نية المدرب وقلة نية الوزير…

عاشت المملكة المغربية نهاية 2022 على وقع نشوة الانتصار وهي تودع عاما بسويعات سعيدة لم نتذوق طعمها  منذ  عقود من الزمن، حيث امتزج حلم جميل بواقعية راسخة  لدى “مول النية” مدرب المنتخب المغربي وليد الركراكي، حينما أبحر بكتيبته عباب كأس العالم بقطر موطن التنظيم وفخر العرب، حينها تساءلنا جميعا ما سر تلك الوصفة العجيبة التي جعلت هؤلاء الشباب قاب قوسين أو أدنى من تغيير قدر أمة بأكملها؟

الواقع أن الركراكي الذي اختار لنفسه لقب “راس لافوكا” نجح فيما فشل فيه سابقوه، بنفس التوابل والبهارات، حينها تأكد لدينا أن نية الرجل جعلته ينجح في تطعيم أمم بأكملها بمصل العزيمة، وترياق الأمل، فآمنا معه بالتحدي ورفعنا شعار اللامستحيل، فارتفع  منسوب الثقة لدينا كما لدى لاعبيه أولا، وأعاد إلينا الركراكي و”وليداتو” مجدا غابرا افتقدناه، ومسح الوحل من على وجوهنا، فلم يكن ذلك الوهج والتألق طبيعيين، حيث اجتمعت لدينا كل المتناقضات، فخرجت الشعوب اتباعا، العربية منها، والإفريقية، والإسلامية ومعها عموم الشعوب من المستضعفين والمؤمنين بقصص النجاح الممكنة، سرعان ما أصبح الحلم واقعا، فصدقناه ولم يكن مجرد حكايات من رحلة ألف ليلة وليلة، فتحطمت لدينا الحدود المصطنعة لـ “إكس ليبان” و”سايكس بيكو” وتهاوت مكيدة الظهير البربري وسقطت صنيعة البوليساريو، وتناسينا آلام سنوات عجاف قضت ، وودعنا لعنة الكورونا وتجاهلنا ويلات  حرب الروس والأوكران علينا، بالمقابل رفعت رايات المملكة المغربية بأيدي حركة حماس وليست فقط بسواعد إخواننا في المهجر، ورقصت نجمتنا الخضراء على أسوار القدس وفي بيوت الإسرائيليين أنفسهم وعمت الزغاريد شوارع المغرب وتعالت الصيحات بمقاهي الجزائر، وخرج السلطان مبتهجا بالرباط العاصمة وحفه الشعب بالحب وتبادل معه ترانيم النصر وبهجة اللقاء، وهلل البرلمان التركي بدوره بنصر الأسود  وجلس الرئيس الأمريكي ومعه قادة القارة الإفريقية لمشاهدة  تفاصيل  قصة انبعاث قارة من تحت الرماد، وخرجت الشعوب العربية والإفريقية ورددت أناشيد النصر في أندونيسيا وإيران وباكستان  وووو…

هذه اللوحة البهية أبدع تفاصيلها فنان اسمه الركراكي حيث امتزجت نيته بصدق مشاعره وارتفاع منسوب وطنيته فصقلت لدينا معدنا  نفيسا  اسمه “تمغرابيت” معدن سقاه للاعبيه وصار ينقل عبر الهواء والشاشات فاستنشقناه بشغف ولم نمنع باقي الشعوب من حلو طعمه، فسرى بين  الشعوب العربية الأفريقية والإسلامية…

فعلها الركراكي ومن على شاكلته  من لاعبينا ومؤطرينا وسائقينا وحاملي أمتعتنا بل وظهر جليا على رقص أمهاتنا وفرحة آبائنا، الركراكي صانع الأمل رمز الجد والمثابرة، قاهر المستحيل وملهم الشباب، المؤمن بالنصر حتى ولو تأجل، وهو الذي تربي بأوربا من أبويين مهاجرين ذاقا مرارة الغربة وبنيت بسواعدهما بعض من حضارة القارة العجوز، لكن الجميل في الركراكي أنه  لم يجحد يوما الرحم الذي ولدته ولم ينس يوما الوطن البيولوجي الذي أنجبه، فظل ذاك الابن البار، وعلى غراره الكثير ممن اشتركوا معه في صنع ملحمة النصر… كان مطلبه بسيطا وهو  أن نشاركه نفس الحلم والنية فقط لا غير… فتأتى له النصر ورسم الفرحة على محيى الملايين…

بقدر ما أسعدنا الركراكي سويعات بعد انقشاع ضوء عام 2023 بقدر حزننا العميق على هذا الوطن، وريبتنا في القادم من الأيام حيث لم يعد لابن الغفير والمواطن البسيط موطئ قدم إلى جنب ابن الوزير والقاضي والمحامي والسياسي ورئيس البلدية، ومعهم علية القوم… بعيدا عن طموحات  البسطاء و”المزاليط” من أبناء الوطن ممن لا وزير لهم… هذا ظاهر فلسفة السيد الوزير وامتحانه في المحاماة الذي حمل معه الكثير من الشبهات، حيث قلب الأوجاع وزرع اليأس في قلوب الشباب، وأغضب الآباء من الكادحين وزاد من نسبة الحاقدين والجاحدين، فكشفت عورتنا أمام العالم، ولم يعد الأمر مجرد حديث حفنة من الفيسبوكيين حسب وجهة نظر السيد الوزير التي لا تستدعي فتح تحقيق في نازلة تجمع الخصم والحكم معا، ولم تعد القضية مجرد حديث صاخب لرواد مقهى على قارعة الطريق، بل صار الامتحان وما شابه من شبهات قضية رأي عام وطني، وانتشر كالنار في هشيم شاشات كبريات القنوات العالمية وجعلت ميزان العدل والقضاء لدينا تحت الأضواء الكاشفة… فتجاوزت النازلة فلتات وقفشات السيد الوزير وتفاخره بيسر الحال وغنى الجيب وجاه المنصب وكرسي الوزارة… أمام عوز الدراويش من عامة الشعب وسواد الأمة…

من ذا الذي يمعن في سرقة الفرحة يوم العيد وتفجير برميل بارود في منزل به عرس جميل؟ من وأد بسمة على ميحي شعب  آمن حتى وقت قريب بانه قد ترك خلفه ما شاهدناه سابقا من اقتطاع جزء من مساحة الوطن بأرض زعير تحت يافطة خدام الدولة ولم يبق لرعاعها شيئ؟

إنه ببساطة رجل أهديناه بالأمس القريب أصواتنا ليصير اليوم وزير عدل علينا، يتفاخر على المستضعفين ويتمختر في طليعة المتمخترين، ويمجد نفسه بتفرده في خلق 2000 منصب شغل، فيما مجموعه 70000 من الشباب العاطل الحالم بغد أفضل… في فيلم هيتشكوكي رويت تفاصيله في أكثر من زاوية مظلمة…

هو نفسه صاحب المنصب الرفيع الذي يتأسس عليه كل حكم رشيد، يعيش بيننا وغيره كثير ممن يأكلون الغلة ويسبون الملة، بطلنا تخرج من جامعاتنا وتحصل على شهاداتها لكنه يتغنى بجامعات وإجازات كندا، وزير يكثر الضجيج ويثير اللغط ويأبى الصمت، يضرب المدرسة والجامعة العموميتين في مقتل، يرغد ويزبد يمينا وشمالا، يعتذر ثم يتوعد، مصاب بجنون العظمة لم يستفد من السياسة في شيء، ولم يدرس التاريخ يوما، ولم يأخذ العبرة ممن سبقوه وجلسوا على كرسي نفس الوزارة منذ زمن قريب وليس عهد قارون وفرعون وهامان… ذلك هو الفرق بين مول النية وقلة النية… الفرق بين زارع الأمل وناثر اليأس…

 بقلم:  يوسف بوغنيمي

Related posts

Top