وجوه فنية راسخة في القلوب والذاكرة -الحلقة 18-

يضرب المغاربة منذ سنوات طويلة، موعدا خاصا واستثنائيا خلال شهر رمضان الأبرك، مع وجوه فنية مميزة ومتألقة تضفي طابعا خاصا على مائدة الإفطار العائلي، وتزيد من قوة الطابع الاستثنائي لهذا الشهر الفضيل، سواء عبر الشاشة من خلال الوصلات الفنية المتنوعة طيلة اليوم، أو عبر المواعيد المباشرة مع جمهور الركح أو السينما أو الحفلات…
وتتميز الساحة الفنية المغربية بصعود أسماء جديدة بشكل متواصل، إلا أن هناك وجوها فنية خاصة ألفها المغاربة وأصبح غيابها عن الساحة بشكل عام وخلال الشهر الفضيل بشكل خاص، يشعرهم بفجوة في أجواء رمضان.
ورغم أن الأسماء الجديدة منها ما تميز وأبدع ووصل إلى قلوب المغاربة، إلا أنه من الصعب جدا تعويض الوجوه التي كبر وترعرع معها جيل من المغاربة وشكلت جزءا كبيرا من ذكرياتهم، حيث إنه في الأخير يبقى للجيل الجديد دوره ومكانته في إغناء الساحة، لكن ما من أحدهم قد يعوض آخر أو يحتل مكانته، خاصة في الذاكرة والقلوب.
وحيث إننا نضرب موعدا خلال هذا الشهر الكريم مع إبداعات فنية متنوعة سواء عبر الشاشة أو المسرح والسينما وغيرهما، يساهم فيها خليط من أجيال متعددة، سنستغل هذه المناسبة بجريدة بيان اليوم، لنستحضر عددا من الوجوه الفنية المغربية التي غادرتنا إلى دار البقاء في مجالات التمثيل والغناء التمثيل والإخراج، التي بصمت الساحة الفنية الوطنية بعطاءات ظلت شاهدة على تفرد موهبتها، التي رسختها في سجل تاريخ الفن بالمغرب والعالم بمداد من ذهب.

الراحل محمد حسن الجندي.. عاشق المؤانسة وملك الشاشة المغربية

 بعد مسار حافل في السينما والمسرح، غادرنا في فبراير 2017، الممثل المغربي محمد حسن الجندي، ابن مدينة مراكش التي توفي بها كذلك، عن سن يقارب 79 سنة.

تجاوزت شهرته المغرب إلى بقية البلدان العربية، بفضل أدائه لعدة أدوار في أفلام ومسلسلات عربية ناجحة، منها تقمصه لشخصية أبي جهل في فيلم “الرسالة” لمصطفى العقاد عام 1976، أشهر الأفلام العربية التي تناولت نشأة الإسلام.

ولد محمد حسن الجندي عام 1939، وبدأ مساره بالفن المسرحي قبل الانتقال إلى الشاشة الصغيرة ثم الكبيرة، وعلاوة على تميزه في المسرح والتلفزيون، فقد سطع خلال فترة من الفترات إعلاميا بهيئة الإذاعة البريطانية في لندن، حيث كان يقدم برنامج “كشكول المغرب”، كما أسس شركة للإنتاج الفني قدمت عددا من الأعمال.

وارتبط اسم حسن الجندي كذلك بأسرته الصغيرة التي تميز عدة أفراد منها في عالم التمثيل، كزوجته الراحلة فاطمة بنمزيان، وابنته هاجر الجندي، وابنه الراحل أنور الجندي. وقد نال حسن الجندي عدة جوائز وتكريمات منها أنه كان أول ممثل مغربي يكرّم بمهرجان مراكش الدولي للفيلم، كما تلقى وسام الثقافة من جمهورية الصين الشعبية.

ومن أشهر الأفلام والمسلسلات التي شارك بها الراحل: شخصية عتبة بن ربيعة بفيلم ومسلسل عمر عام 2013 و2012، دور زفر بن الحارث بمسلسل فارس بن مروان، دور يوسف الفهري بمسلسل صقر قريش، دور شواش بمسلسل آخر الفرسان عام 2002، أحد أدوار البطولة بفيلم بامو عام 1983، دور رستم بفيلم القادسية عام 1981، دور صخر بن عمرو في مسلسل الخنساء عام 1977، ودور أبو جهل في فيلم الرسالة عام 1976.

وبخصوص الدراسة والتكوين، فقد درس في الكتاب القرآني والتحق بعدها بمدرسة ابن يوسف التاريخية، واهتم بالشريعة وعلوم الدين.

اعتقد والده أن الدراسة في المدارس العصرية انسلاخ عن الشخصية الوطنية فمنعه من الالتحاق بها، وبعد الضغط عليه سمح له بالذهاب إليها شريطة ألا يلتحق بمدرسة تدرّس اللغة الفرنسية، فالتحق  بالمدرسة الحسنية عام 1946 التي كان يديرها أحد الزعماء الوطنيين، وهناك تعرف على المسرح  لأول مرة. تزوج من الفنانة فاطمة بنمزيان الممثلة الإذاعية، وله ثلاثة أولاد.

أما الوظائف والمسؤوليات، فاشتغل أساسا بالفن والتمثيل والإخراج، وعمل كما أشرنا آنفا، في السبعينيات في هيئة الإذاعة البريطانية بلندن معدّا ومقدما لبرنامج “كشكول المغرب”.

ترأس مندوبية وزارة الثقافة في مراكش خلال الفترة 1992-1999، وعمل محاضرا في مادة الإلقاء بالمعهد العالي للتنشيط الثقافي والفن المسرحي بالرباط.

أدار شركة جندي للإنتاج الفني التي أنتجت أعمالا فنية متعددة، منها مسرحيات: شاعر الحمراء، والمتنبي في جامع الفنا، وسلسلة غضبة، وفيلم ثعلب أصيلة.

من جهة أخرى، يعدّ محمد حسن الجندي رجلا محافظا، عشق اللغة العربية وناهض تمييع الفن، وقال “أجد نفسي حيثما كان هناك فن نبيل يحترم الذوق ومشاعر الناس. أنا لست من أولئك الذين يسفّهون العمل الفني، ويغرقون الإبداع في الإباحيات”.

وبخصوص تجربته الفنية؛ بدأت مسيرته الفنية من مسرح الهواة بمراكش في فرقة “الوحدة” ثم فرقة “الأمل” عام 1957، حيث جمع أفضل الممثلين المراكشيين، والتحق بعدها عام 1958 بالإذاعة الوطنية بالرباط.

نحت مكانته في عالم الفن نحتا، وتميز في الأعمال الفنية التي شارك فيها وطنيا وعربيا، مستفيدا في ذلك من مؤهلاته المميزة كتمكنه من اللغة العربية وقوة صوته وطلاقة لسانه.

نال إعجاب مخرجين من الشرق العربي واهتمامهم، وشارك في أدوار البطولة في عدد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية التاريخية، ومن أشهر الأدوار التي أداها دور “أبو جهل” في فيلم “الرسالة” بالنسخة العربية لمخرجه مصطفى العقاد، ودور “كسرى” في النسخة الإنجليزية.

ورفض المشاركة في فيلم “لورنس العرب” بسبب الأدوار الثانوية المقترحة على الفنانين المغاربة.

كما لعب دور رستم في فيلم “القادسية” مع المخرج صلاح أبو سيف، ودور صخر في “الخنساء”، وشارك في “آخر الفرسان” مع  نجدة إسماعيل أنزور، وأدى دور عتبة بن ربيعة في مسلسل عمر بن الخطاب.

وعلى المستوى المغربي شارك في أعمال كثيرة، مثل: “ظل الفرعون” و”طبول النار” للمخرج سهيل بن بركة، و”بامو” لإدريس المريني، و”مطاوع وبهية”، والسلسة الإذاعية “العنترية”، والمسرحيات الوطنية الاستعراضية التار

يخية كثلاثية ملحمة المجد. ولعل أشهر عمل درامي أنجزه وقدمه الراحل محمد حسن الجندي وارتبط تاريخيا باسمه هو المسلسل الإذاعي الشهير “الأزلية” التي لعب فيها دور “سيف بن ذي يزن” وكان مخرجها..

ورغم أنه أصبح واحدا من عمالقة الفن المغربي ورموزه، فإن النجومية لم تغيره وبقي على طبيعته المتواضعة مقتنعا بأن “الشهرة قاتلة للأغبياء”.

هذا وحصل محمد حسن الجندي على أوسمة وجوائز عديدة، منها: وسام الثقافة من جمهورية الصين الشعبية، ووسام “عملة باريس” من مركز العالم العربي بباريس عام 1999، و”نجمة مراكش” في النسخة الثانية من مهرجان مراكش الدولي للفيلم.

وكرم في الدورة التاسعة من الملتقى الدولي للفيلم عبر الصحراء، كما كرم في فبراير 2013 على هامش الدورة الثالثة لمهرجان “مغرب المديح” في الرباط بحضور رئيس الحكومة المغربية.

لكن شقته أصابها – في مارس 2014 – حريق بسبب تماس كهربائي، التهم جزءا كبيرا من جوائزه الفنية وشهاداته العربية والدولية.

عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top