نفحات من الذكريات والتاريخ والحاضر

إن ثقل الأحداث الجارية وجسامتها تجعلان الذكريات رغم وهجها تبدو باهتة، إن ما يجري في فلسطين حاليا، يفوق في أهميته، الانفجارات الدورية لبركان الشرق الأوسط. لقد تغير العالم كثيرا، ولا يزال القرن العشرون المديد متشبتا بالاستمرار يأبى الرحيل.

    قد تبدو مثل هذه المقدمة غير مناسبة لحديث غرضه الأول استدعاء أحداث ووقائع جرت في القرن العشرين، بل تبوأ صدارته عقد الستينيات، التي وصفها المؤرخون بالعصية على الاختزال. كانت إحدى الصفات البارزة لذلك العقد المتوهج، ثورة الشباب في كل أقطار العالم، ورفضهم لمجتمع ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومخرجات يالطة. يمكن رسم معالمها إجمالا عبر سرد بعض الأحداث البارزة وطنيا وعربيا ودولياً، أحداث مارس 65 واغتيال الشهيد المهدي بنبركة في أكتوبر من نفس السنة، الثورة الثقافية في الصين، الهزيمة العربية في 67 وانبثاق المقاومة الفلسطينية على إثرها، ثورة الطلاب في ماي 68 وبروز اليسار الجديد، ثورة الشباب الأمريكي على الميز العنصري وحرب فيتنام…

بُعيد أحداث 23 مارس، نظم فرع الجمعية المغربية لتربية الشبيبة بسلا، سلسلة من المحاضرات في الأدب والفلسفة والسياسة، تابعْتُها جميعَها، وكان أبرزها محاضرة للأستاذ عبد اللطيف المانوني، عن الأوضاع السياسية بالمغرب بعد أحداث مارس 65، وكانت بالنسبة لي أول تحليل سياسي تلقيته يستحق هذه الصفة، فقد عشت في وسط يكثر فيه تداول الكلام في السياسة، لكنها أحاديث مرسلة وانطباعات تختصرها الأمثال والجمل القصيرة جيدة السبك، تحمل الكثير من الأحكام الجاهزة التي تضيع بينها الحقائق. قد لا أذكر، بعد مرور أكثر من نصف قرن، الشيء الكثير من تلك المحاضرة، لكنها شكلت للفتى الذي كنته، أول الوعي بالترادف بين السياسة والممكن، لأن أحد مراميها، ولعله كان مرماها الرئيس: رغم اختناق الأجواء بحالة الاستثناء عقب الأحداث، هناك أمل في أفق ممكن.

   كانت الجمعية المغربية لتربية الشبيبة، قد قررت التحول من الاهتمام بالأطفال، إلى استهداف الفتيان والشباب، وفي هذا السياق أُتبع البرنامج المنوه به، في نفس الموسم أو الذي تلاه، بدورة تكوينية، نظمها المكتب المركزي تحت إشراف الأستاذين عبد اللطيف المانوني ومحمد عياد، وقد حَضَرَت هذه الدورة، إلى جانب فرع سلا، فروع الرباط وفاس والدار البيضاء، وكنت من المستفيدين من هذا التكوين، وكذلك عبد الله زنيبر وآخرون، كما تجدر الإشارة إلى أنني تعرفت في هذه الندوة لأول مرة على المرحوم عبد اللطيف الدرقاوي الذي كان منتدبا عن فرع فاس، وقد لفت الأنظار بحماسته  أثناء النقاش، وهذا ما مهد لتطوير علاقتنا حين التقينا فيما بعد في الجامعة.

   من أهم فعاليات الندوة تميزت محاضرة المرحوم عزيز بلال في وصفه للمجتمع المغربي وظواهره الأساسية، وحظيت باهتمام الحاضرين نقاشا واستفسارا. لقد بعدت المسافة الزمنية بين أيام المحاضرة وراهننا، لا أذكر من محتوياتها إلا الشيء القليل، وفي المقابل يمكن أن أجزم بأنها شكلت الهيكل الأساسي لتصورنا في الموضوع، أي بنية المجتمع المغربي وما يعتريه من اختلالات فاحشة بين فئاته. وفي الجانب العملي، نظمت ورشات من أجل اكتساب مهارات تساعد المستفيد في إعداد الاستمارات من أجل إنجاز بحث اجتماعي أو تسيير نادي الكتاب أو مناقشة شريط سينمائي.

    كما تجدر الإشارة إلى أن مقر الجمعية المغربية لتربية الشبيبة بسلا كان يتوصل بعدة نشرات من الهيئات الديبلوماسية بالمغرب، من بينها نشرات السفارة الصينية، التي تابعنا من خلالها أحداث الثورة الثقافية دون أن نكون على دراية كافية بالخلافات في المعسكر الاشتراكي، وشخصيا، لم يكن زادي من الأدب الاشتراكي يزيد، آنذاك، عن مقالة لعابد الجابري عن الاشتراكية نشرت في مجلة “أقلام” المتوفرة في مقر الجمعية، وسنعرف لاحقا أن تلك المقالة مستمدة من “الاشتراكية الطوباوية والاشتراكية العلمية” لأنجلز.

ومن أولى ثمرات هذا التكوين أنجز فرع الجمعية بسلا بحثا عن أوضاع العمال بمعمل “باروك”، وشرعنا في تهييئ بحث ثان عن مدن الصفيح لكنه لم ينجز، إلا أنه كان أحد العوامل التي جعلتنا نتوجه فيما بعد، إلى العمل الاجتماعي في أحد الدواوير التي تحيط بالمدينة.

واستطرادا، نشير إلى أن الميل السياسي العام للعائلة توزع بين الاتحاد والاستقلال، وكان أحد الأفراد الاستقلاليين يقتني جريدة “الكفاح الوطني”، ولما سألته لماذا يواظب على قراءتها، أجاب بما معناه أنها أقرب الجرائد لقول الحقيقة، كانت الجريدة تنشر باستمرار أخبار النقابة والنضالات العمالية، وهكذا انطبع في ذهني، أن العمال أكثر الفئات الاجتماعية نشاطا.

   وبموازاة مع العمل في الجمعية، تم بمبادرة من الإخوان الذين سبقونا في الالتحاق بالجامعة، تكوين مجموعة من الخلايا تضم بعض التلاميذ من مدرسة النهضة واثنين أو ثلاثة من التلاميذ الذين يتابعون دراستهم بالرباط، وذلك في إطار حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. حيث تم تكويننا الإديولوجي والسياسي عبر كتيبات تبسط المادية الجدلية والمادية التاريخية ووصف لطبقات المغرب مع منشورات مستمدة من الاختيار الثوري لبنبركة.

   كان لأجواء الحياة الطلابية وما تعرفه دار المهراز من جدل سياسي وثقافي الأثر الكبير في تطور وعينا وانخراطنا في العمل السياسي. عشية المؤتمر 13 للمنظمة الطلابية (أ. ط. م) التأم جمع المؤتمرين الاتحاديين بمقرالحزب بالرباط، وعلى هامشه استدعتني اللجنة التنظيمية للطلبة الاتحاديين، في المكتب وجدت الأخ محمد الخصاصي وآخرين، أخبرني بأن الحزب يقترحني لعضوية المجلس الإداري لقيادة المنظمة الطلابية، أجبت، مترددا، بأن هناك من يفوقني تجربة وخبرة، فأتاني صوت حازم: (لن تكون بمفردك فالحزب من ورائك).. التفت فإذا هو الأخ محمد اليازغي، بكل الثقل الذي كان له في الحزب، بكلمات مقتضبة وافقت على التو، لم أشك لحظة واحدة في قوله، فقد خبرت مؤداه، حين اقترحت وأنا عضو في خلية، أسلوبا للتعاطي مع بعض ما يعرض لنا أثناء انتخابات التعاضدية، لأخبر في الاجتماع الموالي بأن الكتابة الإقليمية بفاس، تبنت الاقتراح وتدعمه. وبعدها تَمّ استدعاؤنا، اللجنة المشرفة على قطاع الطلبة بفاس، للقاء الزعيم عبد الرحيم بوعبيد، بعد كلمة الأخ عبد الرحيم، تخلل الاجتماع بعض مما يمكن أن نسميه بلغة اليوم الممانعة، فقد أثيرت بعض القضايا التنظيمية، كانت إشكالية آنذاك، لكنه رحمه الله، بحدة ذكائه وكأنه قرأ ما يدور في الأذهان، وبحنكة القائد السياسي ومنطقه العملي، وجه الحديث نحو ما يطلبه الظرف السياسي، وانتهينا بالاتفاق على مجموعة من الأمور التي تهم الوضع السياسي وضمنه مؤتمر المنظمة الطلابية، وكان درسا سياسيا بليغا، قد تختلف الرؤى، لكن السياسة في المحصِّلة أفعال.

  وقد انعكست آثار تلك الأجواء على محيطنا الاجتماعي بسلا، أقصد مجموعة من الشباب جمعتهم روابط الدراسة والجيرة والجمعية والرياضة، ومن بينهم تكونت مجموعة محدودة تضم المرحومين الطاهر بورحى والتهامي حكوشي وعبد الجليل ناضم والفاطمي العلوي وعبد الله زنيبر وعبد ربه محمد البريبري. في أكتوبر 1969 قامت هذه المجموعة بالكتابة على الحائط تنديدا باغتيال الشهيد المهدي بنبركة الذي كان اختياره الثوري من مكونات أدبها السياسي.

   ستتلاحق الأحداث على المستوى الدولي والوطني، مما كان له كبير الأثر على الساحة السياسية، وسيتخذ الأمر زخما عاليا في الجامعة والحياة الطلابية التي عرفت التحاق أفواج جيل 65. كانت وتيرة النقاش وحدة النقد عاليتين، سواء للفكر اليساري أو للتراث. في عطلة الدورة الأولى من موسم 67-68 انكببنا على دراسة البيان الشيوعي، لتبدأ رحلتنا الطويلة مع النصوص الماركسية، تميزت بتطور الوعي، حسب ما يقتضه الواقع الذي تلح معطياته على النظر الفكري بإشكالاتها وإكراهاتها. وهكذا سنقرأ في مرحلة لاحقة أن الصورة التي رسمها البيان الشيوعي لأوروبا القرن 19 والسيادة السياسية للبرجوازية لم تكتمل إلا في القرن العشرين، وبدافع من النقاش الإديولوجي في الوسط الطلابي قرأنا “18 برومير” لماركس، وبعد دراستنا لكتاب “فن الشعر” لأرسطو والرومانسية الألمانية التي عارضت التقليد الروماني بالتراث اليوناني، رجعنا له ثانية، وأعدنا النظر في النهضة العربية وإحيائها للتراث، وقل مثل ذلك في كل تجربتنا فكرا وممارسة.

   كان لهزيمة 67 الأثر الكبير في وجداننا ووعينا، وانخرطنا كعموم جيل الشباب في البلاد العربية، في عملية نقدية شملت الذات العربية، شخصية ومجتمعا وأحزابا وأنظمة وتراثا وثقافة. مع دعم للمقاومة الفلسطينية، باعتبارها بارقة أمل في خضم مضطرب، لا يتبين أعلاه من أسفله. فقمنا ثلاثتنا، المرحوم حمامة والصديق ميمون شيشاح وعبد ربه محمد البريبري، بتكوين لجنة لدعم القضية الفلسطينية، سرعان ما التحق بها رفاق آخرون، (وقد كانت فاتحة العمل السياسي بالنسبة لميمون شيشاح، وآخرين) كانت تجمع الدعم للمقاومة، وتتداول أدبياتها، تعرفنا من خلالها على القضية الفلسطينية تاريخيا، وكذلك الحركة الصهيونية. من الصعب أن ينسب أحد لنفسه حشد الناس لنصرة فلسطين، فقد كان بعض الطلبة يِؤدون مساهماتهم طوعيا لدعم المقاومة بانتظام، وكان الطلبة مستعدين للإسهام في كل أشكال التضامن والدعم للمقاومة الفلسطينية، ولا أدل على ذلك، من التجمع الذي عقده فرع جمعية مساندة الكفاح الفلسطيني بفاس، حيث ملأت جموع الطلبة جنبات القاعة. 

تعرفنا على أدبيات الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، وكتابات نايف حواتمة التي كانت تعالج الوضع العربي والقضايا المطروحة في الساحة الفلسطينية. قد يبدو الحديث في هذا الشأن إطنابا أو حشوا لا حاجة له. لكن أهميته تتجلى في تأثير قوة الحجة ووضوح الرؤية لدى هذا الفصيل من المقاومة الفلسطينية، ومنظرها نايف حواتمة، على رؤيتنا وتعاطينا مع الأوضاع. ويحضرني في هذا الصدد، أطروحته عن “فلسطين الديمقراطية” وردود الفعل المرتبكة للأفكار الصهيونية تجاهها، وما أثاره كل ذلك من جدل ونقاش بيننا.

   اشتركت في مجلة الحرية التي كانت تصدر في لبنان، وكذلك فعل آخرون، كنت أتوصل بها بانتظام في عنوان بيتنا بسلا. اعتادت المجموعة على تبادل الكتب الاشتراكية واليسارية وقد انطبق الأمر نفسه على مجلة الحرية.

   أدّى انخراط معظمنا في النضال الطلابي إلى تشبعنا بالأطروحات السياسية والفكرية لليسار، وهكذا تشكلت النواة الأولى للتنظيم في سلا، من ناضم عبد الجليل والفاطمي العلوي وعبد الله زنيبر والمرحوم التهامي حكوشي وعبد ربه وكان ذلك في أواسط سنة 1970.

   كتبت عن التجربة أكثر من مرة، التجربة حاضرة في ذهني، لكن تذكر التفاصيل وترتيب الوقائع أمر لا يخلو من العنت، لهذا كنت أميل لجلسة متعددة تتكامل فيها الأصوات، ولعلها إن تمت ستغطي الكثير من الثغرات، بل من المؤكد أنها ستحث الذاكرة لتفشي ما أغفلته.

   لم يكن النقاش النظري غائبا عن حياة المجموعة، لكن أهم نقطة في جدول الأعمال كانت، هي مراقبة الأعمال التي كانت تتوزع أولا على العمل الإشعاعي في جمعية الشبيبة والطفولة الشعبية، التنظيم والاستقطاب ثم المشاركة في بعض الأعمال التحريضية كتوزيع المناشير والدعوة للمشاركة في التظاهرات الطلابية.

كنا جميعا أعضاء في الجمعية المغربية لتربية الشبيبة بسلا، الأمر الذي يسر لنا العمل من خلالها. وتصريف أهدافنا في التوعية ونشر الفكر التقدمي، كان الاتجاه العام يركز على أنشطة التكوين الذاتي، التي اعتمدت بالأساس على تنشيط نادي الكتاب، حيث يتم اختيار مؤلف من الأدبيات اليسارية النقدية المتداولة آنذاك، مثل كتاب النقد الذاتي بعد الهزيمة لصادق جلال العظم، ويتكلف أحدنا بالتعريف بالكاتب وعرض أهم محاورالكتاب وأفكاره، ثم الندوات التي يشرف على تنظيمها المكتب ويسيرها أحد أعضاء الفرع لا يلزم فيه أن يكون مسؤولا في المكتب، أذكر منها ندوة عن فلسطين كان المرحوم محمود معروف مسيرا لها.

   يمكن أن نقول بأننا نجحنا في المقصود من هذه الأنشطة، التي كانت تنظمها اللجنة الثقافية لفرع الجمعية، حيث شاع تداول الأدبيات الاشتراكية واليسارية عموما بين محيط مجموعة لا بأس بها من الشباب والفتيان. أما اللجنة الاجتماعية، فقد اتجهت إلى تنظيم دروس محاربة الأمية وسلك الإنقاذ، بدوار السماعلة، حيث يسر لنا أحد أعضاء الفرع الاتصال بالساكنة، وقام بتمهيد اللقاء الأول، لأنه كان من سكانه السابقين. وأسند تنفيذ البرنامج إليّ مع الفاطمي العلوي.

   كان الإقبال على الدروس محدودا، لم يكن كما توقعناه، فالدروس ليلية، والفئة المستهدفة تعود من أشغالها في وقت متأخر نسبيا بالإضافة إلى انعدام الإنارة، وصعوبة المواصلات، لكنها في المقابل خلقت مجموعة من أصدقاء الجمعية، بمعنى ما، الأمر الذي سمح بالمذاكرة حول الحياة في الدوار، وأثار انتباهنا مستنقع يحيط بالبئر، تخوض فيه الفتيات بأقدامهن العارية لجلب الماء، وحتى لا نغرق في تفاصيل لا أهمية لها، اقترحنا ترصيصه، كان رَدّ فعلهم الأول استغرابهم الفكرة، لكن بعد المذاكرة استحسنتها المجموعة الصديقة من الشباب، نبهنا الصديق الأول الذي ربط لنا الاتصال إلى أن الدوار يتركب من مجموعتين الاسماعلة وغرباوة، وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار هذا التنوع، حتى لا نسقط في حزازات لا شأن لنا بها، وكان تنبيها في محله، لا أذكر كلفة المشروع، لكن الجمعية مولت الجزء الأكبر لشراء المواد، كما نبهنا بعض الأطر الذين سبقونا في هذا النوع من العمل التطوعي، إلى ضرورة إسهام المستفيدين من الورش في العمل، تكونت لجنة منّا أنا والفاطمي وبعض أفراد من شباب الدوار، من بينهم صديقنا الذي يسر ربط الاتصال، وشخص كان بمثابة شيخ الدوار.

   هذه التركيبة ساعدتنا كثيرا في تلافي بعض التفاصيل التي لا شأن لنا بها، والحق أننا لم نواجه أي صعوبة بالمعنى الذي يمكن أن يتبادر إلى الذهن، فبعد الأخذ والرد في البداية انخرط معظم الساكنة في العمل، وقد تم التنفيذ، بمشاركة متطوعين من فرع الجمعية، وشباب من الدوار، أما المعلم البناء فكان من الدوار، قام بدور المشرف الفني على الورش، طلب منا أن نرصص الأرضية، على أن نترك له القيام بالعمليات التي تحتاج إلى مهارة حرفية، بعد رجوعه من العمل. ومما تجدر له الإشارة، أنه كان من الجهة التي علينا أن نتعامل معها بحذر.

كان لهذا الورش أثر كبير على فرع الجمعية وأعضائه، أكسبه إشعاعا، في أوساط الشباب، كما أصبح أفراده يشعرون بقيمة تجربتهم التي اكتسبوها، من خلال تكوينهم الذاتي.

أما على الصعيد التنظيمي، فقد تلقينا تنويها، عبارة عن تعميم “لنتعلم من سلا”. وقد نوه به الرفيق الحبيب طالب، في تأبين المرحوم التهامي حكوشي، ولا يفوتني أن أذكّر بأن المرحوم محمد حمامة كان وراء هذا التعميم.

    تريد شيئا وتستطيع آخرا، كان لانعكاسات الممارسة على عملنا ووعينا أثر بيِّن، فقد اتسع إشعاعنا في فئة التلاميذ والطلبة، نتج عنه، تكوين خلية من نجيب البريبري وعمر الزيدي والحبيب بنمالك، أسند الإشراف عليها للصديق محمد شركو، استطاعت هذه الخلية أن تنظم عدة احتجاجات طلابية على الخصوص في ثانويتي الحسن الثاني والليمون في البداية، لتمتد بعدها إلى مؤسسات أخرى. وبعد تطور عملها، سيقترح التنظيم، فصلها عن سلا، وإسناد الإشراف عليها للمركز. لم نتقبل القرار بارتياح، لكننا انضبطنا له، رغم اعتباره من طرف البعض إجراء لا يتوافق مع قواعد التنظيم السليم.

  قد تبدو الصورة التي قدمتها مختصرة، وقد يرى البعض أنّي أغفلت جوانب مهمة من التجربة، والسبب في رأيي، يرجع لظرف موضوعي، فقد كان عليّ أن أنتقل إلى الجنوب، حيث تم تعييني، والثاني ذاتي، تحتاج الذاكرة إلى من أو ما يستحثها على الكتابة.

  لذا سأتوقف عند هذا الحد. على أن نعود في مناسبة أخرى إلى السبعينيات، التي كانت ردّة فعل قوية على الستينيات، واستمرت حتى أسقطت جدار برلين، وهناك من يرى أنها لازالت مستمرة مع القرن العشرين، إلى أيامنا هاته…

بقلم: محمد البريبري

Top