كان حرارة الشمس لافحة في هذا اليوم من شهر غشت سنة 2005، رجال الدرك الملكي، الذين حضروا إلى عين المكان كانوا يتصببون عرقا، لكن ذلك لم يمنعهم من مباشرة التحريات وأخذ مجموعة من الصور للجثة الممدة فوق رمال البحر الحارة، والتي بدأت الرائحة النتنة تنبعث منها.
رجال الدرك الملكي لا يتركون شيئا للصدفة في مثل هذه الحالة، يتفحصون كل شيء بدقة بدءا من جثة القتيل، وانتهاء بمسح المحيط الذي وجدت فيه، وأخذ ما يكفي من العينات التي قد تفيد التحقيق، قبل إعطاء الأمر لعناصر الوقاية المدنية بنقل الجثة إلى مصلحة الطب الشرعي بالمستشفى من أجل التشريح. استمع رجال الدرك الملكي لإفادات بعض الشهود ممن عثروا على الجثة.
كانت استنتاجات رجال الدرك الملكي تكشف أن الأمر مرتبط بجريمة قتل، وأن الضحية تعرض لاعتداء بشع أصيب خلاله بعشرين طعنة عن طريق أداة حادة.
وعلى هذا الأساس، فإن المحققين المكلفين بالتحقيق في الجريمة لم يقفوا مكتوفي الأيدي حتى يتوصلوا بتقرير الطب الشرعي، بل قاموا بتوسيع البحث ليشمل بالإضافة إلى مسرح الجريمة الدواوير المجاورة المعروفة بالبناء العشوائي حيث مظاهر البطالة على أشدها بين الشباب الذي يتعاطى أغلبهم المخدرات وحبوب الهلوسة.
كانت جميع الفرضيات لدى الضابط المكلف بالبحث، تشير إلى احتمال تورط مشبوه أو مشبوهين من أبناء هذا الدوار أو ذاك في هذه الجريمة النكراء ولذلك ركز خلال تحقيقه على المخبرين من أبناء المنطقة.
ثلاثة أيام كانت كافية ليتوصل المحققون بمعلومة من أحد المخبرين، مفادها، أن القتيل معروف عنه استهلاك حبوب الهلوسة والمخدرات، وأنه يرافق كثيرا أحد المنحرفين حيث غالبا ما كانا يعاقران الخمر ويتعاطيان المخدرات على شاطئ البحر القريب.
وركزت المعلومة، على أن القتيل قبل أن يختفي عن الأنظار شوهد بصحبة المنحرف المذكور، وأنه بعد ذلك اختفى إلى حين تم اكتشاف جثته.
كانت هذه المعلومة بمثابة مفتاح لغز هذه الجريمة البشعة التي هزت سكان الضاحية، خصوصا، وأن المشتبه فيه اختفى عن الأنظار، ولم يعد أحد يراه منذ اليوم الذي كان فيه بصحبة الهالك يتعاطيان شرب الخمر و حبوب الهلوسة.
ركز المحققون في بحثهم عن المشتبه فيه، على الأماكن التي يتردد عليها بكثرة وعند أهله وأقربائه، لكن دون جدوى.
وفي إحدى الليالي من نفس الشهر، رن الهاتف بقاعة الاتصال بمصلحة الدرك الملكي، مخبر على الطرف الآخر يود إبلاغ معلومة مهمة إلى ضابط المداومة، مفادها أن المشتبه فيه، يتواجد صحبة مجموعة من المنحرفين بأحد المنازل بالحي المذكور. وما هي إلا دقائق معدودات، من تلقف هذه المعلومة القيمة، حتى أمر الضابط عناصره للاستعداد لمداهمة المنزل حيث يوجد المشتبه فيه، وحثهم على عدم إهدار هذه الفرصة، لأن الصيد ثمين ومن شأنه كشف ملابسات الجريمة المروعة التي هزت مشاعر سكان المنطقة.
تكللت العملية بالنجاح، وتم اعتقال المشتبه فيه، الذي حاول الفرار عبر تسلق جدار البيت والقفز إلى السطح، إلا أن يقظة عناصر الدرك الملكي حالت دون هروبه فتم تقييده واقتياده صحبة باقي المنحرفين إلى مصلحة الدرك الملكي.
أثناء التحقيق معه، حاول المشتبه به جاهدا إبعاد الجريمة عنه بالتذرع أنه يوم وقوع الجريمة، لم ير الضحية ولم يرافقه إلى الشاطئ ولم يعاقر معه الخمر، بل الأكثر من ذلك، أنه زعم بأنه لم يلتق بالضحية لأكثر من أسبوع عن وقوع الجريمة ، إلا أن تكثيف البحث معه من خلال أسئلة المحققين ومواجهته بتصريحات الشهود، ضيق عليه الخناق وجعله يرتبك في أكثر من مناسبة، ليعترف في الأخير بارتكابه الجريمة التي ذهب ضحيتها أحد ندمائه أثناء جلسة خمرية بشاطئ البحر.
وحسب اعترافات المتهم الذي أدل المحققين على المكان الذي خبأ فيه أداة الجريمة، فإن الواقعة تعود إلى كونه تعود على مرافقة الضحية من أجل تعاطي المخدرات وشرب الخمر بشاطئ البحر، وكما هي عادتهما دائما قبل النزول إلى شاطئ البحر، يتزودان بماء الحياة ويقتنيان ما يكفي من المخدرات لإحياء ليلة سمر.وأوضح المتهم سبب ارتكابه الجريمة، أنه بعد أن لعبت الخمرة برأسه ،لاسيما، حين استنزف الكمية التي جلبها معه إلى البحر، طلب من نديمه أن يشاركه في ما تبقى لديه من خمرة ومخدرات، إلا أن هذا الأخير رفض طلبه، مما جعله يذكره بعدد المرات التي أشركه فيها هو في حصته من الخمر والمخدرات. غير أن جليسه تشبث برفضه ولم يقبل اقتسام ما تبقى من المخدرات معه، مشيرا، إلى أنه حاول أن يسلب نديمه الكمية المتبقية معه، ليدخلا على إثر محاولته هذه في تشابك بالأيدي وتبادل الرشق بالحجارة حيث مالت الكفة لغريمه، مما زاد من غضبه فما كان منه، يقول المتهم، سوى إخراج سكين كبير كان يخفيها بين ملابسه ثم وجه بها عدة طعنات إلى غريمه الذي سقط فوق رمال الشاطئ مضرجا في الدماء. عندها يضيف المتهم، أخذ منه الكمية المتبقية لديه من ماء الحياة والمخدرات وغادر الشاطئ إلى مكان مهجور بعيد عن مسرح الجريمة حيث أكمل شرب الخمرة واستهلاك المخدرات.
وعند استكمال البحث مع المتهم تم تقديمه إلى محكمة الاستئناف بالقنيطرة التي قضت في حقه ، ب25 سنة حبسا نافذا من أجل القتل العمد.