هولدينغ إعلامي ونموذج تنموي.. انفصال أم اتصال؟..!!

انضاف مشروع النموذج التنموي الجديد إلى ما سبقه من مشاريع أخرى، لتكريس تهميش واضح لمسألة الإعلام والاتصال، الذي أضحى معادلة حاسمة في أي تطور مجتمعي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وزادت أهميته في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة بفضل الثورة الرقمية، في الوقت الذي اكتفى ببضعة أسطر في قضية الإعلام.

نموذج تنموي خارج زمن الاعلام

وهكذا اقتصر التقرير على الإشارة إلى أهمية دور الإعلام “كأداة للإخبار والنقاش العام، وتحيين السياسة العمومية للاتصال من أجل تحديد نطاق المرفق العام لوسائل الإعلام، وتحديد الحكامة وطرق التمويل التي يجب أن تسمح باعتماد نموذج اقتصادي، تتوفر له فرص الاستمرار، وأن يشكل إطارا فعالا للتعاون مع الحكومة واستقلالية التسيير، ومواكبة تحوله الرقمي، والتحفيز على الابتكار والجودة مع تقوية العرض الإعلامي الجهوي..”.
وعلى الرغم من هذا “التقصير” الواضح من لدن لجنة شكيب بنموسي وزير الداخلية السابق، وسفير المغرب بباريس، فإن المشروع لم يطرح السبل الكفيلة بجعل الإعلام مستقبلا أداة للإخبار، وفضاء يتيح الفرص لكافة الفاعلين والحساسيات للتعبير عن آرائهم، وفضاء للنقاش العمومي، وقبل ذلك تحديد بوضوح مكامن الضعف القائم في السياسات العمومية في ميدان الإعلام، والحكامة والاستقلالية التحريرية، والجودة والعرض الإعلامي.

هولدينغ الإعلام والنموذج التنموي جزر معزولة

ومما يزيد الطين بلة، غياب “الربط الجدلي” ما بين تصورات هذه “المشاريع” الإعلامية في مقدمتها الهولدينغ الإعلامي الجديد الذي تزامن الإعلان عن مشروعه مع تقديم تقرير النموذج التنموي الجديد إلى الملك محمد السادس، فإنه يلاحظ – وهذا ما يثير الاستغراب – غياب عنصري الملاءمة والتنسيق بين التوجهات العامة التي يقتضيها بناء المشاريع من هذا القبيل، مما أنتج “جزرا” متباعدة لا رابط ولا انسجام بينهما.
وإذا كان الإعلام، بمختلف وسائله وتوجهاته قد رحب، على العموم، بما حفل به النموذج التنموي الجديد، وانعكس ذلك على المواد المخصصة له في السمعي البصري والصحافة المكتوبة والإلكترونية ووسائط التواصل الاجتماعي، فإنه بالمقابل وعلى العكس من ذلك، لم يثير الهولدينغ الإعلامي الذي يضم كلا من الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، والقناة الثانية، وميدي 1 تيفى، كثير اهتمام لهذا المشروع، الذي يتطلب الوقوف على مدى نجاعته وقدرته على توفير معايير الجودة والمهنية والتنوع والتنافسية، وتدعيم قيم الديمقراطية والمواطنة والاستقلالية التحريرية، حسب ما كتب واضعو هذا المشروع الحكومي بعنوان “استراتيجية تنمية السمعي البصري العمومي الجديد” الذي يرمي إلى الجمع بين شركة “صورياد دوزيم” و”ميدي 1 تيفي” تحت لواء الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، كشركة قابضة.

نموذج وهولدينغ: تركيز على النتائج وإهمال لأسباب الفشل

فالأمر يتطلب الانكباب أولا عن تقييم هذه المؤسسات الإعلامية على مستوى مدى جدواها وتقييم مردوديتها الاقتصادية والمهنية، وذلك من أجل تقويم الاختلالات التي تعتريها في التدبير والتسيير والحكامة، بهدف إصلاحها وتأهيلها، حتى يشكل انضمامها إلى الهولدينغ قيمة مضافة. كما يلاحظ أن كلا من النموذج التنموي الجديد ومؤسسات السمعي البصري المقرر تجميعها في الهولدينغ، ركزا على النتائج وأهملا كلاهما البحث عن أسباب الفشل الذي آلت إليه تجربتهما السابقة.
وفي افتتاحية بعنوان “نص هادئ لمغرب يغلي”، قال نور الدين مفتاح مدير نشر أسبوعية “الأيام”، إن تقرير النموذج التنموي الجديد “أريد له أن يكون سكانيرا حقيقيا لأمراض بنيوية من أجل وصفة علاج جذرية، وليست تخفيفية أو تسكينية”، متسائلا في هذا السياق هل المشروع حقق هذا المبتغى؟.
وإن كان مفتاح، قد عبر، في معرض جوابه على سؤاله السابق، عن اعتقاده الراسخ بأن النموذج التنموي الجيد، “(..) لم يستطع الوصول إلى المطلب الملكي، برفع الحقيقة، فإنه أقر مع ذلك بوجود “أفكار جيدة”، وعلى رأسها الدولة القوية، والمجتمع القوي والميثاق التنموي، وآلية المتابعة ودعم الاقتصاد الاجتماعي” وذلك على الرغم من تسجيل بأن “هناك احتشاما في طرح مسائل جوهرية” حددها في “الحسم في الاختيار الديمقراطي على الأرض، أو ما سبق أن سماه اليوسفي (..) بازدواجية الحكومة والدولة في المغرب”.
التغيير يحدث عبر مناهج بيداغوجية

فهل يمكن أن تتدارك اللجنة، ما قد يظهر من “ثغرات” كالانتقادات الموجهة إلى تقرير النموذج التنموي الجديد، منها التصريحات التي استقتها جريدة “الأيام” من فاعلين ومختصين ونشرتها في ملف خاص بعددها الأخير، الذي تصدر غلافه عنوان عريض مضمونه، “هل قال بنموسى كل الحقيقة القاسية التي طلبها منه الملك؟”، وهل توفق في “إحداث قطيعة مع المنهجية” التي اعتمدت في إعداد تقرير النموذج التنموي القديم، الذي اعتمد في تحريره “لغة محتشمة” وغياب “تشريح” قوي لعوائق التنمية، واقتراحات مبتكرة لحلها.
وإن كان المشروع لجأ واضعوه إلى النهل من “قاموس تقدمي، في الصياغة، ولكن في المقابل تم إفراغ مفاهيمه من محتواها، كما حصل مع “مفاهيم السيادة والوطنية واقتصاد الريع والعدالة الاجتماعية” وافتقاد التقرير الجرأة الكافية وذلك بـ “عدم المس بالخطوط الحمراء..” وتجنب الخوض في القضايا التي تمس عمق المشاكل، وهو ما جعل تشريحه للواقع كان “صائبا”، إلا أن “اقتراحاته ظلت مجرد متمنيات..”، كما يرى خبراء.

الحاجة لمخطط وطني شامل بديل لمخططات قطاعية

وإن كان هناك من يسجل (نجيب أقصبي الأستاذ والخبير الاقتصادي، في مقال نشرته منابر إعلامية)، أن غياب الانسجام في المخططات، يعود إلى أن كل مخطط يحضر بشكل معزول عن باقي القطاعات، وبالتالي، “تكون النتيجة المنطقية، هي أن منهجية المخططات القطاعية ليست صائبة”، وهو ما يتطلب إعادة الاعتبار للمخطط الوطني الشامل.
فالعجز المالي المزمن الذي ظلت تعاني منه مؤسسات الإعلام السمعي البصري، وذلك بسبب غياب نموذج اقتصادي حديث، وعجز مالي مزمن، و”شح الموارد، وارتفاع تكاليف الإنتاج والمضامين”، فإنه مع ذلك، لا يعفى المرء من التأكيد على ضرورة تحسين المنتوج، والارتقاء به على مستوى المضامين والمحتوى، مع فتح نقاش عمومي تساهم فيه كافة الأطراف المتدخلة والمعنية بالشأن الإعلامي والثقافي، باعتباره ذلك السبيل الكفيل بتحقيق تلك النقلة النوعية التي يحتاجها الإعلام السمعي البصري العمومي، حتى يكون بمقدوره في المرحلة الراهنة الاستجابة لتطلعات الجمهور.
وإن كان إصلاح الإعلام السمعي البصري العمومي يظل مطلبا مشروعا، فإن التغيير المنشود، يجب أن يحدث عبر مناهج بيداغوجية، بآليات حديثة، وبواسطة الإقناع، عوض الاكتفاء بالعزف المنفرد على وثيرة “الضائقة المالية” التي يعاني منها، بدعوى أن هذه المعوقات، ستحول دون “إنجاح القفزة المستقبلية، المرجوة من هذا التحول الإعلامي الجديد”، حسب ما جاء في تصريح سابق للمسؤول الأول عن هذا القطب السمعي البصري العمومي، أمام إحدى لجان مجلس النواب.

< بقلم: جمال المحافظ

Related posts

Top