السير على طريق الإصلاح

أبرزت مناقشات المنتدى الدولي حول الانتقال الديمقراطي والمسارات الدستورية في العالم العربي الذي أقيم في الرباط بمبادرة من النادي الديبلوماسي المغربي، أن ما تشهده اليوم الدول العربية يعتبر بداية لبلورة خارطة جيو إستراتيجية جديدة في المنطقة، كما أن هذه التحولات لم تأت فجأة، إنما هي تراكم لمسار دام عقودا، وتميز بالعديد من النضالات والتضحيات والتراكمات.
في السياق نفسه، نبه عدد من السياسيين والأكاديميين المشاركين في المنتدى المذكور إلى أن ما سمي بالنظام العالمي الجديد لم ينجح في إرساء الديمقراطية في العديد من البلدان العربية، ومن ثم فإن انتفاضات وثورات الشعوب العربية جاءت كما لو أنها انتقام من هذا النظام العالمي نفسه، أو للرد عليه.
وبعد أن استعرض المنتدى عددا من تجارب الانتقال الديمقراطي في مناطق مختلفة من العالم، سجل المشاركون أن لكل بلد خصوصيته وطريقته الخاصة لتحقيق هذا الانتقال، وبالتالي فليس هناك نموذج وحيد في هذا المجال يصلح لكل الشعوب ولكل زمن ومكان، بل إنه من الضروري استحضار الجوانب الذاتية للشعوب ودينامياتها النضالية الداخلية، وخصوصيات واقعها السوسيولوجي والثقافي والسياسي، لكن في نفس الوقت أجمع المشاركون على أن الحراكات الشعبية العربية تجري اليوم في سياق عالمي يتميز بقوة وسائل الاتصال وبالانفتاح الإعلامي والاقتصادي والسياسي، وأيضا باتجاه عام محفز على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون وقيم المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية، وهذا ما يجعل التحولات العربية الحالية ملزمة بالاندراج ضمن منظومة هذه القيم الكونية للديمقراطية وحقوق الإنسان والانفتاح.
وقد دفعت هذه القناعة المشتركة وزير الخارجية المغربي إلى القول، في افتتاح المنتدى، بأن المجتمعات العربية تظل في أمس الحاجة إلى ركيزتين متلازمتين ومتكاملتين تتمثلان في البناء الديمقراطي وتأمين شروط المواطنة الحقيقية من جهة، والانفتاح الاقتصادي والتنمية البشرية من جهة أخرى، وهذا يعني أنه لا تنمية اقتصادية واجتماعية دون انفتاح ديمقراطي وسياسي.
إن التذكير اليوم بهذه البدهية التي طالما شددت عليها القوى الديمقراطية والتقدمية في المغرب طيلة عقود، وانخرط فيها اليوم أيضا وزير الخارجية المغربي، وأكدت صحتها التحولات الجارية في الدول العربية (تونس وليبيا مثلا)، وكذلك ما يجري في الكويت والبحرين والجزائر من مظاهرات احتجاجية ومن جدل سياسي وإعلامي وشعبي حول ضرورة الإصلاح، كل هذا يبين أن المغرب مطالب بالإصرار على السير في مسلسل الإصلاح السياسي إلى نهايته، وأن أي تراجع أو انحراف سيدفع بالبلاد نحو المجهول.
كل ما يجري يوميا في محيطنا المغاربي والعربي يزيد من مسؤوليتنا جميعا تجاه بلدنا ومستقبله، ويحثنا على ضرورة المضي في المسار الإصلاحي والتحديثي إلى مداه.

Top