باستثناء بطلته، إيزابيل أوبّير، ليس في الفيلم ما يشجّع على قطع تذكرة له ومشاهدته، وقد نزل إلى الصالات في فرنسا قبل أيام. لا مُخرج الفيلم المجهول، وهو بلجيكي اسمه بافو ديفورن، ولا حكاية الفيلم ولا أي من الممثلين فيه. ثم، أثناء المشاهدة نعرف أنه لا السيناريو ولا الموسيقى ولا الأسلوب في السرد ولا المونتاج ولا السينماتوغرافيا، لا شيء سوى بطلته، وهي أيقونة في السينما الفرنسية، ومن بين الممثلات الأكثر تقديراً هنا، في جيلها، وهي بعمر 63
لكن، هل يكفي ذلك لمشاهدة الفيلم؟ وهو فيلم طموح لأن يكون تجارياً بما تتضمّنه الكلمة من كليشيهات وتبسيط في السرد والمونتاج، والعمل على تتبّع ما يتوقّعه المُشاهد، لإرضائه ربما، لإرضاء نمط معيّن من المشاهدين المفضِّلين للمشاهدة «الآمنة» للأفلام، هل يكفي أن تكون أوبّير بطلة الفيلم لمشاهدته؟ لمن لا يمانع في أن ينهي العام بفيلم سطحيّ، إنّما يكتفي فيه بالحضور الكثيف، في معظم مَشاهده، للأيقونة الفرنسية، الستينية الحسناء، بأدائها البديع دائماً، لا بأس في ذلك، في فيلم في ساعة ونصف الساعة أفضل ما فيه هو أداء إيزابيل أوبّير.
ولأن الممثلة الفرنسية أهم ما في الفيلم، سنرجع إلى الأفلام الثلاثة الأخرى التي مثلت فيها خلال هذه السنة، ولأوبّير سيرة فيلميّة طويلة، منذ السبعينيات وحتى اليوم، بعدّة أفلام في السنة. سنكتفي بالحديث، سريعاً، عن أفلامها هذه السنة، التي أنهتها بفيلم سوفينير .(Souvenir)، أو ذكرى
الفيلم الأول هو «المستقبل» لهانسن- لوف، الذي أدت فيه دور مدرّسة جامعية تبحث عن حريتها، والثاني هو «هي» لبول فيرهوفن، الذي يحكي عن الاغتصاب والرغبة في كوميديا سوداء، والثالث هو «حالًا الآن» لبونيتزر، وفيه تداخل بين الحياة الشخصية والمهنية (كتبنا مراجعات عن الأفلام الثلاثة). أما أفضلها الذي منح أوبّير جوائز عدّة قد تكون إحداها الأوسكار، فهو فيلم المخرج الهولندي فيرهوفن. وثلاثتها أفضل من فيلمها الذي تختتم به نشاطها السينمائي لهذا العام.
نعود إلى الفيلم، فعلى بساطته، يحافظ المُشاهد على شعور جيّد أثناء مشاهدته، وذلك لحضور أوبّير وأدائها، وهذا ما يمكن أن يشكّل رأياً أخيراً جيّداً تجاهه، إنّما، ليس في الفيلم ما هو غير ذلك ليميّزه.
أمّا حكايته فهي علاقة تنشأ بين امرأة كانت يوماً، في شبابها، نجمة برنامج مسابقات الغناء، وبين شاب ملاكم يسعى لنيل بطولة ما. الاثنان يعملان في مصنع للشوكولاته، غير سعيدين بعملهما، يشكّ هو بأنّها، إليان، نجمة الغناء في البرنامج القديم، يحاول التقرب منها، شخصيتها المتوترة والمنعزلة تصعّب المهمة عليه، إنما أخيراً يتقاربان، يتصاحبان، يقنعها بأن تعود للغناء، يدعوها إلى حفل لنادي الملاكمة، تشترط عليه ألا يعرف أحد خارج النادي بمشاركتها. مع الوقت وبإصراره تقتنع بأن تحاول العودة إلى الغناء، يتخلى هو عن الملاكمة وحلمه بالبطولة ليصير رجل أعمالها. تقرر أن تسجل في برنامج جديد لمسابقات الغناء يقبل كلّ الأعمار، فتتصل بزوجها ومدير أعمالها السابق، وهو أحد المحكّمين في البرنامج. يساعدها الأخير في العمل على أغنية خاصة. تفوز وتعود لها شهرتها، تبدأ مشاكل صغيرة تنشأ بينها وبين حبيبها، وتتطور، قليلاً، الحكاية إلى نهاية الفيلم.
كل ما في الفيلم كان إذن عادياً، والكوميديا الرومانسية الخفيفة فيه (الرومانتيك كوميدي) كانت متواضعة.
وبالنسبة لبطلته، لا نعرف المبرر للدخول في فيلم كهذا، بعد ثلاثة أفلام أفضل، وبعد عدد كبير نسبياً للأفلام تكون لممثل واحد في السنة الواحدة، وبعد دور رائع في فيلم ممتاز هو «هي»، وكذلك بعد أكثر من فيلم منتظر لها في السنة المقبلة، من أهمها كما هو مكشوف حتى الآن فيلم سيكون من إخراج النمساوي ميكائيل هانيكه اسمه نهاية سعيدة..
المكشوف حتى الآن خمســـة أفلام تشارك فيها أوبّير، في مرحلة ما بعد الإنتاج، وقد يخرج غيرها، فجأة.
هذه المشاركة الوفيرة في الأفلام، ضمن أدوار متعددة في أهميتها تكون معظمها أدواراً رئيسية، هي فرصة لأوبّير نفسها كي تنتقي الأفضل فتكون جزءاً منه وتختصر الأفلام الرديئة، وذلك أفضل من وفرة الأفلام التي تشارك فيها فيأتي أحدها متكئاً تماماً عليها، كبطلته، كفيلمها الأخير.
إن كان لا بد من الحديث عن الفيلم، الذي لم يشارك في أي مهرجان، فهو حديث عن بطلته، وأي حديث عنها، إيزابيل أوبّير، اليوم لا بد أن يتناول الكثافة في أدوارها السينمائية، والحـــديث عن هذه الأخيرة، بحضور فيلم كهذا، سيحتّم علينا السؤال عمّا إن كان أفضل للممثلة الفرنسية لو قلّلت من ظهورها على أن يكون ظهوراً في أفلام تليق، كتابةً وإخراجاً، بها وبرصيدها السينمائي، وهي صاحبة التجارب العديدة مع أهم المخرجين، من كلود سوتيه إلى كلود شابرول (أكثر من غيره) وجان لوك غودار وبيرتران تافيرنييه وميشيل ديفيل وباولو وفيتوريو تافياني وميكائيل هانيكه وآخرين.. وهي صاحبة العديد من الجوائز وترشيحات أفضل ممثلة، كان معظمها عن فيلمها هي.
بقلم: سليم البيك