بعد أن فروا خوفا على حياتهم عندما احتل تنظيم الدولة الإسلامية قراهم في شمال سيناء، قرر بعض السكان العودة، لكنهم يواجهون منذ حوالي شهرين خطرا من نوع آخر يتمثل في المتفجرات التي تركها الجهاديون في المنازل خلفهم.
ويقول شاب من قرية أقطية فضل عدم ذكر اسمه لوكالة فرانس برس “فقدت شقيقة زوجتي وطفلتها البالغة من العمر تسعة أشهر بسبب انفجار قنبلة كانت مزروعة داخل المنزل”.
وقتل قرابة 15 شخصا بعبوات متفجرة منذ منتصف أكتوبر في القرى المجاورة لبئر العبد، وهي بلدة تقع على شاطئ المتوسط في شبه جزيرة سيناء بشمال شرق مصر، بحسب مصادر أمنية مصرية.
وتثير هذه العبوات قلق قرابة ألف من سكان تلك القرى الذين عادوا إلى منازلهم بعد أن تركوها لمدة ثلاثة أشهر كان الجيش المصري يواصل خلالها معركته في المنطقة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وتخوض قوات الجيش والشرطة المصرية منذ بضع سنوات مواجهات عنيفة ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي ينشط من خلال مجموعات وعناصر محلية.
وكان الجهاديون صعدوا عملياتهم في المنطقة بعد أن أطاح الجيش عام 2013 بالرئيس الإسلامي الراحل محمد مرسي.
ولكن التنظيم واصل هجماته على قوات الأمن والمدنيين وخطوط أنابيب الغاز الاستراتيجية.
ويقول شاب آخر من أقطية عبر الهاتف لفرانس برس “فوجئنا لدى عودتنا إلى منازلنا أنهم أقاموا فيها واستخدموها كمخابئ هربا من قوات الجيش وزرعوا فيها قنابل”.
ويتابع “لقد سرقوا حتى مواشينا”.
ويمكن الوصول إلى بلدة بئر العبد من الجنوب عبر الصحراء.
وشهدت البلدة أكثر الاعتداءات دموية في تاريخ مصر الحديث عندما قتل أكثر من 300 شخص كانوا يؤدون صلاة الجمعة في مسجد في هجوم بالقنابل والأسلحة الآلية. وحمل المهاجمون أعلاما شبيهة بتلك التي يرفعها تنظيم الدولة الإسلامية. إلا أن هذا الأخير لم يعلن مسؤوليته عن الاعتداء ولا أي جهة أخرى.
وبحسب تقديرات لوزارة الخارجية الأميركية، قام تنظيم الدولة الإسلامية بـ 137 هجوما بعبوات ناسفة العام الماضي في مصر، إضافة إلى “هجمات شبه أسبوعية على مواقع حكومية محصنة”.
ويقول مراقبون إن لجوء تنظيم الدولة الاسلامية إلى زرع قنابل في المنازل تكتيك يعكس التحول إلى استراتيجية جديدة استخدمها الإسلاميون المتطرفون في دول أخرى.
وتقول رئيسة مركز “كريتيكا” للأبحاث في واشنطن نادية الدايل المتخصصة في شؤون تنظيم الدولة الاسلامية “إن زرع القنابل في شمال سيناء هو تكرار لعمليات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا”.
وتضيف أن أعضاء التنظيم كرسوا “الكثير من الوقت والموارد لتفخيخ الأبواب وأثاث المنازل والأجهزة المنزلية وحتى لعب الأطفال”.
وتعتقد أن “تكتيك استهداف المدنيين سيستمر على الأرجح بل سوف تستخدمه تنظيمات أخرى عنيفة”.
وفي مدينة بيجي شمال بغداد قرب الموصل التي كانت تعتبر قلعة تنظيم الدولة الإسلامية قبل هزيمته في العراق، كان الجهاديون يقومون بتجهيز المتفجرات لاستخدامها في الأدوات والأجهزة المنزلية البسيطة، مثل الثلاجات وألعاب الأطفال وحتى نسخ المصاحف، وفق شهود ومسؤولين.
وقال مدنيون في شمال العراق لفرانس برس العام الماضي إنهم يخشون العودة إلى منازلهم بسبب القنابل المزروعة في أماكن غير متوقعة.
وفي سوريا، وفي معركتهم في معقلهم الأخير في بلدة الباغوز، وضع الجهاديون مفخخات تحت السجاد والثلاجات، وكان بعض المتفجرات على شكل صخور.
وفي الرقة، المعقل السابق للتنظيم المتطرف في شمال سوريا، كانت الأنقاض بمثابة شرك لزرع العبوات الناسفة لإبطاء مسيرة المقاتلين الأكراد الذين طردوا الجهاديين من المنطقة.
وقتل نحو ألف شخص يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم الدولة الاسلامية وعشرات من قوات الأمن والجيش في شمال ووسط سيناء منذ بدء العملية العسكرية في 2018، وفقا لأرقام رسمية.
ولا توجد حصيلة موثقة من جهة مستقلة للعمليات في شمال سيناء، وهي منطقة يصعب وصول الصحافيين اليها.
واتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” العام الماضي القوات المصرية وتنظيم الدولة الاسلامية بارتكاب “جرائم حرب” في شمال سيناء، وهو تقرير رفضته السلطات.
وقال سكان لفرانس برس أن الخطر الرئيسي يبقى تنظيم الدولة الإسلامية وهجماته.
ولم يرد المسؤولون المصريون على طلب للتعليق على القنابل المزروعة التي تقتل مدنيين.
ويقول أحد السكان طالبا هو الآخر عدم الكشف عن هويته، إن مكتب محافظ شمال سيناء فتح المدارس لإيواء المدنيين بعد أن أغار تنظيم الدولة الاسلامية على خمس قرى في محيط بئر العبد.
وجاء هذا الهجوم بعد عملية دامية لمكافحة الإرهاب في يوليو.
وتعتبر الدايل أنه، بعد هزيمة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا، وفرت له سيناء أرضا خصبة للتوسع.
وتقول “حتى مع محدودية موارده، أثبت تنظيم الدولة الاسلامية أنه تهديد مستمر في سيناء”. وتؤكد أنهم “لن يذهبوا بعيدا على المدى القريب”.
< أ ف ب