وجوه فنية راسخة في القلوب والذاكرة -الحلقة 16-

يضرب المغاربة منذ سنوات طويلة، موعدا خاصا واستثنائيا خلال شهر رمضان الأبرك، مع وجوه فنية مميزة ومتألقة تضفي طابعا خاصا على مائدة الإفطار العائلي، وتزيد من قوة الطابع الاستثنائي لهذا الشهر الفضيل، سواء عبر الشاشة من خلال الوصلات الفنية المتنوعة طيلة اليوم، أو عبر المواعيد المباشرة مع جمهور الركح أو السينما أو الحفلات…
وتتميز الساحة الفنية المغربية بصعود أسماء جديدة بشكل متواصل، إلا أن هناك وجوها فنية خاصة ألفها المغاربة وأصبح غيابها عن الساحة بشكل عام وخلال الشهر الفضيل بشكل خاص، يشعرهم بفجوة في أجواء رمضان.
ورغم أن الأسماء الجديدة منها ما تميز وأبدع ووصل إلى قلوب المغاربة، إلا أنه من الصعب جدا تعويض الوجوه التي كبر وترعرع معها جيل من المغاربة وشكلت جزءا كبيرا من ذكرياتهم، حيث إنه في الأخير يبقى للجيل الجديد دوره ومكانته في إغناء الساحة، لكن ما من أحدهم قد يعوض آخر أو يحتل مكانته، خاصة في الذاكرة والقلوب.
وحيث إننا نضرب موعدا خلال هذا الشهر الكريم مع إبداعات فنية متنوعة سواء عبر الشاشة أو المسرح والسينما وغيرهما، يساهم فيها خليط من أجيال متعددة، سنستغل هذه المناسبة بجريدة بيان اليوم، لنستحضر عددا من الوجوه الفنية المغربية التي غادرتنا إلى دار البقاء في مجالات التمثيل والغناء التمثيل والإخراج، التي بصمت الساحة الفنية الوطنية بعطاءات ظلت شاهدة على تفرد موهبتها، التي رسختها في سجل تاريخ الفن بالمغرب والعالم بمداد من ذهب.

الراحل أنور الجندي.. فنان متعدد المواهب

غادر دنيانا، في شتنبر 2020، عن عمر يناهز الـ 57 سنة المسرحي المغربي أنور الجندي، بعد صراع مع المرض، أنهى مسيرة طويلة من العطاء الفني والإبداعي.

الراحل أنور الجندي ابن بط عوام عرف كيف يسبح في بحيرة الفنون، فخبر أصول التشخيص منذ نعومة أظافره، ولم لا وهو ابن الراحل الممثل المغربي ذي الصيت العربي الشهير محمد حسن الجندي صاحب أدوار تاريخية مع مخرجين عالميين في أفلام تاريخية، ومن أبرز تلك الأفلام “القادسية” لصلاح أبو سيف و”الرسالة” لمصطفى العقاد و”ظل فرعون” لسهيل بن بركة وغيرها.

تألق أنور الجندي في مسلسلات عربية شهيرة منها “صقر قريش” للمخرج حاتم علي، وقد لعب فيه دور الأمير يوسف الفهري أمير قرطبة، فضلا عن “آخر الفرسان” للمخرج نجدة إسماعيل أنزور و”الطارق” للمخرج أحمد صقر و”الخنساء” للمخرج صلاح أبو هنود وغير ذلك.

وتدرج أنور – وهو ابن الممثلة المقتدرة فاطمة بنمزيان – منذ صباه في سلم الحياة الفنية خاصة على مستوى المسرح، فظل لصيقا بالفن متأثرا بوالديه رحمهما الله وبأصدقائهما من الفنانين، مما جعل رصيده الفني يتطور بشكل ملفت بالدراسة والاحتكاك والممارسة.

ولعل انتماءه إلى مدينة مراكش أسهم هو الآخر في إثراء ذائقته الفنية الموهوبة على مستوى التمثيل والكتابة والإخراج والإنتاج لما تشكل هذه المدينة من مرجعية تاريخية وحضارية وفنية كبيرة، وقد تشبع في هذا الإطار بسحر الفنون الشعبية لمدينة مراكش، خاصة على مستوى ساحتها الشهيرة “جامع الفنا” التي اختارتها منظمة اليونسكو تراثا إنسانيا عالميا.

على المستوى المسرحي شخص الراحل أنور الجندي أدوارا قوية منذ صغره، لعل أبرزها دوره في مسرحية “القضية” التي أداها سنة 1974 وهو لم يتجاوز 13 سنة، وتتطرق المسرحية للقضية الفلسطينية، وقد أبان فيها عن حس فني واعد وتشخيص مفعم بالحماسة واكتشاف عالم الركح.

من جانب آخر، ظل مسرح الطفل راسخا في ذاكرة الجندي، حيث تنوع ارتباطه بهذا اللون الفني كمخرج وممثل من أجل إسعاد الأطفال، وذلك من خلال عدد من الأعمال من أبرزها مسلسل ”شندل ومندل” و”معاهدة المحبة”، فضلا عن “عمي الزلط” و”ماما فلفلة” و”التضامن” و”نعمة الحياة”.

ضمن مسيرته المسرحية عرف عن أنور الجندي تأليفه الغزير للكثير من المسرحيات، وقد أخرجت بعضها أخته هاجر الجندي، ومنها “المليونير” و”سطار أكاذيبي” و”بنت الشعب” و”السلامة وستر مولانا” و”الله يطعمنا حلال” والدربوكة الطرونجي” وغيرها

كما اشتهر الجندي بتنظيم جولات مسرحية خارج المغرب ضمن فرقة مسرح فنون التي أسستها والدته في الثمانينيات من القرن الماضي، خاصة بأوروبا وكندا وأفريقيا والولايات المتحدة للقاء الجمهور المغربي والعربي، وذلك من خلال مسرحياته التي تتطرق لمواضيع اجتماعية وعائلية آنية في قالب كوميدي هادف يروق الكبار والصغار.

بالإضافة إلى التأليف والتمثيل فقد قام أنور الجندي بإخراج عدة أعمال مسرحية منها “صياد النعام” و”راجلي ولد مو”، إضافة إلى مسلسلات إذاعية غزيرة كممثل ومخرج ومنتج سلطت الضوء على العديد من رموز الفكر والثقافة والتراث والطب والحضارة.

وحظيت مسلسلاته الإذاعية بمتابعة مهمة من قبل المستمعين، ومن أبرزها “خالد بن الوليد” و”مالك ابن أنس” و”ابن رشد” و”ليلة القدر” و”إيليا أبو ماضي” و”باستور” و”أحمد شوقي” و”حسان بن ثابث” و”أبو الطيب المتنبي” وغيرها.

على مستوى السينما بصم الراحل أنور الجندي على تجربة محترمة من خلال عدة أفلام مغربية ودولية، ومنها الفيلم الإسباني “الرحيل في إحدى الجزر” و”طبول النار”، وهو إنتاج مشترك إيطالي مغربي، فضلا عن دوره المهم في الفيلم الفرنسي “ماري دون زارايت”، وكذا في العديد من الأفلام التلفزيونية.

كما لعب دورا أساسيا في الفيلم المغربي “عبدو في عهد الموحدين” لمخرجه سعيد الناصري من خلال تشخيص دور السلطان المغربي يعقوب المنصور الموحدي، وهو الفيلم الذي حقق إيرادات مهمة منذ طرحه في القاعات السينمائية سنة 2006.

وعلى المستوى العربي برز اسم أنور الجندي من خلال تألقه إلى جانب عدد من نجوم الدراما العربية مثل جمال سليمان والراحلة ثريا جبران ومحمد مفتاح ومي سكاف وتيم حسن ونسرين طافش في عدد من المسلسلات الدرامية، منها “ملوك الطوائف” و”ربيع قرطبة” للمخرج حاتم علي.

عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top