أقدم المغرب على خطوة إنسانية إيجابية، بناء على تعليمات من جلالة الملك، حيث بموجب ذلك وضع حدا لمحنة ثلاثة عشر أسرة سورية كانت السلطات الجزائرية قد أبعدتها نحو الحدود مع المغرب…
العائلات السورية، وضمنها أطفال، عانت من محنة حقيقية طيلة أسابيع في ضواحي فكيك، وشكلت ظروفهم الإنسانية والاجتماعية موضوع استنكار عدد من المنظمات الحقوقية والهيئات الإنسانية الوطنية والأممية، كما أن السلطات الجزائرية لم تول أي اهتمام لكل هذه المناشدات، وبقيت مصرة على إجراءاتها غير الإنسانية، ولم تَر في الأمر كله سوى موضوعا آخر لاتهام المغرب أو افتعال توتر جديد معه.
الخطوة المغربية، إضافة إلى طبيعتها الإنسانية والاستثنائية، وفضلا عن كونها أخرست أبواق البروباغاندا الجزائرية، فهي أساسا تكرس الالتزام المغربي بالقيم الحقوقية والإنسانية الكونية، وأيضا تعبر عن الانخراط الجدي في قضايا اللاجئين، ومن ضمن التجليات التي تبرز معالم “سياسة شمولية وإنسانية ومسؤولة” في مجال الهجرة وحقوق المهاجرين واللاجئين.
من جهة أخرى، لا بد أن نستحضر، بهذه المناسبة، الاحتضان الإنساني القوي لسكان منطقة فكيك لهؤلاء اللاجئين السوريين، والتفاف الأسر الفكيكية، رغم الفقر والعوز، لتقديم السند لهم طيلة شهر الصيام وفِي ظروف مناخية تتسم بارتفاع درجات الحرارة، وهذا السلوك الأخوي الراقي أثار إعجاب الكل، كما نوه الكثيرون بالتحرك النضالي لجمعيات محلية ووطنية على امتداد أسابيع للضغط والترافع والمطالبة باستقبال الأسر السورية، ومن ثم وجبت التحية لأهلنا في فكيك والمنظمات الحقوقية المدنية التي لعبت دورا أساسيا في الدفاع عن المبعدين السوريين والوقوف إلى جانبهم في محنتهم، كما يجب التأكيد على الدور المهم للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، باعتباره مؤسسة وطنية لحقوق الانسان، وذلك لاجتهاداته
في مسلسل تطوير السياسة المغربية المتعلقة بالهجرة واللجوء، ولأدواره التأطيرية المواكبة على هذا الصعيد.
القرار الملكي المتصل بالمعالجة الفورية لوضعية ثلاثة عشر أسرة سورية أبعدتها الجزائرية نحو الحدود مع المغرب، يتوج إذن كامل هذا السلوك المغربي العام، الرسمي والمدني والشعبي، ويعبر عن قناعات راسخة تنتصر لقيم التضامن الإنساني وللالتزام بحقوق الإنسان.
هذه المبادرة الملكية، تأتي برغم كون المغرب صار بدوره بلد استقبال للمهاجرين واللاجئين، ويتعرض جراء ذلك لعديد ضغوط وإكراهات، وهذا ما جعل الأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين وأوساط ديبلوماسية وحقوقية وإنسانية دولية تنوه بخطوة الرباط، وبالجهد المتواصل للمملكة على مستوى سياستها الداخلية ومواقفها الخارجية بخصوص ملفات الهجرة واللجوء بصفة عامة، كما أن تحولات هذا الموضوع بارتباط مع ما يشهده العالم اليوم من توترات وأزمات وحروب، تفرض على بلادنا المزيد من الجهود والسعي لإحكام وتمتين المنظومة العامة لسياستها تجاه المهاجرين وطالبي اللجوء، وذلك في مختلف الأبعاد ذات الصلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واحترام الكرامة الإنسانية والعيش المشترك.
وهنا لن يستطيع أحد إنكار أو تبخيس قيمة ما تبذله المملكة من جهد على هذا المستوى، ولكن لا بد كذلك من الاستمرار في ذلك، وتكريس تميز الموقف المغربي واختلافه عن جواره الإقليمي والجهوي، وتعزيز مسار بلادنا في الالتزام بمقتضيات حقوق الإنسان وقيمها الكونية.
محتات الرقاص