نسخ رقمية لكتب حديثة تصدر رغم أنف مؤلفيها

يشتكي العديد من الأدباء والمفكرين من إقدام بعض المواقع الإلكترونية على نشر كتبهم في صيغة رقمية دون استئذانهم، مع العلم أن الطبعة الورقية لتلك الكتب كانت قد صدرت حديثا، بمعنى أنها في طور التسويق، وبالتالي فإن النسخ الرقمية المعروضة للعموم، من شأنها بكل تأكيد أن تكبد خسائر مادية للناشر وللمؤلف.
وبالرغم من الحرص على الإشارة في الصفحة الأولى للإصدار إلى أن حقوق الطبع محفوظة سواء للناشر أو للمؤلف، فإن أصحاب بعض المواقع الإلكترونية يضربون كل ذلك عرض الحائط، ويعملون على نشر النسخ الرقمية التي يمكن تحميلها بدون تكلفة تذكر.
هل هذا السلوك الذي يسلكه أصحاب المواقع الإلكترونية المتخصصة في نشر الإصدارات الحديثة والقديمة على حد سواء، في صيغة رقمية، نابع من غيرتهم على الثقافة ورغبتهم الجامحة في تعميم نشر العلم والمعرفة، باعتبار ذلك صدقة جارية؟
قطعا لا، فلو كانت هذه هي غايتهم بالأساس، لكانوا قد احترموا المساطر المتعلقة بالنشر، وقاموا بالتواصل مع المعنيين بذلك الإصدار، باعتبارهم ذوي حقوق، لكن نادرا ما يحصل هذا، والدليل على ذلك كثرة الشكاوى التي يعلنها الأدباء والمفكرون في كل مرة يتفاجأون بخروج النسخة الرقمية لكتبهم الصادرة حديثا، دون علمهم.
بعضهم يكتمون غيظهم ويعتبرون ذلك من شأنه أن يساهم في نشر إصداراتهم على نطاق أوسع، شعارهم الخالد:
رب ضارة نافعة.
من الواضح أن هؤلاء ينتمون إلى فئة الكتاب الذين فقدوا الأمل في تسويق منتوجهم. هم يعلمون مسبقا أنهم لا ينشرون من أجل الربح المادي، بل فقط لأجل تلبية حاجة ذاتية لها ارتباط بوجودهم. إن مطمحهم الأول والأخير هو أن يخلفوا أثرا في هذه الدنيا الفانية.
هناك من الكتاب من يطبعون نسخا قليلة من إصداراتهم ولا يبالون بتسويقها، لكن لهم فيها مآرب أخرى، ومن هذه المآرب، المشاركة في المسابقات الوطنية والدولية، وبالمناسبة فخلال هذه اللحظة التي أكتب هذه السطور، تم الإعلان عن فوز مجموعة من الكتاب المغاربة بجائزة رفيعة، جائزة كتارا للرواية العربية؛ مما يدل على الحضور الوازن للأدب المغربي على صعيد العالم العربي.
ومن دون شك أن أغلب الذين سيطلعون على الإعلان عن عناوين الكتب الفائزة في هذه المسابقة، لن يذهبوا إلى المكتبات لاقتنائها، بل سيلجؤون فورا إلى محرك البحث الشهير غوغل وسيضعون الكلمة المفتاح:
تحميل الكتاب الفلاني والكتاب العلاني..
ليحصلوا عليه كاملا غير منقوص قبل أن يرتد إليهم طرفهم.
وعندما يحتج صاحب حقوق الطبع على مرتكبي جريمة النشر الرقمي، ويهددهم بمقاضاتهم، يأتيه الرد:
«نعتذر، سنقوم بحذف النسخة من موقعنا».
هكذا ببرودة دم.
مما لا شك فيه أن النشر الرقمي تطغى عليه الفوضى والتسيب، مادام التعامل مع تجاوزاته، يتسم بطابع التساهل. لكن إلى متى؟

> عبد العالي بركات

Related posts

Top