بشرى عبدو: عضوة فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة
استمرارالتمييز ضد النساء في المجال التشريعي والقانوني وتعطيل تطبيق مقتضيات الدستور
سأقتصرفي تقييمي للوضع الحقوقي بالمغرب، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، بالاقتصار على الحديث عن الحقوق المتعلقة بالمرأة، لذلك أعتقد أن الديناميات والإكراهات الدولية والإقليمية، وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية على الفئات الهشة وفي مقدمتها النساء، تطرح على الدولة المغربية تحديات قصوى أولها حتمية الخروج بنسائه اللواتي يشكلن نصف المجتمع، من عتمة الانتهاكات والاعتداءات الصارخة التي يعشنها يوميا داخل منظومة ثقافية تقليدية مهتزة ومتناقضة مع المكانة التي أصبحت تحتلها النساء من جهة، ومع تطور البنيات الإجتماعية والسياسية الذي عرفها المغرب خاصة في العقدين الأخيرين من جهة ثانية.
و يزداد الوضع تأزما في نظري باستمرارالتمييز ضد النساء في المجال التشريعي و القانوني وتعطيل تطبيق مقتضيات الدستور( غياب آليات حماية الحقوق الإنسانية للنساء : الهيئة العليا للمناصفة و محاربة جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، قانون إطار للقضاء على عنف النوع، تغيير فلسفة القانون الجنائي …) بالإضافة إلى تعثر إصلاح المنظومة التربوية والتعليمية والإعلامية وباقي بنيات التنشئة الاجتماعية. كما أن التلكؤ في وضع الآليات والتدابير لمكافحة التمييز بين الجنسين والعنف ضد النساء لا يشكل فقط إنتهاكا لحقوق الإنسان، بل له كذلك كلفة اقتصادية ويعرقل التنمية، مما يدفعنا للتساؤل حول توفر الإرادة السياسية لبناء مجتمع ديمقراطي حداثي والذي لن يستقيم بدون المساواة الفعلية بين النساء والرجال في كافة الحقوق .
وبالمناسبة، فإن فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، إذ تشيد ببعض الإجراءات الإيجابية المتخذة سنة 2015 بالرغم من محدوديتها، من ضمنها الدعم المخصص للأرامل، والرفع في التمثيلية السياسية للنساء في بعض القوانين الانتخابية دون بلوغ المناصفة التي ينص عليها الدستور وحتى الثلث في بعضها، علما أن حضور النساء يظل ضعيفا في المجالس المحلية بعد انتخابات 4 شتنبر، نظرا لعدم التزام الأحزاب بميثاق احترام الثلث، كحد أدنى في تشكيلة كثير من المكاتب بالجماعات المحلية، وفي ظل غياب تام للنساء على رأس الجهات الـ12، وعدم مراوحة نسبة النساء 16 ٪ في مجلس المستشارين بمناسبة استحقاقات 2 أكتوبر .وهكذا يعتبر المنحى العام انتكاسة لما أحرزته الحركة الديمقراطية الحقوقية والنسائية ومعاكسا لدستور 2011، في تقاطع مع تناسل مؤشرات مقلقة بشان أوضاع النساء المغربيات وحقوقهن حسب إحصائيات وتقارير دولية ووطنية رسمية لسنتي 2014 و 2015 (المجلس الاقتصادي والاجتماعي، المندوبية السامية للتخطيط، تقرير وزارة المالية والاقتصاد حول الميزانية المستجيبة للنوع الاجتماعي).
وأسرد على سبيل المثال بعض الأرقام حول التصْنيفات الدوليّة للمغرب وهي رتب كارثية وتعكس كذلك التراجع عِوَض التقدم في مسألة المساواة بين النساء : يحتلّ المغرب المرتبة 133 من أصل 142 بلداً في التفاوت بين الجنسيْن، في سنة 2014 ، بينما كان يحتلّ المرتبة 129 في 2013، والمرتبة 127 في 2010. أمّا على صعيد المشاركة الاقتصاديّة للمرأة، فالمغرب يحتلّ المرتبة 135، برسم سنة 2014. كما يحتلُّ المرتبة 24 من أصل 30، فيما يتعلّق بسياساتِ وآلياتِ دَعْمِ ومُواكبة المقاولات النسائية ذات الإمكانات القويّة، علاوةً على تصنيفه ضمْن البلدانِ التي لها ثقافة محافظة من حيث قبول الدّور السوسيو- اقتصادي الذي تلعبُهُ النساءُ في المجتمع.
وعلى الصعيد الوطني، فكل المؤشرات توضح مدى التمييز و الهشاشة التي تعاني منها النساء: 45.7٪ من النساء لازلن يعانين من الأمية ومستويات عدم النشاط والبطالة، حيث تبلغ نسبة مشاركة المرأة في سوق الشغل أقل من 24٪ مقابل نسبة الرجال كما تعاني المرأة من البطالة مرتين أكثر من الرجل، بنسب تبلغ على التوالي 28٪ و14٪. في وقت تعيل فيه النساء 17 ٪ من الأسر المغربية، وتشتغل بكثافة قصوى في القطاعات غير المهيكلة وغير المحصية . كما أن النساء الأجيرات لديهن أجر متوسط أقل ب 26 ٪ مقارنة بالرجال. و بالرغم من أن النساء يشكلن أزيد من 41% من الموظفين في القطاع العام ، فإن نسبة النساء المسؤولات لا تتعدى 16 ٪. و تظل تمثيليّة المرأة ضعيفة جدا على صعيد تمثيل الأُجَراء والأنشطة النقابية حيث تشكل فقط 0,38٪. و 98,8% من النساء النشيطات في الوسط القروي ، وما يربو على النّصف في الوسَط الحضري %53,3 لا يتوفّرن على أي تغطية طبيّة. وتبلغ نسبة الأمية 37 % سنة 2015 لدى النساء مقابل 25% لدى الرجال، ناهيك عن أوضاع مزرية كذلك في مجال الرعاية الصحية والسكنى إضافة إلى تلكؤ وتماطل الحكومة في تطبيق مقتضيات الدستور و الوفاء بالتزاماتها
هناك أيضا مظاهرمتعددة للهشاشة والتفاوتات والتمييز في المجلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ضد النساء، وتصاعد العنف المبني على النوع والمساس بالحريات الشخصية من خلال الأرقام والحالات البارزة لسنة 2015 (فتاتي أنزكان كمثال صارخ )، يقابله إصرار الحكومة على ترك عدد من الملفات مفتوحة على مصير وآجالات غير محددة، وتعطيل واضح للمقتضيات الدستورية بشأنها وإخلال ببرنامجها التنفيذي أمام المغاربة، نذكر من جملتها أساسا منها ما يلي :
– تعطيل الهيئة العليا للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة
– تجميد قانون مناهضة العنف ضد النساء بمؤاخذاته لدى رئاسة الحكومة منذ 2013 ومحاولة الالتفاف على مطلب قانون إطار من خلال دمج جانب جزئي وزجري فحسب في مسودة القانون الجنائي.
– السكوت حول مصير منع تجريم الإيقاف الطبي للحمل الغير المرغوب فيه والتغيير الشامل للقانون الجنائي والمسطرة الجنائية باعتماد مقاربة حقوقية و مقاربة النوع عِوَض المسودة المحافظة المطروحة من طرف وزارة العدل والمناقضة لروح وفلسفة الدستور.
-إقصاء حقوق النساء السلاليات تشريعا وممارسة بحرمانهن من التمتع بكافة الحقوق بناءا على مبدأ المساواة بين النساء والرجال.
– الغموض حول تفعيل توصيات الحوار الوطني حول العدالة وخصوصا الإجراءات الإيجابية المنبثقة عنه فيما يتعلق بإصلاح قضاء الأسرة وملائمة قانون الأسرة ، وكذلك في بعض محاور المخطط التشريعي الحكومي وخطة “اكرام” ..
-التماطل في إدماج مؤشّرات أداء النوع الاجتماعي ومعايير المقاربة الحقوقية في القانون التنظيمي المتعلق بقانون المالية 2016 وتخصيصه لميزانيات فرعية واضحة في المجال. وفي مختلف السياسات العمومية المتصلة بالنساء ..
– ضرب المقاربة التشاركية والتعامل بانتقائية مع مكونات المجتمع المدني .
– الاختلالات الواضحة لخطة إكرام ولصندوق دعم الأرامل ..
– الازدواجية المواكبة لتحسين صورة النساء في الإعلام والإشهارات، وفي المقررات التعليمية والتربوية والثقافية.
أمام كل ذلك، فإن فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، تعلن ما يلي:
– الدعوة الملحة إلى مواصلة انضمام المغرب إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحقوق الإنسانية للنساء وخاصة الاتفاقية الدولية اتفاقية الرضا بالزواج، والحد الأدنى لسن الزواج، وتسجيل عقود الزواج و الاتفاقية المتعلقة بجنسية المرأة المتزوجة، خصوصا بعد رفعه لتحفظاته على اتفاقية مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة، وانضمامه إلى البروتكول الاختياري الملحق بها .. ولاتفاقيات منظمة العمل الدولية منها الاتفاقية 156 الصّادرة عن مُنظمة العمل الدوْلية بشأنِ المُعاملة المتساوية للعمال من الرجال والنساء من ذوي المسؤولية العائلية.
– التسريع وفي أقرب الآجال إلى إخراج ” الهيئة العليا للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز ” والقوانين المنظمة لها إلى حيز الوجود مع اعتبار شديد للمقومات والأسس المقترحة من قبل الربيع النسائي للديمقراطية والمساواة ومؤسسات وطنية أخرى لكي تقوم بأدوارها الدستورية فيا يخص الحماية و النهوض بالحقوق الإنسانية للنساء.
– إصدار قانون إطار للقضاء على العنف ضد النساء بما يستجيب للمعايير الدولية فيما يخص الوقاية و الحماية و المساعدة الاجتماعية للنساء الضحايا الناجيات من العنف و الزجر والتعويض عن الضرر
إصدار قانون شامل لحظر كل أشكال التمييز ضد النساء، مع اعتماد التعريف الحقوقي للتمييز (المادة 5 من اتفاقية سيداو.)
– ملائمة المنظومة القانونية لحقوق النساء المغربيات مع المقتضيات الدستورية والحقوقية لإقرار المساواة الفعلية بين النساء و الرجال وعلى رأسها مدونة الأسرة، قانون الجنسية، القانون المدني وقانون العقار، القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، القانون العام للضرائب وقانون الوظيفة العمومية، والقوانين المتعلقة بمنظومة الانتخابات المختلفة) وخلق الانسجام الضروري ما بين القوانين والتشريعات اعتمادا على مفاهيم وتحديدات حقوقية وتستجيب لمقاربة النوع .
– اعتماد مبدأ المساواة بشكل رسمي وطبيعي في السياسات والميزانيات العموميّة، وفق مؤشرات تتبّع النوْع الاجتماعي ومعايير مقاربة حقوق الإنسان، وفي المقررات والمناهج التعليمية والاستراتيجيات والبرامج الإعلامية في كل مستوياتها.
– رعاية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للنساء والاهتمام بتحسينها وإقرار حقوقهن و النهوض بأوضاع النساء القرويات.
– إقرار قانون جديد منظم للأراضي السلالية وأراضي الجيش، لحل إشكالية التمييز بين الجنسين والحرمان الذي يمارس في حق النساء بمختلف مستوياتهن وأعمارهن وأوضاعهن الاجتماعية، ورفع الحيف عن آلاف النساء اللواتي حرمن من حق الانتفاع لكونهن نساء بدعوى الأعراف و التقاليد.
– تفعيل التوصيات القيمة للمؤسسات الوطنية المنبثقة عن آرائها الاستشارية وتقاريرها ودراساتها النوعية فيما يتعلق بالمساواة بين النساء والرجال (المجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان).