قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمس الأربعاء بالرباط، الخلاصات الأولية للجنة الاستطلاع التي أحدثها من أجل التحقيق في “المواجهات غير المسبوقة بمعبر مليلية” التي راح ضحيتها 23 مهاجرا في 24 يونيو الماضي.
الخلاصات الأولى التي عرضتها رئيسة المجلس أمينة بوعياش بمعية عدد من أعضاء اللجنة كشفت عن عدد من التفاصيل المتعلقة بمحاولة مئات المهاجرين اختراق المعبر الحدودي “باريو تشينو” وتسلق السياج الفاصل بين الناظور ومليلية من أجل العبور.
وفي أولى الخلاصات قالت أمينة بوعياش إن اللجنة الاستطلاعية التي أحدثها المجلس والتي تكونت من مختصين وخبراء في الهجرة وحقوق الإنسان بالإضافة إلى طبيب وعدد من المسؤولين في المجلس والمعتمدين في الأمم المتحدة، توقفت في تقريرها على أن هناك تنامي كبير لظاهرة الهجرة نحو الشمال بفعل عدد من المتغيرات، الأمر الذي أضحى يعطي طابع العنف على هذه الحركية.
وأضافت بوعياش أن اللجنة توقفت عند الخسائر البشرية التي تم حصرها في 23 ضحية، بالإضافة إلى عدد من المصابين الذين بلغ عددهم 217، من ضمنهم حالات حرجة ما تزال ترقد بأقسام العناية المركزية والإنعاش بكل من وجدة والناظور.
وعن أسباب الوفاة، كشفت بوعياش أن النتائج الأولية خلصت إلى أنه لم يتم استعمال الرصاص في حق المهاجرين، كم تم معاينة ذلك على جثث الضحايا التي ما تزال تخضع للتشريح الطبي.
في هذا الصدد، قدمت المتحدثة تفاصيل أكبر تتعلق بالحالات 23 التي توفيت، حيث سجلت المهمة الاستطلاعية أن 5 حالات وصلت متوفية، فيما 13 توفوا بالرغم من المجهودات الطبية التي بذلت لإنقاذهم، فيما توفي 5 آخرون في الساعات الأولى لليوم الموالي.
وعن ملابسات الوفاة، كما جاء خلال اللقاء، فإن اللجنة الاستطلاعية أجرت زيارة ومعاينة لمستودع الأموات حيث أجرى الطبيب عضو اللجنة المعاينة الطبية والفحص الظاهري والخارجي لجثث المهاجرينـ وتوقف عند عدم وجود أي آثار لكدمات أو نزيف دموي خارجي، حيث أن الأعراض الخارجية للجثث التي تمت معاينتها، حسب اللجنة، تتطابق طبيا مع حالات وفاة جراء الاختناق التنفسي الميكانيكي.
في هذا الإطار، ذهبت بوعياش للتأكيد على هدم استعمال الرصاص خلال المواجهات، وأن الخلاصات الأولية لمهام اللجنة حددت السبب الحقيقي في إمكانية الوفاة بسبب الاختناق والتدافع الحاصل على السياج ونتيجة تكدس عدد كبير من المهاجرين في الباحة الضيقة للمعبر الذي كانت أبوابه مغلقة بإحكام، ولا يمكن فتحها إلا من الجانب الآخر.
كما نفت بوعياش قيام السلطات بدفن أي جثة للضحايا، كما راج على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ ما تزال جميع الجثث محفوظة بمستودع الأموات ورهن إشارة التشريح الطبي وإجراء تحليل الحمض النووي (ADN) بما يضمن حقوق العائلات
وعن المصابين توقفت رئيسة المجلس وأعضاء المهمة الاستطلاعية عند الإجراءات التي تمت في عين المكان مزامنة مع الأحداث، حيث قالت إن اللجنة تفقدت جميع المصالح الاستشفائية حيث يرقد الجرحى وتمكنت من الاستماع لعدد من الضحايا الذين استقرت وضعيتهم الصحية.
وخلص الاستماع إلى بعض المصابين إلى أن أغلب الإصابات التي وقعت نتيجة التدافع والاختناق ونتيجة محاولة الجميع العبور في نفس اللحظة خوفا من الاعتقال، إلا أن اللجنة أوضحت أنها لم تتمكن فيما يخص المهاجرين المصابين الذين التقت بهم في المستشفى من التأكد التام من مصدر الإصابات بين فرضية السقوط من السياج والازدحام واحتمال الاستعمال غير المتناسب للقوة.
وحصر المجلس الوطني لحقوق الإنسان عدد الإصابات في أحداث مليلية في 217 حالة، منها 140 من عناصر القوات العمومية و77 من المهاجرين، مشيرا إلى جميع الحالات قدمت لها الإسعافات الطبية اللازمة، كما جرى تقديم العلاج والتدخلات الجراحية اللازمة في المستشفى الاقليمي بالناظور والمستشفى الجامعي محمد السادس بوجدة.
إلى ذلك، استحضرت اللجنة الاستطلاعية المكلفة من قبل المجلس فرضية العنف وراء السياج بفعل إحجام وتردد السلطات الأسبانية عن تقديم المساعدة والإسعاف رغم التدافع والازدحام الكبير للمهاجرين في البوابات الحديدية الدوارة بالمعبر التي ظلت مغلقة بإحكام، الأمر الذي أدى، حسب اللجنة، إلى تفاقم الإصابات وارتفاع عدد الوفيات.
من جهة أخرى، وفيما يتعلق بأسباب الأحداث المؤسفة التي عرفها المعبر الحدودي بمليلية، أحاط المجلس الوطني لحقوق الإنسان بكون الأمر يتعلق بارتفاع دينامية الهجرة والحركية نحو الشمال بشكل أكبر خلال السنوات الأخيرة، فضلا عن كون هذه الحركية بدأت تأخذ طابعا عنيفا.
وقالت اللجنة التي أنجزت المهمة الاستطلاعية أن المواجهات شكلت سابقة في تاريخ تدفقات الهجرة على السياج الحديدي الفاصل بين الناظور ومليلية، واتسمت باستعمال العنف الحاد من طرف المهاجرين وبأعداد كبيرة جدا، تقدر بحوالي 2000 شخص،في نفس الآن ومسلحين بالعصي والحجارة والأدوات الحادة.
وشجبت اللجنة، في نفس السياق، احتجاز أفراد من القوات العمومية والمس الخطير بالسلامة الجسدية لأحدهم والاستيلاء على معداتهم، مذكرة بمجموعة من الأحداث التي تتم في الغابات والجبال المجاورة لإقليم الناظور، حيث يضع مئات المهاجرين متاريس ويتحصنون وسط الغابات ويهاجمون بشكل منسق القوات العمومية.
هذا، وكمقترحات أولية، قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان مقترحات أولية، في مقدمتها ضرورة مراجعة الشراكة المغربية – الأوروبية، وتحويلها إلى شراكة حقيقية ومتكافئة، خصوصا في ظل تنامي حركية الهجرة، والتي قال المجلس إن التدبير الأمني وحده لو يوقفها.
وضمن المقترحات، أيضا، شدد المجلس على ضرورة تعميق البحث القضائي ليشمل كل جوانب المواجهات التي وقعت يوم 24 يونيو، داعيا إلى تعزيز هيكلة تدبير حفظ النظام العام بمنطقة السياج وضمان سلامة الأشخاص.
إلى ذلك، أوصى المجلس السلطات المغربية بإطلاق مشاورات جديدة مع الاتحاد الأوروبي من أجل شراكة حقيقية ومتكافئة، في ما يتصل بالمسؤولية والتدبير المشتركين للهجرة لتفعيل مقتضيات الميثاق العالمي حول هجرة آمنة ومنظمة ونظامية.
وبدوره، أوصى المجلس الاتحاد الإفريقي بتفعيل مقتضيات بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر واتفاقية الأمم المتحدة ضد الجريمة المنظمة العابرة للدول بما يضمن حماية المواطنين الأفارقة من عصابات الاتجار بالبشر والجرائم المنظمة وتعزيز قنوات التعاون القاري.
محمد توفيق أمزيان