في الوقت الذي أبرزت تطورات قضية وحدتنا الترابية تجدد الحماسة الوطنية وسط شعبنا، والتفاف مختلف الأحزاب حول عدالة القضية، لم تتردد بعض الأطراف داخل البلاد في ترويج كلام سطحي وخطير في نفس الآن يتوخى تبخيس عمل الأحزاب السياسية، وذلك على غرار ما تقوم به منذ مدة. إن كل من يمتلك حبة عقل، لا بد أنه اقتنع بحاجة بلادنا، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، إلى دعم عمل الأحزاب الوطنية الحقيقية على الصعيد الدولي، وذلك من خلال إشراكها في التفكير وفي العمل الديبلوماسي الإقليمي والدولي، خصوصا داخل الأوساط الحزبية والمنتديات السياسية.
إن الأحزاب الديمقراطية المغربية راكمت خبرات طويلة على الصعيد الدولي منذ عقود، وبالنظر إلى مختلف التحولات التي شهدها العالم، فإن هذا البعد الحيوي في عمل هذه الهيئات بات يتطلب خطط عمل متجددة، وأيضا إمكانات ضخمة، ما يقتضي إدراج ذلك ضمن مقاربة شمولية للدولة، خصوصا أن الترافع في مثل هذه الأوساط السياسية المؤثرة يستوجب الاستمرارية وأيضا المصداقية التي استطاعت القوى الوطنية والديمقراطية المغربية مراكمتها طيلة عقود من العمل والتواجد والصراع.
ومن الضروري هنا لفت الانتباه إلى كون القوى المذكورة هي التي بادرت في الفترة الأخيرة عندما تكثفت المواقف العدوانية ضد بلادنا إلى التوجه نحو أحزاب إسبانية وأوروبية إما بزيارات مباشرة أو برسائل مفتوحة، وبالرغم من كون العداء كان محركا محسوما للمواقف، فإن ديناميتنا الحزبية كشفت الحاجة إلى أهمية استعادة الأحزاب الديمقراطية المغربية لفعلها الدولي والإقليمي.
لقد كثف حزب التقدم والاشتراكية مثلا في الفترة الأخيرة نشاطاته الديبلوماسية سواء من خلال استقبال قيادية من الحزب الشيوعي الإسباني، أو من خلال توجيه رسالة مفتوحة لقوى اليسار الإسباني، أو من خلال مشاركة أمينه العام في ندوات ولقاءات بإيطاليا وفرنسا، بالإضافة إلى حضور الحزب مؤخرا في لقاء إفريقي ودولي بباماكو، ومشاركته في مؤتمرات حزبية وسياسية في قبرص وفي تونس، ومؤخرا في باريس ضمن أشغال مؤتمر اليسار الأوروبي، وحاليا في زيارة للصين.، وهي الزيارة التي يشارك فيها أيضا الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال…
إن العلاقات التاريخية التي طورتها هذه الأحزاب عبر العالم، وما تتمتع به من مصداقية وتقدير في أوساط متعددة، يجعل استثمارها وإنعاشها وتجديدها اليوم من صميم الواجب الوطني.
إن قوة المغرب تجسدت دائما في إجماعه الوطني حول وحدته الترابية وسيادته، وهي القوة التي تزداد اليوم وتتضاعف بإصرار البلاد على تعزيز بنائها الديمقراطي، وإنجاح مشروعها المجتمعي التنموي، ولكسب كل هذه الرهانات لا بد اليوم من الإصرار أيضا على تعزيز التعددية الحزبية، وتمتين الحياة الديمقراطية، ودعم وتقوية عمل الأحزاب الجادة، وليس تبخيسه أو محاربته.
الأحزاب الحقيقية وذات المصداقية هي التي تحمي مصداقية البلاد، وهي التي تدافع عن القضايا الوطنية وتواجه كل الخصوم.