على هامش المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء

>  إعداد: عبد العالي بركات 

 يعد المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء الذي انعقدت دورته الثانية والعشرون خلال الأسبوع الماضي، أبرز تظاهرة ثقافية ببلادنا؛ بالنظر إلى الإشعاع الدولي الذي تحظى به، ويتجلى ذلك بالخصوص من خلال الحجم الكبير لدور النشر المشاركة والحضور الفاعل للأدباء والمفكرين القادمين من مختلف القارات.
  على هامش هذا الحدث المتفرد، نفرد حيزا لنخبة من مثقفينا ومبدعينا من أجل الحديث عن نظرتهم الخاصة لهذا الملتقى السنوي الكبير، ومقترحاتهم لتقوية الحركة الثقافية ببلادنا.

حدث كبير

ــ المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء يعتبر حدثا كبيرا، وملتقى لكل الفاعلين في صناعة الكتاب. محطة بارزة ضخت دماء جديدة في المشهد الثقافي الوطني، بخلقها لحراك ثقافي استثنائي، يجمع بين الكتاب والناشرين والقراء. ومناسبة للاطلاع على الإصدرات الجديدة، مع ما يواكب ذلك من عروض وتقديم الاصدارات التي حظيت بقبول لجان القراءة في مختلف الأجناس السردية، مع الاحتفاء بالقراءة والقراء من مختلف الأعمار والحساسيات، وتتويج الفائزين في جائزة المغرب للكتاب.
 المعرض الدولي يشكل بالنسبة لي حلقة أساسية لتجديد العلاقات بين مختلف الفاعلين، وربط وشائج صداقة مع مبدعين آخرين من مختلف أنحاء العالم.

منظور جديد للرواية

ــ لقد صدرت لي مؤخرا رواية جديدة موسومة بعنوان “مذكرات أعمى” حاولت من خلالها تقديم منظوري الخاص، وربما منظورا جديدا للرواية، باعتماد تقنيات جديدة شكلا ومضمونا. عمل حاولت من خلاله إعادة الاعتبار للذاكرة المنسية لمدينة خنيفرة، ومجالها العمراني الذي اندثرت العديد من ملامحه القديمة، كما أن جل شخوصها هم من المنسيين والمنبوذين.
 لقد تحكم في البناء الروائي هاجس المغامرة، والمغايرة بالنزوح نحو التجريب على مستوى القالب، مع اعتماد أكثر من تقنية في الكتابة بالاشتغال على نصوص ضامرة يجمع بينها ترابط عضوي ومنطقي نحا نحو توظيف الأشكال ما قبل مسرحية، والحكاية، والأسطورة، والتناص، والميتاسرد.. رواية بأكثر من مدخل عبر نصوص تمنح القارئ إمكانية  المشاركة في إعادة تنضيد حقولها وفق  منظوره القرائي الخاص. فتوظيف النص المستقل جعلها سلسلة كثيرة الحلقات، لا يؤثر غياب حلقة ما على مضمونها بل تمكنه من تشكيلها وفق ذائقته الفنية والإبداعية، وكذا المعرفية والثقافية. لقد اعتبرتها مغامرة سردية أمنت بقوة بركوبها وتحمل نتائجها مهما كانت.
 في حين كان الارتكاز على توظيف بطل ضرير إضافة للخزانة الأدبية العربية التي تفتقد لأعمال مماثلة، باعتبار موضوع  العاهة  يكاد يكون مسكوتا عنه، في الوقت الذي أصبحت فيه الحاجة ملحة في إثارته في أبحاث خاصة بالأعمال الروائية سواء نقديا أو أكاديميا في المغرب بالتحديد.

 مؤاخذات على عملية توزيع الكتاب

ــ قد أكون متفقا نسبيا مع سياسة دعم الكتاب، لكون الصيغة المعتمدة سابقا عانى منها العديد من الكتاب الذين أودعوا أعمالهم للجان القراءة بمديرية الكتاب، وشخصيا بقي كتابي النقدي حول القصة القصيرة جدا بالمغرب برفوفها مهملا لما يربو على أربع سنوات مع العلم انه حظي بالقبول من طرف لجنة القراءة ووقعت عقدا مع المديرية. وكنت كل سنة انتظر أن يربط بي الاتصال، أو على الأقل إخباري بمآله.
ولم يحدث الأمر إلا في ظل التغيير الذي عرفته الوزارة ومديرية الكتاب تحديدا ليتم الإفراج عنه. وهو أمر يحسب لبعض الشرفاء الذين استغربوا لما كان يحدث من زبونية ومحسوبية في السابق.
 فمشاريع دعم الكتاب تتم اليوم بشكل علني، وأصبح بإمكان كل الكتاب ممن تتوفر في أعمالهم  شروط النشر تدبر أمرهم مباشرة مع الناشر، ومواكبة مختلف مراحل إنجازه. لكن تبقى لنا بعض المؤاخذات على عملية توزيع الكتاب، وكذلك حول عدد النسخ التي يتوصل بها الكاتب، لكونها غير كافية لإجراء حفل توقيع واحد، أو تقديم بعض منها لأصدقائه من المبدعين والنقاد، في الوقت الذي تظل فيه معرضة للإهمال والتلف في مستودعات المديرية، أو دار النشر.
 أقترح أن يتم تمكين كل كاتب على الأقل من مائتي نسخة، مع توزيع بعض النسخ من الإصدار على المكتبات العمومية التابعة لوزارة الثقافة والمكتبات البلدية. مع عرضها في معارض جهوية للكتاب، وجزء آخر يخصص للتسويق خارج المغرب في المعارض العربية والأوروبية .

ــ أعتقد أن جائزة المغرب للكتاب اليوم هي حكرا على أجناس أدبية دون غيرها، وكذلك لوبيات بعينهم. إنها جائزة لن  تؤول مطلقا للأعمال الرصينة، بقدر ما تتحكم فيها الزبونية والمحسوبية، وخير مثال ما حدث في النسخة الأخيرة للمعرض الدولي للكتاب، وما نشر من أخبار وبيانات وبيانات مضادة على واجهة أكثر من منبر.
 الإشكال في الجائزة هو غياب مصداقية لجنة التحكيم أو بعض أعضائها الذين أخجل اليوم من وصفهم  بكتاب أو نقاد، لكونها ستظل وصمة عار على جبين الثقافة المغربية. وفي هذا الصدد ألتمس أن يعاد النظر في مفهوم الجائزة، وان تحدد لها اعتبارات خاصة، انطلاقا مما تحققه  مبيعات الكتب، وعدد المواكبات النقدية، وبإجراء تصويت عبر الرسائل الهاتفية من لدن القراء على صعيد واسع وبشكل شفاف بعد تحديد القائمة النهائية. إننا في حاجة إلى شفافية ثقافية تعيد الاعتبار للمنجز الإبداعي المغربي بعيدا عن كل محسوبية لا تخدم الثقافة من قريب أو من بعيد في بلادنا.

 حروب صغيرة

ــ ربما الاقتراحات في مجال تقوية الحركة الثقافية ببلادنا كثيرة، لكن هل هناك من ضمانات للعمل بها واعتمادها؟ فليس بأيدينا ككتاب تغيير طبائع الناس، والتأثير في مواقفهم بسهولة في غياب شفافية وحس إنساني، وفي غياب ثقة متبادلة حتى داخل الوسط  الثقافي. العديد مما يحسبون أنفسهم من المبدعين اليوم يعملون بأساليب شيطانية لهد وتخريب كيانات ثقافية واعدة في البلاد دون خجل لا يهمهم سوى مصالحهم الخاصة، فئة ألفت الاسترزاق والاقتيات من دماء المبدعين والمبدعات، يمارسون تسولا فظيعا باسم الثقافة.
التغيير يبدأ من ذات المبدع، بزرع الحب والثقة، بالإخلاص والإيمان بنبل الرسالة التي على عاتقه وبحلالها وثقلها بكل مسؤولية. بالالتفات للأقلام الواعدة، وتشجيع الخلف، لأنهم عماد الغد. فما سيقوي الحركة الثقافية في البلاد هو مد جسور الدعم النفسي أولا، وزرع الثقة المتبادلة، ومؤازرة المبدعين في أفراحهم كما في أحزانهم. ودعم الجمعيات الثقافية الجادة مع المحاسبة، لكون ما يقدم في الغالب من دعم  لا يخصص للأنشطة الثقافية، بل يشكل فرصة لبعض المفسدين للاستغلال البغيض ومرتعا للمحسوبين على الثقافة للظهور بشكل سافر فقط أمام كاميرات القنوات الوطنية.  الإصلاح لن يكون مجديا مع تضخيم ملفات الدعم وحجم الانشطة، بالمقارنة مع قطيعة مع الجمعيات المحلية والجهوية، والوطنية بعقد شراكات فاعلة، وليس بشن حروب صغيرة محليا ووطنيا لا  تنتصر فيها سوى الأنانية على الثقافة بالضربة القاضية. الرقي بالثقافة المغربية يتطلب نكران الذات، والإيثار، بعيدا عن التفكير في تحويل الجمعيات ذات المصلحة العامة إلى مقاولات شخصية أو مقاولات ذات صفات مشبوهة.
أعتقد صادقا أن كل محاولة للارتقاء بالثقافة المغربية لا بد وأن تنطلق على أسس صلبة وعلى صيغ منطقية سواء في توزيع الدعم، ومواكبة أنشطة الجمعيات الثقافية،  باعتماد آليات الدعم والمحاسبة،  والاندماج ضمن نسيج جمعوي كفيل بضمان نوع من الاستمرارية، مع المطالبة بتحقيق جودة نوعية للأنشطة الثقافية، باعتبارها تراثا لا ماديا، واعتماد مقاييس محددة، وصولا لأهداف واضحة المعالم ضمن مشاريع تعضد وتثمن الموروث الثقافي الوطني المتنوع والمتعدد. مشاريع حقيقية تهدف للرقي بالمواطن أولا وبالمثقف ثانيا وبالإنسان المغربي بصفة عامة. لكون الثقافة رافعة حقيقية لكل تنمية بشرية، ولكل مجتمع متحضر، منغرسة جذوره في تربة الثقافة الإنسانية.Sans titre-12

الناقد الأدبي عبد الرحيم جيران

 فرصة للقاء الأصدقاء

ــ كان على وزارة الثقافة أن تجري نوعا من استطلاع الرأي لتعرف وجهات نظر المغاربة في فعالية يفترض أن تكون تعبيرا راقيا عن الديمقراطية. أما بالنسبة إلي فهو لا يتعدى فرصة للقاء الأصدقاء لا غير؛ لأن المعرض صار مجالا محتكرا من قبل وجوه تتكرر كل عام؛ كأنها وحدها تتقن أسرار الكتابة، ولا يبدو أن المسؤولين عن تنظيمه يشعرون بالخجل من ذلك. من المعيب جدا أن يعكس تنظيم المعرض الأمراض المستعصية في المجتمع، واستغلال العلاقات والمحسوبية، والنزعات القبلية. ولا أريد أن أقول إنه تحول إلى مزاد علني من دون أن تتوافر حتى شروطه.

 تجربة خاصة في الكتابة الشعرية

ــ من آخر إصداراتي ديوان شعري “سيرة شرفة” عن دار النهضة العربية ببيروت، وهو عبارة عن قصيدة واحدة تعبر عن تجربة خاصة في الكتابة الشعرية، ويتمثل مضمونه في نقد مرحلة حساسة من تاريخ المغرب.

 فرصة لملء الجيوب

ــ سياسة دعم الكتاب جيدة، لكن المشكلة تكمن في التطبيق، وفي مصداقيته، ومدى استفادة الكتاب منه؛ فأظن أن للناشرين سياستهم أيضا، وطرائقهم الخاصة في تحويل هذه السياسة إلى فرصة لملء الجيوب، فلا بد من الشفافية في تحيين هذه السياسة وأجرأتها، ولا أتصور دعما من دون متابعة للكيفية التي يتم بها، ومن دون مراقبة، ولا محاسبة لمعرفة مدى التزام دور النشر بالتطبيق النزيه لها.

 حتى تكون لهذه الجائزة قيمة

ــ لا يمكن فصل جائزة المغرب عن السياق الثقافي العام؛ فهي مثيرة للسخرية، وأحيانا للشفقة، لا يعقل أن تؤسس اللجان في كثير من الأحيان من أشخاص ليس لهم في النفير ولا في العير، ومن المعيب أن تحتكر بعض اللجان من قبل أسماء معينة. كم من الكتب التي نالت الجائزة وهي متواضعة، ولولا العلاقات والتدخلات والتوجيهات لما كان لها ذكر. يجب تغيير الأسلوب حتى تكون لهذه الجائزة قيمة؛ فكثير من الأصدقاء يشاركون، وهم يعلمون مسبقا من سيفوز، وإنما يفعلون ذلك من باب تأكيد الحضور لا غير.

بعيدا عن الحسابات ظرفية

ــ كيفية تقوية الحركة الثقافية ببلادنا، هذا سؤال لا يمكن أن أجيب عنه؛ فالأمر لا يتعلق بوجهة نظر فردية، وإنما بسياسة لا يمكن رسم معالمها إلا من خلال حوار وطني نزيه ومسؤول، تشارك فيه جميع الفعاليات على اختلاف مشاربها، لكن لا أظن أن حال الثقافة يمكن أن يصلح من دون توافر سياسة عامة تأخذ على عاتقها تطوير المجتمع من دون الارتهان بحسابات ظرفية.Sans titre-13

القاص محمد الشايب

 مناسبة للحوار الفكري والإبداعي

ــ المعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء مناسبة للحوار الفكري و الإبداعي، ومناسبة للتعارف بين المبدعين ولسماع انطباعات القراء، ومناسبة أيضا للتعرف على جديد الإصدارات. لكن على هذا الموعد الثقافي السنوي أن يتجدد، وألا يظل نسخة واحدة تتكرر كل عام. على المنظمين أن يدركوا أن جيلا جديدا من المبدعين والكتاب قد فرض نفسه في الساحة الثقافية الوطنية، لذا يجب الانفتاح على هؤلاء المبدعين وعلى إبداعاتهم وتجاربهم، فمن غير المقبول أن تتكرر نفس الأسماء كل سنة.
آخر ما صدر لي
ــ أحدث كتاب صدر لي هو المجموعة القصصية
 “هيهات”، ولي مجموعة قصصية جديدة جاهزة للنشر أتمنى أن تصدر قريباً إن شاء الله.

 عملية توزيع الكتب تعاني ..

ــ أتمنى أن يتواصل دعم الكتاب وأن يتطور أكثر، وأن يستفيد من هذا الدعم جميع الكتاب، فكثيرمنهم يطبع على حسابه الخاص، زد على هذا أن عملية توزيع الكتب في المغرب تعاني من مشاكل عديدة. أعتقد أنه من الضروري الإنصات للكتاب للتعرف على مشاكلهم الحقيقية وعلى نوع الدعم الذي يفضلونه.

 من مصلحة الجائزة أن تتطور

ــ جائزة المغرب للكتاب أيضا يجب أن تتطور، وأن يفتح حولها نقاش مستفيض ومسؤول مع المعنيين بالأمر وهم الكتاب، إن من مصلحة الجائزة أن تتطور وأن تكون محط اهتمام و تقدير من طرف الجميع.

 فورة إبداعية

ــ لتقوية الحركة الثقافية في المغرب يجب أن يخصص لها دعم مهم وحقيقي، يجب الانتباه إلى ما يشهده المغرب من فورة إبداعية وملتقيات ومنتديات ثقافية خاصة في الهوامش. وأن تكون الثقافة ضمن اهتمامات الجميع، لا يجب أن يقتصر الأمر على وزارة الثقافة بل يجب أن يمتد إلى المجالس المنتخبة وإلى الأحزاب السياسية.

Related posts

Top