الصحافة تكذب

تعرت إسبانيا  في الأيام الأخيرة، واكتشف العالم كله أنه حتى في البلدان التي تدعي الديمقراطية، يمكن لوسائل إعلامها أن تكذب، وأن تفبرك الوقائع، وأن تعمد إلى التضليل والافتراء… العديد من  الصحفيين الإسبان يتحركون نحو المغرب، كما لو أنهم عناصر جيش، ويأتون على شكل كثيبة، ولم يعد بينهم لا اختلاف في الخط التحريري، ولا تمايز في زوايا المعالجة، وكأنما يعملون كلهم في منبر واحد، ولهم قائد وحيد يوجه الكل، وهذه أزمة مهنية كبيرة وخطيرة.
بعض زملائنا الإسبان لم يعودوا يكتفون بكل هذا، إنما جاءت أحداث العيون لتكشف للكل عبقرية إيبرية في الكذب والتلفيق وفي صنع الوقائع، وترويجها كما لو أنها حقائق وقعت فعلا على الأرض، ولا أحد عاينها سواهم.
حتى وكالة الأنباء هناك، رددت طيلة أيام أن عشرات الجثث مرمية في شوارع العيون، وعمدت إلى بث صورة لأطفال غزة يعود تاريخها إلى 2006، وتقديمها كصورة لأطفال وقعوا ضحية أحداث العيون، وحتى كبير المفاوضين الفلسطينيين استنكر «هذا الافتراء والكذب العاري عن الصحة الموجه للمس بالمغرب»، وكانت صحف إسبانية مكتوبة وإلكترونية قد نقلت الصورة  ذاتها، وكان الكل، عن سبق إصرار وترصد، يشيع الحقد والكراهية ضد المغرب والمغاربة.
وحيث أن الحمق هو أيضا مزايدة، فإن قناة تلفزيونية جاءت هي الأخرى بصورة لجريمة شنعاء من ضمن جرائم الحق العام، وقدمتها كما لو أنها أيضا جرائم مزعومة وقعت في العيون، ثم هناك مراسل صحيفة بقي يصرخ يمينا وشمالا أن المغاربة معمرين وأن البلد ديكتاتوري، وآخرون يصرحون على أمواج إذاعتهم وبأصواتهم بأنهم يعملون ويتحركون فوق التراب الوطني المغربي بشكل سري، والتحق بقافلة هذا الجنون صحفي آخر يدعي «تخصصه» في الشؤون المغربية، وقام بنشر بلاغ غير موجود على الموقع الإلكتروني لصحيفته، ثم سحبه بعد ساعات من الافتراء…
الصحافة الإسبانية إذن تقدم اليوم الدليل على أن السقوط المهني والأخلاقي يمكن أن يمس أيضا وسائل الإعلام في الدول المتقدمة.
إنها تقدم الدليل أيضا على أنها تتحمل جزءً كبيرا من المسؤولية في إشاعة التمثلات السلبية وسط الشعب الإسباني تجاه المغرب.
وتقدم الدليل على أنها لا تتردد، من منطلقات وطنية شوفينية، في الدوس على أبسط القواعد المهنية المتعارف عليها كونيا.
إنها تقر وتعترف اليوم أنها مريضة في مهنيتها وفي صدقيتها وفي نزاهتها الأخلاقية.
هي إسبانيا الأخرى إذن تطل علينا كلنا من نافذة إعلامها المريض.

*

*

Top