في سنة 2007 بالتمام والكمال، تمخضت الحساسية الفنية للمخرج المسرحي والكاتب والفنان عبد المولى الزياتي، الذي رحل إلى دار البقاء قبل أيام ، فنتج عنها العمل المسرحي الرائع ” مقامات الزيات لعشاق التراث”، لتكرس بذلك خطوات محسوبة في مجال الفن الرابع بدأت في سبعينيات القرن الماضي .
هذا العمل ، الذي جرى تأليفه بعناية فائقة ، يعطي صورة واضحة عن مخرج مسرحي وكاتب أكد على علو كعبه في مجالات عدة ، بل أكثر من ذلك يجسد منعطفا في مسار الزياتي الذي يعد حقا ، شعلة فنية متقدة أضاءت المشهد الفني لسنوات طوال ، فكانت النتيجة حصادا وفيرا تجسد في ريبيرطوار غني ومتنوع جمع بين الشعر والمسرح والنقد، واستثمر بشكل ذكي أشكالا درامية تراثية، والمحكي الشعبي، والسرد العربي القديم .
ودون مبالغة ، فإن الأمر يتعلق برائد من رواد الفن الرابع من طينة ، عبد الكريم برشيد، والطيب الصديقي، والطيب لعلج ، ومحمد مسكين، والمسكيني الصغير، وحسن المنيعي ، وعز الدين بونيت ، وعبد الحق الزروالي، ومحمد الكغاط ، وغيرهم من الذين أثروا المشهد الفني الوطني والعربي لسنوات طوال .
ويكفي استحضار بعض من أعمال الزياتي ، التي تدل على مكانته ، منها في مجال المسرح ، ” الدكتور الحريور سنة 1972 “، و” المسرحية سنة 1973 “، و ” البطل وكلب المدينة/ 1974 “، و”سقوط الأقنعة سنة 1975 ” ، و ” امسرحاه سنة 1976 ” ، و”عودة المجذوب سنة 1983 ؛ و” أمجاد بلادي سنة 1986) ، و” ليكسوس والمليحات الثلاث سنة 2001 ” ؛ و” ثلاث نصوص مسرحية سنة 2005 “، و” مقامات الزيات لعشاق التراث سنة 2007 “.
كما أصدر الراحل الزياتي ، الذي شارك بالتمثيل في عدد من الأفلام السينمائية الطويلة والقصيرة وبعض الأعمال التلفزيونية ، العديد من الأشعار من بينها ديوان ” أميرة المدن ” الذي كتبه في حب مدينة العرائش الساحلية مسقط رأسه ، التي ولد بها عام 1952 .
ومادام الرجل يحمل مواهب عدة ويمتلك قدرة كبيرة على الإنتاج والاشتغال في مجالات متعددة ، فقد كان نشيطا في العديد من التظاهرات الثقافية والفنية والمهرجانات ، بل محركها الحقيقي ، كما عمل في وزارة الشباب والرياضة كإطار ، حيث عمل في العديد من المراكز في هذا القطاع إلى أن تقاعد .
وللزياتي أيضا نشاط جمعوي بدأه في وقت مبكر، حيث كانت له إسهامات كبيرة في مسرح الهواة منذ بداية سبعينيات القرن العشرين .
وبالعودة إلى استثمار عبد المولى للتراث ، فإنه يتخذ عدة أشكال ، منها طريقته البارزة بشكل جلي في مسرحية ” مقامات الزيات لعشاق التراث “، حيث ينطلق من أدب المقامات كما هو معروف في العصر العباسي لدى بديع الزمان الهمداني والحريري ليوظفه مسرحيا ودراماتورجيا ، على شاكلة ما كان يفعل الطيب الصديقي .
ذلك أن عبد المولى الزياتي لجأ إلى إنتاج مقامات موظفا التراث وحكاياته في التعاطي مع مجموعة من المواضيع تهم المجتمع المغربي مثل التعليم والصحة والسكن والشغل والهجرة وغيرها.
وفي سياق آخر يستثمر الزياتي تقنيات الفانطاستيك والأشكال الاحتفالية ، في مسرحيته “الرزامة”، كما وظف تقنية المسرح داخل المسرح في أعمال أخرى . كما استثمر في مسرحية ” للازوينة” الخطاب الشعبي الحكائي الأسطوري في قالب يعتمد على الراوي السارد.
وبشكل عام ، فإن عبد المولى الزياتي، الذي رحل تاركا رصيدا فنيا غنيا ومتنوعا ، هو فنان وكاتب من الطراز الرفيع ، يمتح من عدة مجلات لينتج أعمالا تسائل مواضيع كثيرة في المجتمع .
هذه الرؤية أهلته كي يخوص تجارب كثيرة، ويصبح له شأن كبير في وسط مشهد فني وطني وعربي يعج بتجارب كثيرة .
> عبد اللطيف الجعفري (و.م.ع )