.
هذا القرار الحكومي، لم يقيد فقط حرية المغاربة، خاصة منهم الطبقة المتوسطة في اختيار المنتجات التي تلبي احتياجاتها وبأثمنة مناسبة، بل أقفل بابا وجد فيه آلاف المغاربة الشباب فرص للشغل عجزت الحكومة عن توفيرها لهم، خاصة في ظرفية دولية ومحلية تتسم بالأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي لا زالت ترخي بظلالها منذ بداية انتشار وباء كورونا والجفاف والحرب، ليأتي هذا القرار وكأنه يصب المزيد من الزيت على النار، لأن منع الشباب من مورد رزق كانوا يحصلون منه عبر تجارتهم البسيطة مبالغ زهيدة لا تتعدى قيمته ما يفترض أن تخصصه الحكومة كتعويض عن البطالة لهذه الفئة لسد حاجياتها، يعد جريمة بحق هذه الفئة، فكما يقال “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق”.
المبررات التي تقدمها حكومتنا الموقرة هي حماية المنتوج الوطني في شتى المجالات، وهو واجب للحكومة في ظل المنافسة العالمية الشرسة، وكل الدول تلجأ إلى إجراءات لحماية منتوجاتها من المنافسة غير المتكافئة، إلا أن ذلك يشترط أولا تجويد هذا المنتوج الوطني وجعله ملائما مع القدرة الشرائية للمواطنين، وتبسيط مساطر اقتنائه مع هامش ربح معقول ومقبول، إد أن لجوء المغربي إلى منصات دولية لاقتناء حاجياته، أو حتى اختيار وجهات سياحية خارج التراب الوطني لقضاء عطلته، يعود أساسا إلى عاملي الجودة والأثمنة التفضيلية وبساطة الإجراءات، وهي عوامل تتحكم في اختياراته.
من جهة أخرى فإن غياب بدائل لدى الشباب أمام أزمة البطالة، يدفعهم الى البحث عن جميع هذه الطرق للوصول لمورد رزق، ويجدون في هذه المنصات فرص حقيقية عوض فرص الحكومة الوهمية، التي تصرف عنها ملايير الدراهم، ويكون المستفيد الرسمي منها اللوبيات المتدخلة في هذه البرامج البعيدة عن الواقع، فيما ينتهي الحال بأغلب الشباب الذين توجه إليهم في السجن بسبب فشل مشاريعهم، لأسباب عدة ذكرناها في مناسبات عدة؛ لذا كان من الأجدر على الحكومة، أن تحتضنهم (الشباب الذين استثمروا في منصات البيع الدولية) وتسهل طريقهم لتطوير تجارتهم، وتعمل (الحكومة) على تشريع قوانين تنظم هذا النوع من التجارة، ومنه سن ضرائب معقولة، بدل اللجوء إلى هذه الخطوات والقرارات اللاشعبوية التي يظهر جليا أنها تخدم مصالح حيثان ولوبيات محددة في الصناعة والتجارة، على حساب طبقة متوسطة وفقيرة تصارع بمفردها أمواج الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، مما يؤكد مرة أخرى الأزمة الكبيرة والخطيرة المتمثلة في غياب حكومة سياسية شعبية تخدم مصالح جميع الفئات على حد سواء، وليس لوبي محدد.
إن هذا المرسوم المشؤوم هو تعبير حقيقي عن تضارب المصالح والاحتكار وزعزعة ثقة المستهلك الوطني في التنافسية وتنوع السوق الوطنية، وتعبير عن استفادة فئة معينة على حساب أخرى، وتأكيد لسياسة اللامبالاة التي تنهجها الحكومة، التي طالما تغنت مكوناتها خلال الحملة الانتخابية بالتواصل والاستماع لجميع الفئات، لتتحول اليوم إلى وحش رأسمالي ينخر قوى الطبقتين المتوسطة والفقيرة، وتصف مشاكله (الموطن) “بالمزايدات التي لن تفيد الوطن والمواطن التي يجب عدم الانزلاق وراءها”.
على حكومتنا الموقرة اليوم قبل الغد، أن تنهي سياسة الانتقائية واللامبالاة في التعامل مع قضايا ومشاكل المواطن الحقيقية، والوقوف إلى جانب الطبقتين الفقيرة والمتوسطة -عماد المجتمع وصمام أمانه-، وتستمع إلى همومه وتحل مشاكله، وعليها أيضا الاجتهاد في معالجة القضايا المطروحة التي ترى أنها تمس الوطن بشكل أو بآخر، من قبيل موضوع التجارة الإلكترونية، الذي يجب عليها أن تعيد فيه النظر، حتى تترك المجال للمواطن البسيط في اختيار حاجاته وفق ما يلبي رغباته ويلائم قدراته، في أفق تشجيع هؤلاء الشباب الذين اختاروا المجال سبيلا لمورد الرزق، وتعمل على تنظيمهم وتسهيل عملهم، في إطار لا يضر بالمصالح الوطنية، مع تغليب المصلحة الكبرى للوطن ثم المواطن البسيط، بدل الاستمرار في تغليب مصلحة الفئات الغنية ولوبيات الاقتصاد التي تريد أن تحتكر كل شيء -المال والهواء والسلطة…-، ونذكرهم بالشعار الذي رفعهوه إبان الانتخابات “تستاهلوا حسن”، فهل فعلا هذا ما نستحق؟

< عبد الصمد ادنيدن

الوسوم ,

Related posts

Top