وجوه فنية راسخة في القلوب والذاكرة – الحلقة 12-

يضرب المغاربة منذ سنوات طويلة، موعدا خاصا واستثنائيا خلال شهر رمضان الأبرك، مع وجوه فنية مميزة ومتألقة تضفي طابعا خاصا على مائدة الإفطار العائلي، وتزيد من قوة الطابع الاستثنائي لهذا الشهر الفضيل، سواء عبر الشاشة من خلال الوصلات الفنية المتنوعة طيلة اليوم، أو عبر المواعيد المباشرة مع جمهور الركح أو السينما أو الحفلات…
وتتميز الساحة الفنية المغربية بصعود أسماء جديدة بشكل متواصل، إلا أن هناك وجوها فنية خاصة ألفها المغاربة وأصبح غيابها عن الساحة بشكل عام وخلال الشهر الفضيل بشكل خاص، يشعرهم بفجوة في أجواء رمضان.
ورغم أن الأسماء الجديدة منها ما تميز وأبدع ووصل إلى قلوب المغاربة، إلا أنه من الصعب جدا تعويض الوجوه التي كبر وترعرع معها جيل من المغاربة وشكلت جزءا كبيرا من ذكرياتهم، حيث إنه في الأخير يبقى للجيل الجديد دوره ومكانته في إغناء الساحة، لكن ما من أحدهم قد يعوض آخر أو يحتل مكانته، خاصة في الذاكرة والقلوب.
وحيث إننا نضرب موعدا خلال هذا الشهر الكريم مع إبداعات فنية متنوعة سواء عبر الشاشة أو المسرح والسينما وغيرهما، يساهم فيها خليط من أجيال متعددة، سنستغل هذه المناسبة بجريدة بيان اليوم، لنستحضر عددا من الوجوه الفنية المغربية التي غادرتنا إلى دار البقاء في مجالات التمثيل والغناء التمثيل والإخراج، التي بصمت الساحة الفنية الوطنية بعطاءات ظلت شاهدة على تفرد موهبتها، التي رسختها في سجل تاريخ الفن بالمغرب والعالم بمداد من ذهب.

الراحل محمد الغاوي.. الراقي المتألق أحد أعمدة الأغنية المغربية

غيب الموت، خلال فبراير الماضي، الفنان المغربي، أحد أعمدة الأغنية المغربية المعاصرة، محمد الغاوي، عن 67 عاما، في المستشفى العسكري بالعاصمة الرباط.

وولد محمد الغاوي بمدينة سلا سنة 1956 وترعرع بأحد أحيائها الشعبية، وتربى على القيم والتقاليد المغربية داخل أسرة تعشق الفن والنغم والطرب؛ اهتم بالموسيقى منذ طفولته حيث انضم إلى فرقة “الجيل الصاعد” عن سن السابعة، ثم التحق ببرنامج “مواهب” الذي كان يشرف عليه الفنان عبد النبي الجيراري.

أمضى الغاوي في ذلك البرنامج 10 سنوات جاور فيها عدة فنانين سيشكلون الجيل الجديد من الموسيقى المغربية مثل محمود الإدريسي والبشير عبدو وليلى غفران وعز الدين منتصر ومحمد بلخياط.

يحكي محمد الغاوي أنه كان يتلقى مبلغ 60 درهما أسبوعيا يساعد به والدته، كما كان يشارك في تنشيط الأعراس.

شارك الغاوي في مسابقة “أضواء المدينة” سنة 1979 والتي نظمتها الإذاعة الوطنية. وفاز بجائزة أحسن صوت رجالي عن أغنية “مضناك جفاه مرقده” للموسيقار محمد عبد الوهاب، بينما فازت الفنانة رجاء بلمليح بجائزة أحسن صوت نسائي عن أغنية “وحقك أنت المنى والطلب” لأم كلثوم.

كانت الجائزة تقتضي أن تعمل دار الإذاعة على تسجيل أغنية للفائز، حيث سجل الغاوي أغنيته المعروفة “الغربة والعشق الكادي” من كلمات علي الحداني، وكانت تلك هي بدايته الحقيقية في مجال الفن.

ومن أعمال الفنان الراحل محمد الغاوي “أنا الغريب” و”الغربة” و”المثل العالي” و”امحي من بالك أني ديالك”، و”بالفرحة لقاني” و”حلفت أنا ما نبقاش نحب” و”سامعني” و”سيدي ياك انت اللي بغيتي” و”صبرت شهر نصبر سنة” و”قصيدة أعود إليك” و”ما منك زوج- تسجيل حفل” و”هدا شحال” و”يا قائد البلاد” و”ياك القلب”.

وبالموازاة مع الغناء، شغل محمد الغاوي منصب محافظ في استوديو برنامج “مواهب” المتخصص في اكتشاف المواهب الشابة، ثم مدرسا للتعليم الأولي فالإعدادي.

وعرف الراحل الغاوي بعلاقاته الودية مع زملائه وأصدقائه الفنانين، الذين كان حريصا على أن يكون إلى جانبهم في الأفراح والأتراح ويقدم لهم يد المساعدة عند المرض أو الحاجة. كما عرف عنه أنه كان خدوما وإيجابيا ومتفائلا ينثر الطاقة الإيجابية من حوله.

لم يكن الغاوي يحقد على أحد، وكان مؤدبا ودبلوماسيا يبتعد ما أمكن عن النزاعات والصراعات، ويتفادى الاصطدامات والمواجهات. كما كان أنيقا وحريصا على الظهور دائما بمظهر راق، سواء في حفلاته أو في إطلالاته الصحافية والإعلامية. 

وصفه جلالة الملك محمد السادس في برقية العزاء التي بعث بها جلالته إلى أسرته، بالفنان المحبوب والمتألق، وقال عنه إنه رائد من رواد الأغنية المغربية المعاصرة، الذي بصم الحقل الفني الموسيقي المحلي برصيد من الأغاني الشجية المتنوعة والمفعمة بالروح الوطنية الصادقة.

حظي الغاوي طيلة مساره بعدد مهم من التكريمات التي جاءت اعترافا بمكانته في الساحة الفنية المغربية، أبرزها توشيحه من طرف جلالة الملك محمد السادس بوسام المكافأة الوطنية من درجة فارس، الأمر الذي أثلج صدره آنذاك، معبرا عن فخره وسعادته بـ “تتويج خاص” في مساره.

عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top