تعقد اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية غدا السبت دورة استثنائية بسلا، وذلك لمناقشة مستجدات الوضع السياسي الراهن في البلاد، وعلى ضوء ذلك اتخاذ القرار المتصل بالاستمرار ضمن تحالف الأغلبية أو عدمه.
وعلى عكس ما تنشره مواقع إلكترونية وصحف ورقية هذه الأيام، وبعضه هو مجرد تمنيات يروجها أصحابها أو من ينطقون باسمهم وليست وقائع حقيقية من حياة الحزب أو موقفه، فإن اجتماع “برلمان الحزب” سيكون موسعا ليشمل كتاب الهيئات الإقليمية، بالإضافة إلى حضور وتتبع وسائل الإعلام.
هذا اختلاف أول لا بد من تسجيله وأن يحسب لحزب التقدم والاشتراكية، ذلك أنه مارس عكس ما سارت عليه هيئات سياسية أخرى غطت نقاشها الداخلي (أو اللا نقاش) بسرية كبيرة، في حين فضل هو الانفتاح وإشهاد الرأي العام، كما أشرك مسؤولي تنظيماته الإقليمية، باعتبار كونها هياكل قرب منشغلة بتساؤلات المواطنات والمواطنين وتطلعاتهم وانتظاراتهم، وبالتالي أصر على بناء موقف الحزب انطلاقا من تفكير حزبي جماعي، وعبر نقاش داخلي حر وواسع.
ترتيبا على ما سبق، اللجنة المركزية هنا ليست سردابا يحشر بداخله الأعضاء، ويؤتى بهم إلى الاجتماعات لتأثيث الفضاء والمكان، ولكنها الوعاء والهيكل التنظيمي الذي يستوعب كل الآراء والتقييمات ويحتضنها، والفضاء الديمقراطي الذي يتيح الحوار الحزبي الداخلي المنفتح، والجهاز الذي يصوت في النهاية على قرارات الحزب، ومن ثم تعود ملزمة للجميع.
عكس ما يتمناه بعض الشامتين والمتربصين، اللجنة المركزية لن تكون ساحة حرب أو معارك بين الرفاق، وهي لم تكن يوما كذلك، وهي أيضا ليست منبرا لـ “ضبط” الهياكل أو تسجيل النقاط، ولكنها الإطار الحزبي لتجسيد الوحدة والتضامن بين المناضلين…
حزب التقدم والاشتراكية لم يقطر به سقف السياسة أو الوجود أمس أو أول أمس، ولكن عمره يزيد اليوم عن سبعة عقود، وطيلة تاريخه عاش كثير محن وتحديات، واستمراره إلى اليوم هو الدليل على قدرته على تجاوزها كلها وهزمها.
إن حزب التقدم والاشتراكية لا يعيش اليوم، كما يتوهم بعض الحالمين، تمردا داخليا أو سباقا بين الرفاق أو حربا، ولكن التنافس أو السباق الحقيقي بين الرفاق كان دائما في العمل، وفِي الممارسة والأداء، ومن داخل الحزب، ووسط الناس بشكل يومي، وفِي مختلف معتركات النضال على كل الواجهات الشعبية والميدانية والتمثيلية والمؤسساتية والتنظيمية.
من يتمنى للحزب اليوم أن ينفجر أو يموت أو ينقرض أو أن يخرس حتى، فليستعد لينتظر طويلا، لأن مبتغاه صعب التحقق.
إن مناقشات اللجنة المركزية هذا السبت تحكمها إذن أسئلة جوهرية وأساسية، وذلك على غرار سؤال الدور المطلوب اليوم من حزب مثل حزب التقدم والاشتراكية، وأيضا هي لن تغفل استدعاء الخيارات المبدئية الكبرى للحزب، والمقررات التي سبق الاتفاق عليها داخل أجهزة الحزب بشكل ديمقراطي، وانطلاقا من ذلك ستحضر في بال الجميع كل الحيثيات والسياقات والحسابات المتصلة باللحظة السياسية والمجتمعية التي تحياها بلادنا.
المناقشات إذن لن تكون تحليقا أو تيها وسط تركيبة الأسئلة الغارقة في البديهية وعسر الفهم، ولن تكون اجترارا لنوعية أسئلة بعض اللوبيات المتربصة بالحزب مثل: إذا خرج التقدم والاشتراكية من الحكومة ماذا سيحدث له، وإذا بقي داخلها ماذا سيقع كذلك، فواقع السياسة، وخصوصا في بلادنا، ليس بهذه الخطية، وهو كذلك ليس دائما ورديا أو بلا تحديات.
الجوهري يكمن في سؤال الدور السياسي، ولذلك سيكون أمام الدورة الاستثنائية لقيادة الحزب غدا السبت أن تمارس تفكيرا جماعيا جديا وعميقا، كما فعلت في محطات تاريخية أخرى، وذلك لتفكيك معنائية هذا الدور وأثره والحاجة إليه، واستحضار ما يميز هوية الحزب التقدمي وثوابته المرتبطة بالنضال الديمقراطي المسؤول.
اللجنة المركزية هي الجهاز التنظيمي التقريري في الحزب، واجتماعها الاستثنائي غدا سيكون عليه الخروج من الانشغال بالمواقف اللحظية والإطناب في استعراض تفاصيل سياقها الظرفي، وبدل ذلك، التركيز على بلورة تفكير أكثر جدية وشمولية يقوم على الوعي بجدلية العلاقة بين الموقف السياسي والدور السياسي، وأيضا على الإدراك الواقعي والصريح لموازين القوى وتحولات الحياة السياسية والأحجام الانتخابية والإشعاعية وانتظارات شعبنا وما يحيط ببلادنا من رهانات واستحقاقات.
ربما يرى البعض أن هذا النقاش اليوم في حزب التقدم والاشتراكية يكتسي طبيعة داخلية، لكن حتما هو ليس نقاشا بين أشخاص أو ذوات فردية أو رغبات انتهازية، أو أنه يروم تصفية حسابات مزاجية بلا أي قيمة، وبقدر ما هو نقاش داخلي بالفعل، وقد يهتم بالأداء السياسي، وبالواقع التنظيمي، فهو يجري اليوم ضمن منظومة تحولات الواقع السياسي الوطني ككل، والأمر يتعلق بالسعي لصياغة موقف دقيق في لحظة وطنية دقيقة، وفِي نفس الوقت صيانة وترسيخ العلاقات النضالية المتينة بين الرفاق، والانتصار الجماعي لوحدة الحزب وكرامته داخل الساحة الوطنية.
اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية ستتعاطى اليوم مع جدول أعمالها، المتشكل من نقطة فريدة، ليس من باب حسابات التاكتيك، ولكن ضمن الوعي بقيمة الدور السياسي النضالي والوطني المطلوب من لدن حزب يمثل مدرسة تختلف عن سواها في البناء الحزبي العام بالمغرب.
الكثيرون هذه الأيام، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال بعض الصحف المكتوبة والإلكترونية، وحتى من خلال بعض “خرجان لعقل” التلفزيوني، الذي اقترفته قناة وطنية قبل بضعة أيام، عمموا الكثير من الافتراء والخواء على التقدم والاشتراكية وقيادته وأمينه العام، لكن الجميع يقر أن بلاغ المكتب السياسي كان معبرا وذكيا، وحضي باستقبال إيجابي وتقدير ذكي، ولذلك تكرس أفق الانتظار الواضح اليوم في المشهدين السياسي والإعلامي.
وعليه، اللجنة المركزية غدا السبت تنعقد ضمن امتحان أساسي يطرح على أعضائها، ويتعلق بضرورة الخروج بالنقاش السياسي والحزبي من طبيعته الظرفية، ومن مرحليته، وبالتالي، جعله منتجا لموقف سياسي وتنظيمي ذكي ودقيق ومنفتح على المستقبل، وأن يكون أيضا محطة في مسلسل تجميع الجهود وتطوير البناء العام للذات الحزبية في أفق المؤتمر الوطني العاشر المرتقب في العام المقبل، ومن ثم تحويل التصورات والأفكار إلى مشروع حزبي متكامل يبغي البناء، ويقوم على إعمال أجوبة تهتم بالسياسي والتنظيمي معا، أي تؤسس لأرضية انطلاق وبناء متجددين وشجاعين.
محتات الرقاص