وجوه فنية راسخة في القلوب والذاكرة-الحلقة 6-

يضرب المغاربة منذ سنوات طويلة، موعدا خاصا واستثنائيا خلال شهر رمضان الأبرك، مع وجوه فنية مميزة ومتألقة تضفي طابعا خاصا على مائدة الإفطار العائلي، وتزيد من قوة الطابع الاستثنائي لهذا الشهر الفضيل، سواء عبر الشاشة من خلال الوصلات الفنية المتنوعة طيلة اليوم، أو عبر المواعيد المباشرة مع جمهور الركح أو السينما أو الحفلات…
وتتميز الساحة الفنية المغربية بصعود أسماء جديدة بشكل متواصل، إلا أن هناك وجوها فنية خاصة ألفها المغاربة وأصبح غيابها عن الساحة بشكل عام وخلال الشهر الفضيل بشكل خاص، يشعرهم بفجوة في أجواء رمضان.
ورغم أن الأسماء الجديدة منها ما تميز وأبدع ووصل إلى قلوب المغاربة، إلا أنه من الصعب جدا تعويض الوجوه التي كبر وترعرع معها جيل من المغاربة وشكلت جزءا كبيرا من ذكرياتهم، حيث إنه في الأخير يبقى للجيل الجديد دوره ومكانته في إغناء الساحة، لكن ما من أحدهم قد يعوض آخر أو يحتل مكانته، خاصة في الذاكرة والقلوب.
وحيث إننا نضرب موعدا خلال هذا الشهر الكريم مع إبداعات فنية متنوعة سواء عبر الشاشة أو المسرح والسينما وغيرهما، يساهم فيها خليط من أجيال متعددة، سنستغل هذه المناسبة بجريدة بيان اليوم، لنستحضر عددا من الوجوه الفنية المغربية التي غادرتنا إلى دار البقاء في مجالات التمثيل والغناء التمثيل والإخراج، التي بصمت الساحة الفنية الوطنية بعطاءات ظلت شاهدة على تفرد موهبتها، التي رسختها في سجل تاريخ الفن بالمغرب والعالم بمداد من ذهب.

الراحلة شامة الزاز.. أيقونة العيطة الجبلية يتوقف المهدي عن نقاش الماركسية وأدبياتها، ليضع حدا لهذيانه

ظلت المطربة المغربية الراحلة شامة الزاز على مدى عقود طويلة، مرادفا للغناء “الجبلي” الذي يحظى بشعبية واسعة في شمال المغرب، لكن الفنانة البارزة أطلت على جمهورها، قبل رحيلها وهي تعاني الفقر والمرض.

ورأت شامة الزاز النور في إحدى قرى إقليم تاونات، شمالي المغرب، وتزوجت في الرابعة عشرة من العمر، لكنها ترملت بعد أربع سنوات فقط.

ودخلت شامة إلى مجال الفن، في فترة محافظة، إذ لم يكن من السهل أن تصبح المرأة مطربة في القرى، وجرى النظر إلى امتهان الغناء بمثابة عيب، وهذا الأمر جعلها تتخفى في البداية وغنت بأسماء مستعارة.

وتعاونت شامة الزاز مع الفنان المغربي الراحل، محمد العروسي، وتكللت المسيرة الفنية بطرح العشرات من الأشرطة.

لكن هذه المسيرة لم تدر ثروة على شامة، بحسب ما كشفت عنه في مقابلة صحفية، قائلة إنها ظلت تتلقى مقابلا زهيدا لإحياء الحفلات والأعراس.

ولم يقتصر مسار شامة على الأعراس، بل حضرت على نحو لافت في مختلف المهرجانات الوطنية، وشاركت في سهرات كثيرة على القنوات التلفزيونية في المغرب.

وتوصف شامة بالفنانة القوية، لأنها أبدعت في لون “الطقوقة الجبلية” طيلة عقود، كما أنها برزت من خلال صوتها القوي والصادح، بخلاف الأصوات الحديثة التي تعتمد على محسنات تقنية لأجل الغناء داخل الاستوديو.

وتبدأ أغاني الطقطوقة الجبلية في حالات كثيرة من خلال ما يعرف بـ”العيوع” وهو يشبه “الموال” إلى حد كبير، ويكون مقدمة نحو الأغنية.

وتتطرق أغاني الطقطوقة الجبلية إلى عدد من المواضيع، فتركز على عاطفة الحب وعادات المجتمع، وفي أحيان أخرى، تتحدث عن الهجرة وحرقة المغتربين.

ومن بين أشهر أغاني “الطقطوقة الجبلية” في المغرب “توحشتك الوالدة” (اشتقت إليك يا أمي)، و”ركبت على عين زورة” ومعناها (لما صرت على مشارف عين زورة (قبيلة).

ونظمت شامة كلمات ما يزيد عن 50 أغنية، وكانت كلماتها سواء التي ألفتها ولحنتها أو تلك التي غنتها تعبر عن معاناتها كامرأة وأرملة مسؤولة عن ولدين، حكت فيها عن صبرها وجهدها لتوفر لهما الحياة الكريمة.

وغنت لطفليها في إحدى أغانيها قائلة “أولادي والزمن حار باباكم مات وخوات علي الدار”؛ أي (يا أولادي إن الزمن قاس، والدكم مات وأصبح المنزل خاويا).

الفنانة الراحلة شامة الزاز المولعة بالعيطة الجبلية تحدت العادات والتقاليد، فكانت توهم عائلتها بأنها ذاهبة للعمل في الفلاحة؛ لكنها كانت تغني في الأعراس والمناسبات باسم مستعار هو “نجمة الشمال” إلى أن انكشف المستور.

“كانت فترة صعبة” كما قالت شامة في تصريح سابق “للجزيرة نت”، وهي تحفر عميقا في ذاكرتها، فعائلتها لم تقبل الوضع وضغطت عليها للتوقف عن الغناء، حتى أن عمها قاطعها 14 عاما؛ إلا أن الضغوط لم تثنها عن المضي في شغفها.

بلباسها التراثي المميز المكون من شاشية ملونة (قبعة من الدوم مزينة بخيوط صوف ملونة) وسبنية (اسم غطاء الرأس في مدن الشمال) وفواطة (ثوب مخطط تضعه النساء على الجزء الأسفل من أجسادهن) على عادة نساء الشمال غنت شامة في المهرجانات والحفلات داخل المغرب وخارجه، نقلت صوت المرأة الجبلية، فأطربت الجمهور، واهتزت الخشبة تحت قوة صوتها الجبلي الأخاذ.

< عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top