دعا البيان العام الصادر في اختتام أشغال مؤتمر جمعية هيئات المحامين بالمغرب، أول أمس السبت، الحكومة إلى سحب جميع المستجدات الضريبية الواردة في مشروع قانون المالية لسنة 2023، لكونها تتعارض كلية مع مفهوم العدالة الجبائية، مع تبنيها مقاربة تشاركية من أجل التوافق على إقرار نظام جباني يراعي خصوصية مهنة المحاماة.
كما أشاد ذات البيان، بمواقف وتضحيات وصمود المحاميات والمحامين في حراكهم المهني والإيمان الراسخ بعدالة مطالبهم، مثمنا جميع الأشكال النضالية التي يخوضها المحاميات والمحامين رفضا للمقتضيات الضريبية الواردة في مشروع قانون المالية لسنة 2023، داعيا إلى استمرار الانخراط في كل الخطوات التي تقررها المؤسسات المهنية بوعي ومسؤولية من أجل إقرار نظام ضريبي عادل.
كما عبر البيان، عن رفضه لمسودة مشروع قانون مهنة المحاماة، وتأكيده عدم المشاركة في تنظيم امتحان الأهلية، مجددا التأكيد على تشبث المحاميات والمحامين المطلق بالتعاضدية العامة لهيئات المحامين بالمغرب، كإطار وحيد لضمان تغطية صحية كاملة لجميع المحاميات والمحامين وأسرهم مع تأكيده على أن النظام التعاضدي في قلب المشروع الوطني للحماية الاجتماعية ويستجيب الأهداف رسالته.
وكانت أشغال المؤتمر 31 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، المنعقد بمدينة الداخلة أيام 24 و25 و26 نونبر الجاري، قد افتتحت يوم الخميس الماضي، بحضور
724 مؤتمرة ومؤتمرا، بالإضافة إلى 146 من الضيوف يمثلون المنظمات العربية والافريقية للمحامين وممثلين عن هيئات المحامين من الدول الشقيقة والصديقة ونقباء عرب وأفارقة وأعضاء من السلك الدبلوماسي بكل من الداخلة والعيون وضيوف من المغرب يمثلون مختلف المهن القانونية والقضائية والهيئات السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية، كما حضي المؤتمر بتغطية وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة والرقمية. وفي مايلي تفاصيل عن هذا المؤتمر.
قال محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الخميس الماضي بالداخلة، إن مؤتمر جمعية هيئات المحامين بالمغرب، يَنْعقد في سياق تحولات كبرى تشهدها منظومة العدالة، لأن المرحلة تعرف تأسيس السلطة القضائية باعتبارها السلطة الثالثة في الدولة، وهي بذلك مرحلة بناء هياكل جديدة، ونقل السلط من جهات لأخرى، وتنظيم العلاقات بين السلطات، وإن كانت تخضع للدستور، فإن تنزيلها يتطلب الكثير من الحكمة والتعاون وتغليب المصلحة العامة، كما أن منظومة العدالة خلال هذه المرحلة ستتأثر بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يعرفها العالم اليوم.
وأضاف عبد النباوي، في افتتاح أشغال المؤتمر 31 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، المنعقد بمدينة الداخلة أيام 24 و25 و26 نونبر الجاري، تحت شعار “المحاماة بالمغرب، نضال وطني مستمر، أمن مهني ملحّ، وانتماء إفريقي دائم”، أن “احترام القضاء يعد فرضا واجبا على كافة الأشخاص”، وإن “المهنيين بأسرة العدالة هم أول المعنيين به، وهم من بين المسؤولين عن نشر هيبته والحفاظ على سلطته”، مضيفا أن “من يحترم مجالس القضاء ومقررات القضاء، لا يحترم رجالا ونساء هم القضاة، ولكنه يحترم رمزَ العدالة الأسمى، وصولجان السلطة الأعلى، ويكرس هبة القضاء الذي وُضِع ليَحكم بين الأطراف فيطاعُ حكمه”.
وناشد النباوي، في كلمته، المحامين بـ” تفهم أهمية دورهم في أداء القضاء لواجباته بحكم احتكارهم لمهنة الدفاع وتواجدهم الإجباري في أغلب المساطر، مما يجعل مساهمتهم في تلك المساطر ركنا أساسيا لفعالية ونجاعة العدالة، فضلا عن أهميته بالنسبة لحقوق موكليهم ومؤازريهم”.
والتمس عبد النباوي رئيس جمعية هيئات المحامين وأعضاءها، ونقباء الهيئات ومجالسها، وكافة المحاميات والمحامين، “تغليب المصلحة العامة، ومراعاة حقوق ومصالح موكليكم، ومعالجة الأزمة الحالية بالتعقل والحكمة والالتزام بأحكام القانون المتعلقة باستمرار الخدمات والمساهمة في الجلسات والإجراءات القضائية”، مضيفا: “أكيد أنكم ستجدون وسائل أخرى قانونية وشرعية للدفاع عن مصالح المنتسبين للمهنة دون الإضرار بمصالح الأطراف الذين تُمثلونهم، أو الإضرار بسير نظام العدالة”.
وختم عبد النباوي كلمته بالقول: “أرجو أن يسجل التاريخ غدا المواقف المشرفة لحكماء المهنة وقدمائها ونقبائها، وأن يذكر تعقل شباب المهنة وكافة المحامين والمحاميات في تدبير الأزمة باحترام للقانون، والحرص على السير السليم للمرفق القضائي، وعلى حقوق الأطراف، وليس ذلك بعزيز على محامين من طينة المحامي المغربي، المعروف بوطنيته، والتزامه بالقانون وبأخلاق المهنة”.
ومن جهته، قال الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، إن “مهنة المحاماة ساهمت في مجموعة من المحطات التي عرفها تاريخ العدالة المغربية خدمة لقضايا المجتمع، وأسهمت في إرساء المسار الديمقراطي والدفاع عن حقوق الإنسان والحريات”.
وأوضح الداكي، في كلمته، أن “مهنة المحاماة اضطلعت بأدوار أساسية أذكت الروح الوطنية من أجل المطالبة باستقلال المغرب”، مضيفا أنها ساهمت أيضا، إلى جانب باقي الفاعلين، في الدينامية التشريعية التي عرفتها البلاد من خلال العديد من التوصيات والمقترحات التي قدمتها بشأن مجموعة من النصوص القانونية، التي وسعت هامش الحقوق والحريات، وكرست ضمانات المحاكمة العادلة، بتنسيق وثيق مع باقي المتدخلين في مجال العدالة.
وكشف الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، في هذا الاتجاه، أهمية رسالة المحاماة التي “تنبع من جسامة الأمانة التي تتحملها في الإسهام في إقامة العدل، وصيانة الحقوق، وضمان مبدأ سيادة القانون في إطار المبادئ الكونية للعدالة”، مشيرا إلى أن المحاماة “تعكس مسارا طويلا من العمل الدؤوب والمتواصل حتى استطاعت أن تتبوأ المكانة التي تستحقها، على اعتبار أن الحق في الدفاع كان من أقدم الحقوق المعروفة في المجتمعات البشرية منذ أن وجدت الخصومة”.
وأضاف أن من شأن انعقاد المؤتمر 31 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب في هذه المرحلة الدقيقة وما سينكب على مناقشته من مواضيع بالغة الأهمية، أن “يشكل مناسبة سانحة لتوحيد الرؤى حول القضايا الكبرى التي تخدم مصلحة العدالة ببلادنا”، مشيرا إلى أن تعزيز مهنة المحاماة ودورها في مجال الدفاع عن صون الحقوق والحريات “يتطلب تكريس كل الطاقات والإمكانيات من أجل انخراط الجميع في تكريس مواصلة معالم الإصلاح للعدالة، الذي ينتظره منا جميعا القاضي الأول، جلالة الملك محمد السادس، ومن خلفه كل مواطن يرغب في الولوج إلى العدالة”.ودعا إلى مزيد من الانفتاح لأسرة الدفاع بالمغرب ومد جسور التعاون مع نظرائها ببعض الدول الإفريقية الشقيقة، لافتا إلى العوائد الإيجابية لهذا التوجه، والتي من شأنها تحقيق التكامل والاندماج بين أسرة الدفاع الإفريقية، والتي تتقاسم مرجعيات كونية موحدة تؤمن بقيم العدالة والمساواة والحرية.
أما رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، عبد الواحد الأنصاري، فدعا إلى بلورة مفهوم مهني يرتبط بالأمن في مجال مهنة المحاماة، يكون مستوعبا لجميع الإشكاليات المرتبطة به، سواء من الناحية القانونية أوالحقوقية أوالاقتصادية أو الاجتماعية، مسجلا الحاجة إلى تقوية المنظومة التشريعية في إطار مقاربة تشاركية.
وأضاف الأنصاري في معرض بسطه للعوائد الإيجابية للانفتاح على البعد الافريقي، أن هذا الأخير سيساهم أيضا في تقوية دور المحاماة بغرض بلورة “دبلوماسية موازية قوية وفعالة قوامها الترافع عن قضايانا الوطنية والدفاع عن مصالح بلادنا الاستراتيجية، بما يخدم التنمية والسلم بقارتنا بمنطق رابح رابح”.
أما نقيب هيئة المحامين بأكادير، نور الدين خليل، فذكر بأن مهنة المحاماة أسهمت في المحطات الفاصلة في تاريخ المغرب الحديث، وفي لبنات بناء دولة الحق والقانون والحريات، مشيرا إلى أنها “ساهمت وتساهم دائما في قضايا الوطن العليا، حينما اختارت عقد المؤتمر في هذا الجزء من الوطن، من خلال انخراطها في الدينامية التنموية التي تعرفها أقاليم جنوب المملكة”.
وأوضح أن الهيئة عملت على دعوة جميع الهيئات والتنظيمات المهنية للمحامين في الدول الجارة والشقيقة والصديقة لهذا اللقاء، لترسخ “سيادة المغرب على أرضه وتطلع العالم والرأي العام المهني الدولي على التقدم الباهر الذي يحققه وطننا”.
وكشف، من جهة أخرى، أن من أهم المواضيع التي يتناولها هذا المؤتمر هناك تحيين الإطار القانوني وتعديل قانون مهنة المحاماة، لافتا إلى هذا “الورش الذي استحوذ على اهتمام المحامين منذ أكثر من عشرين سنة، ولا زال يشكل محور اهتمام رئيسي”.
ويندرج تنظيم المؤتمر 31 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، والذي استضافته هيئة المحامين لدى محاكم الاستئناف بأكادير والعيون وكلميم، في سياق الاحتفالات المخلدة لحدثين وطنيين بارزين، هما ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة، وعيد الاستقلال المجيد، “وهو ما يعطيه الدلالات والأبعاد الرمزية، وليكون بذلك محطة تاريخية بأبعاد وطنية”. ويمثل المؤتمر “فرصة أمام الجميع لتقييم واقع مهنة المحاماة، ومناقشة مختلف التحديات والإكراهات التي تواجه المهنة، والتي تستدعي الكثير من الحزم واليقظة، لاستشراف مستقبل زاهر ومتطور للمهنة، باعتبارها جسرا مع إفريقيا والعالم العربي”.
وعرفت أشغال المؤتمر، الذي تواصل لثلاثة أيام، حضور، إضافة إلى المؤتمرات والمؤتمرين، شخصيات وفعاليات وطنية وإفريقية وعربية وأجنبية، ومحامين من الذين أبلوا البلاء الحسن وكان لهم حضور بارز في المسيرة الخضراء.وإضافة إلى تنظيم ورشات على شكل لجان موضوعاتية، صدر عنها مجموعة من التوصيات ستكون خلاصة البيان الختامي للمؤتمر 31 للمحامين المغاربة.
كما تم على هامش أشغال اللقاء، توقيع اتفاقيات شراكة وتعاون بين هيئات المحامين بالمغرب، والهيئات المماثلة لها في دول شقيقة وصديقة، هي موريتانيا والسنغال، إضافة إلى البينين والتوغو وجزر القمر والنيجر ومالي وبوركينافاسو وغينيا.
كما جرى تكريم شخصيات مرموقة في مجال المحاماة، من التي نذرت حياتها لخدمة العدالة وإسنادها. ويتعلق الأمر بكل من مبارك الطيب الساسي، وعبد اللطيف أعمو، والعبادلة بن محمد الأغظف، ومولاي حسن بن السعدي، وأحمد بوبريك، إضافة إلى نقيب المحامين بدولة فلسطين.
حسن عربي