تتباين آراء الخبراء والمراقبين حيال جدية تل أبيب في تنفيذ تهديداتها المتكررة بشن هجوم على المنشآت النووية في إيران. ففي حين يرى البعض أن إسرائيل جادة وتستعد بالفعل لشن هجوم على طهران، ولكن كخيار أخير، يستبعد آخرون ذلك ويربطونه بالموافقة الأميركية.
وعلى الرغم من المواجهات غير التقليدية التي تدور بين إسرائيل وإيران على مدار السنوات الماضية، ربما لا تكون الحرب الشاملة بينهما احتمالاً قائماً في المدى المنظور (خلال العامين القادمين على الأقل)؛ ذلك أن تحول هذه المواجهات غير التقليدية (الحروب بالوكالة، وتهديد السفن التجارية، والهجمات السيبرانية، واغتيال علماء ومسؤولين سياسيين…) إلى حرب شاملة تستخدم فيها الدولتان كل إمكانياتهما العسكرية والإستراتيجية، يظل مرهوناً بحسابات أخرى لا تتعلق بموقف إيران وإسرائيل من بعضهما البعض فقط، بل أيضاً بمواقف العديد من الدول الكبرى منهما الاثنتين، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ويرى المحلل الأكاديمي الأميركي بول بيلار أن خطر اندلاع حرب مفتوحة بين إسرائيل وإيران يتزايد. وأحد المؤشرات الأخيرة التي تنذر بذلك يتمثل في هجوم بطائرة مسيرة على منشأة عسكرية في مدينة أصفهان الإيرانية، وقد نسبه كل المراقبين تقريبا إلى إسرائيل.
صناع القرار في إيران يرون أنه ليس هناك ما سوف يفقدونه سوى القليل إذا حاولوا القيام بشيء غير عادي أو يتسم بالعنف
ويقول بيلار، الذي عمل لمدة 28 عاما في أجهزة المخابرات الأميركية، إن إسرائيل دأبت على القيام بعمليات هجومية مميتة في إيران منذ خمسة أعوام، لكن الخطر المتزايد الحالي لنشوب حرب أوسع نطاقا يتعلق بسياسات الدولتين؛ حيث أصبحت سماتها المتطرفة وغير الديمقراطية واضحة بشكل خاص في الأشهر الأخيرة.
ويضيف بيلار أن هناك نذير خطر ظهر مؤخرا وهو تصاعد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تخلله هجوم إسرائيلي على مخيم للاجئين في جنين بالضفة الغربية، مما أدى إلى مقتل عشرة فلسطينيين، من بينهم جدة تبلغ من العمر 61 عاما. وليس من الغريب أن يؤدي العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين إلى محاولات انتقام فلسطينية، كما حدث في هذه الحالة.
وتتصاعد دوامة العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين بدرجة أكبر. فقد لقي أكثر من 150 فلسطينيا حتفهم خلال العام الماضي، في عمليات عنيفة من جانب القوات الإسرائيلية، مقابل مقتل نحو خمس هذا العدد من الإسرائيليين نتيجة العنف الفلسطيني.
وفي الشهر الماضي قتل الإسرائيليون 35 فلسطينيا في الضفة الغربية المحتلة، مما جعل شهر يناير أكثر شهر يشهد هذ العدد من القتلى منذ أكثر من عشر سنوات.
ويقول بيلار إن الصلة بين العنف الإسرائيلي – الفلسطيني وخطر التصعيد الإسرائيلي – الإيراني ذات شقين: أحدهما هو محاولة إسرائيل الدائمة لصرف اللوم والاهتمام الدولي عن أي شيء له علاقة بإسرائيل من خلال إرجاع كامل عدم الاستقرار في الشرق الأوسط إلى إيران.
ويعد هذا سببا رئيسيا في تأجيج إسرائيل التوتر والمواجهة مع إيران، ورفضها وتقويضها للدبلوماسية التي تهدف إلى الحد من التوترات مع إيران. وبعد أن أدى تزايد سفك دماء الفلسطينيين إلى تنامي الاهتمام الدولي باحتلال الضفة الغربية، سيكون الدافع الإسرائيلي إلى تأجيج المزيد من التوتر مع إيران أقوى هذه المرة.
أما الشق الثاني فيتمثل في أن إسرائيل تستطيع بصورة مشروعة الاستناد إلى الدعم الإيراني لجماعات المقاومة الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي، رغم أنه من الصعب أن يكون هذا الدعم هو الذي يحرك المقاومة.
ويُظهر تولي السلطة من قبل أكثر الحكومات اليمينية تطرفا في تاريخ إسرائيل تأثيرات هذين الشقين؛ فذلك التطرف، إلى جانب الإجراءات المختلفة من جانب حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة مثل تقويض القضاء، أثار لدى بعض أبرز مؤيديها التقليديين، بما في ذلك الولايات المتحدة، تساؤلات متزايدة بشأن اتجاه إسرائيل.
وتسهم الحاجة المتنامية إلى صرف الأنظار الدولية، وخاصة من الولايات المتحدة، عن التطرف وتعزيز التأييد الخارجي، في دفع نتنياهو إلى مواصلة إلقاء اللوم على إيران، واستمرار تعزيز العداء ضد الجمهورية الإسلامية، كما فعل في مؤتمره الصحفي الأخير مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
ومن ناحية أخرى، يرى بيلار أنه ربما تجد طهران أسبابا لتأجيج الصراع الخارجي مع إسرائيل، وبشكل خاص منذ بداية الموجة الحالية من الاحتجاجات الشعبية في إيران، عقب وفاة الفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني في العام الماضي أثناء احتجازها رسميا، والتي أظهرت أن نظام إيران فقد تأييد الكثير من مواطنيه، لكنه لم يفقد الإصرار على استخدام كافة الوسائل الضرورية للبقاء في السلطة. وسقوط هذا النظام غير متوقع، لكن المؤكد توقع المزيد من العنف.
ويرى بيلار أن معظم العنف الذي يتم بصورة رسمية هو أمر داخلي بالنسبة إلى إيران. وحتى الآن، استهدف العنف خارج حدود إيران المعارضين في المنفى، ويمثل ذلك عودة إلى التصرف الذي سلكته إيران خلال سنواتها الأولى. وعلى أي حال، سوف يحاول القادة الإيرانيون الرد على العنف الإسرائيلي ضد إيران، وهو ما كانت تهدف إليه تقريبا كل محاولات طهران لمهاجمة الأهداف الإسرائيلية.
وتم منح القادة الإيرانيين القليل من الحوافز، أو لم يتم منحهم أي حوافز على الإطلاق، للامتناع عن أي تصعيد، في ظل العقوبات والازدراء الذي تعاني منه بلادهم بالفعل.
وفي ظل استمرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في اتباع سياسة “الضغط الأقصى” الفاشلة تجاه إيران، والتي اتبعتها الإدارة السابقة، يرى صناع القرار في إيران -تماما مثلما لا يرى الفلسطينيون اليائسون أي نهاية للاحتلال الإسرائيلي- أنه ليس هناك ما سوف يفقدونه سوى القليل، أو ربما لن يفقدوا شيئا على الإطلاق، إذا حاولوا القيام بشيء غير عادي أو يتسم بالعنف.
ويوضح الموقف الحالي فيما يتعلق بإسرائيل وإيران كيف يمكن أن تنافس الدولتان المتخاصمتان بعضهما البعض، وتصبحان بالفعل أفضل حليفين، وفي نفس الوقت تتحولان معا إلى عدوين للسلام والاستقرار.
ويعتبر خطر جر الولايات المتحدة إلى هذا الوضع الخطير كبيرا للغاية، فقد سمحت واشنطن لنفسها بأن تكون مرتبطة عسكريا بحكومة إسرائيلية سوف يسعدها وجود الولايات المتحدة في الجبهة الأمامية لأي حرب مع إيران.
ويقول الكاتب المتخصص في الشأن الإسرائيلي سعيد زيداني “رغم أن إسرائيل تقول وتصرح دائما بأنها مستعدة للحرب ضد إيران، إلّا أنها تضع ذلك آخر خياراتها (…)، فهي تفضل أن تقوم الولايات المتحدة بذلك نيابة عنها”.
واستبعد أن تنشب الحرب خلال العام الجاري، مضيفا “هذا مرتبط مباشرة بتطور القدرات النووية الإيرانية، وبمدى اقتراب طهران من صنع قنابل نووية، وهذا قد لا يحصل خلال العام المقبل”.
وبحسب زيداني تشير تقارير إعلامية إلى أن طهران لم تتخذ بعد قرار صنع قنبلة نووية، وهذا هو الخط الفاصل بين نشوب الحرب وعدم اندلاعها.