ليبيا موسم تقديم المبادرات

هناك إحساس عام لدى أغلب القوى السياسية في ليبيا ولدى الرأي العام، بوجود حالة من الجمود وصلت إليها مساعي المصالحة، والبحث عن حل للأزمة الليبية، فقد مرت أكثر من 8 أشهر على إنجاز الاتفاق السياسي في الصخيرات بالمغرب، الذي انبثق عنه المجلس الرئاسي، ولم يتقدم بعدها الاتفاق ولو خطوة واحدة، على طريق الدخول بهذا الحل إلى مرحلة التطبيق وتفعيله بالطريقة التي تضمن قيام حكومة واحدة، تبسط نفوذها على كامل أنحاء البلاد، فقد ظل تعدد الحكومات وتشظي السلطات على نفس الحال الذي كانت عليه الأوضاع قبل الاتفاق.
ويرافق هذا الشعور بالجمود وخيبة الأمل في نتائج المفاوضات، وفي انسداد الأفق السياسي، والوصول باتفاق الصخيرات إلى طريق مسدود، إحساس ضاغط لدى عامة الشعب، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، بضرورة أن تصل البلاد، بعد خمسة أعوام من التأزم، إلى محطة تنتهي عندها حالة النزيف للموارد والإمكانيات، ويتم وضع حد للمعاناة المعيشية القاسية التي يعيشها أغلب أهل البلاد، وحقن الدماء وتوفير الأمن وعودة القانون وتفعيل سلطة الدولة، لقهر سلطة الميليشيات وعصابات الإجرام، ولوردات الحرب الحاكمين بأمرهم ودون مرجعية قانونية أو أخلاقية.
ولعل شهر الصيام وأيام عيد الفطر المبارك، وما يتوفر في هذه الفترات من نفحات روحية، وما تثيره في النفوس من رغبة في عمل الخير لدى أهل الصلاح وأصحاب القلوب الرحيمة، وذوي الغيرة الوطنية، الذين يرون حجم المعاناة المهولة التي يعيشها المواطنون، هو ما جعل هؤلاء الناس يتحركون عفويا لتقديم عدد من المبادرات، التي تستهدف تحريك المياه الراكدة في مياه السياسة الليبية، وهي مبادرات لا يبدو أن هناك تنسيقا بين أصحابها، كما لا يلوح أنها تتكامل وتقدم رؤية واحدة شاملة، وإنما هي أشبه بأناس يتحركون في الظلام، بحثا عن إحداث كوة في الجدار يأتي منها النور، ولا أتكلم هنا عن مبادرة مثل مبادرة نواب الجنوب التي جاءت في وقت سابق ما زالت فيه العواطف متأججة، وحالة التوتر في أقصى درجاتها، ولكنها مبادرات جديدة تتناثر هنا وهناك، بعضها يظهر على صفحات التواصل الاجتماعي على ألسنة أناس شاركوا سابقا في حوار الصخيرات ومساراته المتعددة، تدعو إلى إعادة النظر في آخر مواثيق الاتفاق من أجل توسيع العملية السياسية في ليبيا، وهناك دعوة إلى ما أطلقَ عليه بحوار “طائف جديد” على غرار اتفاق الطائف الذي أنجزه اللبنانيون، منذ ربع قرن مضى، يكون أبرز المتواجدين في هذه العملية الحوارية التفاوضية للوردات الحرب في ليبيا، باعتبارهم الفاعلين الحقيقيين، في المشهد الليبي، وأكثر جدوى وقدرة على الفعل والتأثير من الواجهات الكرتونية السياسية، وهناك آخرون يروجون لرجل أعمال لا ماضي سياسيا له، ولكنه يقدم نفسه على أنه صاحب حظوة لدى أطراف محلية ودولية ويقول إنه تواصل مع كل الأطراف بما في ذلك أهل التطرف في سرت ودرنة، وأنه حصل على تعهدات مكتوبة وتوقيعات بالمصادقة على ما أسماه “وثيقة التعايش” التي كان ضمن الموقعين عليها اللواء خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي في برقة، كما يقول.
ومن مصر، وهي أكثر الدول الإقليمية اهتماما بالشأن الليبي، وتعتبر أن أمنها القومي جزء من أمن ليبيا واستقرارها، ولها كما هو معروف اتصال مع كل أطراف الحراك السياسي في الشرق والغرب، صدرت دعوة للمصالحة بين أهل الحراك العسكري في الغرب الليبي، ورأس الحراك العسكري في الشرق اللواء حفتر، على لسان الكاتب السياسي المعروف الأستاذ مكرم محمد أحمد، في مقال نشره في الأهرام، عنوانه “حفتر الحل والمشكلة”، ويرى أن حفتر عندما أنشأ جيشا يحارب الإرهاب والمتطرفين، كان جزءا من الحل، ويتمنى عليه أن يبقى كذلك، وألا يتحول إلى جزء من المشكلة، عندما يتأخر في الالتحاق بحكومة الوحدة الوطنية، ويقف منها موقف الخصم، ويدعو في المقال إلى صفقة سياسة يتحقق بها تكامل الجانبين، إلا أن حراكا في أميركا يقوده عدد من ذوي الجنسية المزدوجة الأميركية الليبية، ممن يغلب عليهم اللون السياسي الإسلامي، يقودون مع المؤسسات الأميركية حملة لشيطنة حفتر، واعتباره عقبة في الوصول إلى حل في ليبيا، وتأليب هذه المؤسسات ضده، وهو يعكس رأيا عاما لدى أصحاب هذا اللون السياسي في الداخل والخارج ممن يعتبرونه عدوا لهم ويطالبون بتحييده، ولكن حفتر كما ترى أغلب القوى السياسية، صار رقما يصعب تجاوزه في أي عملية سياسية، كما أن اللون الإسلامي السياسي برغم إفلاسه على المستوى الشعبي، إلا أنه طرف له حضوره ولا يمكن الوصول إلى أي تسوية سياسية من دونه.
وكل ما تطرحه هذه المبادرات ليس وضعا ثابتا ولا دائما، وإنما توافق أو اتفاق، أو صفقة سياسية تدخلها كل الأطراف لمرحلة مؤقتة، تؤجل فيها كل الصراعات لمدة قد لا تزيد عن عام واحد، يتم فيها الاتفاق على خارطة طريق تبدأ بالاستفتاء على دستور البلاد الدائم، وبرلمان ثابت ومؤسسة رئاسة، وهكذا يعود الأمر، برمته، إلى الشعب ليقول كلمة الفصل في مقدراته ومصير بلاده، ويرسم أفق الحياة السياسية لمن يختارهم لقيادة المسار الجديد لدولته المدنية الديمقراطية، وسيكون صندوق الاقتراع هو الحكم، وهو عامل الحسم والقرار النهائي، في من يتولى قيادة البلاد، وتدشين عهد جديد ونظام جديد، ومستقبل واعد يتطلع إليه كل الليبيين.
إبراهيم لفقيه *
كاتب ليبي

Related posts

Top