حتى لا نزيد من نزيف المؤسسات التعليمية والجامعية، ونرمي بأفواج من المطرودين إلى الشارع والانحراف والبطالة. ونزيد من معاناة الأسر المحبطة بسبب فشل السياسة التعليمية، وتضاعف نسب الهدر المدرسي. وحتى لا يستمر عبث بعض الأطر التربوية والإدارية بمستقبل التلاميذ والطلبة باعتماد عقوبة الطرد التي لا سند لها قانونيا ولا حقوقيا. وجب التدخل العاجل من أجل وقف إصدار عقوبة طرد التلاميذ والطلبة من طرف المجالس التأديبية المفروض أنها مجالس تربوية وليست زجرية.
تعتبر المؤسسات التعليمية البوابة الوحيدة التي تؤمن تعليم وتهذيب وإصلاح أجيال كل بلد. وتوفير الكفاءات اللازمة للتأهيل والتنمية ورقي الشعوب. فدساتير كل دول العالم، تفرض فتح أبواب تلك المؤسسات في وجه كل الأطفال واليافعين والشباب وحتى الكبار. وتمكنينهم من كل فرص الإبداع والتألق والتدرج. ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن تغلق في وجه أي طالب للعلم والمعرفة. ولا يحق لأي مسؤول أو مجلس أو هيئة تربوية داخل تلك المؤسسات التعليمية، اتخاذ قرار حرمان تلميذ أو طالب من خدماتها. إلا في حالة ما إذا استنفذ سنوات الدراسة. مما يعني أنه لا يحق طرد التلميذ والطالب بمبررات الشغب أو العنف أو سوء السلوك. والتي هي بعيدة عن التقويم والتقييم التربوي التعليمي الصرف. بل إن كل شغب أو عنف أو سوء سلوك ناجم عن التلميذ أو الطالب، يعتبر قصورا لطاقم التسيير والتدبير. وعليه أن يسارع إلى إيجاد الحلول اللازمة للإصلاح والتهذيب وتجاوز ذلك القصور. لا أن يبادر إلى طرد المشاغب والمتجاوز والإلقاء به في متاهات الانحراف والإجرام . وهو الذي ولج المؤسسة التعليمية من أجل تقويم اعوجاجه وتصحيح مساره.
فحتى شغب التلاميذ والطلبة الذي قد يصل إلى مستوى الجريمة. وقد يطرق أبواب القضاء. ويفرز أحكاما بالسجن حتى.. لن يكون أبدا سببا في حرمان المشاغب أو المجرم المدان من التعليم والتكوين. فالقانون المغربي (ومعه قوانين كل الدول). يؤمن أحقية السجين في الدراسة والتكوين. لإيمان الكل بأنها جسور تساعد على تحقيق أدوار السجون في الإصلاح والتهذيب وتدعم أهدافهم.
مناسبة حديثي أعلاه، ما تعرفه مؤسسات تعليمية مدرسية وجامعية، من عقوبات الطرد المتسرعة التي تسلكها مجالس التأديب اتجاه من تقف على بعض شغبهم وتجاوزاتهم وجرائمهم. دون اعتبار لمستقبل المطرودين، وما سيخلفه الطرد من أضرار لأسرهم ومحيطهم وبلدهم…
متى تدرك إدارة المؤسسة التعليمية أنها تتخذ قرارات غير تربوية. وأنها بتلك القرارات تؤدي أدوارا عكسية تزيد من فشل التربية والتعليم. لا يحق لها طرد أي تلميذ أو طالب بدواعي الشغب أو السلوك السيئ. وحتى إن استنفد التلميذ أو الطالب سنوات التمدرس فله الحق في طلب الفرصة الثانية. بل لا يحق لها حتى اتخاذ قرار (عقوبة تغيير المؤسسة للتلميذ). إلا باتفاق مسبق مع ولي أمر التلميذ المعاقب. فالمدارس لها نفس الأدوار التربوية ونفس الموارد المادية والبشرية والآليات البيداغوجية والديداكتيكية. وقرار نقل التلميذ إلى مؤسسة أخرى، يعني قصور وعجز تلك المؤسسة في تربية وتعليم وتهذيب ذلك التلميذ. ومن العيب والعار أن يتم رفض طلب الفرصة الثانية التي يفرضها النظام التعليمي، بدواعي وأسباب واهية. كالشغب أو الاكتظاظ أو عدم وجود طاولات أو الخصاص في الأطر التربوية..). إذ لا يمكن أن تجهض الحقوق بسبب قصور أداء الوزارة الوصية. صحيح أن شغب بعض التلاميذ أصبح يضاهي جرائم الكبار، ولا يمكن للمدرسة وحدها أن تنزع تلك الجرائم والخبث والعفن الذي ترسخ داخل نفوس وعقول بعض التلاميذ. لكن على الأطر التربوية والأسر أن تدرك أنها مسؤولة على بداية انحراف التلاميذ الذي أصبحوا بعدها محسوبين على فئة المجرمين. لأن الجريمة ولدت شغبا وعنفا بسيطا داخل البيت والفصل الدراسي.. ولقيت عطفا وتسامحا وتساهلا ولامبالاة مهدت لها لتنموا وتكبر.. وعلى الأسر متابعة سير الدراسة والسلوك لدى التلاميذ. وأن تداوم على السؤال عن مستواهم التعليمي وتعثراتهم وإخفاقاتهم.. وأن تكون على علم مسبق بمستوياتهم التعليمية. لا أن تغيب كل الموسم الدراسي، وتبدأ البحث في نهايته عن نتائج غالبا ما تكون سلبية.
فهل تتعقل الأطر التربوية والإدارية بكل المؤسسات التعليمية. وتدرك أن على مجالسها التأديبية أن تحذف من لائحة عقوباتها (عقوبة الطرد). لأنها تعرض رسائلها التربوية النبيلة. وهل ستبادر الوزارة الوصية والحكومة ومعها كل سلطات البلاد إلى وقف نزيف تسريح التلاميذ والطلبة ورميهم بين أحضان الانحراف. لأنها إجراءات لا تمت للتربية والتعليم بصلة ؟؟…
بقلم: بوشعيب حمراوي